مستقبل الصراع بين الاصولية الدينية والحداثة

حاتم حميد محسن

اشتُق مصطلح الاصولية (fundamentalism) من عدد من المطبوعات المتعلقة بـ "اساسيات" الايمان المسيحي (1910- 1915)، حيث اعتُمد المصطلح كنقطة مرجعية لجماعات المحافظين من الامريكيين البروتستانت في بدايات القرن العشرين. حالياً يُستخدم المصطلح بشكل عام ليصف المحاولات المستندة على رؤية دينية او نص مقدس في مقاومة الميول العلمانية والليبرالية في مجالات الثيولوجي والثقافة والمجتمع، بصرف النظر عن الاصل الديني–الثقاتاريخي، وهو ما أثار انتباه المزيد من الدارسين والجمهور في اواخر القرن العشرين في محاولة لفهم الجماعات التي تتراوح من اليمين المسيحي الامريكي وحتى الاصولية الاسلامية.

تعريفات

تسود في النقاشات الأكاديمية ثلاثة انواع من التعاريف:

 التعريف الذاتي subjective وهو يعتمد على ما يقصده المعتقدون او المشاركون في الحركة ذاتهم في المصطلح. في السياق الامريكي، يشير هذا المصطلح اما الى الاصولي في نطاق ضيق كالافراد الذين يعتبرون انفسهم اصوليين او على نطاق اوسع ليشمل الناس الذين أعلنوا عن اتّباعهم لأصول معينة للمسيحية البروتستانتية، مثل عصمة الانجيل. هذا الاتجاه يسهّل ايجاد فروقات مفيدة بين الاصوليين والانجيليين في الحالة الامريكية، لكنه يقصر التحليلات بالمجتمعات التي استُعمل فيها المصطلح وبالجماعات التي استعملته، متجاهلاً العوامل التي تؤثر في الانطباع الذاتي للجماعات وبالمقاومة لإستعمال التسمية.

ان المعاني التاريخية المتغيرة والمحتوى السياسي للاصولية هما محل اهتمام اولئك الذين يفضلون الاتجاه السوسيوتاريخي. هم مهتمون في الاستخدام المتجدد للرموز الدينية لأجل ما يعتبره اللاعبون اغراضاً سياسية محافظة. هم بتركيزهم على الفعل الجماهيري وعلى نتائج الدين يكون لديهم اساساً سليماً للتحليل المقارن لكنه يختزل التجربة الحقيقية للجماعات المتحمسة دينياً.

النوع الثالث من التعاريف التحليلية يأتي من الاهتمام النظري بالاصولية كنوع من مضادات العصرنة المتميزة بقبول الافراد لضياع التمايز في الأشكال والوظائف.

الاصولية هنا تشير الى اولئك المنشغلين في إعادة تكامل النظام الاجتماعي تحت مظلة شاملة لجميع التقاليد الدينية. هذا الاتجاه يسهّل التوضيح المنهجي للاصولية كحركة متميزة ويؤكد على اهميتها في سياق التحديث، لكنه يهتم فقط في إعادة تفسير المصطلحات والرموز المُدركة ذاتياً ولا يستطيع تفسير الاستخدامات المتغيرة لمفهوم الاصولية. هذه الطرق الثلاثة في دراسة الاصولية تخدم أغراضاً مختلفة وهي عادة تلتقي في عمل الاكاديميين المنفردين كما يتضح ذلك في كتاب (مشروع الاصولية) الذي هو ذاته يسترشد بتعريف استقرائي يؤكد على التشابه العائلي بين مختلف الجماعات الدينية المحافظة ذات الاهداف المتضادة جزئياً.

الاصل والمعنى

ان الاتجاه الرئيسي في التحليلات الاجتماعية للاصولية هو بروز تفسير للنهضة ولدور الاصولية في فضح المفاهيم الخاطئة خاصة رؤية الاصولية كشكل قديم من التدين المتخلف ثقافيا التي تسعى لتحقيق النقاء الاخلاقي للمجتمعات التي فقدت معانيها التقليدية. وفق هذه الرؤية، تقدم الاصولية اليقين في فترات الازمات الاجتماعية عبر وسائل واهداف مضادة للحداثة، وبهذا تمثل تهديداً حقيقياً للمحدثين الليبراليين.

