السينما الإيرانية... بين التألق الخارجي والتضييق الداخلي

 

شبكة النبأ: يصنف الفن السابع الإيراني من أفضل التصنيفات الدولية على هذه الصعيد الفنية خاصة في الاونة الأخيرة، فعلى الرغم من الرقابة الصارمة وقمع بعض كبار صناع السينما الإيرانيين فاز العديد من الأفلام السينمائية الإيرانية بجوائز عالمية خلال العشرين عاما الماضية.

إذ تشهد السينما الإيرانية تطورا  كبيرا، بسبب بعض الممارسات في مجال تطوير الفنون السينمائية التي أعطت نتائج فعالة على هيكل السينما الحديثة، وذلك من خلال حصد الجوائز المحلية والعالمية وصناعة الافلام المتميزة كفيلم (انفصال) للمخرج الإيراني أصغر فرهدي بجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي العام الماضي وهو أول فيلم إيراني يحصل على أوسكار.

في حين اثار فيلم " فيلم "أرغو" الذي توج في هوليوود بجائزة اوسكار افضل فيلم، موجة كبيرة من النقد من لدن الجانب الايرنية، حيث اعتبرته مناهضا لإيران،  كونه يظهر مدى انغماس هوليوود في السياسة لتشكل السينما سلاح من أسلحة الصراع الامريكي الايراني.

خصوصا وان السينما تلعب عاملاً مهماً في سرد الاحداث بصورة لها تأثير على المتلقي على المستوى السياسي والاجتماعي على حد سواء، وذلك لأنها غالبا ما تعنى باقضايا السياسية والاجتماعية خصوصاً في الآونة الاخيرة.

كما احتجت إيران لدى منظمي مهرجان برلين السينمائي بسبب منح المخرج الإيراني جعفر بناهي جائزة عن فيلم أخرجه رغم قرار السلطات الإيرانية بمنعه من العمل في السينما لمدة 20 عاما، إذ يكشف هذا الاحتجاج صورة اخرى من الصور الرقابة الحكومية الذي تمارسها السلطة في ايران على صناعة الأفلام.

من جهة أخرى دعت الهيئة العالمية للعلماء المسلمين السلطات الإيرانية لوقف تصوير فيلم يجسد شخصية النبي محمد، ومنع عرض أي أجزاء من الفيلم الذي أعلنت إحدى شركات الإنتاج السينمائي في الجمهورية الإسلامية اعتزامها تصويره، رغم العديد من الدعوات المعارضة لإنتاج الفيلم.

وعليه تظهر الامور آنفة الذكر ان رواد السينما في ايران في المدة الأخيرة يصدرون ابداعات سينمائية محبوسة داخل وطنهم سيما التي تتلق بالقضايا الاجتماعية والسياسية، لكنها متألقة في المحافل والمهرجانات الفنية بالخارج.

فيلم أرغو مثير للجدل

في سياق متصل فيلم "أرغو" من اخراج بن افليك الذي توج في هوليوود بجائزة اوسكار افضل فيلم، يتناول حقبة صعبة في التاريخ الاميركي من دون ان يتردد في تناول الوقائع بتصرف احيانا واعتماد نهج افلام التشويق لاضفاء زخم درامي على القصة.

فالقصة الحقيقية التي كشفت عنها للمرة الاولى مجلة "وايرد" الاميركية العام 2007 بعد عشر سنوات على رفع السرية عنها من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي اي ايه) تشكل دعوة مفتوحة الى انتاج هوليوودي من هذا النوع وحلم تحقق لاي كاتب سيناريو.

فعندما احتل الثوار الايرانيون سفارة الولايات المتحدة في طهران العام 1979، تمكنت حفنة من الدبلوماسيين من الفرار من باب خلفي ولجأت الى سفارة كندا.

وبينما كان 52 رهينة اميركية محتجزين في السفارة حيث بقوا 444 يوما ما تسبب بسقوط الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر في الانتخابات امام رونالد ريغن في العام 1980، سعت السلطات الاميركية لايجاد افضل السبل من اجل اخراج هؤلاء الدبلوماسيين من سفارة كندا، توني منديز احد موظفي السي اي ايه اقترح يومها فكرة غريبة لكنها اعتمدت في نهاية المطاف. وتقوم الفكرة على الاعداد في هوليوود لانتاج سينمائي خيالي علمي يحمل اسم "ارغو" والذهاب الى ايران للقيام بعمليات استكشاف لمواقع تصوير ومن ثم العودة الى الولايات المتحدة مع الدبلوماسيين من خلال تقديمهم على انهم افراد في فريق الفيلم. بحسب فرانس برس.

