السعودية تشهد حراكاً واضحاً..، والمتابع للوضع السعودي يلاحظ ان
هناك من يعمل لإثارة الخلاف وتعميق الاختلاف والتفرقة، من خلال الفتن
والنعرات القبلية والمناطقية، إضافة إلى الطائفية، بين المواطنين، من
قبل العديد من الجهات والأطراف؛ وهي سياسة دائمة، وبضاعة متوافرة، تجد
مستهلكين لها في ظل وجود فئة تعتقد وتؤمن بكل ما يقال ويصدر من بعض
الجهات والمؤسسات، على أساس ان قراراتها رشيدة.
ولكن.. هل من الرشد والحكمة أن تقوم بعض الشخصيات والمؤسسات ـ ومنها
الحكومية ـ بالتشكيك بوطنية وولاء المواطنين وتخوينهم ووصفهم بأوصاف
غير لائقة بل جارحة ومهينة؟ مما يساهم في تفريق المجتمع، من خلال وصف
كل من يطالب بالحقوق الوطنية، أو يعبر عن رأيه، أو ينتقد الفساد على
الانترنت، أو يحتج، أو يتظاهر بشكل سلمي..، بأنه عميل وخائن، ومن الفئة
الضالة، ومن المفسدين في الأرض، أو هو مجوسي وصفوي أو إخواني؛ وبالتالي
العمل على اعتقال وسجن المتظاهرين والمحتجين، وتشويه سمعتهم عبر نشر
صورهم كمجرمين مفسدين مطلوبين..، وصولاً إلى التعامل معهم بأسلوب أمني
وعسكري!؟.
إن الواقع الفعلي والحقيقي يؤكد أن سياسة التعاطي والتعامل مع قضايا
اختلاف الرأي والاحتجاجات السلمية والمطالبات الحقوقية... بطريقة أمنية
وبإصدار الأحكام القضائية الغريبة والمريبة، ضد النشطاء الإصلاحيين..
لا يحل الأزمات والمشاكل، بل على العكس يوسّع رقعة الاحتجاجات، ويزيد
من حالة الاحتقان والتحدي وثورة الغضب.!
كما أن وصف المواطن المدوِّن الالكتروني، والمتظاهر، والمحتج، ومن
يطالب بالحقوق..، بالمجرم والخائن والعميل، ونسبه إلى تنظيمات وحركات
خارجية وإرهابية.. لأمر مستغرب ومستهجن، ممّا يدل على عدم تفهّم تلك
الجهات ما يحدث في المنطقة من تغيرات واسعة، وبأن الشعوب أصبحت أكثر
وعياً لحقوقها ورفضاً للفساد والترهيب بالسجن؟!.
وبلا شك، فإن ما تقوم به بعض هذه المؤسسات والهيئات، من أعمال، إنما
هو يخلو من الحكمة والرشاد والمسؤولية، كقيام الإعلام المحلي بوصف
منطقة القصيم بالعمالة والخيانة والفاسدة والقذرة .. مطالباً بتطهيرها،
لمجرد قيام أكثر من مئة من المواطنين – رجال ونساء وأطفال - باعتصام
سلمي للمطالبة بالحقوق الوطنية بالإفراج عن معتقلين في السجون بلا
محاكمة!.
وكذلك السماح بإقامة فعاليات - في مباني الدولة - تثير الفتنة بين
المواطنين وتكفّر فئة منهم، ويقوم الإعلام ـ وكالة الأنباء السعودية
الرسمية ـ بالتطبيل لها عبر نشر خبر حول ندوة تفوح منها رائحة الفتنة
القذرة، على صفحاتها كأهم الأخبار في داخل الوطن، ليتم نقله إلى وسائل
الإعلام العالمية !؟.
(الخبر نشرته وكالة الأنباء السعودية يوم الأربعاء، 10 ربيع الآخر
1434 هـ الموافق 20 فبراير 2013 م وهو: "ينظم مركز الدعوة والإرشاد
بمنطقة تبوك درساً تحت عنوان " الرافضة عقيدة وهدف في الوقت الحاضر")؛
وكذلك، أن تسمح جريدة حكومية بنشر مقال عنوانه (الفُرس واختطاف
التشيّع) بتاريخ 11/3/2013م، بلغة شحن طائفي بامتياز، تعتمد على
معلومات مغلوطة مشوهة – افتراء – لا هدف منه إلاّ الإساءة وإثارة
الفوضى!.
بالاضافة الى عدم تجريم ومحاسبة من يثير النعرات الطائفية البغيضة
والكراهية من خلال الوسائل الاعلامية الرسمية!.
إن الإسلام الحنيف الذي تربينا عليه، والذي نفهمه في جوهره وحقيقته
علّمنا أن نرفض جميع أشكال إثارة الكراهية والطائفية البغيضة والعنف
والفوضى من أي جهة كانت.. بل على العكس، نحن نؤمن بالعدالة والحرية
والتعددية والتسامح والسلام.
ويبقى سؤالنا: من يقف وراء هذه الأعمال غير المسؤولة في الوطن؟ وهل
الجهات المسؤولة تعلم بها أم لا؟ فإذا هي تدري فتلك مصيبة، واذا هي لا
تدري فالمصيبة اعظم، كما يقول المثل.
ولكن، وللأسف الشديد، داء الفساد والكراهية والتشكيك والتخوين
والتفرقة... ينخر في جسد الوطن من خلال جهات وأطراف ومؤسسات حكومية،
مما يهدد الوطن والمواطنين.
وختاماً، لا بُدّ من التحية إلى كافة المواطنين المخلصين الشرفاء
الذين يحاربون الفساد والكراهية والتفرقة والطائفية والفتن ..، والذين
يسعون لخدمة وإنقاذ الوطن والمواطنين. |