الاصولية ربما تبدو قديمة لمن يؤمن بان اليقين الثقافي هو شيء لن يتحقق في هذا العالم. غير ان العديد من افكار الاصولية يُعتقد انها اشتُقت من التطورات الفكرية الحديثة، مثل افتراضات الفرديين وفلسفة ما بعد المنطقية النيوتنية التي اشترك بها الامريكيون الانجيليون مع جماعات دينية اخرى. وعلاوة على ذلك، فان اتّباع التقاليد يختلف عن التقليدية، او الجهد الموجّه لإعادة احياء التقاليد لتصبح مرة أخرى ذات أهمية اجتماعية. الاخيرة هي شكل من المشاركة مع العالم الحديث.

في الواقع، ان الإقحام النشط لبعض الاصوليين يستلزم تغيرات هامة في التقاليد التي يدّعون تمثيلها، تقليديتهم هي بطريقة ما ملزمة لتكون ثورية، كما اتضح في الخطوات التي اتخذها قائد الثورة الايرانية بدمج القيادتين السياسية والدينية. هل الاصولية نشاط ديني لرجعية ثقافية؟ القليل من الاصوليين الحاليين يدّعون مرتبة الصفوة. من الواضح جداً اليوم ان قادة الاصوليين الامريكيين الاوائل كانوا من المتحضرين ذوي التعليم العالي، العديد منهم من مؤسسات النخبة، وان الطلبة الايرانيين والتجار لعبوا دوراً حاسماً في الثورة الاسلامية عام 1979. وفي معظم الحالات، وجدنا اولئك الذين يمارسون نوعا من التحول الاجتماعي والمنخرطين باتصالات وثيقة مع "الحداثة" هم يحتمل جداً ان يستجيبوا لهذا التحول بطراز اصولي.

هل الاصوليون هم ضد الحداثة في رؤيتهم للعالم؟ ان توجهات الاصوليين العاديين تتفق جزئياً مع هذا العنصر وفق العديد من الاتجاهات الاكاديمية: معارضة شياطين الحداثة هي معارضة حقيقية، عالمها الشمولي والتعددي يجب استبداله بآخر اكثر تكاملاً وترابطاً. غير ان الاصولية المضادة للحداثة هي شديدة الإشكالية بسبب الطرق التي يتم استخدامها في ثقافة الحداثة حتى من جانب الاصوليين ذوي الخصوصية الفردية. الاصوليون الامريكيون،مثلاً، يأتون من تقاليد اعتادت على تقييم التعددية الدينية وفصل الكنيسة عن الدولة. تمييز عقلانية زمن الحداثة لم يكن غريباً عليهم.

ان المأزق الاصولي ينبع وبشكل حاد من الضغوط التي يتعرض لها اي نوع من مضادات الحداثة في أدنى حدود البيئة الليبرالية. الحداثة هي قوة تآكلية تجعل التقاليد الدينية أقل وأقل اهمية في الشؤون الاجتماعية، وتجعل فكرة العودة الى اليقين والتجانس غير ممكنة. مع قليل من الاستثناءات، الاصوليون الذين يريدون حالة التغيير يجب ان يستنجدوا بالمبادئ الحديثة لأجل الشرعية، وهي العملية التي يجري فيها تحديث الاقتراحات الراديكالية للموقف الاصولي. هذا يعني ان ما يقدمه القادة الاصوليون من يقين هو في افضل الاحوال حلاً مؤقتاً. ان للاصولية جذورها ليس فقط في معنى عدم اليقين وفي التقاليد تحت الحصار، وانما ايضا لا يمكنها الاحتفاظ بجوهر المُتصوَر.

ان تطبيق ما يُفترض تقاليد قديمة على مشاكل جديدة بطرق متغيرة سيفتح معضلات شائكة سعى المشروع الاصولي سلفاً الى حلها. وبالتالي، يمكن المبالغة بسهولة في تأثير الاصولية. في اي شكل تام الاهلية، تبقى هناك ظاهرة نادرة. ان عدد النشطاء المنخرطين في الفعل العام هو قليل جداً حتى عندما تتوفر الظروف المواتية لهم. ان تأثير الاصولية هو مقيد، على اقل تقدير بالمساومة المعرفية مع الحداثة التي يجب ان يشترك فيها الاصوليون. ما وراء هذا القيد العام هناك عدة ظروف محلية تقرر مدى نجاح جهود الاصولي. فقط في حالات نادرة تساعد مثل هذه الظروف في جعل الاصوليين لامعين وذوي تأثير كبير. الجمهورية الاسلامية في ايران عام 1980 كانت نموذجا اصلياً لكنه لا زال استثنائيا.

