الثقافة العربية ... ضياع الأصالة وغياب روح الابتكار

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: يسعى بعض المعنيين بالثقافة العربية الى إقامة مشاريع تعنى بالثقافة، من خلال اطلاق بعض الحملات وتأسيس المواقع الالكترونية، وانشاء المنظمات الثقافية او صناعة بعض الافلام التلفزيونية والسينمائية او المسرحيات، وكتابة بعض الروايات والحكايات عن الوضع العربي عموما، وفي الغالب تكون مثل هذه المشاريع الثقافية والفنية عبارة عن محاكاة لمشاريع اخرى سبقتنا لها الدول المتقدمة، لذلك يؤكد على مثل هذه المحاولات على انها مستنسخة، وغير اصيلة، وتغيب عنها روح الابتكار، الامر الذي يشكل مثلبة على اصحاب مثل هذه الافكار وهذه المشاريع، التي ينبغي ان تتحلى بالاصالة، لاسيما ان الجذور الثقافية والاسس الفنية للعرب موجودة اصلا، من خلال ارثها الاسلامي وسواه.

 لكن يبدو ان المثقفين والمعنين في الوقت الراهن، يحبذون الركون الى التقليد واستنساخ التجارب من الشعوب والامم اخرى، لانه لا ينطوي على التعقيد والجهد، اما غياب الاصالة وروح الابتكار فهو امر يبدو لا تحسب له النخب او المعنيون بالثقافة والفن حسابا يُذكر، والدليل كما ذكرنا ان معظم المشاريع لا تنطوي على الاصالة، منها على سبيل المثال عرض عمل مسرحي اسباني لاظهار معاناة المعتقلين الفلسطينيين، أي ان النص المسرحي لمؤلف اسباني، والكادر المسرحي فلسطيني، وكان من الافضل ان يكون كاتب النص فلسطيني او عربي على الاقل، ليس من باب الانغلاق ورفض اعمال الامم الاخرى، ولكن قطعا ان المؤلف الفلسطيني اكثر اطلاعا وقربا من معاناة المعتقلين الفلسطينيين، وهكذا مع المشاريع الاخرى، التي لا نقول انها تخلو من فائدة ولكنها تفتقد للخصوصية والمحلية المطلوبة.

المسرح السياسي

فقد اختار المخرج الفلسطيني اكرم المالكي ان يعرف الجمهور الفلسطيني ببعض ما يتعرض له المعتقلون السياسيون من تعذيب في مسرحيته (مذكرات دكتور بالمي) للكاتب الاسباني انطونيو بويرو باييخو، شارك المخرج الى جانب اربعة ممثلين على المسرح وثلاثة اخرين بأصواتهم المسجلة فقط في عرض المسرحية على خشبة (مسرح وسينماتك القصبة) في رام الله، يقول المخرج في كتيب وزع قبل العرض "في هذه المسرحية نسلط الضوء على قضية الاعتقال السياسي.. سجناء الرأي وكذلك القمع والتعذيب والتنكيل الذي تمارسه السلطات الديكتاتورية في كل الازمنة."

ويضيف "ليس للظلم والاستبداد والقهر لون او جنس او دين اذ يكفي ان يكون لدى شخص ما سلطة مطلقة لكي يصير مستبدا"، تتحدث المسرحية عن روايات مؤلمة لما يتعرض له المعتقلون من تعذيب جسدي ونفسي داخل السجون تصل الى حد افقادهم رجولتهم او اغتصاب ذويهم بهدف انتزاع اعترافات منهم لاشياء فعلوها او لم يفعلوها، وقال المالكي بعد العرض "اخترت عدم عرض مشاهد العنف خلال التحقيق على خشبة المسرح وأردت ان اترك للمشاهد تخيل ما يسمعه من تلك القصص. بحسب رويترز.

ويظهر احد المشاهد ظلا للفنانة شادن سليم في دور (لوسيلا) خطيبة احد المعتقلين هي تصرخ فيما يحاول خطيبها استجداء المحققين ان لا يلمسوها، وتتوجه لوسيلا بعد الحادثة الى زوجة المحقق الفنانة ريم تلحمي في دور (ماريا) التي كانت طالبة لديها لتخبرها ان المحققين اغتصبوها من اجل انتزاع اعترافات من خطيبها.

