شبكة النبأ: الاعلام العربي يحكمه
ميثاقان للشرف، الاول ولد في العام 1964 وهو دستور اتحاد الصحفيين
العرب الذي صدر مع قيام اتحادهم في ذلك العام واطلق عليه تسمية دستور
الاتحاد العام للصحفيين العرب، والثاني هو ميثاق الشرف الاعلامي الذي
اقره مجلس الجامعة العربية في العام 1978.
الميثاق الاول تضمن عدة نقاط مهمة منها: توخي الدقة والصدق والامانة
في العمل الصحفي، مراعاة المصلحة العامة، التحقق من صحة المعلومات قبل
النشر، عدم تشويه او اخفاء الحقائق عمدا، عدم السعي وراء المنافع
الشخصية، عدم الخروج على الاداب العامة، عدم التشجيع على ارتكاب
الجرائم، عدم التعرض للحياة الخاصة للافراد.
وهناك عدة مباديء اخلاقية تضمنها الميثاق منها: التزام الاعلاميين
العرب بالصدق والامانة في تاديتهم لرسالتهم وعدم الطعن في كرامة الشعوب
مع احترام سيادتها الوطنية، وعدم تحويل الاعلام الى اداة للتحريض على
استعمال العنف، وعدم الانحراف بالجدل عن جادة الاعتدال حرصا على قدسية
الرسالة الاعلامية وشرفها.. الى اخر ذلك من ضوابط واخلاقيات مهنية.
لم يكن العمل الاعلامي في الفترة بين العامين المذكورين بهذا
الاتساع الموجود حاليا..فلم تكن هناك فضائيات او محطات تلفاز خاصة، ولا
حتى صحف بهذه الكثرة الكاثرة..ولايعني وجود ميثاق شرف انه لايتم تجاوز
ضوابطه واخلاقياته.
عراقيا، إنعقد مؤتمر إبرام ميثاق الشرف الاعلامي في العام
11/08/2006 على وقع الاقتتال الطائفي والذي ساهمت في تاجيجه وسائل
اعلامية كثيرة، عربية ومحلية.. المؤتمر جاء كمبادرة حكومية، وليس من
جهة مدنية، كمنظمات او مؤسسات المجتمع المدني، والتي نبت اكثرها في
صحراء قاحلة من القيم والمباديء الاخلاقية والانسانية.
وكان البيان الذي صدر متضمنا دعوة وسائل الإعلام ل (لإلتزام بالصدق
والموضوعية والحياد في نقل وتداول الأخبار والتقارير الإعلامية بما
ينسجم مع مصلحة الوطن وعدم إستخدام المنابر الإعلامية للتحريض على
الطائفية والفرقة والدعوة الى التقريب بين أطياف الشعب العراقي). بعدها
بستة ايام تم الاتفاق على ميثاق شرف وطني ومجموعة آليات لتنفيذه..
وقد تضمن الميثاق بديباجته العامة: (نبذ الطائفية وازالة المفردات
التي تشيع الكراهية والالتزام بالصدق واحترام كرامة الانسان)... واحتوى
الميثاق على اثني عشر بندا تتوزع بين الضوابط والاخلاقيات المهنية في
العمل الاعلامي.
في العام 2007 كانت مديرة مشروع العراق في الصندوق الانمائي لهيئة
الاذاعة البريطانية تعمل على اعداد ميثاق شرف مهني للاعلام العراقي،
على اسس مهنية وفق المعايير الصحفية الدولية التي تشدد على الحياد
والموضوعية والنزاهة والتوازن مع الاخذ بنظر الاعتبار خصوصسيات وظروف
العراق الحالية وضرورة الفصل بين السياسة والاعلام خاصة وان معظم
المؤسسات الاعلامية العراقية الحالية تابعة لاحزاب سياسية وقوى دينية
وطائفية وعرقية كما اوضحت وقتها.
الميثاق اشار الى ان المهنية تقتضي الوقوف بمسافة واحدة من الحدث
والعمل وفق مبادئ النزاهة والدقة والموضوعية والعدل والتوازن. ونص ايضا
على انه يجب ألا يكون السبق الصحفي على حساب الدقة وان يكون العمل على
الحدث او الخبر بذهنية مفتوحة وليس بصورة مسبقة. كما يؤكد على ضرورة
تعزيز ثقافة الاعتذار في حال وقوع أخطاء ويمكن أن يكون الاعتذار بتصحيح
الخبر بخبر يشير إلى الخطأ ويصححه.
ويشدد الميثاق على التمسك بالمهنية الصحافية وبما يخدم المصالحة
الوطنية وان يكون الصحافي داعما لمبدأ المصالحة من خلال عدم وضع نفسه
في خانة دعم السياسيين والبرامج السياسية على حساب المعايير المهنية.
وينص على ان يلتزم الإعلاميون أخلاقياً بالابتعاد عن الحث على العنف
والتفرقة وكذلك احترام خصوصية القتلى بعدم نشر الصور احتراماً للكرامة
الانسانية والابتعاد عن التوظيف الخاطئ للصورة وعدم استخدامها في غير
محلها او وقتها.
ويؤكد الميثاق على ضرورة احترام الأفراد وخصوصياتهم في الإعلام
واحترام اختلاف الرأي وإعطاء المجال لكل الأفكار للتدوال دون تحيز
والابتعاد عن الأساءة الشخصية.