التفسيرات

لو ابتعدنا عن الاعمال المتصلة بالاصولية اللااسلامية في اسيا، فان معظم التحليلات الاكاديمية ركزت على عدد محدود من التجليات الاصولية للتقاليد المسيحية والاسلامية واليهودية المتعلقة بتشكيل العالم طبقاً للرؤية الدينية المرتكزة على اساسيات نصية. ينظر (لورنس) 1989 الى الاصولية في سياق من الصراع مع الحداثة والعصرنة. عند تفسير الاصولية، اول ما يأتي هو تأثير التحولات الغربية العظيمة. رغم ان القوة المختلفة لهذا التأثير توضح ظهور الاصولية على شكل جماعات واعية بذاتها، الا ان ذلك شرطاً ضرورياً ليس كافياً. لكي يوضح الدفاع الفعال عن الله من الداخل، يفحص (لورنس) الكيفية التي يوظف بها الفاعلون مصادر تقاليدهم لمعالجة المشاكل التي يواجهونها. عندما تشتمل تلك المصادر على سوابق للفعل الطائفي وكتاب مقدس يعمل كمخطوطة للفعل، ذلك سيزيد من احتمال استخدام الاساليب الاصولية في التعامل مع الازمات الاجتماعية. في حالات معينة، تستمد الاصولية مدادها ايضا من النقاشات المذهبية التي لها القليل من الصلة المجتمعية (كتلك التي في امريكا حول الالفية والثورية). عندما يمتزج هذا الوقود الرمزي مع التفاوت الهيكلي السائد في دول تمارس التحديث كفرض غريب نسبياً، فان الاصولية تصبح وسيلة معقولة للمقاومة.

في عام 1993 سعى (Riesebrodt) الى عرض مفهوم للاصولية كنوع من الحركات التقليدية الثورية التي ليست لها جذور كبيرة في الصراع الايديولوجي الكبير بين الحداثة والتقاليد وانما، بدلا من ذلك، في العجز المتزايد للاوساط الثقافية التقليدية في إعادة انتاج ذواتها في ظل ظروف الحداثة. ما هو جوهري في إعادة الانتاج هذه هو الاهتمام المفرط بالمحافظة او صيانة الهيكل البطرياركي. العثور على اختلافات في هذه الثيمة العامة يصبح مسألة تحديد العوامل المساعدة في تعبئة حركات الاحتجاج التي تنتمي في ماضيها الى جماعة اصلية، وان كان ذلك لأغراض شديدة المعاصرة. وبالنسبة الى بداية ونهاية قرن الاصولية الامريكية، يؤكد (رزبرودت) على كل من الدوافع الداخلية مثل المقاومة ضد بيروقراطية الكنيسة، والظروف الخارجية مثل الاختلافات السوسيوثقافية للمدن الكبيرة. وبالنسبة الى ايران، هو يؤكد ليس فقط على تأثير التغيرات الهيكلية التحديثية في عموم المجتمع وانما ايضا على عوامل اخرى مثل الخطر الحقيقيي لسلوك الدولة المُمارس من جانب الوسط التقليدي والتأثير الواسع للتصورات الثقافية الغربية الجديدة.

اما Lechner) 1985) فهو قام بدمج المتغيرات التي استخدمها (لورنس) و (رزبرودت) لكنه يركز مقارناته اكثر على سؤال مشتق تحليليا. هو يعامل الاصولية، كما لورنس، كشكل من مضادات الحداثة باسلوب تحليلي، اما العصرنة عموماً هي كشكل حديث نسبيا للنظام الاجتماعي المتميز بالاختلافات الهيكلية والتعددية الثقافية والاندماج الاجتماعي والسيطرة العالمية.

التأكيد على مقاومة الحداثة يساعد في تبيان العديد من الطرق التي استُخدمت للتعبير عن الاصولية، وجرى في نفس الوقت استقطابها من جانب الثقافة التي تعارضها. في تعامل (ليشنر) مع المتغيرات الملائمة بكثير من التجريد واعتبار التوجّه البطرياركي لبعض الحركات الاصولية كجزء من عملية اكبر، هو يقترح النموذج التالي: ان الحركات الدينية يُحتمل جداً ان تصبح قوة اصولية هامة في مجتمع معين لو كانت في حوزتها تقاليد يمكن تفسيرها بسهولة كشرعية تبرر اذابة الاختلافات ولو تحققت الشروط التالية:

1- تحديث التغيير يمثل مشكلة خاصة للجماعات المشكّلة دينياً

2- حينما يكون البرنامج الاصولي هو الطريقة الاكثر فاعلية ومعقولية في تعريف وحل حالات السخط العديدة

 3- ان هناك سوابق تاريخية في المجتمع حول المحاولات الدينية في التغيير الاجتماعي الهام

 4 - ان المجتمع قيد الدرس ليس بطبيعته متعدد ثقافيا او متميز اجتماعيا

 5- الاهتمامات الرئيسية للحركة الاصولية الناشئة لا يمكن توجيهها او حرفها من جانب المؤسسات القائمة.

