شبكة النبأ: في سجن إسرائيلي مترامي
الاطراف حضر الناشط الفلسطيني حسن كراجة جلسة محكمة سريعة بلغة لا
يفهمها وفي ظل سلطة احتلال عسكري يرفضه هو وشعبه، ولم يهتم المترجم في
قاعة المحكمة كثيرا بنقل كلمات القاضي العسكري وقضى الأسير الطويل
الملتحي معظم الوقت يهمس لعائلته ويرسل القبلات في الهواء لخطيبته
الشابة، خارج أسوار سجن عوفر وفي شتى أنحاء الضفة الغربية اشتبكت قوات
إسرائيلية في الأسابيع القليلة الماضية مع محتجين فلسطينيين ضاقوا ذرعا
بسياسات الاحتجاز الإسرائيلية التي ترمز إلى ما يرونه سيطرة إسرائيلية
جائرة على حياتهم، وأثار العنف مخاوف في إسرائيل من أن يكبر ككرة ثلج
ويتصاعد إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة إذا توفي أحد أسيرين مضربين عن
الطعام منذ شهور مما يقضي على أي أمل في إحياء عملية السلام التي تعاني
من جمود منذ فترة طويلة.
ويحتجز نحو 4800 فلسطيني في السجون الإسرائيلية ويعتبرهم
الفلسطينيون أسرى سياسيين أو مقاتلين من أجل الحرية. وتقول إسرائيل إن
معظمهم إرهابيون أياديهم ملطخة بالدماء واعترف بعضهم بقتل إسرائيليين
بشكل جماعي. بحسب رويترز.
لكن الاعتقالات حصدت 15 عضوا في البرلمان ولاعب كرة قدم ورسام
كاريكاتير والمئات من الشبان الذين يلقون الحجارة وعددا ممن تسميهم
منظمة العفو الدولية مدافعين عن حقوق الإنسان وسجناء رأي، ولم توجه
اتهامات بعد لكراجة وهو عضو في حركة "أوقفوا الجدار" الحقوقية المناهضة
للجدار العازل الذي بنته إسرائيل في الضفة الغربية المحتلة.
وقالت سندس محسيري خطيبة كراجة والطالبة في جامعة محلية إن الاهل
يشعرون بالحيرة لأن الحركة التي ينتمي إليها كراجة لا تنظم اي احتجاجات
وتقوم فحسب بنشاطات حقوقية. وذكرت أن الأمر برمته يفتقر إلى المنطق،
وألقي القبض على كراجة في منزله ليلا يوم 22 يناير كانون الثاني وقضى
أول خمسة أسابيع في حبس انفرادي ويشتكي من منع الدواء عنه لعلاجه من
إصابة في الساق، وتسمح القوانين العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية
المحتلة باحتجاز الفلسطينيين لمدة تصل إلى 90 يوما بدون اتهامات. وفي
الحالات التي يرى ممثلو الادعاء انها حساسة على وجه خاص يمكن أن يكون
الاحتجاز الى أجل غير مسمى.
وانتهت الجلسة الاجرائية بإعادة كراجة إلى المحققين وإبعاده مجددا
عن محبيه في مشهد يزيد من حنق الفلسطينيين يوما بعد يوم.
وخرجت احتجاجات ضخمة في الضفة الغربية بعد وفاة فلسطيني يبلغ من
العمر 30 عاما بعد التحقيق معه لمدة أسبوع وكان يبدو الشهر الماضي في
صحة جيدة، وقال زعماء فلسطينيون إن الشاب تعرض للتعذيب حتى الموت.
وتنفي إسرائيل هذا وتقول إن كسورا في الضلوع وكدمات ظهرت خلال تشريح
الجثة هى على الأرجح ناجمة عن محاولات إنعاشه. لكن إسرائيل قالت إن
هناك حاجة لاجراء المزيد من الفحوص لتحديد كيفية وفاة الشاب الذي كان
أبا لطفلين.
وحكمت إسرائيل على الأسيرين الفلسطينيين سامر العيساوي وأيمن
الشراونة اللذين دخلا في إضراب عن الطعام وتسببا في حالة التوتر
الأخيرة بالسجن لعقود بعد إدانتهما بمهاجمة مدنيين إسرائيليين لصالح
جماعة مسلحة.