ويشدد على اهمية اعتماد القانون كمرجع أساسي وتفعيل دور القضاء في
البت بقضايا القذف والتشهير.. اضافة الى احترام التعدد الإثني والعرقي
دون تمييز وتفرقة على أساس الجنس او العرق أو الطائفة أو اللون أو
الدين.
في اذار من العام 2008 وقّعت مؤسسات إعلاميَّة وصحافيون عراقيون في
عمان على ميثاق للشرف المهني الإعلامي، يؤكد على (تحريم تشجيع أعمال
العنف والإضطرابات والحرص على التوازن بين حق الجمهور في المعرفة
وإعتبارات الأمن الوطني مع ضمان عدم استخدام القيود الأمنية ذريعة لسلب
أو تحجيم الحق في التغطية الإخبارية، كما يتعهد احترام تنوع التكوينات
القوميَّة والدينيَّة والسياسيَّة للمجتمع، وعدم التمييز ضد أي فرد أو
شريحة فيه أو توصيف الأفراد أو المجموعات بتصنيفات غير مقبولة و احترام
القيم والمعتقدات الأخلاقية والدينية والثقافية). ضم الميثاق 61 مادة
توزعت على عدة عناوين هي:
القيم المهنية – الموضوعية – الدقة - تصحيح الاخطاء وحق الرد –
(النزاهة – الصحافيون)
(النزاهة - المؤسسات الاعلامية) تغطية الشؤون السياسية والحكومية -
احترام تنوع المجتمع وقيمه - احترام الخصوصية الشخصية.
على ارض الواقع، تحت وقع حوافر السياسة، والغبار الذي يغطي سماء
العراق منها، ويغطي الاعلام ايضا، هل افلحت تلك المواثيق في الحد من
الظواهر التي دعت الى نبذها؟ ام ان الاعلام قد ساهم في المزيد من اثارة
هذا الغبار؟
المجريات اليومية للاعلام العراقي (صحافة مكتوبة وفضائيات) تؤكد ان
نسبة لايستهان بها من تلك المنابر الاعلامية قد انتهكت اكثر من مادة في
مواثيق الشرف السابقة لاسباب عديدة لاعلاقة لها بالمهنية او الاخلاقيات
الحاكمة للعمل الاعلامي.
ولعل مرد ذلك يعود بالدرجة الاولى الى الجهة الممولة للمنبر
الاعلامي، وهي تتوزع بين سياسيين او اصحاب اموال محسوبين على جهات
معينة، قد تكون طائفية او اثنية او قومية، مما يؤدي بالتالي الى ان
تكون تلك الوسائل الاعلامية منبرا للتسقيط والتهريج والاسفاف في حربها
مع الجهات الاخرى التي تقف ضد ممول الوسيلة الاعلامية.
من الصحافة المكتوبة قد ارشح صحيفتان او ثلاثة على اكثر تقدير، بحكم
متابعتي للصحافة المكتوبة، يمكن القول انها تلتزم ببنود ميثاق الشرف
الاعلامي.
وضع الفضائيات العراقية لا يسر، من ناحية المهنية والحيادية، وربما
تقترب بعضها من مضامين اخرى، كعدم الدعوة الى العنف والتسامح ونبذ
الكراهية، الا ان الغالب الاعم فيها هو التشجيع على كل ما من شانه
تاجيج الشارع وتحشيده، بغض النظر عن الاثار المترتبة على ذلك في محاولة
منها لخلق راي عام يتماهى مع سياسة القائمين على تمويلها لاغراض (شخصية
– طائفية – مالية) وهو راي عام يعتمد على العاطفة بالدرجة الاولى،
واكثر مايكون ذلك في اثارة عاطفة الخوف، التي يصفها الامام الشيرازي
الراحل في كتابه الراي العام والاعلام بقوله: (الخوف يدفع بالانسان الى
ان يبادر الى اي شيء ليزيله، وحيث يسيطر الخوف على الناس يتكون الراي
العام بفعل شيء يزيل ذلك الخوف).
يفقد الاعلام هنا حياديته ورسائل التطمين التي يجب ان يبثها الى
الناس، وينزع الى أدامة ذلك الخوف الذي يستجيب احيانا الى فعل عنيف
يخرج من دائرته الفردية الى دائرة اوسع هي المجتمع، مما يؤدي بالتالي
الى اجتراح وسائل قد تكون عنفية للتغلب على هذا الخوف ومحاولة قهره،
خاصة اذا كان الخوف من (طائفة – قومية – جماعة اثنية) في المجتمع.
وحسب تصور الامام الشيرازي الراحل في كتابه السالف الذكر، (ان مهمة
الاعلام في العصر الحديث لاتقتصر على ايصال المعلومات او تصحيحها وملء
الفراغ والترفيه بل ويتعداها الى التاثير على الافكار والاراء، وتشكيل
تصورات الشعوب والثقافات).
ما يحصل الان من قبل الاعلام العراقي هو محاولة تنميط وشخصنة للكثير
من الظواهر والاحداث على ايقاع السياسة وغبارها المتطاير، من خلال
مصادرة عقل الجمهور، واستغفاله، لان خطاب العقل، كما يصف ذلك الامام
الشيرازي الراحل (مرتبط بالعلم والحمة والصفات الحسنة كالصدق والامانة
والوفاء والحياء والمروءة والشجاعة والكرم وما اشبه ذلك)، وتلك صفات
لاتتوفر لدى اغلب القائمين على وسائل الاعلام العراقية. |