وقال بن افليك خلال تقديم الفيلم في لوس انجليس "عندما اطلعت على السيناريو لم اصدق انه بهذه الجودة"، والسبب في ذلك ان الكاتب كريس تيريو الذي فاز بجائزة اوسكار ايضا، عندما وقع على هذه القصة اغدق عليها كل عناصر افلام التشويق مثل الترقب والخوف والقلق..حتى لو تطلب ذلك استحداث مشاهد لجذب الحضور اكثر.

ومن الامثلة على ذلك مطاردة الايرانيين على مدرج المطار للطائرة التي كانت تهم بالاقلاع وفيها الرهائن وهو امر لم يحصل في الواقع. وكذلك التقليل من اهمية دور كندا في هذه العملية.

الا ان ابطال القصة الحقيقيين ليس لديهم مآخذ كبيرة على الفيلم. فقد قال مارك ليجيك احد الدبلوماسيين الفارين بعيد فوز الفيلم في جوائز غولدن غلوب "افهم انه كان من الضروري اضفاء عناصر درامية على الوقائع لايجاد الاجواء المؤاتية فلا اظن ان هذا الفيلم كان ممكنا من دون اضفاء هذه العناصر عليه".

وقال كين تايلور الذي كان سفيرا لكندا في طهران في ذلك الحين والبالغ راهنا 77 عاما ان "أرغو" فيلم "جيد مشوق ومناسب. لكن كندا لم تقف مكتوفة الايدي تراقب الاحداث من دون ان تتحرك"، لكن فوز "أرغو" باوسكار افضل فيلم يأتي في اطار خاص في تاريخ هذه الجوائز خصوصا ان مخرجه وممثله الرئيسي بن افليك لم يكن مرشحا في فئتي افضل مخرج وممثل، وقبل "أرغو" وحدها ثلاثة افلام في تاريخ الاوسكار فازت باهم جائزة من دون ان يكافئ المخرج على عمله. وكان اخرها العام 1990 في فيلم "درايفينغ ميس دايزي" لبروس بيريسفورد، الا ان بن افلك كان لحسن حظه منتجا للفيلم ايضا الى جانب جورج كلوني وغرانت هيسلوف وتمكن تاليا من الحصول على تمثال عن الفيلم الذي يجسد هو شخصيا صورته الفعلية بلا شك.

مناهض لإيران

نقلت وكالة مهر للأنباء الإيرانية عن وزير الثقافة محمد حسيني قوله إن فيلم أرجو الفائز بجائزة أوسكار أفضل فيلم "مناهض لإيران".

ويصور الفيلم مهمة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية لإنقاذ دبلوماسيين أمريكيين من طهران عقب الثورة الإسلامية، وأضاف الوزير الإيراني أيضا أن الفيلم رديء.

ونقلت الوكالة شبه الرسمية عن حسيني قوله "هذا فيلم مناهض لإيران يفتقر إلى أي جوانب فنية وهو فيلم ضعيف جدا من وجهة النظر الفنية ونحن لا نتوقع غير ذلك من العدو."

واختير الفيلم الذي استوحيت قصته من واقعة حقيقية للفوز بجائزة أوسكار أفضل فيلم بعد أن حصل على مجموعة أخرى من جوائز هوليوود.

وفاز الفيلم الذي يصور مأساة الرهائن الأمريكيين في إيران بجائزة أوسكار أفضل مونتاج وأفضل سيناريو مأخوذ عن نص أدبي لقصته عن مهمة وكالة المخابرات المركزية لإنقاذ ستة دبلوماسيين أمريكيين من طهران تحت غطاء تصوير فيلم سينمائي من إنتاج هوليوود بعد قليل من الثورة الإسلامية. بحسب رويترز.

وجاء إعلان فوز أرجو بجائزة أفضل فيلم في مفاجأة أحيطت بأكبر قدر من السرية في تاريخ الجائزة حين ظهرت السيدة الأمريكية الأولى ميشيل أوباما في بث مباشر من البيت الأبيض لفض المظروف الذي ضم اسم الفيلم الفائز.

وقالت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية في تقرير "تسييس اختيار أرجو اشترك فيه البيت الأبيض وترك إعلان الفائز لميشيل أوباما قرينة الرئيس الأمريكي."

ولم يعرض أرجو في أي من دور العرض السينمائي في إيران لكن الفيلم متاح على نطاق واسع على أقراص مدمجة في السوق السوداء في طهران، وقالت إيران في سبتمبر أيلول الماضي إنها ستقاطع جوائز أوسكار لعام 2013 احتجاجا على فيلم مناهض للإسلام أنتج في الولايات المتحدة وأثار موجة غضب في أنحاء العالم الإسلامي.