وتوضح المسرحية في العديد من المشاهد كيف يظن رجال المخابرات انهم يحمون الوطن من خلال التحقيق مع "الارهابين" دون ان يكون هناك حدود لتعذيبهم من اجل انتزاع اعترافاتهم، وتبين المسرحية كذلك اثر تصرفات المحققين على حياتهم الشخصية فيظهر المحقق (دانييلو) الذي ادى دوره الممثل كامل الباشا عاجزا عن القيام بواجباته الزوجية تأثرا فيما يبدو بممارسات التعذيب أثناء التحقيق، وقال الباشا لرويترز بعد العرض "ما يميزنا هنا في الاراضي الفلسطينية اولا وجود الاحتلال وثانيا علاقتنا نحن مع بعض.. فالاعتقالات السياسية موجودة"، وأضاف "هذه المسرحية تثير موضوع الاعتقالات السياسة هنا وفي غزة حيث الاختلاف السياسي وغياب قانون حقيقي يمنع هذه الاعتقالات."

وأعادت المسرحية الفنان الفلسطيني ماجد الماني الى خشبة المسرح بعد غياب ما يقرب من 30 عاما، وقال الماني الذي لم تمنعه وفاة والده امس من الوقوف على خشبة المسرح واداء دوره كوالد للمحقق دانييلو "اقتنعت بالنص الذي يعبر عن الواقع الذي نعيشه وقررت المشاركة"، ويستمع الجمهور الى عدد من اصوات الممثلين في ادوار مختلفة. وقال المخرج الذي ادى دور الدكتور بالمي ان ضرورات العمل الفني اقتضت هذه المشاركة في الصوت فقط، واضاف "في منطقتنا هناك انظمة ديكتاتورية تنهار لكن للاسف يقوم مكانها انظمة ديكتاتورية من نوع اخر"، وتابع قائلا "هذه المسرحية هي صرخة تحذير من استمرار هذا المسلسل الدموي والدعوة لقيام نظم اكثر عدالة وأكثر ديمقراطية وانفتاحا على الاخر المختلف في المجتمع."

وسمع القائمون على العمل المسرحي الكثير من عبارات الشكر والثناء من الجمهور على هذا الاداء. وقالت رائدة غزالة التي حضرت العرض "المسرحية فيها شيء مميز تدخلك في مجال التفكير بواقع أليم"، وقال القائمون على المسرحية التي عرضت ثلاث مرات في رام الله والقدس وبيت لحم انهم سيعودون الى جولة اخرى من العروض مطلع الصيف القادم.

تحقيق روائي عن عذابات الخدم الاجانب

ففي مزيج من التحقيق والعمل الروائي يكتب الكاتب والصحافي اللبناني حازم صاغية من خلال سيدة سريلانكية قصة الآلام التي يعاني منها الخدم الاجانب في عدد من البلدان العربية، وقد اورد الكتاب حالات تعرضت فيها بطلته كوماري للضرب والتجويع والاحتجاز في اماكن مغلقة وحرمانها من اجرها واتهامها اتهامات باطلة تشفيا وانتقاما. الا انها لا تتحدث عن الناس في البلدان التي عملت فيها باللغة نفسها.. فهناك دائما عندها اشرار وأخيار طيبون.

في تعريف بالكتاب ومحتوياته حمل غلافه ما يلي "كوماري سيدة سريلانكية اضطرها العوز الى مغادرة بلدها والعيش في الخليج ومصر ولبنان. كوماري ليست رقما ولا شيئا. انها مثل كل انسان آخر محكومة بمواصفات وشروط. الا ان الحياة التي استقبلتها كانت تليق بالارقام والاشياء اكثر مما بالبشر."

وخلص الى القول "هذه الصفحات تحقيق مطول عن عذابات امرأة نلقاها ونتعامل معها كل يوم"، يكتب حازم صاغية ببساطة وسهولة تنسجمان مع كون الموضوع تحقيقا كما تنسجمان بقدر كبير مع الشخصية او البطلة. وقد جاء الامر عمليا رواية فعلية وواقعية اذ تمت له عناصر روائية من عدة نواح وربما باستثناء عنصر الخيال من حيث خلق الموضوعات.. اذ ان موضوعات ما عالجه الكاتب جاهزة ومتوفرة وعلى الصحافي الكشف عنها. ويبقى عمل الخيال هنا منصبا على الربط بين التفاصيل واختيار اسلوب ايراد الاخبار والمعلومات التي يقوم عليها التحقيق.