وأطلق سراح الاثنين في إطار تبادل للسجناء عام 2011 لكنهما اعتقلا
من جديد العام الماضي وأبلغا بأنهما سيقضيان فترة العقوبة بالكامل
بتهمة التهرب من القضاء والضلوع في "نشاطات إرهابية" لم تحدد، وعقد
الأسيران الفلسطينيان العزم على أن يخرجا من هذه المتاهة القضائية إما
بالافراج عنهما أو في الكفن.
ويمكن لاضطرابات وقعت تضامنا مع قضيتهما قبل أسابيع من زيارة الرئيس
الأمريكي باراك أوباما للقدس ورام الله أن تضغط على إسرائيل لابرام
اتفاق للافراج عن الأسيرين دون أن يمس ذلك سياسات الاحتجاز، ولا تثير
قضايا أخرى مثل هذا التعاطف والغضب كقضية الأسرى التي توحد الساحة
السياسية الفلسطينية المنقسمة.
وهتف ناشط في مكبر للصوت أثناء احتجاج بمدينة رام الله بالضفة
الغربية الأسبوع الماضي مشيرا الى الفصائل الرئيسية المنقسمة قائلا "لا
توجد حماس ولا الجهاد الإسلامي ولا فتح عندما يتعلق الأمر بأبناء الشعب
الفلسطيني .. أسرانا الأبطال."
وتقدر السلطات المحلية أن نحو 800 ألف فلسطيني احتجزوا بموجب أوامر
عسكرية إسرائيلية منذ حرب عام 1967 عندما استولت إسرائيل على الضفة
الغربية والقدس الشرقية وغزة. ويمثل هذا الرقم نحو 40 في المئة من
تعداد الذكور وتضررت عائلات كثيرة بشكل مباشر من هذا الأمر، وتقول
منظمة التحرير الفلسطينية إن نسبة إدانة من يواجهون اتهامات أمام
المحاكم العسكرية تصل إلى 99 في المئة.
وقال جواد بولس وهو محام للأسرى الفلسطيين إن المحاكم الإسرائيلية
بكل أشكال عملها وجدت لتسهل سياسات الاحتلال، لكن الاعتقالات ساعدت على
شل حركة الجماعات الفلسطينية المسلحة التي شنت هجمات على المدنيين
الاسرائيليين بما في ذلك أثناء الانتفاضة الثانية بين عامي 2000 و2005،
وتقول إسرائيل إنها لاحظت "زيادة ملحوظة في محاولات شن هجمات إرهابية
ضد القوات الإسرائيلية أو المدنيين" وصعدت من الاعتقالات بعد حرب دامية
قصيرة في قطاع غزة في نهاية نوفمبر تشرين الثاني.
وقال الجيش الإسرائيلي لرويترز "حدثت هذه الاعتقالات بعد معلومات
مخابراتية عن وجود نشاط إرهابي"، ويحرص الزعماء الفلسطينيون على السعي
للإفراج عن الأسرى لتحقيق شعبية وتحسين صورتهم في أعين الشعب الفلسطيني
مما يجعل قضية الأسرى ورقة تفاوض مفيدة في يد إسرائيل، ونجحت حركة
المقاومة الاسلامية (حماس) في الافراج عن 1027 أسيرا مقابل الإفراج عن
الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الذي خطف في عام 2006 واحتجز في غزة
لمدة خمس سنوات، وكان هذا هو أكبر تبادل للأسرى تنفذه إسرائيل واعتبر
على نطاق واسع انتصارا للقضية الفلسطينية، وأعلن الرئيس الفلسطيني
محمود عباس الذي يأمل في استعادة زمام المبادرة من منافسيه في حماس أنه
لن يعود إلى طاولة المفاوضات الا إذا أفرجت اسرائيل عن المزيد من
الأسرى خاصة المسجونين من قبل اتفاقات أوسلو عام 1993 والتي منحت
الفلسطينيين حكما ذاتيا محدودا.
ولمح مارك ريجيف المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية إلى إمكانية
الافراج عن المزيد من المحتجزين الفلسطينيين في المستقبل في إطار "إجراء
لبناء الثقة" لكنه لم يقدم ضمانات بشأن الأسرى المسجونين لفترات طويلة
بتهمة العنف، وقال "إنها قضية صعبة لأن المسجونين قبل أوسلو حكم عليهم
لفترات طويلة لارتكابهم جرائم رهيبة"، وإلى جانب مصير 108 سجناء
محتجزين من قبل أوسلو فإن استخدام إسرائيل "للاعتقال الإداري" ما زال
هو الشرارة التي توقد نيران الغضب الشعبي.
