السلام ونبذ التطرف في المنظور الاسلامي

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: يشير أصحاب الفكر الى أن استخدام القوة في جميع الاحوال، هو نوع من انوع الاكراه والعنف، إلا في حالة واحدة، وهي حالة الدفاع عن النفس، لذلك فإن القوة بكل اشكالها وصورها هي العنف بكل اشكاله وصوره، ما لم تأت في محل الدفاع عن النفس.

ومن هذا المنطلق يصف سماحة المرجع الديني ىية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في الكتاب الموسوم بـ (عبق المرجعية) يصف العنف بأنه: (استخدام القوة المعتدية).

بهذا المعنى فإن استخدام القوة خارج الحدود (السلمية)، تشكل نوعا من انواع العنف والاعتداء على ارواح وممتلكات وحريات الآخرين من دون وجه حق، او من دون مسوّغ قانوني او اخلاقي يسمح باستخدام القوة ضد الناس لاسيما الابرياء والعزل.

من هنا وقف الاسلام في تعاليمه كافة بحزم وشدة ضد استخدام العنف والاكراه، وشجع على الجنوح الى السلم، والعيش في ظل السلام الدائم من اجل الاستقرار ومن ثم الانتاج والابداع الدائم.

الاسلام واعمال العنف

لا شك هناك اجندات قديمة متوارثة وحديثة، تسعى بتخطيط وتنظيم، لتشويه صورة الاسلام، ولصق ظاهرة العنف به، من خلال الفهم الخاطئ له، لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا في هذا المجال بالكتاب المذكور نفسه: (من المعلوم ان كلمة الاسلام ترادف اللاعنف والسلام، ولكن اليوم صارت اعمال العنف والقتال والاغتيالات تلصق بالاسلام، فهل سبب ذلك يعود للاسلام أم المسلمين؟!).

إن الاسلام منذ بزوغه في صدر الرسالة النبوية الشريفة، بدأ في بث روح السلام في مجتمع الجزيرة العربية، ونشر روح التآخي، وأمر بتثبيت ركائز العدالة الاجتماعية، وحارب الاسلام بقوة جميع اساليب العنف الاجتماعي وسواه، والغى القيم والعادات القائمة على العنف آنذاك، ومنها على سبيل المثال قضية (وأد الاناث) التي كانت سائدة في المجتمع الجاهلي قبل الاسلام، كذلك ألغى الاسلام قضية الاستعباد وجعل الجميع احرارا، وشرع الاسلام بنشر السلم والسلام في المجتمع، حتى في حالة خوضه المعارك الدفاعية ضد قريش، حيث كان الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، ينشر بين الجميع قيم السلام والسلم واللاعنف والعدالة الاجتماعية، عبر قنوات عديدة كانت متاحة آنذاك لنشر السلام في المجتمع الاسلامي ككل.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (الاسلام دين السلم والسلام، ويعمل على نشر الامن والامان والسلم والسلام في العالم، ويسعى في اطفاء نار الحرب، واخماد لهيبها، وانتزاع فتيلها من بين الناس، باجتثاث العوامل الداعية للحرب، وزرع العوامل المشجعة على المحبة والوئام).

وهكذا يبدو التناقض كبيرا بين العنف كمنهج حياة وبين نشر المساواة وترسيخ ركائز العدالة في المجتمع، اي أن التحرر وحفظ كرامة الانسان تتطلب اولا نبذ العنف تماما، من خلال اشاعة ثقافة ومناهج اللاعنف بين الجميع.

لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع في الكتاب نفسه: (يمكن مكافحة العنف في المجتمع من خلال تعميم ثقافة اللاعنف، وتوضيح ان العنف نار تحرق الكل ولا تستثني احدا، وبيان مضار العنف النفسية والاجتماعية والدينية، وتوفير الحرية للمجتمع).

