حذاء النائبة والتوافق الوطني

حيدر الجراح

حين قذف منتظر الزيدي الرئيس بوش بحذائه، هلل العرب لهذا الفتح المبين، وعدوه انتصارا على امريكا، واقيم تمثال لهذا الحذاء في ليبيا ايام القذافي وفي تكريت العراقية..

وكثير من الكتاب امتدحوا هذا الحذاء الطائر وقتها، ورأوا فيه عزا ومجدا للكرامة العربية، التي كثيرا ما تم هدرها تحت بساطيل العسكر الامريكي والاسرائيلي.

الحذاء الجديد الذي احتل المشهد العراقي، هو حذاء النائبة عالية نصيف، وهذه المرة بوجه النائب عن القائمة العراقية ورئيس كتلتها البرلمانية سلمان الجميلي..

لاتخلع المراة حذاءها في مكان عام الا لضرورة قصوى، فقدمها له رمزية جنسية في المخيال الذكوري، وليس من السهولة ان تكشفه وتكون حافية في مكان عام..

مرتان شاهدت امرأة تخلع حذاءها وتلوح به طيلة سنوات عمري، المرة الاولى في الثمانينات، وكان ضد تحرش سمج من احد الأشخاص لامرأة مع بناتها في احد اسواق العاصمة بغداد، بحيث لم تعد تلك المرأة قادرة على تحمل هذا الإلحاح الأقصى في التحرش وفاض بها الكيل..

المرة الثانية قبل ايام قليلة، حين رفعت احدى النساء حذاءها بوجه احد المراهقين، الذي فر سريعا من امامها..

التحرش في الحالتين لم يقتصر على الكلمات، بل تعدى ذلك الى فعل الملامسة، ملامسة جسد المرأة، وهو انتهاك جنسي صارخ، تعتبره المرأة، اي امرأة، تحديا صارخا لكرامتها وانسانيتها..

وغير ذلك لاتخلع المرأة حذاءها الا بعد سماعها لكلمات نابية، تطعن في شرفها وكرامتها، وهي تضع حدا لهذا الطعن من خلال رفع الحذاء بوجه المنتهك لتلك الحرمة..

حذاء النائبة، لن يأخذ حيزا كبيرا من الاهتمام لدى الذين اهتموا بحذاء الزيدي ضد الرئيس بوش لسببين، الاول: انه حذاء امرأة ضد رجل، وهي اهانة للرجولة لايمكن الاحتفاء بها، في مجتمع يرفض ان تكون المرأة ندا للرجل او مساوية له..

الثاني: انه حذاء سياسي طار نتيجة (استبداد طائفي) لكتلة معينة ضد نائب يمثل طائفة معينة أخرى تدعي التهميش والإقصاء.

لكن حذاء النائبة في حالتنا العراقية يمكن ان يقدم رمزية عالية، خاصة وانه ترافق مع الاحتفالات بيوم المرأة العالمي، والتذكير بحقوقها المستلبة من الرجل في مجتمعات تهيمن عليها الثقافة الذكورية..

في كتابه (رمزية الحذاء والقدم في الادب والفن) يقدم الدكتور خريستو نجم، قراءة شيقة للقدم والحذاء من جهة ابعاده الكثيرة المتعلقة بالذكورة والانوثة..وهو يرى في تحليله لأحد النصوص الأدبية، (ان الحذاء المتواضع الذي يعاني جروح العالم بسبب الشراسة النابعة من ظلم البشر، يبقى هدفا للاضطهاد وهجمات الصعاليك الذي يطلقون عليه رصاص احقادهم، ولكنهم لاينالون شيئا من غير الكعب الثابت في وجه العنف.. ان الحذاء المضطهد يختصر بنزيفه مأساة الانسان المقهور في مجتمع يفتقر الى القيم السامية)..

