اقتصاد زائف - المدهش في التاريخ الاقتصادي للعالم

قراءة في كتاب

حاتم حميد محسن

صدر عن دار بنغوين في لندن كتاب بعنوان: اقتصاد زائف، المدهش في التاريخ الاقتصادي للعالم للكاتب آلن بيتي. والكتاب جاء في عشرة فصول عرض فيها الكاتب الكثير من دروس التاريخ والتي تتمحور جميعها حول سؤال واحد وهو كيف يمكن للدول الفقيرة ان تصبح غنية. موضوعات الكتاب جاءت على شكل اسئلة مثل لماذا نجحت الارجنتين في سياستها الاقتصادية قبل قرن من الزمن بينما تعثرت الولايات المتحدة، و لماذا تستورد مصر نصف احتياجاتها من الغذاء؟

وفي موضوع الموارد الطبيعية يتحدث الكاتب عن قيمة البترول والمعادن ويتسائل لماذا يخلقان من المشاكل اكثر مما يستحقان. وحول علاقة الدين بالاقتصاد يناقش الكاتب فكرة ترددت كثيراً وهي ان الاقطار الاسلامية فقيرة اقتصادياً،غير اننا سنركز على موضوع الفساد الذي ورد في الفصل الثامن، وفيه يتسائل المؤلف عن سبب ازدهار اندونيسيا تحت حكم سوهارتو الدكتاتوري الفاسد بينما بقيت تنزانيا فقيرة ومتخلفة في ظل حكم نيريري النزيه. ماذا نعني بالفساد وكيف مورس في مختلف المراحل التاريخية. يتطرق الكاتب الى تجارب الفساد في القرون الاخيرة في الهند والصين والفليبين وفي شركة الهند الشرقية وفي تنزانيا وامريكا. سنرى كيف ان الفساد قاد الى هزائم عسكرية كبيرة وضياع اجزاء هامة من الامبراطوريات وخاصة في القرن الثامن عشر.

يوضح الكاتب ان السياسة البريطانية كانت آنذاك غارقةً في الفساد، والحكومة متورطة بعمق في الخداع والرشاوي والاستغلال غير الشرعي للسلطة، والمقاعد البرلمانية كانت تباع وتُشترى بسهولة. في شركة الهند الشرقية كانت ثقافة الحكم هي الرشاوي والتآمر كوسيلة لإستغلال الصراعات المحلية مع إبقاء خيار الحل العسكري قائماً. كانت الشركة تمثل عصابة من التجار الباحثين عن ربح غير شرعي، وهم دائماً سعداء في شراء شخص ما بدلاً من ارسال الجنود لقتاله، لم يكن همهم المبادئ ونشر قيم الحضارة البريطانية. في فرنسا لم يكن الامر مختلفا حيث كانت الرتب العسكرية تُباع لأبناء النبلاء. اما في امريكا فالجميع يعلم بنظام الغنائم الذي كانت تعمل به الحكومة الامريكية والذي بموجبه تُسلّم المناصب للمساعدين من الحزب الحاكم سواء على مستوى الدولة او على المستويات المحلية.

مفهوم الفساد

 يبدأ الكاتب بنكتة من الهند تقول ان مسؤولاً كبيراً في احدى الولايات الهندية الفقيرة ذهب في زيارة متبادلة الى مدينة امريكية بضيافة عمدة المدينة الذي هو احد العناصر الفاسدة في النظام السياسي، حيث اصطحب الضيف في جولة حول المدينة. في البدء اشار المسؤول الامريكي الى الطريق السريع في حافة المدينة قائلاً"انظر هناك". يومئ الى جيب قميصه ملمحاً "10%". ثم يشير الى ملعب رياضي جديد قائلاً هل ترى ذلك؟ 10%. في السنة اللاحقة يذهب العمدة الامريكي لرد الزيارة للهند. يقوم المسؤول الهندي بمرافقته الى مقر اقامته الرسمية في أعلى التل المطل على العاصمة. قام بجولة شاملة على المنطقة حيث الاحياء الفقيرة ومجاري الصرف الصحي المتهالكة والطرق ذات الحفر والفجوات الكبيرة، قال هل ترى؟ يومئ الى جيبه مشيراً 100%.

ان سوء استغلال الادارة العامة هو قديم قدم الادارة ذاتها. الاديان رفضت استعمال الرشوة لكونها تعمي الابصار وتشوّه كلمات الحق. ولكن السنوات الخمس عشرة الاخيرة شهدت اهتماما خاصا بموضوع الفساد في مجال السياسة والدراسات الاكاديمية، وقد اطلق احد المعلقين عليه تسمية الوباء او eruption. اما الوكالات الدولية مثل البنك الدولي فهو نادراً ما استعمل مصطلح الفساد خوفاً من الاتهام بالتدخل في السياسة. لقد اُعتبر الفساد احد الاسباب التي تجعل الدولة باقية على حالها من الفقر، وهي مقولة قد تكون صحيحة وخاطئة في آن معاً.

