خارطة العنف في العراق.. من يرسمها؟

عدنان الصالحي/مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

مازالت أعمال العنف في العراق منذ 2003 ولحد الآن تعيش حالة ضبابية في معرفة من يقف ورائها، فرغم التطور الكبير في أجهزة الأمن العراقية الجديدة وانتفاء السبب الرئيس وراء اندلاع تلك الأعمال وهو وجود القوات الامريكية، مازالت تلك العلميات تنفذ بطرق مختلفة من وقت لآخر دون الوصول الى معالجات شافية لمنعها.

قواعد البحث الجنائي تنص على ان: (كل جريمة وراءها مستفيد)، والتحقيق في جريمة يبدأ من المستفيد وغالبا ما يكون هو الجاني، فرغم ان اغلب العمليات في العراق بات من المؤكد ان المنفذ لها تنظيم القاعدة او كما يعرف التحالف البعثي التكفيري بطرق انتحارية على أساس محاربة العلمية السياسية التي بنيت عقب سقوط نظام البعث وتحت عنوان الوقوف بوجه (المد الشيعي) وإشعال الفتنة الطائفية لغرض تعقيد الوضع الداخلي والاقليمي، وصرف الذهنية المجتمعية لتتمحور حول العداء التاريخي للفكر السلفي التكفيري ضد الطائفة الشيعة.

 الا ان الدلائل تشير بوجود اهداف اكبر من المعلنة، فالقاعدة وغيرها من التنظيمات التكفيرية ليست سوى أدوات لتنفيذ أجندات لجهات معينة، وما يؤكد ذلك ان العمليات الارهابية في العراق تحمل بصمات لتلك الجهات وجميعها مستفيدة رغم اختلاف مشاربها وتوجهاتها، وما الارهابي الذي يفجر نفسه سوى دمية تحركها اصابع المستفيد، وقد لا يكون للجاني المباشر أي فائدة تذكر سوى عقيدة ضالة يحملها وغالبا ما يكون مغرر به والا فما هو فائدته المادية عندما يقتل نفسه او يفجرها!.

مما سبق يمكن ان نؤشر بعض العناصر التي تعمل على استمرارية اعمال العنف في العراق والتي تتمثل في:

1- عناصر ممولة (مستفيدة): وهي الجهات التي تدفع باتجاه ابقاء الوضع العراقي على ماهو عليه او الوصول به الى اعلى مستوى للفوضى، لذلك فهي تدعم وتجهز وتمول كل العلميات التي تنعش فكرتها او ترفدها سواء عمليات انتحارية او اغتيالات وغيرها، وهنا قد يكون المشار اليه جهات سياسية في دول اقليمية او مجاورة او شركات او اشخاص او حكومات.

2- عناصر مخططة: وعلى ما يبدو فان دور المخابرات للنظام السابق ورموز البعث العليا ومخابرات الدول المجاورة للعراق سواء كانت تلك المرتبطة بالجهات السياسية المشار اليها في النقطة الاولى او مخابرات الدولة بذاتها يبدو واضحا، ومهمتها وضع الخطط والطرق واليات تنفيذ علميات العنف دون كشفها وضمان استمراريتها.

3- عناصر منفذة: وغالبا مايكون هؤلاء من اصحاب العقول البسيطة او المغرر بهم من تنظيمات القاعدة او الحركات المتطرفة وهم في حقيقة الامر لايفقهون الابعاد الحقيقية للعمليات التي يقومون بها، وكل ما يحاولون الوصول اليه هو ايقاع اكبر عدد من الضحايا في صفوف المدنيين العراقيين وخصوصا الطائفة الشيعية التي يعيشون تجاهها عداءا تاريخيا يسيطر على تفكيرهم بشكل كبير.

4- عناصر متواطئة: ودورها يكون مهما ويمكن ان يعبر عنها بانها مجموعة اشخاص متوزعين في المنظومة الامنية العراقية بطريقة مدروسة من قبل الجهات المنفذة لتلك العمليات، ويتوزع صنفهم بين المفسدين ماليا او بقايا الاجهزة القمعية السابقة، وهم بذلك يستطيعون من خلال وجود تلك العناصر تمرير الكثير من المعلومات المهمة، ووجود هؤلاء الاشخاص بمثابة العين المراقبة لتحركات الخطط الامنية للمنظومة العراقية عموما ورسم خطط معاكسة ليسهل اختراقه.

