ثائرة الحق في كل زمان زينب عليها السلام

خضير العواد

ولدت السيدة زينب (ع) في عام 5 هجري وقد سماها بهذا الاسم المولى عزه قدره، وعاشت هذه السيدة الجليلة بين أفضل الخلق ولولاهم لما خلق ألله الأفلاك ولم تكن ارضٌ ولا سماء هم محمد (ص) وأهل بيته المصطفين الأبرار.

 وقد اخذت هذه الجليلة (ع) من سمو الاخلاق بما يعجز عن تبيانه البيان لأن الذي يكتب لايعرف مستوى أخلاقهم الحقيقية لأنهم فوق مستوى الكائنات لهذا أتى المدح من الكمال المطلق الذي خلق كل شيء إذ قال (وإنك لعلى خلق عظيم)، ولولا شجاعة ابيها علي أبن أبي طالب (ع) وعطاء جدتها خديجة الكبرى (ع) لم يكن هناك إسلام إذ قال رسول الله (ص)(لولا سيف علي وأموال خديجة لما قام الإسلام) فمن هذا البحر الزاخر اخذت وتروّت حتى أصبحت أكمل نساء الإسلام قاطبةً لولا أمها فاطمة عليها السلام.

 عندما توفى جدها رسول الله (ص) كان عمرها خمس سنوات وبعض الأشهر إذ خرجت مع أمها فاطمة (ع) تدافع عن الإسلام المحمدي بعد أن أنحرف مساره عن الخط الحقيقي، ونقلت للعالم أروع وأبلغ خطبة عرفها التاريخ، إذ تضمنت هذه الخطبة أوضح صورة للإسلام كدين والمجتمع الإسلامي في ذلك الزمان، وقد حاولت سيدة النساء (ع) من خلال خطبتها أن تعيد الأمة الى الطريق الصحيح بعد أن انحرفت، واظهرت فيها ظلامة زوجها علي بن أبي طالب (ع) بابعاده عن الخلافة وظلامتها بعد أن أُغتصب أرثها.

وقد بينت واقع الأمة الأسلامية بعد وفاة الرسول (ص) لأنها الملاك أو المقياس الذي تقاس به المواقف إذ قال رسول الله (ص) (فاطمة بضعةٌ مني من أذاها فقد أذاني ومن أذاني فقد أذى ألله) (يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها)أي من خلال مواقف سيدة النساء (ع) نعلم من الذي يقتدى به ومن لا يقتدى به، إذ يقول الله سبحانه وتعالى (يا أيها الذين أمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الأخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور). فقد كانت السيدة زينب (ع) مصداق الشاهد الأمين الذي نقل لنا هذه الصورة المهمة من التاريخ الإسلامي، لأن لولا هذه الخطبة لأصبحت الصورة عن تلك الفترة من الزمان مشوشة وأكثر ضبابية.

وبعد مأساة أمها وما جرى عليها من مصائب فانها عاشت مع أبوها علي (ع) وهو اغتصبت الخلافة منه أي عاشت معه في مظلوميته وكذلك في عدالته عندما حكم ومصيبته عندما سقط صريعاً في محراب صلاته (ع).

 ومن ثم عاشت مع أخيها الحسن (ع) وعانت معه إنهزام الأمة وانحرافها بشكل واضح الى الخط الأموي وذاقت المرارة وهي تشاهد أخيها الحسن (ع) وهو يقذف أحشاءه من شدة السم التي سقته له جعدة بنت الأشعث بن قيس الذي كان لأمير المؤمنين (ع) كما كان ابن سلول لرسول الله (ص) من شدة النفاق.

 ومن بعد الأمام الحسن (ع) عاشت مع أخيها الحسين (ع) وهي تلاحظ أخيها سيد شباب الجنة (ع) كيف يعاني وهو يشاهد أمة جده (ص) تعيش الظلم الحقيقي وهو الانحراف الكامل عن جادة الحق ولكن شروط المعاهدة التي كانت بين أخيه الحسن (ع) ومعاوية من الأسباب المهمة التي لم تدفع الامام الحسين (ع) الى التحرك ضد الحكم الأموي البغيض، ولكن في عام 60 هجري وعند وفاة معاوية بن أبي سفيان وإعطاء الخلافة الى الفاسق يزيد عندها صرخ الحق من مثلي لا يبايع مثله فبعد هذه الصرخة المدوية بدأ توقيت جديد للتاريخ الإسلامي وهو تصحيح المسار كما قال محمد إقبال (الإسلام محمدي النشوء وحسيني البقاء)، وقاد هذا التغير الحسين بن علي (ع) وأخته عقيلة بني هاشم (ع) التي كانت تقوم بمقام وزير الأعلام في هذا الزمان، لأن إظهار كل حدث يحتاج الى ألإعلام وكلما كان الإعلام قوياً كلما كان إظهاره أوسع عندها نصل الى النتائج المرجوة منه، فكان من الأسباب المهمة التي جعلت الحسين (ع) يصطحب أخته زينب(ع) الى كربلاء هو نقل الحدث الى العالم بالاضافة الى إظهار حقيقة بني أمية الى الأمة.