ويضيف الكاتب ان بعض انواع الفساد هي اسوأ من الاخرى، بعضها لا يشكل اكثر من ازعاج، بينما الاخرى تقود الى التفسخ، وهناك فساد يوقف النمو الاقتصادي ويعيق الاستثمار. اندونيسيا اليوم لديها دخل فردي سنوي بمقدار 3000 دولار، وهي ظلت لعقود تخضع لحكم سوهارتو الاوتوقراطي الفاسد. بالمقابل نجد متوسط الدخل في تنزانيا لا يزيد عن 1000 دولار والناس تعيش في فقر مدقع تحت حكم تميز بالاستقامة والنزاهة.

تعريف الفساد

 عُرّف الفساد (corruption) باعتباره اي شكل من إساءة استخدام الموقع الوظيفي سواء كان موقعاً عاماً او خاصاً بهدف تحقيق مكاسب شخصية. وهكذا فان المدير في احدى الشركات حين يشتري مواد تجهيز غير ضرورية وبأثمان عالية مقابل حصوله على رشوة من المجهز يسمى"فاسداً". وقد يُطلق على العملية بالاحتيال fraud حين يقع الخداع على المساهمين بدلا من عامة الناس. اما البنك الدولي فقد وضع تعريفاً للفساد وهو: استغلال المنصب العام لأغراض شخصية.

وهكذا فان برنامج النفط مقابل الغذاء للامم المتحدة الذي سمح للعراق ببيع نفطه في السوق العالمي بين الاعوام 1996-2003 لشراء الدواء والغذاء صُنف بالفساد، اما اعمال الغش والاحتيال المحاسبية والادارية التي أسقطت شركة انرون الامريكية للطاقة لم تكن فساداً. ان الفساد ينشأ بسبب ما يسميه الاقتصاديون مشكلة الرئيس- الوكيل حين يعيّن شخص ما او مجموعه (الناخب او الجمهور العام) طرفاً آخر(الموظف المدني او السياسي) للقيام بوظائف معينة لمصلحة الطرف الاول. فاذا كان الرئيس لا يستطيع الاشراف او الاطلاع التام على افعال الوكيل، سيكون لدى الوكيل حافزاً ليتصرف لإجل مصلحته الخاصة. الجمهور ربما يريد من الحكومة بناء طريق نموذجي ورخيص الكلفة لكن الجمهور قد لا يلاحظ قيام الموظف المدني بمنح العقد الى شركة غير كفوءة وذات كلفة عالية يديرها اخوه او شخص آخر مقابل صفقة.

ان الفساد هو شكل من المصلحة الذاتية يسود حين يتحقق شرطان: الاول نقص المعلومات والثاني عدم وجود منافسة. المعلومات تساعد في تسليط الضوء على الفساد حيث تصبح المصلحة الذاتية للوكلاء تحت الانظار مما يقيد حريتهم في التصرف. اما المنافسة فهي تضمن ان الوكلاء الذين يقومون باعمال مكلفة وغير كفوءة كي يفيدوا انفسهم سوف يُستبدلون بآخرين يعملون بشرف وكلفة اقل. كلما كانت لدى الوكلاء القوة الاحتكارية والحرية في تأديتهم للخدمات وكانوا اقل عرضة للمسائلة، كلما كانوا اكثر تورطاً في الفساد. ولكن بدلا من ان تقضي المنافسة على الفساد نجد احيانا الفساد يكبح المنافسة. ان الاخلاق العامة والقيم الاخلاقية المضادة للرشاوي والاحتيال تجعل من الفساد عملا سيئا وضاراً للكفاءة، فهو يقود الى قرارات يصنعها البيروقراط وفقا لما هو جيد لهم وليس للاقتصاد. هي تؤثر مباشرة على نوعية الحياة عبر وقف الانفاق العام على الصحة والتعليم والبنية التحتية وتحويله نحو مجالات مقصودة. والفساد يؤثر خصيصا في التجارة الدولية حيث ان السيطرة على الحدود توفر فرصة جيدة لإستخلاص الرشاوي.

 لا شك ان الفساد سيئ للنمو غير ان هذه ليست قاعدة مطلقة، حيث لاحظنا هناك عدة دول في شرق اسيا تقدمت الى الامام رغم تاريخها الطويل من الفساد. فالصين حققت مستويات عالية في مكافحة الفساد وهو ما قاد للقضاء على الفقر في تاريخها الحديث. احد المسؤولين الهنود سُئل لماذا لم تجذب الهند الا القليل من الاستثمارات الاجنبية مقارنة بالصين. اجاب السبب يعود الى الفساد، ما موجود في الصين هو فقط حزب واحد يتلقى الرشاوي عكس ما عليه الحال في الهند.

تجربة اندونيسيا

عرض الكاتب تجربة اندونيسيا تحت حكم سوهارتو باعتبارها افضل مثال عن كيفية انجاز الدكتاتوريات الفاسدة للنجاحات الاقتصادية. لا شك ان اندونيسيا كانت فاسدة تحت حكم سوهارتو وفقاً للتصنيف الذي اعدتهُ هيئة الشفافية الدولية عام 1995. لكن البلد رغم ذلك كانت ظروفه احسن بكثير. كان سوهارتو رجلا عسكريا استولى على الحكم بمساعدة الجيش عام 1968، واندونيسيا عبارة عن مجموعة من الجزر المتناثرة، وهي بلاد واسعة وكثيفة السكان ذات تنوع عرقي ولغوي رغم ما تبدو عليه ظاهريا كبلد موحد. تجربتها لم تكن مستقرة خلال العقدين الاولين من الاستقلال عن الاحتلال الهولندي. ديمقراطيتها الضعيفة والمنقسمة تلتها دكتاتورية هشة لسوكارنو الرئيس المؤسس للبلاد. المدافعون عن الحكم يؤكدون ان سوهارتو جلب النظام لاندونيسيا، غير ان الاضرار الدائمة للحرية وللحياة كانت بالغة.

خلق سوهارتو واقعاً قسرياً للحزب السياسي (Glkar) حين ربط جميع موظفي الدولة في احدى مؤسساته الدستورية. ورغم انه اقام انتخبات دورية الا انه بالنتيجة سيطر على هيئة المستشارين وحكم بمرسوم. حيث عيّن جميع القيادات المدنية المؤثرة ووضعهم تحت رقابته الصارمة. لم يكن حكمه عسكريا فقط وانما يديره المدنيون المرتبطون به. وبدلا من المحاولات العشوائية للسيطرة على الاقتصاد واستغلاله، استخدم سوهارتو نفس القيود التي اوجدها لتكبل يديه. فهو اعتمد على سياسات اقتصادية ارثودكسية انهت التضخم المتسارع المتوارث منذ الستينات. وخلق قاعدة تشترط تحقيق توازن في ميزانية الحكومة القومية دون ان يكون ذلك ملزما من الناحية العملية. كانت هناك طرق مختلفة لإنفاق النقود دون ان يظهر ذلك في السجلات. هذه الطريقة ساعدت في الحيلولة دون الانفاق المفرط الذي زعزع الدكتاتوريات المماثلة في امريكا اللاتينية. ونظام سوهارتو نجح ايضا في جذب الاستثمارات الاجنبية من الخارج عبر سماحه بالحركة الحرة لرأس المال عبر الحدود. وهو ما خلق الثقة لدى الشركات الاندونيسية ذات الاصول الصينية حين وجدت من السهل نقل اموالها الى الخارج عند الحاجة او جلبها الى البلاد.

ان الطريقة التي كانت تتطلع بها الشركات الى مصالحها اوضحت مدى فعالية سلوك الابتزاز. فالشركات الاجنبية كلها تدفع النقود الى شخص ذو ارتباط سياسي جيد، عادة يكون احد المسؤولين العسكريين او المدنيين السابقين، لكي يوفر حماية سياسية لتلك الشركات عن طريق الاتصال المباشر بسوهارتو في حالة بروز اي مشكلة امامها، والبيروقراطيون يحلّون المشكلة لقاء اجور. فهل يُعتبر هذا رشوة؟ يقول الكاتب نعم ولكنه شكل منهجي منظّم للفساد عمل كشبكة تمر عبرها المعلومات وكنظام للتحذير المبكر عن استياء وسخط المستثمرين.