وهناك رد فعل معاكس يحدث نتيجة لغياب السلم، وحلول منهج الاكراه والقوة بديلا عن السلام، فالكبت والقوة يؤدي الى التعصب، وانتشار التطرف بقوة، وهو ما يؤدي بالنتيجة الى اشكال عديدة من العنف الذي يقضي على الفرص المتاحة لتحقيق عدالة اجتماعية تشمل عموم المجتمع، لهذا يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (في اجواء الكبت والارهاب والاستبداد والدكتاتورية تنمو الاتجاهات المتطرفة والحركات التدميرية، لذا لابد من ارساء دعائم العدالة الاجتماعية وتوفير الفرص للجميع، واعطاء حقوق الفقراء والمحرومين، وقيام الانظمة العامة التي تحمي المجتمع من حاملي راية العنف، وفتح قنوات الحوار البنّاء بين الافراد والتجمعات).

جذور العنف والاستبداد

إن المنهج الاسلامي ينطلق دائما من السلم، نظرا لأهمية هذا المنهج في تحقيق الاستقرار، واتاحة الفرص الاكثر والاكبر للابداع والانتاج الافضل، لذلك يحذر سماحة المرجع الشيرازي من الفهم الخاطئ للاسلام، او للدين ونصوصه وما يتمخض عن السيرة النبوية الشريفة وسيرة ائمة اهل البيت عليهم السلام، لأن التحليل الخاطئ والفهم المشوه، سوف يؤدي الى نتائج خطيرة تسيء للدين نفسه، لاسيما من لدن اولئك الذين يتخذون من العنف والتطرف وسائل وصورا وسلوكيات تجعل الاخرين ينظرون الى الدين على انه يشجع على العنف، وهو براء من هذا المنهج، لذلك من الخطورة ان يفهم الاسلام بصورة خاطئة.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (تكمن جذور العنف في الجهل والعصبية، والفهم الخاطئ للدين، والاستبداد والدكتاتورية والحرمان الاجتماعي، والظلم من قبل الحكومات والافراد الذي يولد العنف المضاد، وغلق قنوات الحوار البناء، او ضيق هذه القنوات). ويضيف سماحته قائلا في هذا الصدد ايضا: (من أضرار العنف .. انه يشوه صورة الاسلام في الاذهان، ويعطي ذريعة للاعداء كي يسموا الاسلام بالعنف والهمجية والوحشية، ويخلقوا حاجزا نفسيا بين الناس والاسلام).

لذلك يحذر سماحته من استخدام العنف الذي يشكل منفذا للهجوم والاساءة للاسلام، وهو ما يقوم به من يدّعون الانتساب للاسلام، ولكنهم متطرفون يسيئون للاسلام بأفعالهم التي لا تفرق بين قوي او ضعيف، ومسلح وأعزل، وطفل او امراة او شيخ، فالكل هم اهداف للتطرف بحجة الجهاد، وهذا اسلوب يرفضه الاسلام قطعا.

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (لا يصح استخدام العنف الذي قد يتخذ منفذا للهجوم على الاسلام، ولو في مواجهة العنف). وينبغي ان يكون هناك حضور للحيّز الاخلاقي ايضا، اذ يؤكد سماحته قائلا: (لأهمية الاخلاق الانسانية في الاسلام أردف القرآن الحكيم بعض الاحكام المرتبطة بالعقوبات بذكر العفو، حيث يشفعها بالجانب الاخلاقي، ويصف العفو فيها بأنه أقرب للتقوى).

ويطالب سماحة المرجع الشيرازي، أن يلجأ اصحاب الحق لاستعادته، الى اساليب متحضرة، بعيدا عن العنف، طالما هناك بدائل للعنف مثل التظاهر والاضراب والحوار البناء وما شابه، لذا يقول سماحته في هذا الصدد: إن (اسلوب الحوار أولا، والمظاهرات والاضرابات السلمية ثانيا، هي الاجدى والأحمد عاقبة في السعي الى الاصلاح).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 14/آذار/2013 - 2/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م