طالبان ورسائل العودة لحكم أفغانستان

 

شبكة النبأ: يرى الكثير من المراقبين ان ازدياد العمليات القتالية التي تقوم بها حركة طالبان المتشددة ضد القوات الأفغانية وقوات حلف شمال الأطلسي خصوصا مع بداية العد التنازلي لانسحاب تلك القوات من أفغانستان عام 2014، هي رسالة واضحة تفيد بان الحركة لاتزال تمتلك مؤهلات عسكرية يمكن ان تمكنها من إعادة سيطرتها السابقة على البلاد لان الحكومة الأفغانية ستعجز عن مقاومتهم اقتصاديا وعسكريا، بحسب وصف بعض المتخصصين فان تلك الهجمات ستستمر وتتصاعد في الفترة القادمة بهدف الحصول على بعض التنازلات الغربية التي تخدم الحركة مستقبلا، والتي قد تشمل الاعتراف بهذه الحركة وإشراكها في العملية السياسية وقيادة البلاد وفق معاهدات خاصة. وفي ما يخص هذا الجانب فقد أعلن الرئيس الأفغاني حامد كرزاي أن مباحثات يومية مباشرة تجري في قطر بين حركة طالبان الأفغانية والولايات المتحدة.

ويأتي الإعلان بعد يوم واحد فقط بعد تبني طالبان هجوما انتحاريا تزامن مع زيارة وزير الدفاع الأمريكي الجديد تشاك هيغل إلى أفغانستان. وقال الرئيس الأفغاني حامد كرزاي إن حركة طالبان الأفغانية والولايات المتحدة تجريان محادثات يومية ومباشرة في قطر. وكانت حركة طالبان علقت المحادثات قبل عام قائلة إن واشنطن تقدم إشارات متضاربة بشأن عملية المصالحة الأفغانية الوليدة.

وقال الناطق باسم طالبان ذبيح الله مجاهد ان التفجير "لم يكن لاستهدافه (هيغل) مباشرة لكننا أردنا توجيه رسالة تفيد أننا ما زلنا قادرين على استهداف كابول حتى عندما يكون مسؤول كبير في الدفاع الاميركي موجودا".

وكان ناطق باسم حلف شمال الأطلسي صرح بعد دوي انفجار في العاصمة الأفغانية انه "تفجير انتحاري تلاه تبادل لإطلاق النار عند المدخل الجنوبي لوزارة الدفاع". وأعلن الناطق باسم الشرطة حشمت ستانيكزاي ان الهجوم أسفر عن مقتل تسعة مدنيين وجرح 13 شخصا آخرين بينهم اثنان يعملان في وزارة الدفاع. وينتشر في أفغانستان حاليا حوالى 66 الف جندي أميركي الى جانب 37 ألف عسكري من التحالف الدولي و352 ألف شرطي وعسكري أفغاني. وسيغادر اكثر من نصف الجنود الاميركيين34 الف رجل افغانستان من الان وحتى شباط/فبراير 2014.

وقال هيغل ان هدف الزيارة هو التحضير "لانتقال مسؤول" للسلطات الامنية الى القوات الافغانية التي ستتولى هذه المسؤولية على كامل الاراضي الافغانية اعتبارا من الربيع المقبل. وقال هيغل ان "العملية الانتقالية يجب ان تتم بشكل صحيح بالشراكة مع الافغان والحلفاء"، واصفا هذا الامر بانه "رهان مهم". واضاف ان الهدف هو "ان نفهم بشكل افضل اين نحن في افغانستان وكيف تسير الامور احتاج الى مناقشة قادتنا الميدانيين والاستماع اليهم". وستقتصر مهمة قوة التحالف الدولي على تدريب القوات الافغانية ومساعدتها قبل ان تنتهي المهمة القتالية للحلف الاطلسي في نهاية 2014. وكان هيغل زار افغانستان اربع مرات عندما كان عضوا في الكونغرس عن ولاية نبراسكا. وتعود اخر زيارة له الى صيف 2008 وقد قام بها برفقة السناتور باراك اوباما الذي كان ايضا يومها عضوا في مجلس الشيوخ.

في السياق ذاته أعلنت السلطات الافغانية مقتل ثمانية أطفال وشرطي في هجوم انتحاري جديد في شرق أفغانستان واستهدف الانتحاري دورية مشتركة للقوات الأفغانية وحلف شمال الأطلسي في مدينة خوست، حسب بيان حكومي واكد الناطق باسم الشرطة حشمت ستانيكزاي ان الرجل كان على دراجة عندما فجر الشحنة التي يحملها. وأضاف "سقط ضحايا وخصوصا من المدنيين لكن لا يمكن تحديد عددهم لانهم نقلوا الى عدة مستشفيات".

