نفط الخليج ... صراعات إستراتيجية تستشرف الأزمات

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: يحتل الذهب الأسود المكانة الأولى في مجال الاقتصاد، الطاقة، الصناعة، كونه السلعة الضرورية التي يعتمد عليها العالم في مجال التنمية الاقتصادية والصناعية في عصرنا الحديث.

إذ ان الموارد النفطية في العالم مهددة نتيجة لتزايد استهلاكها بشدة، التي صارت لا غِنى عنها في الحضارة الحديثة، ومع التزايد السريع للطلب على الطاقة النفطية، يصبح المخزون الخام من النفط على الكرة الأرضية غير مستقر لارتفاع الطلب عليها لأغراض متعددة، وهذا ربما ينذر بنشوب "حرب النفط" في السنوات المقبلة من القرن الحالي.

حيث تأتي دول الخليج العربية في صدارة الدول المنتجة للطاقة النفطية في العالم، غير المستجدات الأخيرة المتمثلة بصعود الثورة الصخرية وهي مصطلح جامع لاستخراج النفط والغاز بتقنيات جديدة من مكامن غير تقليدية في الولايات المتحدة وفي أنحاء العالم. كشفت عن قلق متزايد بشأن النفط الصخري بين المسؤولين ورجال الأعمال في الخليج قد يفضي في النهاية إلى تغيير في الاستراتيجية الاقتصادية للمنطقة.

حيث رصد بعض المراقبين والاقتصاديين بالفعل بدايات تحول في السياسات، تجلت في محاولة رفع سعر الغاز الطبيعي الأدنى في العالم حاليا لخفض الدعم المكلف وتقليل الطاقة المهدرة، وسيكون رفع السعر تحولا اقتصاديا مهما في منطقة الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية لكنه سيكون تحولا صعبا لأنه قد يضر بالقدرة التنافسية لصناعات مثل البتروكيماويات.

فيما يشير صعود النفط الصخري - الذي قد يدفع أسعار النفط للهبوط في المدى البعيد ويبطئ نمو الطلب على الإمدادات الخليجية - إلى أن المنطقة مقبلة على يوم لن تعود فيه قادرة على مواصلة تلك الإستراتيجية.

ومن ثم ستواجه الحكومات ضغطا متزايدا لتوفير فرص عمل في قطاعات أخرى وتحفيز القطاعات غير النفطية في اقتصاداتها.

في حين يرى بعض المحللين انه بالرغم من ذلك قد تؤدي ثورة النفط والغاز الصخريين في نهاية المطاف إلى إلقاء نظرة على هذه القضايا من جديد، فمن الواضح أن تداعيات إنتاج الغاز الصخري في الولايات المتحدة وتأثيراته على مستقبل صناعة البترول الخليجي بدأت تشغل العقول.

ومن ناحية أخرى يرى محللون آخرون انه في بعض النواحي دول الخليج العربية أفضل استعدادا لمواجهة أي انخفاض في سعر النفط او رفع سعر الغاز مقارنة بما كانت عليه في ثمانينات القرن الماضي حين أدخلها هبوط مستمر في أسعار النفط في فترات ركود استمرت عدة سنوات.

بينما تشير بعض التقارير الرسمية وغير الرسمية إلى أن إيران بصدد استثمار 14 مليار دولار في حقول نفطية بمنطقة الخليج لدعم إنتاجها في الوقت الذي تواجه فيه الجمهورية عقوبات اقتصادية صارمة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية على خلفية البرنامج النووي المثير للجدل.

وعليه فأن التطورات الأخيرة على هذا الصعيد تظهر مؤشرات قوية لحروب إستراتيجية بين البلدان النفطية مما قد يخلق أزمة اقتصادية تمهد لصراعات إستراتيجية عالمية في المستقبل القريب.

في سياق متصل قال الوزير محمد بن ظاعن الهاملي في اجتماع منظمة البلدان المصدرة للبترول إن ثورة الطاقة الصخرية الأمريكية "مسألة كبيرة". وأضاف أن أوبك ينبغي أن تحمي نفسها بأن تجعل نفطها أكثر جاذبية للمستهلكين في العالم.

