التحالف الإستراتيجي ما بين الشيعة والكرد مهم ولكن...

خضير العواد

عندما تقام التحالفات ما بين مجموعتين أو أكثر تبنى على تبادل المنفعة ما بينهم، وهذه أهم غاية من ظهور التحالفات التي أظهرها لنا التاريخ الإنساني منذ أن خلق الله الخليقة والى الآن، وعندما تختفي ظاهرة تبادل المنفعة ما بين المجاميع المتحالفة يفقد العنوان (التحالف) معناه ويصبح الإرتباط تحت عنوان أو أسم أخر، فمثلاً التحالف الشيعي الكردي الذي بدأ لأكثر من أربعين عاماً لمقارعة ومواجهة الحكم البعثي المستبد.

 وقد ابلى الطرفان بلاءً حسناً في قتال الطغمة البعثية الطاغية التي إضطهدت جميع فئات الشعب والعراقي وخصوصاً الشيعة والكرد الذين دفعوا الآلاف من خيرت شبابهم ضريبة نضالهم ومقاومتهم للنظام البعثي الصدامي الكافر بجميع القيم الإنسانية، علماً إن الموقف الشيعي رافض لإضطهاد أي إنسان على هذه المعمورة لهذا نلاحظ الموقف المرجعي ضد إضطهاد ومعانات الشعب الكردي، فقد أفتت المرجعية الدينية في النجف الأشرف فتواها المشهورة التي تحرم مقاتلة الكرد وكانت الفتوى من قبل السيد محسن الحكيم (قدس).

 وقد قاتل الشيعة جنباً الى جنب مع إخوانهم الكرد صدام وأعوانه من البعثيين، وفي كثير من المواقف حققوا إنتصارات باهرة تفتخر بها المعارضة العراقية وقد اختلط الدم الكردي مع الدم الشيعي نتيجة التضحيات التي قدموها مع بعض على أرض كردستان العراق حتى تحقق الإنتصار الكبير والتغير العظيم عام 2003 حيث سقط صنم الطاغية والى الأبد، ولكن بعد هذا التغير تغيرت الظروف التي تحيط بهذا التحالف وفي كثير من الأحيان يصبح هذا التحالف تخالف نتيجة الأهداف والغايات التي يريد تحقيقها كل كيان أو مجموعة، فالشيعة يريدون عراقا ديمقراطيا موحدا وقويا، والكرد يريدون بناء دولة كردستان بالإضافة الى عراق ديمقراطي وضعيف.

 هذا الإختلاف في الأهداف جعل الطرفين في كثير من الأوقات في أزمات حقيقية أخرها كادت أن تؤدي بإسقاط الحكومة، وقد ظهر هذا الإختلاف من خلال التحركات والمواقف والتحالفات لكل طرف، فمثلاً الجانب الكردي قوى علاقاته مع جميع الدول والتنظيمات التي تتبنى مواقف مضادة للعملية السياسية في العراق بل عندها مواقف معادية لحكومة بغداد مثل القائمة العراقية والأتراك والقطريين والسعوديين وكذلك الإسرائيليين، أي يحاول الكرد أن ينشؤون علاقتهم مع أي جهة تُسَرع من ولادة دولة كردستان حتى وإن كانت على حساب حليفهم الوفي الشيعة، وما زيارات مسعود البرزاني الى تركيا أو قطر وكذلك السعودية في أسوء الظروف التي تربط هذه الدول ببغداد بل في كثير من الأحيان يلتقي بقيادات هاربة من العدالة العراقية نتيجة أعمالها الإرهابية أو الفساد الإداري كالشعلان والهاشمي وكذلك شخصيات دولية لها تاريخ سيء بالمواقف التي يتبناها الشعب العراقي كسمير جعجع أو شخصيات ترفض الحكومة العراقية تواجدها على أراضيها كالمعارضة السورية.

 بل تحاول حكومة إقليم كردستان أن يبقى العراق ضعيفاً من خلال منع تسليحه وهذا ما يحاول فعله السيد البرزاني من خلال مطالبته الحكومات المصدرة للأسلحة أن لا تصدر للعراق، لهذا نلاحظ أغلب مواقف الجانب الكردي على النقيض من المواقف الشيعية وما التصويت على الموازنة إلا أكبر مثال على إختلاف الأراء والمطالب، التحالف الكردي الشيعي قبل التغيير كان عنده وحدة هدف وهو إسقاط النظام البعثي الصدامي ولكن اليوم لايمتلك هذا التحالف وحدة الهدف بل عند مكوناته أهداف مختلفة يصعب إجتماعها وتوحدها إلا إذا تنازل الجانب الكردي عن مطالبته بالإستقلال وتكوين الدولة الكردية، علماً ان كلا الفريقين الكردي والشيعي بحاجة لهذا التحالف لأنه صمام أمان لكلا الكيانين اللذين عانيا من الإضطهاد البعثي الصدامي، والكرد يعلمون بهذا الأمر لأنهم عانوا من جميع الفرقاء الذين يحيطون بهم الآن وخصوصاً الأتراك والعرب السنة، فأي تمزيق للتحالف الكردي الشيعي سيؤدي الى تقويت الكفة لدى الأتراك والعرب السنة ويضعف كلا الكيانين على الرغم من الموقع الجيد الذي يمتاز به الشيعة الذي يجعلهم أكثر طمأنينة وحماية.

 لهذا يجب أن يعي الكيانين الشيعي والكردي أن تحالفهم مع بعض قوة لكليهما ولكن يجب أن يقوم هذا التحالف على تبادل المنفعة وليس على الإبتزاز كما يفعله الكرد اليوم بالشيعة، فالتحالف يجب أن يبنى على أسس متينة تقوم على إعطاء الحقوق بشكل عادل ومتساوي والقيام بالواجبات عندها سيكون هذا التحالف قوي ورصين وعنده قابلية للإستمرارية، أما تحالف يقوم على الأخذ فقط وليس فيه عطاء فهذا تخالف وليس تحالف كما هو الحال ما بين الكرد والشيعة الآن، وهكذا ترابط تحكمه الظروف وتسيّطر عليه المواقف ومهدد في كل لحظة بالفشل والسقوط، فكفى الشعبين الكردي والشيعي المعاناة والتضحيات وعليهم الآن أن يرسموا مستقبلهم الجميل وأن يعيشوا بحرية وسلام وهذا يتم من خلال تحالف إستراتيجي حقيقي مبني على النوايا الصادقة لكي يعيش كلا الشعبين ومعهم بقيت فئات الشعب العراقي في عراق مملوء بالحب والسلام والعطاء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 17/آذار/2013 - 5/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م