رهائن أمريكيون

فقد أعلن رهائن سابقون تم احتجازهم في إيران، أن الفيلم الحائز على جائزة الأوسكار لفئة أفضل فيلم بعنوان "آرغو"، يمكنه أن يساعدهم في الحصول على تعويضات خلال المحاكمات التي يجريها الرهائن ضد الحكومة الإيرانية.

ويقول الرهائن الفعليين الذين تستند أحداث الفيلم حول ما جرى معهم في الواقع، إن الفيلم يحكي "جزءاً من قصتهم"، بحسب ما يقول المحتجز السابق ستيفين لاودرباك.

ويحاول الرهائن السابقون رفع قضية على الحكومة الإيرانية لكي تدفع لهم بدل تعويض عن الأضرار التي لحقت بهم، ويقول المحامي المسؤول عن الرهائن منذ سنوات، توم لانكفورد، إنهم يطالبون "بأربعة ملايين دولار لكل منهم". بحسب السي ان ان.

لكن الحكومة الأمريكية تصر على عدم دفع إيران تعويضات للرهائن، إذ كان الشرط الأساسي لإطلاق سراح الرهائن وقتها أن لا يحاول أي منهم رفع دعوى على الحكومة الإيرانية في محكمة أمريكية، لذا قامت المحكمة العليا برفض طلب استئناف لتعويض الرهائن عام 2012، وأكدت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان لها، على تفهمها "للإحباط الذي أصابهم، إلا أننا ملتزمون بهذا الشرط ويجب علينا احترامه."

ويشير المحامي لانكفورد إلى أن المجموعة ستحاول إقناع مجلس الشيوخ الأمريكي بالحصول على تعويض غير مباشر، فبدلاً من الحصول على تعويضات من الحسابات المجمدة لإيران، يمكنهم الحصول على نسبة من العقوبات المادية المفروضة على الشركات التي تتعامل مع إيران، وتكسر بذلك الحظر المفروض عليها.

فليم ستائر مغلقة

لم ينفذ جعفر بناهي بمفرده فيلمه الجديد "برده" (ستائر مغلقة) الذي شارك في مسابقة مهرجان برلين السينمائي في دورته الثالثة والستين، بل شاركه في انجازه صديقه منذ ثلاثين عاما، كاتب السيناريو كامبوزيا بارتوفي، الذي ادى حضر الى برلين كممثل عن بناهي.

وكان هذا الفيلم الاكثر انتظارا وترقبا في هذه الدورة من المهرجان التي غاب عنها المخرج بسبب حكم الاقامة الجبرية الذي فرضته عليه السلطات الايرانية التي منعته من العمل ايضا منذ العام 2009 بتهمة الدعاية ضد السلطات.

وناشدت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل طهران السماح للمخرج الايراني بحضور مهرجان برلين، بحسب ما اعلن الناطق باسم الحكومة الالمانية، لكن من دون جدوى، وبينما كانت سيارة كبيرة تجوب العام الماضي منطقة المهرجان في "بوتسدامر بلاتس" وعليها عبارة "لا تنسوا جعفر بناهي" بالخط العريض، كان بناهي عام 2011 مدعوا للمشاركة في لجنة التحكيم لكنه لم يتمكن من الحضور، ما دفع المهرجان الى عرض خمسة افلام تكريما له واحتجاجا على غيابه، اما هذه المرة فنشطت جمعية مدافعة عن الفنانين ورفعت امس امام قصر المهرجان صورة لبناهي وبجانبها عبارة "كان يفضل ان يكون هنا".

وعلى الرغم من المنع الذي يطاله، نجح بناهي في مايو 2011 في الحضور الى مهرجان كان السينمائي من خلال فيلمه "هذا ليس فيلما" الذي صور فيه عزلته ووحدته في بيته في طهران، اما في العام الذي سبقه فبقي مقعده خاليا رمزا لغيابه القسري عن لجنة التحكيم التي ترأستها آنذاك النجمة الفرنسية جولييت بينوش. فقد دعي للمشاركة في لجنة التحكيم في مهرجان كان بينما كان في السجن.

في "ستائر مغلقة" الذي يصور هاجس الكتابة لدى صانع افلام، يبدو العالم مغطى بالسواد كما ملصقات افلام المخرج السابقة وكما النوافذ التي تطل على البحر وعلى العالم. ويندد المخرج في الفيلم بمحاولة قتله المبرمجة كمبدع، في بيت منعزل هو عبارة عن فيلا من ثلاث طبقات، يصور المخرج عزلته ورهابه وخوفه من الاعتقال وعدم قدرته على مواصلة عمله الابداعي السينمائي.