وقررت أوبك في فيينا ألا تغير سياسة الإنتاج ومنذ ذلك الحين يبدو معظم المسؤولين الخليجيين خلال الأحاديث العامة غير قلقين من إمكانية نجاح تقنيات جديدة في إنتاج مئات المليارات من براميل النفط في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وقال مارك ماكفارلاند كبير خبراء الاستثمار لدى قسم إدارة الثروات في بنك الإمارات دبي الوطني أكبر بنوك دبي إنه خلال زيارة للسعودية للقاء عملائه وجد أن تهديد النفط والغاز الصخريين يدفع إلى "إعادة التفكير" بشأن السياسة الاقتصادية، وقال إنه يوجد لدى المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال في أنحاء الخليج "قلق على مستوى الأفراد .. كيف سنجد بديلا لمصدر دخلنا الرئيسي؟".

وجاءت تصريحات الهاملي في فيينا بعد تقرير لوكالة الطاقة الدولية في نوفمبر تشرين الثاني تنبأ بأن الولايات المتحدة ستتخطى السعودية وروسيا لتصبح أكبر منتج للنفط في العالم بحلول عام 2017. وستزيد صادرات أمريكا الشمالية من النفط عن وارداتها بحلول 2030 تقريبا وستحقق الولايات المتحدة الاكتفاء الذاتي من الطاقة بحلول 2035 بحسب التقرير.

ويقول مسؤولون خليجيون إن من السابق لأوانه بكثير افتراض أنهم سيخسرون مركزهم القوى في أسواق الطاقة العالمية. وتعتمد توقعات النفط والغاز الصخريين على افتراضات بشأن التكنولوجيا والاحتياطيات والربحية ستتطلب سنوات أو عقودا لحسمها.

حتى إذا تراجع الطلب على واردات النفط والغاز في الغرب فقد ينتقل ببساطة إلى الاقتصادات سريعة النمو في الشرق مثل الصين والهند.

وإذا زادت بشدة الإمدادات غير التقليدية من النفط والغاز فستبقى لدى الخليج ميزة لمنافسة هذه الإمدادات من حيث التكلفة. فالتكلفة التقديرية لإنتاج النفط من المكامن الصخرية الأمريكية تبلغ نحو 50-75 دولارا للبرميل بينما تقل تكاليف الإنتاج في الخليج عادة عن 20 دولارا.

غير أن إمكانية استخدام هذه الميزة لدرء تهديد النفط الصخري تتقلص. فبسبب الزيادة الكبيرة في الإنفاق السعودي يعتقد محللون الآن أن الحكومة السعودية تحتاج سعرا يبلغ 65-85 دولارا لبرميل النفط لتحقيق التعادل في الميزانية بزيادة نحو 20 دولارا عن السنوات القليلة الماضية. لذلك فإن انخفاضا حادا في السعر قد يضر الموارد المالية للرياض حتى لو حافظت على حصتها السوقية.

وفي علامة أخرى على أن السعوديين يأخذون مسألة النفط والغاز الصخريين على محمل الجد قالت الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) المملوكة للدولة وهي أكبر شركة للبتروكيماويات في المملكة في نوفمبر إنها تدرس الاستثمار في ثورة الغاز الصخري الأمريكي.

وقال نيل شيرينج كبير الخبراء الاقتصاديين للأسواق الناشئة في كابيتال إيكونوميكس في لندن "من المرجح أن يكون تأثير النفط الصخري هو أن تدخر بلدان الخليج مبالغ أقل لا أن تنفق أقل ... ونحن على الأرجح نتحدث عن عملية ستحدث على مدى عقود وليس سنوات."

لكن على أقل تقدير لم يعد بإمكان دول الخليج في ظل النفط الصخري أن تفترض أن النمو الاقتصادي العالمي سيظل يعزز إيراداتها. وفي الأشهر القليلة الماضية عززت عدة دول جهودها للاستعداد لأوقات أكثر صعوبة.

ومن النواحي التي يجري التركيز عليها توجيه المواطنين الخليجيين إلى القطاع الخاص لتخفيف الضغط على موارد الدولة التي توظفهم في القطاع العام أو تدفع لهم إعانات بطالة. وأطلقت السعودية ضريبة جديدة للضغط على الشركات لتوظيف مواطنين سعوديين بدلا من موظفين أجانب أقل أجرا. وقالت الإمارات العربية المتحدة إنها تدرس تغييرات في قانون العمل لجعل وظائف القطاع الخاص أكثر جاذبية.