ان تعقّب هذا النموذج في اوقات واماكن مختلفة يبين ليس فقط كيفية بروز الحركات الاصولية وانما ايضا لماذا في معظم الحالات يكون تأثيرها محدوداً جداً. ان المساهمات النظرية لـ "مشروع الاصولية" قامت على مثل هذا التحليل الرابط بين ديناميكية وايديولوجية الحركات و سياقها ومؤكدةً على القيود المحتملة لتلك الحركات.

الاصولية كظاهرة عالمية

العديد من طلبة الاصولية اعترفوا ان الظاهرة لم تعد تؤثر فقط على بعض المجتمعات وانما اكتسبت معنىً عالمياً جديداً. المأزق الذي عالجته الحركات الاصولية هو مأزق عالمي. الحداثة لم تعد ظاهرة مجتمعية ان كانت كذلك يوماً ما. ولذلك فان ردود الفعل تجاه الحداثة هي بالضرورة ذات انعكاسات عالمية، انها تستلزم رؤية عالمية لإثارة تصور متميز للعالم. بالنسبة للاصوليين الاسلاميين هذا يتضمن التزامات بنشر الثورة الاسلامية وهزيمة الشيطان الغربي. الثقافة العالمية تصبح هدفاً للحركات الاصولية. المدافعين عن الله يطمحون لجلب مملكة الله الى الارض كلها، وفي هذا المعنى هم يصبحون جهات فاعلة مهمة على المسرح العالمي. وباعتبارها حركات عالمية ضد النظامية، هي تحاول حل المشاكل العالمية بطراز عالمي- بتغيير كل من ميزان القوى الفعلي في العالم والمصطلحات الثقافية التي يعمل بها الفاعلون الدوليون.

ان تغيير الظرف العالمي لا يصبح فقط حجة وهدفاً للاصولية وانما يفيد كعامل معجّل للاطاحة بها. ولو تركنا جانباً التباينات على النطاق العالمي في قوة الاصولية، فان مجرد محاولة الحفاظ على التقاليد المقدسة كأساس لنظام اجتماعي هادف هو مهم عالميا، باعتباره جهد من بين الجهود الاخرى للحفاظ او تحقيق اصالة ثقافية معينة بوجه ثقافة عالمية جشعة. انها شكل خاص من الكفاح الثوري الشائك لأجل هوية جماعية سوسيوثقافية تحت ظروف تجعل مثل هذا التماهي المقصود توقعاً عالمياً. في الواقع، ان الاصولية ذاتها اصبحت صنفاً عالمياً، وجزءاً من مرجعية عالمية لفعل جماعي متاح للجماعات الساخطة ولكنه ايضا رمز ضمن الخطاب العالمي حول شكل العالم.

هذه العملية، اصبح فيها المصطلح مثاراً للخلاف في كل مكان، الامر الذي قاد للخوف من استخدامها كطريقة للحط من طموحات بعض الحركات. غير ان رؤية الاصوليين متورطين في صراع حول شكل العالم هو إقرار بجزء من مأزقهم الحقيقي، دون انكار خصوصيتهم ذات الطراز الامبريالي. دراسة مثل هذه الخصوصية اصبحت صعبة في كل الاحوال. الاصولية هي بالتأكيد تلوثت بالثقافة التي تعارضها. لا يوجد هناك اصولي يستطيع ببساطة إعادة تعريف المقدس والعيش بجانب نوره الديني. مجرد إعادة التعريف هذه هي حداثة وظاهرة عالمية.