ويتناول "ستائر مغلقة" عبر لغة سينمائية رمزية وساخرة نسبيا حكاية كاتب سيناريو لا يبارح منزله، بل يختبئ فيه ويعيش في عزلة تامة، لكن امرأة تقتحم حياته وتزيد من خوفه وتعيقه عن متابعة السيناريو الذي يعمل عليه، وفي مواجهة الواقع، ينغلق افق البيت والسينما والحياة ويتحجم خيال السينمائي الذي لم يكتب منذ فترة طويلة، فيجلس لمحاورة شخصيات تنمو في خياله مصورا عبثية الموقف بينما تراقبه الشخصيات وتحاسبه حتى نهاية الفيلم.

وترمز المرأة التي ظهرت فجأة الى السلطات او الى الوطن فهي من يكتب فيه التقارير وهي تعرفه تماما تعرف شكله وعمله وقصة شعره، تقول له: " انا اكتب فيك التقارير وهم سيبقون وراءك حتى يقتلونك"، وبالفعل فان فيلم "بارده" يطرح علامات استفهام حول امكانية الاستمرار في الابداع في ظل المنع وحين يتحول المنزل - الوطن الى سجن يجبر المخرج على الاقامة فيه، ما يدفعه الى التفكير في الانتحار.

وخلال المؤتمر الصحافي الذي اعقب عرض الفيلم قال كامبوزيا باتروفي شريك المخرج حول هذه النقطة: " اذا وضعت قيد الإقامة الجبرية في منزلي ومنعت من العمل فمن الطبيعي ان ابدأ بالتفكير في في الانتحار... لكنه لا يفكر في الانتحار كل الوقت.، وكما في الفيلم، كذلك في الاخراج، يتبادل المخرح والممثل الادوار وحين يختفي الاول يظهر الثاني او يتواكبان.

جعفر بناهي مخرج وكاتب سيناريو يريد ان يستمر في الحلم وان يثبت وجوده الفني ويتمرد على قرار المنع، لذلك يتحدى ويصنع فيلما صور سرا وبأبسط التقنيات، " لماذا الاستمرار في الكتابة... كل شيء انتهى"، تخبره المرأة لكنه يصر لان التمسك بعمله، مهما هزلت الصورة او تقلصت ومهما ضاقت المساحة من حوله، مرادف لتمسكه بالحياة لكن أي حياة؟، لا يكف المخرج الذي يربي كلبا يسليه في وحدته ويشاركه بجدارة بطولة فيلمه عن مقارنة عيشته بعيشة تلك الكلاب التي تضطر الى الاختباء كي لا يتم قتلها. بحسب فرانس برس.

وعرف عن جعفر بناهي افلامه الاجتماعية التي تندد بعدم المساواة وهو يعتبر في الغرب من اهم المخرجين المستقلين في ايران.

حاز فيلمه "دم وذهب" جائزة لجنة التحكيم في "نظرة خاصة" في مهرجان كان عام 2003. اما مهرجان برلين فمنحه جائزة الدب الفضي عام 2006 عن فيلمه "اوفسايد" (تسلل) بينما نال شريطه "الدائرة" جائزة الاسد الذهبي في البندقية عام 2000، وجعفر بناهي مولود في طهران التي درس فيها السينما عام 1960، وحكم عليه عام 2009 بتهمة "البروباغندا ضد السلطات" بسبب تصويره فيلما عن احتجاجات تلك الفترة وحكم عليه بست سنوات من السجن ومنع من صنع الافلام لمدة عشرين عاما لكن الحكم تحول الى اقامة جبرية ومنع من السفر.

فيلم يصور الرسول بإيران

على صعيد مختلف قالت هيئة علماء المسلمين، التابعة لرابطة العالم الإسلامي، في بيان حصلت عليه CNN بالعربية، إن السلطات الإيرانية "مسؤولة عما يتم في أراضيها، وعليها أن تمنع تجسيد شخوص الأنبياء والرسل"، ووصفت تصوير الفيلم بأنه "تجرؤ على مقام النبوة، ولا يليق بشخص النبي.. ويتعارض مع توقيره". بحسب السي ان ان.

وأضافت، في بيانها من مقرها بمدينة "مكة المكرمة" في المملكة العربية السعودية، أنها إذ "تؤكد على واجب المسلمين في الأخذ بقرارات المجامع الفقهية، والهيئات الشرعية، فإنها تدعو الإيرانيين وغيرهم، للتوقف الفوري عن هذه الأعمال.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 13/آذار/2013 - 1/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م