الى جانب ذلك لقي 17 شخصا حتفهم في هجوم شنه متمردون على مركز شرطة شرقي أفغانستان. وأعلنت حركة طالبان مسؤوليتها عن الهجوم الذي وقع في إقليم غزني شرقي البلاد. وقال حاكم غزني موسى خان اخبارزاده إن حارسين اثنين من الموقع اعتقلا ويجري التحقيق معهما لمعرفة السبب في فشلهما منع هذا الهجوم. وأضاف بأنه تم إرسال رئيس شرطة غزني إلى المنطقة للتحقيق في هذا الحادث.

وأوضح اخبازاده أن من بين القتلى 11 من ضباط الشرطة، و باقي القتلى هم أصدقاء كانوا يزورونهم. وأشار إلى أنهم جميعا قتلوا رميا بالرصاص وهم نائمون. وفي هجوم آخر فجر انتحاري نفسه في العاصمة كابول بالقرب من حافلة كانت تقل عناصر من الجيش الأفغاني، ما أسفر عن إصابة ستة جنود وأربعة مدنيين.

على صعيد متصل افادت مصادر متطابقة ان حركة طالبان أعدمت 17 جنديا أفغانيا على الاقل بعد اسرهم اثر كمين نصبته السبت في باداكشان، الولاية الجبلية الهادئة نسبيا في شمال شرق البلاد. وقال مساعد قائد شرطة باداكشان سيد جاهنجير كرمات " نصب عناصر من طالبان كمينا لقافلة تابعة للجيش الافغاني واسروا 24 جنديا. قام العدو باعدام 17 منهم وتم العثور على جثثهم. وجرى الافراج عن سبعة عسكريين اخرين مقابل معتقلين من طالبان لدى الشرطة". وصرح عبد المعروف راسخ المتحدث باسم حاكم الولاية "عثر سكان على جثث 17 جنديا افغانيا مصابة بالرصاص في منطقة وردوج". واكد الجنرال محمد زاهر عظيمي المتحدث باسم وزارة الدفاع الافغانية الحادث من دون تحديد عدد العسكريين القتلى.

وقال ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم طالبان ان المتمردين قتلوا 16 جنديا "في ساحة المعركة" واسروا 12 افرج عن 11 منهم في اطار عملية مبادلة. وتابع انه تم تدمير ثماني عربات تابعة للجيش الافغاني والاستيلاء على اثنتين اضافة الى "كميات كبيرة من الذخائر". من جانب اخر أفادت تقارير بمقتل ثلاثة أشخاص في هجومين انتحاريين بسيارتين مفخختين في مدينتي جلال أباد وبولي عالم شرقي أفغانستان. واستهدف الهجوم في جلال أباد كبرى مدن شرقي أفغانستان القريبة من الحدود الباكستانية مجمعا للاستخبارات الأفغانية وقتل فيه اثنان من عناصر الأمن وجرح ثلاثة آخرون، كما قال المتحدث باسم شرطة المنطقة.

وأكد الناطق باسم ولاية ننغرهار حيث تقع جلال أباد حصيلة ضحايا الهجوم. أما الهجوم في بولي عالم كبرى مدن ولاية لوغار غير المستقرة والمجاورة للعاصمة كابول فاستهدف مركزا للشرطة، وأسفر عن مقتل أحد أفراد الشرطة وجرح اثنين آخرين، كما قال عبد الصبور نصرتي قائد شرطة الإقليم ومساعده رئيس خان صادق.

من جانب اخر طلب الرئيس الأفغاني، حامد كرزاي، من القوات الأمريكية مغادرة محافظة ورداك بعد اتهامات لها بالاختطاف والتعذيب. وقال المتحدث باسم الرئيس الأفغاني إن الإجراء قد اتخذ بسبب أعمال قام بها أفغان هم جزء من القوات الأمريكية الخاصة العاملة هناك. وكانت محافظة ورداك ذات الأهمية الاستراتيجية قد أصبحت مركزا للعمليات المناهضة للجماعات المسلحة.

وقال متحدث رسمي أمريكي إن الولايات المتحدة قد تعاملت بجد مع هذه الاتهامات. لكنه قال إنه لا يستطيع التعليق بشكل محدد على التطورات الأخيرة. وقال المتحدث باسم الرئيس الأفغاني إن القوات الأمريكية الخاصة يجب أن تغادر ورداك. ويأتي هذا الإجراء وسط مزاعم بأن وحدات أفغانية تعمل لصالح جهات أمريكية وتتسلم أجرا منها، حسب ما أفادت به مصادر الحكومة الأفغانية، متهمة بارتكاب أعمال خطف وتعذيب. كما ألقى تحقيق أولي باللائمة على هذه الوحدات في قطع رأس طالب جامعي في المحافظة.

