الحكومة العراقية، وخاصة الوزارات والاجهزة الامنية، لابد لها من
اخذ الحيطة والحذر اكثر فاكثر، لان الارهابيين سيصعدون من جرائمهم خلال
الفترة القليلة القادمة، بسبب اربعة دوافع اساسية، وهي:
اولا: استهداف مشروع (بغداد عاصمة الثقافة العراقية) والذي سينطلق
الاسبوع القادم.
ثانيا: استهداف الانتخابات المحلية الجديدة والمزمع اجراؤها في شهر
نيسان القادم.
ثالثا: لتوظيف حالة الارباك التي خلقتها الشعارات الطائفية التي
رفعها بعض (معممي) و(سياسيي) منصات الاعتصامات والتظاهرات التي تشهدها
عدد من مناطق العراق، في محاولة منهم لنقل التأثير السلبي لما يجري في
سوريا من قتل وعنف وارهاب وتدمير الى العراق مرة اخرى.
رابعا: لإحياء ذكرى سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003 بالدم،
لتذكير الراي العام بسياسة الدم التي ظل يتبعها الطاغية الذليل صدام
حسين على مدى نيف وثلاثين عاما هي مدة حكمه الاسود والبغيض.
فليس غريبا ان يتزامن هذا التصعيد الارهابي مع الذكرى السنوية
لجريمة الطاغية في حلبجة الشاهدة الشهيدة، فان للتزامن دلالات ابرزها
مساعي الارهابيين لإحياء ذكريات الجرائم البشعة بالدم، وكأنهم يريدون
القول بانهم ماضون في نفس الطريق الذي مضى عليه الطاغية.
انهم يستغلون كل مناسبة لتذكير العراقيين بمنظر الدم الذي ظل يخيم
على بلاد الرافدين مدة حكم الطاغية الذليل، من اجل ارعاب الشارع
وارهابه، وبالتالي لانزال الياس والقنوط في قلوب الشعب، ليستسلم ويترك
حابل الامور على غاربها فيخلو الجو لهم ولأيتام النظام البائد، فيعودوا
يعبثون به وباهله وبخيراته.
هذه الرسالة يجب ان يتذكرها العراقيون دائما، من اجل رص صفوفهم
لتجاوز الخلافات والمشاكل التي يمر بها البلد، وان على كل العراقيين ان
يتسلحوا بسلاح الاولويات عند البحث في الازمات، من اجل ان لا ينشغلوا
بالتوافه من الامور وينسوا الاستراتيجيات، فالذي ينشغل بالتوافه يضيع
المصلحة العامة، وبالتالي يمنح الارهابيين وايتام النظام البائد فرصة
ذهبية لإعادة عقارب الساعة الى الوراء ولات حين مندم، فعندها سيكون
الرابح من العراقيين، خاسر، هذا اذا ظن البعض بانه سيربح شيئا ما اذا
عادت عقارب الساعة الى الوراء، فعادت الاقلية تحكم البلاد بسياسة
التمييز الطائفي والاثني.
ان على المؤسسات الامنية ان تكون اكثر حيطة وحذرا وانتباها خلال
هذه الفترة التي قد تشهد تصعيدا ارهابيا خطيرا مثل الذي شهدته اليوم
العاصمة بغداد، لا سامح الله.
ان من اعظم المخاطر التي تحيق بالعراق الجديد هو ان يفقد المواطن
ثقته بالجهاز الامني للدولة، لان ذلك يعني شل هذا الجهاز عن الحركة
والتنفيذ، وسيحصل ذلك اذا ما تكررت الخروقات الامنية بهذه الصورة
المفجعة، وعلى حد قول احد المواطنين متحدثا من على احدى الفضائيات (اذا
كانت الحكومة غير قادرة على حماية وزارة مهمة كوزارة العدل في وسط
العاصمة بغداد، فكيف ستتمكن من حمايتي انا المواطن العادي؟).
يجب على الجهاز الامني للدولة ان يبذل المزيد من الجهد
الاستخباراتي للكشف عن الجريمة الارهابية قبل وقوعها، ليحافظ على
مصداقيته وعلى ثقة الشارع به.
