شبكة النبأ: يبدو أن مصر تدرك أن
أموالها أوشكت على النفاد وأن عليها أن تلجأ إلى صندوق النقد الدولي أو
صديق في منطقة الخليج وليس لها هناك إلا قطر في الوقت الراهن، وبعد
أشهر من التأجيل خرجت الحكومة التي يقودها الرئيس الإسلامي محمد مرسي
بخطة جديدة لوقف التراجع في احتياطيات النقد الأجنبي ومعالجة عجز
الميزانية الذي يمكن أن يعصف بدولة غنية مستقرة ناهيك عن بلد يعاني من
صراع سياسي.
وتعتمد هذه الخطة على أموال تأتي من الغير لإنقاذ أكثر البلدان
العربية سكانا. وتبدو الآمال ضئيلة في قدرة الحكومة على الصمود لحين
إجراء الانتخابات البرلمانية - التي من المقرر أن تنتهي في يونيو
حزيران - وعلى تأجيل إجراءات تقشف لا تحظى بقبول نظرا لتنامي الضغوط
الاقتصادية في شتى النواحي. بحسب رويترز.
وهذا يحصر خيارات القاهرة الفورية في صندوق النقد الدولي الذي
سيتطلب إجراءات تقشف قد تثير مزيدا من العنف في الشوارع في غمار حملة
انتخابية.
ويوجد خيار آخر هو قطر الدولة الخليجية الغنية الوحيدة التي تتعاطف
بشكل حقيقي مع الحكومة المصرية. وقدمت الدوحة مساعدات بالفعل لكن هذه
المبالغ لم تمنع احتياطيات النقد الأجنبي من التراجع إلى مستويات حرجة،
وقالت علياء المبيض الخبيرة الاقتصادية لدى باركليز "لم يبق للسلطات
سوى هامش محدود للمناورة في غياب تدفقات رأسمالية جديدة إلى الاقتصاد
المصري."
ويعتقد اقتصاديون أن الأهم من ذلك كله أن مصر تحتاج إلى توافق سياسي
على الإصلاحات اللازمة لاستقرار الوضع المالي. غير أن هذا الأمل لم يعد
قائما فيما يبدو إذ أن الإسلاميين يتصارعون مع معارضة ليبرالية ويسارية
بشأن هوية مصر المستقبلية بعد ثورة عام 2011، وأصدرت الحكومة بعض
تفاصيل برنامج معدل للإصلاح الاقتصادي وأعلن وزير الاستثمار أسامة صالح
أن الحكومة ستستأنف المحادثات مع صندوق النقد في أوائل الشهر المقبل
بشأن قرض بقيمة 4.8 مليار دولار، وهذا يشير إلى شعور بالحاجة الملحة
لإبرام اتفاق بعد أن توصل مسؤولون من الجانبين إلى اتفاق مبدئي بشأن
القرض في نوفمبر تشرين الثاني الماضي ثم طلبت القاهرة تأجيل العملية في
الشهر التالي حين وقعت احتجاجات عنيفة في الشوارع.
ومنذ ذلك الحين والمشكلات تتراكم. ورضي البنك المركزي - الذي أنفق
20 مليار دولار لحماية الجنيه المصري خلال وبعد الانتفاضة التي أطاحت
بحسني مبارك - بالنتيجة المحتومة. وفي أواخر ديسمبر كانون الأول بدأ
البنك طرح عطاءات دورية للدولار ليسمح للجنيه بالتراجع أكثر من ثمانية
بالمئة في إطار هذا النظام الجديد ليصل اجمالي خسائر الجنيه منذ الثورة
إلى 14 بالمئة.
وساعدت حماية الجنيه على كبح زيادة أسعار السلع المستوردة التي
يعتمد عليها المصريون بمن فيهم الفقراء لكن الدولة تحملت تكلفة باهظة
للغاية في سبيل ذلك، وتراجعت احتياطيات النقد الأجنبي التي كانت 36
مليار دولار في الأيام الأخيرة لحكم مبارك إلى 13.6 مليار دولار في
يناير كانون الثاني الماضي. وهذا أقل من المبلغ اللازم لتغطية واردات
ثلاثة أشهر ويبدي الاقتصاديون قلقهم حين تتراجع أي دولة عن هذا المستوى.