في السياق ذاته أكد الجنرال جوزف دانفورد، قائد قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان أن "تسليم آخر دفعة من المعتقلين لدى الأمريكيين إلى السلطات الأفغانية لن يتم إذا كان هؤلاء السجناء يشكلون تهديداً للقوات الدولية". ويشكل تسليم آخر مجموعة من المعتقلين في سجن "باغرام"، الذي كان من المتوقع أن يُنفذ يوم 9 مارس/آذار، موضوع خلاف بين الرئيس الأفغاني حامد كرزاي وقوات التحالف.

وقال الجنرال دانفورد: "هناك خلاف في الرأي على الأرجح. بالتأكيد ليس لدينا أي معتقل في المنشأة (باغرام) لا يستحق أن يكون في هذا المكان". وأضاف لمجموعة من الصحفيين أن "عملية التسليم لن تتم إذا كان هناك تهديد للقوة" الدولية، موضحاً أنه "اذا كان هناك أشخاص يجب ان يبقوا معتقلين فعلينا التأكد من أنهم معتقلون" فعلا.

وطالب كرزاي بوضع سجن "باغرام" الواقع على بعد 50 كلم شمال كابل تحت سلطة الأفغان خلال أيام. وقال مكتب كرزاي في بيان له إن "الرئيس شدد على أن كل الجهود يجب أن تبذل للتأكد من القيام بعملية التسليم هذا الأسبوع، ومن أن أفغانستان تملك السيادة الكاملة على السجن".

من جهة اخرى أعلن قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط وجنوب اسيا الجنرال جيمس ماتيس انه أوصى بإبقاء 13600 جندي أميركي في أفغانستان بعد انتهاء المهمة القتالية للحلف الاطلسي في 2014. وقال الجنرال ماتيس اثناء جلسة استماع امام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الاميركي ان "توصيتي هي الابقاء على 13600 جندي اميركي". واوضح في الوقت نفسه ان الرئيس الاميركي لم يتخذ اي قرار حتى الان.

والرقم الذي طرحه الجنرال الاميركي اعلى بكثير من العدد الذي تم الحديث عنه مرارا لجهة التواجد العسكري في افغانستان. وهؤلاء العسكريون سيتولون قيادة مهمات تدريب الجيش الافغاني ومكافحة الارهاب. واقر البنتاغون بان المباحثات داخل الحلف الاطلسي تتناول عددا يتراوح بين "ثمانية الاف و12 الف رجل" في الاجمال، بما في ذلك المشاركة الاميركية.

واثناء المباحثات التي جرت داخل الادارة الاميركية في 2009 حول ارسال تعزيزات الى افغانستان، فان العسكريين كانوا يؤيدون نشر 40 الف رجل اضافي بينما لم يقترح نائب الرئيس جو بايدن سوى 20 الف عسكري. وقرر باراك اوباما اخيرا ارسال 33 الف جندي لتعزيز القوات الميدانية.

من جانبها قالت ناطقة باسم قوات حلف الناتو العاملة تحت القيادة الأمريكية في أفغانستان (إيساف) أن فحصا نوعيا للمعلومات كشف إدراج بيانات خاطئة في قاعدة البيانات الخاصة بعمليات الحلف في أفغانستان، وبررت ذلك بكونه محض أخطاءٍ احصائية. وكانت قيادة الحلف قد أقرت بنشر معلومات خاطئة أوحت للمطلعين أن عدد الهجمات التي شنتها حركة طالبان ضد قوات الحلف هناك قد انخفضت خلال السنة الماضية، وتم بعد ذلك حذف هذه المعلومات التي أظهرت نقصا في عدد هجمات طالبان بنسبة سبعة في المئة خلال عام 2012 من قاعدة معلومات الحلف.

الا أن التصحيحات المفترضة تجاهلت ذكر عدد الهجمات الفعلية لطالبان خلال تلك السنة وأغفلت إدراج أي تقييم واقعي لنتائج عمليات وتواجد الحلف، مما جعل الأمر برمته يشكل حرجا شديدا لحلف الناتو وقيادات قواته العاملة في أفغانستان. والمعروف أن القيادات السياسية الغربية يهمها إظهار تزايد الانفصال بين الحركة وعامة الشعب الأفغاني. ولعل تصريح الجنرال جون آلان قائد قوات الحلف في أفغانستان بأن قوات الحلف صارت قريبة من الانتصار في هذه الحرب. ورغم هذا فإن كثيرين من المراقبين يرون أن طالبان أبعد ما تكون عن الهزيمة وأنها ما زالت قادرة علي شن هجمات موجعة في مناطق تعد نظريا تحت السيطرة التامة للحلف والحكومة الأفغانية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 17/آذار/2013 - 5/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م