ولا اعتقد بان امام الحكومة اليوم اية فرصة لتبرير الفشل الامني،
لان الجهاز الامني بكل وزاراته ومؤسساته واجهزته بيد رئيس مجلس الوزراء
حصرا، اذ لا يشاركه فيه اية كتلة برلمانية او سياسية اخرى ولا اي حزب
آخر غير حزبه، لنلوم المحاصصة، مثلا، فالملف الامني هو الملف الوحيد
الذي لم يخضع لا للمحاصصة ولا لمبدا تقاسم السلطة بين الفرقاء
السياسيين، والعراقيون يعرفون جيدا بان رئيس مجلس الوزراء رفض حتى الان
تعيين وزراء الوزارات الامنية ليظل ممسكا بخيوط الجهاز الامني بالكامل
بيده، فضلا عن ان الحكومة وظفت الجيش والقوات المسلحة الى جانب بقية
الاجهزة الامنية لضبط الامن، ناهيك عن ان قرار تثبيت وتغيير المسؤولين
الامنيين بيد شخص رئيس مجلس الوزراء، فكيف يمكنه ان يبرر الفشل او
التقاعس او عدم الانتباه، في احسن الفروض، لمثل هذه الخروقات؟ فضلا عن
اننا لطالما سمعنا من المسؤولين الامنيين، وكلهم من كتلة رئيس مجلس
الوزراء او قل من حزبه، يتحدثون عن قضائهم على تنظيم القاعدة الارهابي،
وانهم قادرون على تنفيذ الضربات الاستباقية الاستخباراتية، وانهم
اعتقلوا، وانهم اكتشفوا، فما هذا الذي تشهده العاصمة الحبيبة بغداد وهي
تستعد للبس بدلتها البيضاء في ليلة زفافها؟.
بدلا من ان ينشغل الجهاز الامني بالحديث والتصريح والخطاب
الاعلامي، فان عليه ان يخطط وينفذ بعيدا عن الكلام المعسول، وان عليه
ان يعيد النظر بخططه فورا لتلافي اراقة المزيد من الدماء، وبهذا الصدد
اعتقد بان مصارحة الجهاز الامني الشارع العراقي بمشاكله افضل من ان
يصور له (الهور مرق والقصب ملاعق) على حد قول المثل المعروف عند اهلنا
الطيبين في الهور العراقي.
وعلى الرغم من قناعتنا الثابتة من ان تصعيد الارهابيين لجرائمهم ضد
الابرياء سوف لن يزيد العراقيين الا ثباتا واصرارا على المضي في الطريق
الذي رسموه لانفسهم منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003 ولحد
الان، الا اننا حريصون على كل قطرة دم تراق على ارض العراق، ولذلك فان
على الحكومة العراقية والوزارات والاجهزة الامنية المعنية بالملف
الامني ان تاخذ المزيد من الحيطة والاحذر لإفشال خطط الارهابيين
والحيلولة دون استغلال الدوافع الاربعة التي ذكرتها للتو.
ترى، هل يعقل ان العراق الذي فيه اليوم اكثر من (2) مليون عنصر أمن
بشتى الاسماء والمسميات اي بنسبة (عنصر أمن لكل 15 مواطن) (النسبة
العالمية واحد لكل 200 مواطن) (القوات المسلحة الصينية، وهي اكبر جيش
في العالم تعداده (2) مليون وان نفوس الصين مليار وربع نسمة) وان
ميزانية وزارة الدفاع لوحدها في الميزانية العامة لهذا العام تعادل
ميزانية عشر وزارات، ثم تحصل مثل هذه الخروقات الامنية المرعبة؟ متى
ستستفيد الحكومة العراقية والوزارات والاجهزة الامنية من خبراتها
لإيقاف حمام الدم المستمر منذ عقد من الزمن؟.
متى سيضع السياسيون خلافاتهم جانبا ويعثروا على الحلول اللازمة
لأزماتهم ليتفرغوا لبناء البلد والذي يحتاج اولا وقبل كل شيء الى اشاعة
الامن من خلال السيطرة على كل انواع الخروقات الامنية التي تحصد ارواح
الابرياء وتدمر البنى التحتية؟.
ان كل قطرة دم على ارض العراق يتحمل مسؤوليتها السياسيون الذين
انشغلوا بخلافاتهم التي لها اول وليس لها آخر.
كما ان فقهاء التكفير وعلى رأسهم (فقيه موزة) يتحملون مسؤولية
مباشرة في اراقة الدم في العراق، بالاضافة الى ان (عمائم الفتنة)
الطائفية التي تعتلي منصات الاعتصام هنا وهناك من مناطق العراق يتحملون
مسؤولية الدم الطاهر الذي يراق على يد جماعات العنف والارهاب، لانهم
بخطابهم الطائفي المتشنج يحرضون الارهابيين على الاستمرار في تنفيذ
جرائمهم.
ولا ننسى هنا مسؤولية ايتام النظام البائد الذين تحالفوا مرة اخرى،
في الاونة الاخيرة، مع عناصر تنظيم القاعدة الارهابي لتصعيد العنف في
العراق.
ان العراقيين يحملون كل من ساعد الارهابي في الوصول الى هدفه
مسؤولية دمائهم الطاهرة، فبترودولارات نظام القبيلة الفاسد الحاكم في
دول الخليج تتحمل مسؤولية، وكذلك فقهاءه واعلامه الطائفي.
* مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن |