شبكة النبأ: كما يبدو أن الرئيس
الأمريكي بارك أوباما ينتظر معارك جديدة مع خصومه الجمهوريين بشأن
الاقتصاد، فعلى الرغم من التوصل لاتفاق بشأن الأزمة السياسية المالية
بداية العام التي عرفت بإسم الهاوية المالية، مازال الصراع مستمر حول
سبل معالجة الأزمة المالية المتجددة.
إذ يخوض الرئيس الديمقراطي أوباما والنواب الجمهوريون في الكونجرس
الأمريكي معارك أكبر بخصوص الميزانية خلال المدة المقبلة بعد التوصل
بصعوبة لاتفاق "الهاوية المالية" لتجنب زيادات كبيرة في الضرائب
وتخفيضات ضخمة في الإنفاق كان من شأنها أن تدفع الاقتصاد الأمريكي
لدائرة الركود.
ويرى بعض المحللين ان الجدل السياسي بين الادارة الديمقراطية
والمعارضة الجمهورية في الولايات المتحدة بشأن الدين الفيدرالي، يضع
اكبر اقتصاد في العالم على شفير خطة تقشف ضخمة.
حيث ان مشلكة الديون التي تعرض لها الاقتصاد الامريكي اربكت
اقتصادات العالم، لأنها تتعامل معه وبالتالي هي متاثرة بحالته نموا
وتراجعا، وكما عهد على الاقتصاد الأمريكي اذ كان يتغير من رئيس إلى اخر
ومن ديمقراطي إلى جمهوري حيث تتسم فترة حكم الديمقراطيين بالاستقرار
والرخاء الاقتصادي، اما الجمهوريين فكثيرا ما تحدث انهيارات اقتصادية
في فترات حكمهم.
إذ يحاول الرئيس اوباما ايجاد الطريقة المثلى لاعادة التوازن الى
المالية العامة للبلاد، على خلفية التزايد الكبير في حجم الديون
المترتبة على القوة الاقتصادية الاولى في العالم والتي تفوق حاليا 16
الف مليار دولار.
حيث يتوقع بعض المحللون نجاحه في ذلك بينما اخرون يتوقون حدوث العكس،
ومع عجز الطرفين عن التوصل الى اتفاق على جوهر المشكلة، عمدا الى وضع
حلول مؤقتة لها.
في حين يرى المحللون آخرون أن ممارسات أوباما تظهر الثقة المتزايدة
لرئيس يشعر الآن بحرية أكبر في مواجهة كونجرس جديد دون أن تكون لديه أي
مخاوف مرتبطة بالسعي لإعادة انتخابه، وكانت فترته الأولى قد شهدت شكاوى
من قاعدته الليبرالية من تهاونه الشديد مع الجمهوريين، الا انه اليوم
اظهر وجها سياسيا اخر لا يعجب الجمهوريين، لكن يرى معظم الخبراء بهذا
الشأن أن الولايات المتحدة لا يمكنها تحمل المزيد من المواجهات بشأن
الميزانية هذا العام أو في المستقبل بعد خروجه للتو من معركة تشريعية
طويلة لتفادي هاوية مالية، وعليه فقد يشهد الاقتصاد الأمريكي في عاما
الحالي تراجعا ملحوظا في نموه بسبب مشكلة الديون التي أرهقت الاقتصاد
الأمريكي، مما ينذر بانكماش جديد ستكون له انعكاسات خطيرة على الاقتصاد
العالمي.
في سياق متصل وقع الرئيس الاميركي باراك اوباما باسف مرسوما يسمح
بتنفيذ الاقتطاعات المالية التي حمل خصومه الجمهوريين مسؤوليتها بعدما
حذر بانها ستبب انتكاسة لاول اقتصاد في العالم، وفي الوقت نفسه امر
مكتب الموازنة في البيت الابيض مختلف الوكالات الحكومية باتخاذ
الاجراءات اللازمة لتطبيق هذا التقشف.
وحذر وزير الدفاع الاميركي تشاك هيغل من ان الاقتطاعات التلقائية "تهدد"
قدرة وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) على القيام بمهامها كما يجب،
واكد اوباما ان هذه الاقتطاعات "ستضعف اقتصادنا وتؤدي الى خسارة فرص
عمل وتؤكد بما لا يقبل الشك ان على الطرفين الارتقاء الى مستوى
المسؤولية للتوصل الى تسوية".
ويفترض ان تضاف هذه الازمة الى ازمة اخرى نتائجها اخطر وهي تمويل
الدولة الاتحادية للاشهر الاخيرة من ميزانية 2013.
لكن تبين مع الوقت على ضوء تشدد الطرفين وتمسكهما بمواقفهما ان
البيت الابيض كان متفائلا اكثر مما ينبغي، وان كان اوباما وافق على
مبدأ الاقتطاع من النفقات الا انه ظل يطالب بزيادة الضرائب على الاكثر
ثراء، وهذا مطلب لا يمكن ان يقبل به الجمهوريون بعدما سبق ان وافقوا في
كانون الثاني/يناير خلال جولة مفاوضات سابقة على زيادة الضغط الضريبي
على هذه الفئة الميسورة.