 ان الحلقات المركزية الحساسة في الاقتصاد تمت السيطرة عليها بشبكة من المحسوبيات والمنسوبيات والاصدقاء الذين لهم علاقات تعاون متبادلة مع الدولة. هؤلاء حصلوا على عقود مغرية وإجازات ترخيص ثمينة من سوهارتو، كما اصدر الاوامر للبنوك التجارية لمنحهم القروض. لقد قام النظام بازاحة كبار المسؤولين والغى الاحتكار لمدة 30سنة من فترة الحكم خلالها نجح في نقل البلاد من حالة الفقر الشديد الى مرحلة النمو السريع لتصبح اندونيسيا من الدول المتوسطة الدخل. تمكنت اندونيسيا من الاندماج في الاقتصاد العالمي بدلا من اتباع سياسة إحلال الواردات الشائعة في دول افريقيا وامريكا اللاتينية. لقد رفض سوهارتو تفضيل سياسة المدن على الارياف وحصل على سمعة جيدة في الاسواق المالية الدولية بتسديد الديون المستحقة عليه. كان نظام سوهارتو دموياً لكنه اعطى ثماراً.

كوريا الجنوبية

هناك دول اخرى في شرق اسيا لها تجربة مشابهة. كوريا الجنوبية مثلا، حكمها نظام سلطوي بقيادة (park chunghee) وهي رغم توجهها المتأخر نحو الديمقراطية الا انها حققت مستويات لا بأس بها في مكافحة الفساد وانجزت مستوى من الدخل يضاهي الدول الغربية. الرئيس بارك احتفظ بشبكة من المحابين الذي هم دائما بحاجة الى الرشاوي من اي شخص يتعامل معهم. كانت الشركات الكورية تحصل على حماية كبيرة من الدولة بما في ذلك تسهيلات الاقراض والاعانات والرسوم على الاستيراد. واحتفظت كوريا بقيود صارمة على رأس المال الهارب نحو الخارج ووضعت القليل من الثقة بالاستثمار الاجنبي المباشر في بناء المصانع. لكنها من جهة اخرى مارست نفس السياسة التي اتبعها سوهارتو حين خلقت منافسة حادة امام الشركات الكورية التي اندمجت مع بعضها تحت اسم chaebols وعرّضتها للتفتيش. قامت شركات الاندماج هذه بتركيز جهودها نحو الصادرات مما جعلها عرضةً لضغوط تنافسية من الاقتصاد العالمي. هذا بدوره ادى الى ذوبان الشركات الضعيفة حين لم تجد منْ يساعدها على البقاء.

كذلك منعت كوريا الرشاوي المتصلة بعمل الشركات ذات الثقل الحقيقي في البلاد. واثناء مرحلة التصنيع بدت الرشاوي في كوريا كأنها مدفوعات منتظمة ليست سيئة تُعرف بـ "tukkap " (وهي في الاصل نقود لشراء كيك مصنوع من الرز) تُدفع للسياسيين ذوي النفوذ ليس لإجل كسب موافقتهم على خطط معينة، وانما كي يبقوا سعداء فقط. والسياسيون بدورهم ينفقون قسماً من النقود على المؤسسات الفقيرة او على الناخبين الأشد فقراً. يرى المدافعون عن الفساد في كوريا انه عمل في الواقع كما لو انه برنامج مساعدات للدخول يُدفع للموظفين المدنيين ذوي الرواتب القليلة، فهو بمثابة تعويض عن غياب نظام الرفاهية الاجتماعية للدولة. هاتين المشكلتين كانتا نتيجة طبيعية للسيطرة الايديولوجية لحكومة كوريا في ذلك الوقت. فالفساد المنظم حقق تماما الهدف الذي لم تتمكن الادارات العلنية العامة من تحقيقه. واذا كان الفساد ثابتا ويمكن التنبؤ به جيداً فانه سيصبح امراً ضرورياً مثله مثل الضرائب. فكما اتضح من اداء الديمقراطيات الاشتراكية في اوربا الغربية، ان وجود نسب هامة من الضريبة لن يحول دون بلوغ مستوى عال من الثراء طالما تُجبى تلك الضرائب بكفاءة وبطرق يمكن التنبؤ بها.

تنزانيا

من المؤسف لم يلعب الفساد نفس ذلك الدور في ايام حكم الرئيس التنزاني جوليوس نيريري. ونيريري كان معلماً وليس جنديا، ترأس بلداً جديداً بعد المرحلة الاستعمارية. كانت سمعة نيريري على العكس تماما من سمعة سوهارتو، فالاول حظي بالاعجاب من جميع دول العالم نظراً لنزاهته وتواضعه بين جميع الحكام الفاسدين في افريقيا. ومع ذلك كانت تنزانيا مليئة بالفساد، وانتهت بعد عقدين من الحكم لتجد نفسها ليست افضل حالا مما بدأت به. اعلن نيريري في خطابه الوداعي عام 1985 "انا فشلت دعوني اعترف بذلك".

