اللغة الناعمة وقوّة المعنى

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: للكلمات معناها واسلوبها، الأول يشكل عمقها، والثاني يعطيها مظهرها السطحي المباشر أو شكلها، والكلمات نوعان، مسموع ومكتوب او مقروء، ما يعنينا هنا بالدرجة الاساس لغة المثقف، لاسيما المكتوبة منها، وطبيعة هذه اللغة، هل هي ناعمة وذات معاني عميقة ومؤثرة، أم أنها لغة صارخة صاخبة مع معاني ضعيفة وغير مؤثرة؟.

يوجد مثقفون تتسم كتاباتهم بالاسلوب التهجمي، مع معاني غالبا ما تكون مفتعلة مقحمة لا تقنع من يقرأها أو يسمعها، مثل هؤلاء المثقفين لا تأثير لهم على الآخرين، وهم غالبا ما يرتبطون بمنابع مادية تسخرهم لتحقيق هذا الهدف الاعلامي المنفعي او ذاك، لذلك فإن هذا النوع من المثقفين معروف للجميع، في المقابل هنا نوع من المثقفين يمتلك لغة ناعمة هادئة ومهذبة، ويكمن تميّزها في هذا الهدوء، وهي في الوقت نفسه تنطوي على دلالات قوية ومعان عميقة ومؤثرة في القارئ او المتلقي.

بل هناك ميزة يتسم بها المثقفون والخطباء الهادئون، ونعني بهم غير الانفعاليين، هذه الميزة تتمثل بنعومة اللغة، والابتعاد عن الخطابات النارية، والابتعاد عن الانفعال كليا، لهذا يشكل هذا الاسلوب الناعم ميزة اساسية، لمثل هذا النوع من المثقفين والخطباء وغيرهم من المصلحين والمفكرين، وهم في الغالب اكثر تأثيرا من غيرهم بالمتلقي، كونهم يعتمدون سمة الاقناع في مضامينهم، ولا يحاولون التعويل على جعجعة الكلام، كما يفعل مثقفون آخرون، لأن قوة الكلمات لا تكمن في صخبها وناريتها وحدّتها، بل في عمق معانيها وقوة تأثيرها.

إن المعارك التي تتم بلغة صاخبة تعتمد التشهير والتسقيط، غالبا ما تكون مفضوحة، ومعروفة الاهداف مسبقا، فضلا عن انها تجعل المتلقي في حالة من السخط عليها، إذ يفضل معظم الناس الهدوء والتعقّل والحكمة ونعومة التوصيل في الاحوال كافة، في المقابل يكره الناس الصخب والافتعال، والمشكلة أن كثيرا من المفكرين والمثقفين والخطباء وغيرهم، يقعون في وهم (جعجعة الكلام)، فيظنون أنهم بالاسلوب الصاخب يحققون اهدافهم، في حين يحقق الاسلوب الناعم تأثيرا أكبر وأسرع على الاخرين.

من هنا تبدو الحاجة للمثقف الهادئ المتريّث أكثر بكثير، من الحاجة للمثقف الذي لا يستسيغ الاسلوب الناعم المقرون بقوة المعنى، بمعنى اوضح نحن لا نريد لغة نارية مع ضعف فادح في المضمون، وهو ضعف يقود في نهاية الامر الى ضعف في التوصيل والتأثير على الآخر، وهنا يكمن الفشل الكبير للمثقف او المفكر او الخطيب، فما فائدة ان تكون لغتك صاخبة ذات جعجعة عالية، لكنها في الوقت نفسه فارغة من المعنى، وعاجزة عن التأثير في المتلقي؟، لذا لابد أن يفهم اصحاب الكلمات الجارحة والاساليب الحادة أنهم ازاء مهمة فاشلة، والسبب في الفشل هو عدم معقولية الهدف اساسا، لأن كل ما يقوم على التجريح والتشهير والتسقيط (ساقط وفاشل)، مهما كانت المبررات (باستثناء الدفاع عن النفس بالأدلة والأسانيد)، باسلوب يليق بالمثقف ورسالته، لأن المثقف في جميع الاحوال هو صاحب رسالة.

والمثقف غير معني بالصراعات (أيا كان نوعها أو أسبابها أو مصدرها)، بقدر انشغاله بالتنوير والتوضيح والحيادية العقلانية، وهذه الهدف السامي والكبير لا يمكن أن تحققه لغة صاخبة متغطرسة، بل لابد من لغة ناعمة ذات معنى قوي تعتمد معايير المقبولية والمنطق، وهذا بالضبط المسار الذي يقتفيه المثقفون الهادئون الواثقون من أنفسهم وأفكارهم وأساليبهم، فضلا عن وثوقهم المسبق بصحة ما يهدفون إليه.

أما المثقف الذي يثير الصخب ويعتمد التهجم والانفعال المصطنع او اللامبرر، فهو غير قادر على تحقيق اهدافه بصورة دائمة، لسبب بسيط انه سيكون محل استهجان ونبذ الآخرين، الذين يتوقع انهم يقبلون افكاره ولغته، لكنهم في الحقيقة يرفضونه تماشيا مع سجية الانسان التي تفضل النعومة على الخشونة، وتستسيغ الذوق والتهذيب وتفضله على اللغة الحادّة الفارغة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 19/آذار/2013 - 7/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م