فمن المتوقع أن تحدث مواجهات حامية خلال الشهرين المقبلين بشأن خفض
الإنفاق وزيادة سقف الاقراض. وتعهد الجمهوريون الذين يشعرون بالغضب لأن
اتفاق الهاوية المالية لم يتضمن ما يكفي من الاجراءات لكبح العجز في
الميزانية الاتحادية باستخدام ذريعة سقف الدين للحصول على تخفيضات
كبيرة في الإنفاق المرة المقبلة.
لكن أوباما والأعضاء الديمقراطيين في الكونجرس قد يتشجعون بالفوز في
الجولة الاولى من المعارك المالية حينما صوت عشرات من الأعضاء
الجمهوريون في الكونجرس على زيادات هائلة في الضرائب للمرة الأولى في
عقدين.
كما اعتبر صندوق النقد الدولي ان هذا القانون غير كاف داعيا الى
تطبيق سريع "لخطة متكاملة" لتنقية المالية العامة.
لكن صندوق النقد الدولي رحب باجراءات الكونغرس لمنع زيادة الضرائب
وخفض كبير في النفقات العامة، غير انه طلب من النواب الاميركيين المضي
الى ابعد من ذلك "لاعادة وضع المالية الاميركية العامة على السكة
الصحيحة من دون الاضرار بالنهوض الاقتصادي".
وقال المتحدث باسم الصندوق غيري رايس في بيان "اننا نرحب بالاجراءات
التي اتخذها الكونغرس للحؤول دون زيادة الضرائب وتخفيض النفقات العامة
بشكل كبير".
واضاف ان "عدم تحرك الكونغرس كان سيطيح بالتحسن الاقتصادي" في
البلاد، مؤكدا ان "الامر ما زال يتطلب المزيد لاعادة وضع المالية
العامة الاميركية على مسار مستدام من دون الاساءة الى التحسن الاقتصادي
الهش".
وتابع المتحدث "ينبغي خصوصا تبني خطة متكاملة باسرع وقت تسمح في
الوقت نفسه بضمان زيادة موارد الدولة والتحكم بزيادة نفقات الضمان
الاجتماعي على المدى المتوسط".
ورأى الصندوق انه من "الملح" ان ترفع الولايات المتحدة "سريعا" الحد
القانوني لدينها العام وان يزيل النواب "الشكوك القائمة" المتعلقة
بتطور موازنة الدولة الفدرالية على الاجل القصير.
من جهة اخرى، اعلنت وكالتا التصنيف الائتماني الاميركيتان ستاندارد
اند بورز وموديز ان الاتفاق حول الميزانية الاميركية بعيد عن حل مسألة
الدين الاميركي العام الذي لا يمكن ان يستمر على الامد الطويل.
ووفقا لرأي العديد من الاقتصاديين فان هذا الاتفاق الذي سيترجم
بزيادة معدل الضريبة على الاسر الاكثر ثراء وزيادة قيمة الاشتراكات عن
التقديمات الاجتماعية المخصومة من الرواتب سيقلص بقوة نزعة الاميركيين
الى الاستهلاك خلال عام 2013، علاوة على ذلك فان تبني خطة خفض النفقات
العامة ارجىء الى وقت لاحق.
ومن المنتظر ان تصل السلطات الامريكية قريبا الى اقصى حد من
الاقتراض السيادي بما يعرف "بسقف الدين العام" وكان اعضاء جمهوريون في
مجلس النواب قد ناشدوا الحكومة بتخفيض النفقات بشكل عاجل لتجنب الوصول
الى هذا الحد.
من جانبه حذر زعيم المعارضة في مجلس الشيوخ الجمهوري ميتش ماكونللي
حذر الرئيس اوباما والحزب الديمقراطي من مخاطر السعي الى كسب عائدات
جديدة في ميزان المدفوعات.
الى ذلك اكدت وزارة الخزانة الاميركية انها ترفض تماما اللجوء الى
"حل سحري" تتداوله اوساط المال بكثرة ويقوم على سك عملة نقدية واحدة
قيمتها ألف مليار دولار لتجنيب البلاد مأزق عدم القدرة على رفع سقف
الدين بسبب عدم توصل الكونغرس الى اتفاق بشأنه.
وخلال الازمة الاخيرة المماثلة في ربيع 2011 حين بلغ الدين العام
حده الاعلى المسموح به قانونا وانتظر الكونغرس حتى اللحظة الاخيرة لرفع
هذا السقف، تداولت اوساط المال هذه الفكرة "السحرية" التي عادت الى
الواجهة مع تجدد الازمة.
وتستند هذه الفكرة السحرية لسك عملة قيمتها هائلة الى قدرة وزارة
الخزانة على سك عملات بلاتينية كتذكارات، من دون ان يكون هناك اي سقف
لقيمة هذه العملات التذكارية. ومن هنا يمكن للوزارة سك قطعة نقدية
واحدة قيمتها الف مليار دولار وايداعها الاحتياطي الفدرالي (البنك
المركزي) ومقابلها يمكنها اصدار سندات خزينة بنفس القيمة، وترتكز هذه
المناورة الى واقع ان سك العملات لا يخضع لسقف قانوني خلافا لما هو
عليه حال الدين العام. |