اعتمد نيريري في فلسفته على بناء اقتصاد مكتف ذاتيا محميا بحواجز تجارية عالية، الامر الذي قاد الى ركود تضخمي stagnation وعدم الفاعلية. هذه السياسة أثقلت تنزانيا بأعباء السيطرة على الاسعار وتمويل الصرف الاجنبي ومئات المشاريع الفاشلة المملوكة للدولة. ذلك ادى الى التهريب والفساد واتساع كبير في حجم الاقتصاد الاسود. غير ان ما هو اكثر سوءاً هو قيامه بازاحة الملايين من المزارعين الصغار وتجميعهم في قرى جماعية تحت شعار الفاعلية. هناك شبكة واسعة من البيروقراط خُلقت لتجهيز المزارع الجديدة بالبذور والاسمدة وكذلك شراء منتجات المزارعين. ان منح هذه السلطات الى مسؤولين ليس لديهم ارتباط قوي بالناس ذوي الشأن، خلق بيئة مناسبة للفساد والاستغلال. كان رد فعل المزارعين القبول بمستوى من الانتاج قريب من حد الكفاف وبيع اي فائض في السوق السوداء وحيث يمكنهم الحصول على سعر اعلى من سعر الدولة. وبعد انهيار الانتاج الزراعي، أُجبر نيريري على الغاء المزارع الجماعية.

يؤكد الكاتب لكي يعمل الفساد بشكل ناجح لابد من وجود درجة من التنسيق المركزي. النظرية الاقتصادية توضح ذلك بشكل مشابه للحالة التي تكون فيها لكل شركة ضمن مجموعة من الشركات سلطة احتكارية في انتاج البضائع المكملة لبضائع الشركات الاخرى. فلو تصورنا ان شركة تقوم بانتاج صلصلة الطماطم المتبلة، وشركة اخرى تصنع الكعك، وثالثة تنتج زيت الخردل، هذه الشركات الثلاث تنتج الاجزاء الرئيسية لفطيرة الـ hot-dog. فاذا كانت الشركات الثلاث تعمل بانسجام وتعاون فان كل منها سيضع سعراً منخفضاً نسبيا وسوف تحقق كل منها ربحا دون الاضرار بالطلب على المنتج النهائي. ولكن اذا كانت تلك الشركات تعمل باستقلالية فان اي منها سيفرض سعراً مرتفعاً اعتماداً على توقّع ان يقوم الاخرون بنفس العمل، فلا معنى لصانع الكعك ان يتخلى عن الربح بوضعه سعر منخفض للكعك عندما يهبط الطلب على فطيرة الهوت- دوك بسبب الاسعار الباهضة للصلصلة ولزيت الخردل. نفس الشيء ينطبق على الهيئات ذات القدرة على انتزاع الرشاوي، مثل الكمارك والكهرباء وسلطات الضرائب جميعها تضع سعر منخفض لو انها عملت مجتمعةً وليست على انفراد. البيروقراطيات المنظمة تريد من الاقتصاد ان ينمو بسرعة، اي المزيد من انتاج السيارات والبضائع، اما بيروقراطيات الابتزاز"ابتز بقدر ما تستطيع" غير المنظمة لايهمها سوى مصلحتها سواء نما الاقتصاد ام لم ينمو.

الكاتب (آلن بيتي) درس التاريخ في اكسفورد والاقتصاد في كمبرج، وعمل اقتصاديا في بنك انجلترا ثم التحق فيما بعد بصحيفة الفايننشل تايمز عام 1998. كتابه حافل بالعديد من الموضوعات من مختلف البلدان وفي مراحل تاريخية متعددة وهو ما يجعل القارئ يشعر احيانا بالدوار. هو لم يوضح السبيل الافضل لتحقيق التنمية هل هو الديمقراطية ام الديكتاتورية. فهو امتدح الصين حين فرضت القيود على حركة القرويين واعتبر ذلك سبباً للنمو الاقتصادي، بينما أشاد لاحقاً بالهند لديمقراطيتها. كذلك هو ينصح باعتماد سياسة السوق الحرة ودعم الحكومة لقطاع الاعمال. بينما نجد امريكا في القرن التاسع عشر واليابان في القرن العشرين اعتمدتا مبدأ الحماية التجارية للدفاع عن صناعاتهما امام المنافسة الاجنبية وحققتا بذلك ازدهاراً اقتصادياً. ايضا هو اعتبر الدين سببا للتراجع دون ان يوضح النجاح الاقتصادي لماليزيا المسلمة.

..........................................

كتاب اقتصاد زائف،المدهش في التاريخ الاقتصادي العالمي

 للكاتب ALAN BEATTIE،

صدر في لندن عن دار بنغوين عام 2009

في 312 صفحة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 19/آذار/2013 - 7/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م