أن الفهم الخاطئ للدين وأحكامه من قبل الكثير من رجال الدين ممن
يطلقون على أنفسهم بـ(العلماء) هو الذي مهّد لظهور وتنامي الأفكار
التكفيرية التي غزت البلاد وأرهقت العباد. فقد نشأت تنظيمات متطرفة من
رحم التفكير السطحي والساذج لبعض رجال الدين، ومن هذه التنظيمات
الخطيرة (القاعدة)، ومن رحم القاعدة ولدت أيضا تنظيمات تخريبية
بالإضافة الى إنتشار الأفكار الهدامة مستغلة الوسائل الحديثة للترويج
لأفكارها السلفية (الكارتونية) والإفتاء بالقتل وكسب أنصار جدد. حيث أن
العنف بجميع أشكاله وتكفير الآخر هو الباعث الذي إعتمدته القاعدة في
إرساء وتوسيع هياكلها التنظيمية وهو ذات الفكر الذي يحرّك التنظيمات
المتطرفة على مستوى العالم.
لاشك بأن بريق السلطة وكرسي الحكم بالنتيجة هو المحرك الأساسي لقادة
التطرف وقد تسنى للقاعدة فيما سبق الوصول الى سدة الحكم في أفغانستان
وقد رأى العالم أجمع القناعات الفكرية والرؤية الدينية لهذا التنظيم
على أرض الواقع وكيف أهلكوا الحرث والنسل هناك وجعلوا من أفغانستان
ثكنة عسكرية لتدريب الشباب على القتل ونشر الفوضى في العالم عموما وبث
السموم الطائفية في العالم الإسلامي على وجه الخصوص. وبعد الذي جرى من
حروب تسبب به هذا التنظيم الإرهابي، تعيد بعض الفصائل التابعة لتنظيم
القاعدة المحاولة للوصول الى سدة الحُكم في الدول العربية والإسلامية
مستغلة الربيع العربي الذي تحوّل الى ربيع (السلف الطالح) الذي يأتمر
بأوامر رجال دين من شاكلة (القرضاوي) الذي يحمل صفة رئيس الإتحاد
العالمي لعلماء المسلمين والذي أصدر مؤخرا فتوى طائفية تحرض على تصفية
رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي، رغم أن الرجل المالكي
إختارته الجماهير لهذا المنصب ويمكنهم تغييره وفق آليات ديمقراطية
لاتتطلب سفك الدماء، ولم يأتي الى السلطة عبر إنقلاب كما فعل (ولي نعمة
القرضاوي) أمير قطر الشيخ حمد الذي وصل الى السلطة عبر الإنقلاب على
أبيه الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني.
ان المظاهرات التي يحاول القرضاوي إبداء تعاطفه معها لاتعدو عن
كونها مجاميع تتحرك وفق الأجندة الخارجية الهادفة لتمزيق وحدة المجتمع
العراقي عبر إثارة النعرات الطائفية وإحياء مشروع الإقتتال الطائفي
وكما يفعل مجرمو طالبان والقاعدة في باكستان اليوم من قتل جماعي للشيعة
في مساجدهم وأماكن عملهم. وللأسف وجدت هذه الدعوات والأجندات الخارجية
مكان لها بين جموع المتظاهرين في المناطق السُنيّة: فقد إرتفع سقف
مطالب المتظاهرين الى المطالبة بإلغاء الدستور وإسقاط العملية السياسية،
كما علت أصوات المتظاهرين في سامراء مطالبة بإعلان الجهاد ضد منتسبي
المؤسسة الأمنية والعسكرية في العراق.
المظاهرات الجارية في العراق هي الأخرى يتصدر المواقف فيها علماء
معممون، وأن فساد معظم الشعارات المرفوعة والمطالب المطروحة تعكس طبيعة
الأشخاص المتصدرين للتظاهرات في المناطق والساحات التي رفعت فيها تلك
الشعارات الطائفية والتحريضية. ولسنا هنا في مقام التعميم فهناك من
رجال الدين والوجوه الإجتماعية في المناطق المحتجة لم يلتحقوا في هذه
الساحات التي تثير الشك والريبة، بل منهم من أعلن رفضه لإستغلال هامش
الديمقراطية بشكل يسئ الى الأخوة السنية الشيعية في العراق..
ومن هنا نؤكد على أن المشاريع الشيطانية في المنطقة والعراق تتطلب
التواصل والتفاعل المثمر بين علماء الإعتدال من كلا المذهبين الشيعي
والسُني وعدم ترك منابر الوعظ والإفتاء لتجار العنف وأمراء الحروب ممن
لايفهمون من الدين سوى القشور.. وخشية من أن تأخذ الأمور مسارا يصعب
التكهن بنهايته نتيجة حصرهم للدولة العراقية في موقع الدفاع عن النفس
الذي تضطر معه الى حماية أمنها الوطني بطريقتها الخاصة.. فالعراق اليوم
بحاجة الى بذل جهود إستثنائية من قبل علماء الدين الحقيقيين لإبراز صوت
العقل وتأسيس قنوات إتصال تهدف الى جدولة المطالب المشروعة وفض
التظاهرات بشكل سلمي لسحب البساط من الأطراف الفاسدة وقوى الإرهاب.
............................
مقطع فيديو : تنظيم القاعدة يفصح عن نفسه بشكل علني
في مظاهرات الأنبار
http://www.youtube.com/watch?v=C2j6DouJ8hY |