يبدأ الكاتب معرفا بالبيئة الاجتماعية التي جاءت منها كوماري فيقول موردا المعلومات في قالب قصصي "ولدت في 1971 في ماتيلي.. تلك القرية القريبة من مدينة كاندي في وسط بلادي سريلانكا. هناك يعيش بوذيون وهندوس ومسلمون ومسيحيون ينقسمون جميعا الى سنهال وتاميل. ولئن كان البوذيون الاكثر عددا في قريتنا فالمسلمون عموما هم الاغنى كما انهم المعروفون بوجوههم الفاتحة التي تقل سمرة عن سواها.

"بعض اتباع الديانات يسكنون حارات وأحياء منفصلة في ماتيلي لكن بعضهم الاخر يتجاورون في السكن وفي البيوت فيما تبقى العواطف والعادات مسألة اخرى بعضها يبعّد في ما بيننا وبعضها يقرّب.. فالتاميل ونحن منهم يحبون الهند لانهم من اصول هندية." والسنهال هم الاغلبية وهم الحاكمون في سريلانكا.

وقالت "على انني لم الاحظ في صغري ان الناس يتحدثون في الدين على النحو الذي صاروه لاحقا وربما هم لم يكونوا يتحدثون فيه اصلا. كذلك لم يكن الخوف سلعة يتبادلونها في ما بين اديانهم وطوائفهم. ذاك ان الكل فقراء والكل متشابهون في جوانب اساسية عديدة من حياتهم."

اتمت المرحلة الدراسية المتوسطة لكن الفقر حال بينها وبين اكمال دراستها. عملت في القرية في زراعة الشاي ثم في تعبئته بأكياس النايلون وفي نقل مياه الشرب لبعض الناس وغير ذلك من اعمال قبل ان يتقرر ان تسافر لتعمل في الخارج بعد الاخبار عن المال الذي جناه بعض من عملوا في الخارج.

دفعت مبلغا من المال لقريب لهم احتال عليهم وذلك ليحصل لهم على جواز سفر وتراكمت بسبب ذلك ديون على امها. ابلغهم القريب ان هناك عملا جيدا في الكويت. الا انه وضع صورة امرأة غير كوماري على ما يفترض انه جواز سفرها مما تسبب لها في مشكلات لاحقا. عملت في البداية لدى زوجين. عند اكتشاف قضية جواز السفر اخذتها ربة المنزل الى مكتب الاستخدام حيث ضربها رجل بعصا على اصابعها. وما لبثت المرأة ان اتهمتها زورا بأنها حاولت تسميم العائلة بينما هي التي دست السم في الطعام وفي النهاية حرمتها من قسم من اجرها.

طلبت من المكتب العمل عند غيرهم فانتقلت الى اخرين كانوا افضل منهم. ثم عملت لدى امرأة مصرية عاملتها معاملة حسنة وبعد مدة اخذتها معها الى مصر لكنها اضطرت الى تركها هناك دون اوراق قانونية والعودة الى الكويت. دبرت عملا في مصر وعوملت باحترام. عملت سنتين دون اقامة شرعية. مرضت امها فأرادت العودة الى بلدها وبسبب وضعها غير الشرعي اضطرت الى دفع رشى باهظة لتستطيع السفر. بحسب رويترز.

في بلادها احبت رجلا وأحبها فتزوجا ورزقا بابنة وكان جيدا معها. الا انها اكتشفت ان له زوجة وعائلة. صارت زوجته تهددها وتثير فضائح ورفعت دعوى تعدد زوجات على الرجل. ساءت علاقتهما وافترقا في النهاية. هذه المرة سافرت الى لبنان.

استقبلها مخدومها وهو قاض بدا طيبا لكنه يعيش مع امه الرهيبة في معاملتها لكوماري. عانت الكثير الى ان هربت ووصلت الى منطقة فقيرة يقيم فيها سريلانكيون وآخرون حيث سكنت مع سريلانكية شريرة صارت تسرقها وتسيء معاملتها.

تسرد علينا كوماري سلسلة عذاباتها وحياتها البائسة. وتقول في الختام "هكذا اعيش الان. اتوق الى سهرة هادئة امام التلفزيون بعد يوم عمل مضن. اتوق الى حنان وإلى حب وإلى عالم اوسع قليلا يمنعني عنه منير. اتوق خصوصا الى بيت يكون لي. سأعود عاجلا او آجلا الى سريلانكا. هناك اعمر الان بيتا لي ولابنتي التي اصبحت في الخامسة عشرة نعيش فيه معا. بيتي الذي يكلفني 150 دولارا في الشهر قريب من بيت اهلي لكن اكلافه فاقت كثيرا ما كنت اتوقع.