في حالة النائبة وحذاءها الطائر، يصح عليه ماوصفه خريستو نجم (حذاءا متواضعا) كتواضع مكانة المرأة ودونيتها، والذي يعاني (جروح العالم) وهو في حالتنا العراقية، جروح المراة النازفة منذ عقود طويلة، الام والاخت والزوجة والابنة، نتيجة ظلم الآخرين، والاخرون هنا هم الرجال، مجتمعا او سلطة سياسية، لكن المرأة المهمشة والمسحوقة، لاتملك غير الثبات والوقوف بكعبها الثابت والنابت على الارض، والذي يمكن ان ينطلق بوجه المضطهد في ساعة من نفاذ الصبر لا يمكن ان تستمر الى الابد..

حذاء النائبة الطائر، هو كالهوية المستلبة، التي تترك القدم نكرة، بل تترك المرء كسيحا بلا قدمين، ومن هنا تأتي عدم قدرة المرأة على خلع حذائها في مكان عام، الا بعد ان يطفح الكيل ولا تعود قادرة على التحمل، تحمل الاهانة والتهميش والانتقاص من كرامتها وما يمس شرفها..

كيف بدأت الواقعة؟

قبل ذلك أقدم تذكيرا بلقاء تلفزيوني جمع احد اعضاء التحالف الوطني مع احد اعضاء القائمة العراقية عن المكون التركماني، بث من قناة الاتجاه ليلة الاربعاء، وقد اتهم عضو التحالف الوطني كلا من سلمان الجميلي وحيدر الملا بالطلب من الحاضرين من القائمة العراقية بالخروج من البرلمان وعدم التصويت على الموازنة، لم ينكر عضو العراقية التركماني تلك الواقعة، وبررها بانه تعبير عن الرأي والموقف السياسي الذي تتيحه الممارسة الديمقراطية.

هذه الواقعة تأكيد لما تحدثت به النائبة عالية نصيف في مؤتمرها الصحفي حين اتهمت سلمان الجميلي وحيدر الملا بتهديد نواب العراقية، وهو أيضا تاكيد لتصريح سابق للجميلي حين عد مسألة التصويت دون توافق الشركاء السياسيين بمثابة لي اذرع، وهو نفس التصريح الذي أعاده رئيس البرلمان بعد التصويت على الموازنة،وهو ايضا يكشف ان ادعاءات الجميلي لاصحة لها في رده حسب البيان الذي اصدرته القائمة العراقية بعد حادثة الحذاء الطائر، وهو بيان انشائي تعودنا عليه من القائمة العراقية، يحتشد بالكثير من العموميات والتضليل،

وهو ايضا يكشف عن مستويات من عدم الخجل والحياء الذي وصلت اليه مناكفات الكتل السياسية، بتقديم مصالحها على مصالح المتضررين من تأخير إقرار الموازنة تحت بند (التوافق – التخالف)، كما صرح بذلك الشابندر، وهو يكشف عن هذا التحشد للدفاع عن الباطل الذي برعت فيه القائمة العراقية في وقوفها مع التحالف الكردستاني من اجل مبالغ الشركات النفطية التي تدعي كردستان بأحقية دفعها عن طريقة الحكومة، لتذهب الى جيب نيجيرفان برزاني للانفاق على حملته الانتخابية، والتي قدرتها صحيفة (اويته) الكردية بثلاثة وثلاثين مليون دولار سحبها من وزارة نفط الإقليم.

لم يستطع اتصال علاوي الهاتفي الى نواب قائمته بعدم التصويت على الموازنة من ايقافه، ولم تفلح تهديدات الملا والجميلي، وتهديدات الكردستاني بايقاف ذلك التصويت..

حذاء النائبة والتصويت على الميزانية، وضع حدا للتوافقات السياسية التي كانت مطلوبة لتشريع الكثير من القوانين التي تهم صالح العراقيين، وهي ستقود الى تشريع من نوع آخر هو تشريع التصويت بالأغلبية البرلمانية..

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12/آذار/2013 - 30/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م