وكغيرها من الحكومات التي تواجه أزمات أدى حل الحكومة المصرية لبعض
المشكلات إلى تفاقم مشكلات أخرى. فبالرغم من أن البنك المركزي يطرح
حاليا 120 مليون دولار فقط أسبوعيا أو نحو ذلك إلا ان تراجع الجنيه
الذي يصاحب العطاءات يرفع فاتورة الدعم الحكومي، وكانت الحكومات التي
قادها مبارك وسابقوه والمدعومة من الجيش تسعى لكسب التأييد الشعبي من
خلال دعم كبير لأسعار الطاقة والخبز. ويعتمد هذا النظام على شراء
الدولة للقمح والنفط بالدولار من الأسواق العالمية.
وتعتقد الأسواق أن الجنيه قد يتراجع أكثر من ذلك. وتشير العقود
الآجلة إلى أنه سيتراجع إلى 7.95 جنيه للدولار على الأقل بعد عام من
الآن أي بنسبة 18 بالمئة عن السعر الحالي، وفيما عدا الأولويات
المتمثلة في الغذاء والطاقة تجد الشركات والأفراد صعوبة في الحصول على
الدولار مما يدفعها للاتجاه إلى السوق السوداء حيث بلغت الأسعار
6.90-7.25 جنيه للدولار وهي أعلى بكثير من السعر الرسمي 6.7375 جنيه.
ويزيد تراجع الجنيه من أعباء الميزانية. ووفقا لخطة الحكومة سيبلغ
العجز 10.9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية الحالية
بافتراض أن حكومة مرسي بصدد بدء الإصلاحات. وإذا لم تأخذ الحكومة تلك
الخطوات سيرتفع العجز إلى 12.3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وفقا
للخطة، ويبدي وزير الاستثمار تفاؤلا بأن البلاد ستلتف حول برنامج
التقشف والإصلاح الذي سيكون ثمنا لقرض صندوق النقد. وقال صالح
لمستثمرين في دبي يوم الإثنين إنه لا يرى سببا لرفض الشعب المصري
للبرنامح مضيفا انه سيدرك في نهاية المطاف ان المزايا التي ستعود عليه
تفوق الاعباء التي سيتحملها.
ولا يشاطره هذا التفاؤل سوى قليل من المحللين والاقتصاديين. وحتى
بعد الانتخابات البرلمانية - التي ستجرى على أربع مراحل تمتد من ابريل
حتى يونيو - فإن التغيير الجذري يبدو بعيدا، وقال انتوني سكينر من شركة
مابلكروفت لدراسات المخاطر السياسية والاستشارات "من الصعب أن نتصور
كيف تستطيع مصر تحمل برنامج إصلاح متناغم يتسق مع اتفاق صندوق النقد
لترتيب الوضع الاقتصادي."
وتابع "واقعيا لا أتصور كيف يمكن تحقيق ذلك نظرا للوضع المالي
الحالي والمتغيرات السياسية السلبية"، ولم تصدر الحكومة إلا ملخصا
لبرنامجها. وكشفت تفاصيل عن الدور الذي سيلعبه المصريون الميسورون
والذي يتضمن ضريبة دمغة على معاملات الأسهم وضريبة على الطرح الأولي في
البورصة وضريبة موحدة بنسبة 25 بالمئة على الشركات.
وكان الهلع هو رد فعل الشركات المصرية التي يصارع العديد منها
للبقاء. وقد يكون هلع أكبر في انتظار فقراء البلاد حيث يعيش 40 بالمئة
من المصريين بأقل من دولارين يوميا لكن الملخص لم يتضمن تفاصيل عن
معاناتهم المتوقعة.