وتتخذ الحكومات أيضا خطوات لتنويع اقتصاداتها بعيدا عن النفط. وبدأت السعودية تحرير قطاع الطيران بالسماح لشركات جديدة بالعمل وأعلنت سلطنة عمان عن مشروعات صناعية جديدة منها مصنع للصلب باستثمارات 400 مليون دولار وأنشأت صندوقا حكوميا لدعم المشروعات الصغيرة.

وجرت محادثات جديدة بين الحكومات بشأن شبكة سكك حديدية بمليارات الدولارات لربط دول الخليج قد تفيد كثيرا في الاستعداد لتهديد النفط الصخري عن طريق تسهيل التجارة غير النفطية وصناعات جديدة.

ومن غير المتوقع أن تقوم دول الخليج بإصلاحات أكبر من ذلك لحين تزايد تهديد النفط الصخري. وقد تؤدي إقامة أسواق مشتركة لرأس المال في الخليج إلى تعزيز الاستثمار الخاص عن طريق تسهيل تدفق الأموال في أنحاء المنطقة لكن الخصومات السياسية قد تظل عائقا في سبيل ذلك.

ومن بين الخطوات المهمة أن تقلل الحكومات اعتمادها شبه الكامل على إيرادات النفط عن طريق فرض ضرائب على الدخل والمبيعات. لكن بالرغم من أن المنطقة ناقشت على مدى سنوات فرض ضريبة للقيمة المضافة على مستوى الخليج إلا أن السلطات تحجم عن تنفيذ هذه الخطة التي من المرجح ألا تلقى قبولا من المواطنين.

من جانبه قال كامل الهرمي محلل النفط الكويتي المستقل إنه بعد سنوات من النقاش بين المسؤولين الحكوميين قد يتم رفع سعر الغاز العام المقبل لكن أي زيادة ستكون صغيرة ومحسوبة حتى لا تضر قطاع البتروكيماويات.

ويتوقع محللون أيضا أن تزيد صادرات الغاز الأمريكي في السنوات القليلة المقبلة وهو ما يدفع الأسعار المحلية الأمريكية للصعود وبالتالي يساعد على حماية الميزة السعرية الكبيرة التي تتمتع بها الشركات السعودية، وإذا ظل سعر البيع المحلي أقل بكثير من المستويات العالمية فلن يوجد حافز كبير للشركات الأجنبية لاستكشاف الغاز في صحاري شبه الجزيرة العربية الشاسعة أي أن الدولة هي التي ستدفع تلك الفاتورة.

على صعيد ذو صلة رحب البيت الابيض بالتصريحات التي ادلى بها وزير النفط السعودي على النعيمي في الاونة الاخيرة والتي فسرها بعض مراقبي السوق على انها اشارة الى انه لا يتعين على الدول المستهلكة استخدام احتياطيات النفط الطارئة لتهدئة اسعار النفط.

في المقابل قال محمد علي خطيبي مندوب إيران الدائم لدى منظمة أوبك يوم الأحد إن أسعار النفط الحالية التي تتجاوز 100 دولار للبرميل لا تشكل أي تهديد على الاقتصاد العالمي وإن الضغط السياسي على الدول المنتجة لزيادة حجم إنتاجها هو نتيجة لقرب الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

بينما قال وزير النفط الكويتي هاني حسين في تصريحات نشرتها صحيفة الوطن ان تراجع الانتاج الايراني والتوترات الاقليمية تدفعان باسعار الخام نحو الارتفاع.

وقال حسين ان "انتاج النفط في ايران قل، الأمر الذي اسهم في رفع الأسعار اضافة الى التخوف من القلاقل الموجودة في المنطقة"، واضاف ان "هناك تخوفا من القلاقل السياسية بالمنطقة وتخوفا اقتصاديا يدفع الأسعار الى الزيادة"، الا انه اشار الى وجود "طوارئ لاحتمالات كثيرة" و"خطط لتزويد السوق المحلي وسد احتياجاته وسد احتياجات السوق العالمي بالمنتجات والنفط الخام".

الى ذلك قامت دولة الامارات بضح الشحنة الاولى من النفط المصدر من دون المرور بمضيق هرمز، وذلك عن طريق ميناء الفجيرة، وفق ما افادت وكالة انباء الامارات الرسمية.

واشارت الوكالة الى ان الشحنة التي تضم 500 الف برميل تم ضخها باستخدام خط انابيب نقل النفط الخام الواصل بين حقل حبشان في امارة ابوظبي وامارة الفجيرة على بحر عمان باتجاه احدى المصافي النفطية في باكستان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 13/آذار/2013 - 1/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م