"لقد ضيعت نفسي وشاركني كثيرون في تضييعها." وتتحدث عن ابنتها فتقول "فأنا من اجلها فعلت ما فعلته. من اجلها عشت خارج بلدي ولا ازال كما تعرضت للتجويع واحتملت وأحتمل الى اليوم اناسا كثيرين لا يحتملون. اشكر ربي كل يوم على ان الحياة لم تكن قاسية معي الى الحد الذي كانته مع كثيرات مثلي ممن اغتصبن وأحرقن وشوهن وانتهى بعضهن منتحرات."

اتحاد الناشرين العرب

على صعيد ذو صلة ينظم اتحاد الناشرين العرب مؤتمرا دوليا خلال الشهر الجاري بمكتبة الإسكندرية يبحث فيه تحديات صناعة نشر الكتب بحضور مسؤولين ومتخصصين من 11 دولة عربية، وقال عاصم شلبي رئيس اتحاد الناشرين العرب في مؤتمر صحفي بالقاهرة إن المؤتمر الذي يفتتح يوم 23 من مارس آذار سيعقد تحت عنوان (تمكين المعرفة وتحديات النشر العربي) بمشاركة وزارة الثقافة المصرية ومكتبة الاسكندرية واتحادي الناشرين العرب والمصريين واتحاد الناشرين الدولي وعدد من وزراء الثقافة والمتخصصين العرب في صناعة الكتب. بحسب رويترز.

وأضاف أن المؤتمر الذي يستمر يومين سيبحث فيه ممثلون لاتحاد الناشرين الدولي ومشاركون من السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة والمغرب والجزائر وليبيا والسودان والعراق ولبنان وسوريا ومصر قضايا منها (حقوق الملكية الفكرية وقرصنة الكتب) و(إشكاليات الترجمة وصناعة النشر) و(الإعلام وتمكين المعرفة) و(المكتبات العامة وتنمية صناعة الكتاب) و(مستقبل النشر الرقمي) و(البيع عبر الإنترنت) و(تطوير صناعة معارض الكتب العربية) و(حرية النشر كدعامة لتنمية صناعة).

أول موسوعة عربية على الانترنت

في سياق متصل قال طارق حماد المدير التنفيذي لمشروع أول موسوعة عربية على الانترنت (تاجبيديا) إن مجموعة طلال أبوغزالة صاحبة هذا المشروع أعلنت عن إطلاق المرحلة الأولى بنحو نصف مليون مقال باللغة العربية، وأضاف حماد خلال مؤتمر صحفي على هامش فعاليات منتدى الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات 2013 الذي يقام في البحر الميت في الأردن أنه بهذا العدد من المقالات تكون (تاجبيديا) متفوقة على عدد المقالات العربية المتواجدة على موسوعة (ويكيبيديا) العالمية التي لا يتجاوز عددها 217 الف مقال بالعربية.

ومجموعة طلال أبوغزالة الدولية التي مقرها الأردن هي شركة قابضة وتعتبر من أكبر الشركات المقدمة للخدمات المهنية وتعمل من خلال مكاتبها البالغ عددها 180 مكتب تمثيل حول العالم، وتعد تاجبيديا أكبر وأول موسوعة عربية بهذا العدد من المقالات التي تشمل معلومات شاملة منقحة ودقيقة في وقت يعاني فيه المحتوى العربي على الشبكة العنكبوتية من نقص شديد وبنسبة لا تتعدى ثلاثة بالمئة. بحسب رويترز.

وقال حماد إن مجموعة طلال أبوغزالة تنوي رفع عدد المقالات باللغة العربية على هذه الموسوعة الى مليون مقال في نهاية العام الحالي، وأوضح أن هذه المبادرة هي إحدى مبادرات المجموعة. وأضاف "تعتبر تاجبيديا المبادرة الاولى من نوعها الموجهة للأكاديميين والطلاب والقراء حيث تمنحهم معرفة عامة من منظور حضاري وتاريخي وتعليمي عربي."

وأشار إلى أن الرؤية من إنشاء هذه الموسوعة تتلخص في تقديم مصدر معرفة مضمون لجميع المواطنين العرب وكذلك الافادة القصوى من التكنولوجيا في جميع الميادين، وصنفت تاجبيديا الى خمسة حقول رئيسية هي معرفة ومراجع علمية ومهنية ودول ومؤسسات وشخصيات الى جانب أحداث وإنجازات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/آذار/2013 - 6ب/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م