ولا تستطيع مصر التغلب على مشكلات الميزانية بدون تخفيض فاتورة دعم
الطاقة الذي يلتهم خمس الإنفاق الحكومي على الأقل. لكن الملخص لم يتضمن
تفاصيل عن هذه المسألة وكذلك مسألة الخبز التي لا تقل حساسية عن ذلك
والتي تستورد مصر من أجلها القمح لبيع رغيف الخبز بأقل من سنت، والضغوط
واضحة. فقد تراجعت واردات القمح ومخزوناته بشدة منذ بداية العام.
وأعلنت الحكومة أسعارا جديدة للمازوت في الجريدة الرسمية. ولم يذكر
الإعلان نسبة الزيادة التي تبلغ 50 بالمئة، وأعفت الحكومة من الزيادة
أجزاء حيوية من الاقتصاد مثل المخابز وشركات إنتاج الكهرباء والصناعات
الغذائية. غير أن هذه قد تكون إشارة إلى ما سيحدث في مجالات أخرى
وإعلان الحكومة لهذه الخطوة الكبيرة قبل يومين من دعوة مرسي لإجراء
الانتخابات البرلمانية يشير إلى أن عليها أن توفر أموالا على وجه
السرعة.
وقد يدفع اليأس الحكومة إلى خطوات أخرى لا تستسيغها. ومنحت الحكومة
رجال الأعمال المدانين الذين فروا من البلاد بعد الثورة فرصة للتفاوض
لإسقاط اتهامات الفساد في محاولة لاجتذاب خبرات ورؤوس أموال رجال كانوا
مقربين من مبارك، وقال وزير المالية المرسي السيد حجازي إن برنامج
الإصلاح سيحال إلى البرلمان خلال يومين. غير أن هذا لا يضمن تقدما
سريعا بشأن اتفاق صندوق النقد. وقال انتوني سايموند من أبردين لإدارة
الأصول "التوافق السياسي نقطة شائكة أكثر أهمية ويتعين حلها قبل توقيع
الاتفاق."
لكن التوافق غير متوفر. فقد قررت جبهة الإنقاذ الوطني التي تجمع قوى
ليبرالية ويسارية مقاطعة الانتخابات. وقد يمضي مرسي قدما في الإصلاح
لإرضاء صندوق النقد بدون المعارضة كما فعل في أواخر العام الماضي في
مسألة الدستور المثير للجدل الذي وضعته جمعية هيمن على تشكيلها
الإسلاميون، وقد يفتح اتفاق صندوق النقد الباب أمام مساعدات تصل قيمتها
إلى 12 مليار دولار من ممولين آخرين مترددين من بينهم البنك الدولي
والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول الخليج العربية.
وهناك دولة خليجية واحدة قد تكون مستعدة لتقديم المساعدة بدون اتفاق
صندوق النقد وهي قطر التي قدمت بالفعل خمسة مليارات دولار في صورة منح
وودائع في البنك المركزي المصري. وقليلون هم أولئك الذي يعتقدون أن قطر
وحدها تستطيع وقف التراجع، وقال سكينر من مابلكروفت "قد تقدم قطر
المساعدة لكن حتى في هذه الحالة لا بد أن يكون المبلغ كبيرا للغاية لكي
يتحقق ذلك"، وتابع "مساعدات قطر السابقة لم تمنع العملة من التراجع.
احتياطيات العملة الأجنبية منخفضة."
وقال المبيض من باركليز إن المساعدة الثنائية "لن تفلح إلا في شراء
الوقت لكنها لن تضع المركز الخارجي والمالي لمصر على مسار مستدام"،
والعلاقات بين جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي وبين
السعودية الدولة الخليجية الكبرى باردة بشكل ملحوظ. وقال مسؤول مصري
كبير إن عددا من الدول الخليجية ساعدت مصر حين كانت تحت الحكم العسكري
بعد سقوط مبارك. لكن هذه المساعدة توقفت حين أصبح مرسي رئيسا في يونيو
الماضي بالرغم من أن أول زيارة خارجية له كانت إلى الرياض، وقال
المسؤول "الآن قطر فقط هي التي تساعد الاقتصاد المصري." لكنه أضاف
"نتوقع أن يحذو حذوها آخرون." |