 فقامت بمهمتها على أكمل وجه وهي التي فقدت ما فقدت في هذه الواقعة الأليمة فكان في مقدمتهم رفيق دربها وإمامها وسيدها الحسين (ع) ولم تنطق إلا بما يرض الله سبحانه وتعالى (اللهم تقبل منا هذا القربان) فأي إيمان هذا وأي يقين وصلت اليه هذه السيدة الجليلة فكيف لا وهي التي قال فيها الامام زين العابدين (ع) (ياعمة إنك عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة)، فبعد إستشهاد أبا عبد الله (ع) بدأ الدور الحقيقي لعقيلة الطالبيين (ع) كأنها ولدت لمثل هذه الأيام فهي التي مثلت الإمامة بكل معانيها لإنها كانت تخاف على إمامها من الأعداء بالإضافة لمرضه، وهي التي لا تتحرك ولو لخطوة إلا أن تأخذ من الامام زين العابدين (ع) الحكم في هذه الخطوة.

 وقد أنقذت الإمامة من القتل في ثلاث مواقع، الأول: عندما هجم جيش عمر بن سعد على المخيم وشاهد الشمر اللعين الامام زين العابدين (ع) وعرف شخصيته ومكانته من الحسين (ع) عندها هجم عليه ليقتله لكن دفاع السيدة زينب (ع) المستميت هو الذي أبعد هذا اللعين عن قتل الإمام (ع) والثاني: في الكوفة عندما عرف عبيد الله بن زياد الامام علي بن الحسين (ع) وبعد موقف الإمام(ع) الشجاع أمامه هَم بن زياد لقتله ولكن وجود زينب (ع) ودفاعها عنه حال دون قتل الامام (ع)،والثالث: عندما وصلت السبايا الى دمشق ودخلوا على يزيد، سأل يزيد عن الامام زين العابدين (ع) فأخبروه عن شخصيته فأرادَ قتله ولكن القت زينب (ع) بنفسها عليه وطلبت أن يقتلها قبل قتله عندها تراجع يزيد عن قراره بعد أن شاهد الجديّة من قبل السيدة الجليلة (ع) على التضحية.

 وكانت سلام الله عليها لسان الحق الناطق الذي يدوّي بمظلومية أهل البيت (ع) وإجرام بني أمية في ذلك الزمان فلم تكترث لسطوة الحكام، بل خطبة في الكوفة وكشفت ظلم بن زياد ويزيد بن معاوية وكل أصحاب الجور وأرعبت الأمة بالمستقبل الأسود الذي ينتظرها إذا لم تنتفض على الجور فبقيت كلماتها تدوي عبر العصور حتى وصلت ألينا وأصبحت شعار لكل الثورات في العالم، وهزت عرش يزيد في قصره وبين جلاوزته وفضحته وقد انهزم أمامها أشر هزيمة وهو لا يقدر أن يرد على كلماتها النورانية الحقة وهي القائلة (فكد كيدك وأسع سعيك وناصب جهدك فو الله لاتمحوا ذكرنا ولا تميت وحينا) بل أراد يزيد فقط أن يبعدهم عن عاصمته حتى لا تثور عليه الناس.

 فقد كانت بحق مكملة لرسالة أخيها الحسين (ع) وأوصلت الى العالم بأسره ما كان يريد إيصاله أبا عبد ألله (ع) لهم، فمقولة كل ما لدينا من عاشوراء أي الإسلام المحمدي الصحيح تم الحفاظ عليه بعاشوراء ومأساتها، ووصلت إلينا عاشوراء عن طريق عقيلة بني هاشم (ع) أي لولا زينب (ع) لم يصل إلينا الإسلام الحق ولولا زينب (ع) لم تبقى الإمامة، فأرادَ الله سبحانه وتعالى بزينب (ع) أن يصل الإسلام الحق إلينا وبزينب (ع) أن تستمر الإمامة أي لولاها لما أستمر الإسلام الحق الى هذا اليوم، فسلامٌ عليك يا أم المصائب يوم ولدت ويوم أستشهدت ويوم تبعثي حيا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 19/آذار/2013 - 7/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م