وهناك الكثير من المحتجزين الفلسطينيين الذين يشتبه بأنهم نشطون
اعتقلوا بموجب هذا الإجراء الذي يعود إلى أيام الاستعمار البريطاني
لفلسطين ويستند إلى أدلة سرية تقدم في محاكم عسكرية مغلقة، وقادت
مجموعة صغيرة من المحتجزين بموجب الاعتقال الإداري اضرابا جماعيا عن
الطعام وأمكن نزع فتيل الإضراب في مايو أيار بوساطة مصرية ووافق
السجناء على وقف إضرابهم إذا ما حدت إسرائيل من الاعتقال الإداري.
ومنذ ذلك الحين تراجع عدد الفلسطينيين المحتجزين دون توجيه اتهامات
من 308 إلى 178، وتقول إسرائيل إن القانون الدولي يجيز الاعتقال
الاداري بصفته إجراء احترازيا ضد العنف وحماية المصادر في ظل عدم وجود
اتفاق سلام مع الفلسطينيين.
وقال ريجيف "نتعامل مع منظمات إرهابية متشددة لا تشعر بأي وخز
للضمير عند معاقبة من يدلون بشهاداتهم في محكمة علنية فورا وبعنف"، ولم
يسفر الاتفاق الذي أبرم في مايو عن هدوء تام في السجون حيث لا يزال
الإضراب عن الطعام يحدث بشكل متقطع، وظل المحتجون طوال شهر يقومون
باعتصام أسبوعي خارج مقر الصليب الأحمر في رام الله تضامنا مع المضربين
عن الطعام.
وشارك ضمن العشرات في مسيرة احتجاج ثائر حلاحلة الذي انتزع حريته من
الاعتقال الإداري العام الماضي بعدما دخل في إضراب عن الطعام استمر
لمدة 68 يوما.
وعلى الرغم من خضوعه لعمليتين جراحيتين قال حلالحلة إن الإضراب عن
الطعام كان سلاحا قويا ضد النظام الجائر، وأضاف أن الإضراب عن الطعام
أصعب قرار يمكن اتخاذه وأنه اتخذه رغم الألم والتهديدات وضغوط الحراس.
وقال إنه شعر بأنه سيموت في أي لحظة، وأبرمت إسرائيل اتفاقا للافراج
قريبا عن اثنين من المحتجزين بموجب الاعتقال الإداري أضربا عن الطعام
وبذلك يبقى العيساوي والشراونة فقط على قائمة المضربين عن الطعام منذ
فترة طويلة.
وفي قرية العيساوية مسقط رأس العيساوي دخل أقاربه في اشتباكات
بالحجارة مع شرطة مكافحة الشغب الإسرائيلية في أوقات كثيرة منذ إضرابه
عن الطعام. وأزالت قوات إسرائيلية خيمة نصبت لاضاءة الشموع من أجل
العيساوي 33 مرة، وقالت شيرين شقيقة العيساوي وهي محامية قضت عاما في
سجن إسرائيلي إنه بغض النظر عن عدد المحاكم التي يمثل أمامها فإنها
تعلم أن احتجازه سياسي وأن الناس سيظلون يكافحون ضد اعتقاله، ولا ينتظر
الفلسطينيون حلا دبلوماسيا زائفا ليعيشوا حياة طبيعية.
وعرض مركز فلسطيني للتخصيب تلقيحا مجانيا لزوجات الأسرى المحتجزين
منذ فترات طويلة حيث يتم تهريب الحيوانات المنوية للأسرى من السجون
الإسرائيلية. وأدت هذه الحملة إلى حالة ولادة وست حالات حمل، وتحكي أم
علي التي كانت من المحتجين أمام الصليب الأحمر كيف حملت زوجة ابنها
الأسير الذي يقضي 15 عاما في السجن بهذه الطريقة، وتقول أم علي "السجن
لن يمنع رجالنا من الحفاظ على اسم العائلة. يجب أن يدرك العالم أن قضية
الأسرى هي قضية فلسطين. وإذا لم تحل فلن يحل أي شيء آخر." |