5- عناصر متسترة: وغالبا ما تكون جهات داخلية وعلى مايبدو فان لها فائدة سياسية في ارباك ذلك الوضع فهي تضع ضمن حساباتها احراج كتل سياسية منافسه لها في الحكومة لغرض استنزافها سياسيا والاستجابة لمطالبها، ومثل هذه الجهات لاتساهم بشكل مباشر بالعمليات الارهابية إلا انها تعلم بالخريطة التي تسير وفقها تلك العلميات ولديها معلومات بالطرق والممرات التي تستخدم المجاميع المسلحة، لكنها تبقى المعلومة الاستخباراتية التي تملكها طي الكتمان كجزء من حرب (لي الاذرع) في المفاوضات.

هذه العناصر الخمسة يمكن اعتبارها مساهمة بشكل او بآخر برسم خارطة الاستهداف في العراق، ومما لاشك فيه فان تلك الجهات تختلف في مشاربها وتتفاوت في نسبة فائدتها ،غير ان مصالحها تكاد تكون متشابه وتتركز في:

1- الدافع الاقتصادي: فالاستقرار في العراق يعني بلاشك جذب الاستثمار اليه والنهوض بواقعه النفطي بشكل اساسي والارتفاع بصادراته ليكون منافسا كبيرا او حتى بديلا لصادرات النفط للدول الحالية، وهذا يعني تخلي الدول الغربية والأوروبية عن دعم تلك الدول لوجود البديل الجديد في تعاملات السوق النفط العالمية وبشكل نظام ديمقراطي لايشكل حرجا لتلك الدول وفسح المجال امام الربيع العربي ليشمل طوفانه حكومات المماليك والعوائل.

2- الدافع السياسي: فالتجربة العراقية الجديدة ورغم الاخفاقات الجزئية فيها ومشاكلها المتراكمة الا انها تعد التجربة الديمقراطية الاولى في المنطقة والتي سارت وفق خريطة حكم الاغلبية وسيادة نظام القانون وكتابة الدستور الذي يخضع الجميع له (رغم التوافقات لها وتحاول التأسي بها سواء في القريب العاجل او البعيد المنظور، وهنا تعمل الحكومات الفاسدة على تشويه تلك الحالة لعدم تأثر شعوبها بها وعدم المطالبة بالتغيير.

3- قوة المركز: وهنا تتداخل الافكار والتاريخ والهاجس المرعب من حكومة مركزية قد تسلك في بعض تصرفاتها مسالك الحكومات السابقة في التعامل مع المحافظات او المناطق الأخرى خصوصا التي تعتبر نفسها في طور الاستعداد النهائي للانفصال او التهيئة له، وبقاء الوضع الأمني هشا فهذا يعني ضمان تلك الاطراف انشغال الحكومة المركزية بنفسها ومشاكلها قبل الالتفات الى مشاكل اخرى.

ومما تقدم فان عودة الامن وسيادة القانون وتفكيك تلك الخريطة التي تسير وفقها اعمال العنف في العراق لا يمكن ان تتم إلا:

 بتوافق سياسي قبل كل شيء والاتفاق على مشروع وطني شامل يتفق فيه الجميع على كتابة ميثاق شرف تتخلى فيه جميع الاطراف عن أي اسلوب آخر غير الأساليب السياسية والدستورية في التنافس ويكون هدفها الاول بناء الانسان والبلاد وان تغلق كل الأبواب التي تسهل او تأوي من يريد تأجج العنف او إفساد الامن.

 وان تكون محددات نجاح الانسان من عدمه قدرته في النهوض بما اوكل اليه من مسؤوليات لا وضع العراقيل امام من يتنافس معه وهذا بحد ذاته مرهون بقدرة السياسيين العراقيين على اتخاذ قرارهم بفك الارتباط بكل الأطراف إلا طرف المصلحة الوطنية وعندها فان خارج الحدود او من يحاول العودة الى أمجاد سابقة لن يجد من يسهل او يعبد له الطريق في الداخل وستتمزق خارطة موت العراقيين بلا رجعة.

* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 17/آذار/2013 - 5/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م