التأثير والمستقبل

ان التحول العالمي في دراسة الاصولية ظهر جزئياً بفعل القلق الواسع من التأثيرات العامة المحتملة لها. هناك التقاء بين الاهتمام العام واهتمام الدارسين حول السؤال عن المدى المحتمل لهذا التأثير. هناك اسس للحكم بان مثل هذا التأثير هو ثانوي وهامشي وان هناك شكوكاً حول المستقبل النهائي والشمولي للاصولية. الاصولية من حيث الجوهر هي ظاهرة حديثة. هي تكافح بقوة لإعادة تنظيم المجتمع، كونها تعيد التأكيد على صلاحية التقاليد وتستعملها بطرق جديدة، انها تعمل في سياق يرسم المستويات اللاتقليدية وحيث لا تأخذ دوراً حاسماً، انها تعيد انتاج المأزق الذي ارادت حله. وبما انها قوة واحدة فعالة بين العديد من القوى، فهي تؤكد على عمق التنوع او التعددية الحديثة، انها تنخرط في التوتر الناجم عن التصادم بين تعميم الثقافة العالمية والظروف المحلية المحددة، هي تعبّر عن شك اساسي في تحديد الازمة، وليس عن الثقة التقليدية في الحقائق المسلم بها، عبر الدفاع عن الله الذي هو سلفاً لم يكن بحاجة الى دفاع، انها تخلق وتعيد خلق الاختلاف كجزء من صراع الثقافة العالمية. وهكذا تصبح الاصولية التوافقية جزءاً من نسيج الحداثة.

هذه التوافقية من شأنها ان تنذر بمستقبل شائك للاصولية من وجهة نظر الاصولي. انها تشير الى احدى الطرق التي تشارك بها الاصولية ويجب ان تشارك كأي من الحركات الثقافية الاخرى، في تحويل ودمج ما يبدو غريباً و اصلياً الى رؤية عالمية وهوية تضم الاثنين في مركب سلس وهادئ. هذا المركب المتنوع سيصبح سمة عادية للعولمة التي تجرد الثقافات من الاصالة السهلة بينما تجعل البحث عن الاصيل التزاماً افتراضياً. اذا كانت الغاية من الاصولية هي الحفاظ على التقاليد المقدسة الاصيلة، هذا يعني ان الاصولية يجب ان تفشل. هذا الفشل يتفاقم بالظروف الحديثة التي يجب ان تواجهها الاصولية. في حالات معينة، تعمل الحداثة فعلاً كمذيب، يقوّض توجهات الحركات الاصولية. وبقدر ما يصبح المجتمع متمايزاً هيكلياً فان الاصولي سيواجه صعوبة في الحفاظ على اهميته الاجتماعية، وعندئذ ستصبح الاستعادة او الإحياء مسألة صعبة ان لم تكن مستحيلة.

ومع وجود المؤسسات المتمايزة المتخصصة والمنشغلة في السيطرة التقنية على العالم، يصبح للفروقات الدينية دوراً ضئيلاً. وحينما تصبح الثقافة تعددية وتمزق جلبابها المقدس، سيكون اولئك الذين يحافظون عليها هم ذاتهم مجرد جماعة بين الجماعات الاخرى. ان عمل الإدعاءات للمشروع الاصولي يتطلب شرعية اوسع ما لم يتوفر له دعماً شعبياً ساحقاً، هذه الشرعية الأوسع تستلزم تمييع وإضعاف رسالة الاصولي. ان محاولة الفعل عالمياً وبشيء من الفاعلية يفترض استعمال الوسائل العالمية – تكنلوجية ومؤسساتية – ولكن أطباق الستلايت والدول القومية سيجر المعارضة اكثر نحو الثقافة التي تزعم ازدرائها. ورغم ان نجاحها النسبي يختلف طبقا للظروف المرسومة أعلاه، فان الاصولية سيتم استقطابها حتماً. وبما انها حديثة ومستقطبة ذلك يفترض ان هناك نظاماً حديثاً حيوياً يتم استقطابها له. ولهذا فان مستقبل الاصولية سيكون مرتبط وبقوة بمستقبل الحداثة الليبرالية.

..........................................

الهوامش:

انسكلوبيديا الدين والمجتمع – الاصولية، للكاتب Frank J. Lechner.

الكاتب بروفيسور في السوسيولوجيا في جامعة Emory، ركز في بحوثه على التغيير العالمي والثقافة والدين والنظرية. يهتم حالياً بموضوع الهوية القومية والعولمة. صدرت له عدة مؤلفات اهمها كتاب The Globalization reader عام 1999.

مصادر الكاتب:

N.T. Ammerman-1، المؤمنون بالانجيل (مطبوعات جامعة روتجيرس، 1987).

2- S. A. Arjomand, the Turban for the Crown (اكسفورد: مطبوعات جامعة اكسفورد، 1988)

3- S. Bruce, صعود وسقوط اليمين المسيحي (اكسفورد: كلاريندون، 1989)

4- J. D. Hunter,، البروتستانتية الامريكية (نيو برونك، مطبوعات جامعة روتجيرس،1983).

5- G. Kepel، التطرف الاسلامي في مصر (بيركلي: مطبوعات جامعة كاليفورنيا، 1985).

6- B. Lawrence، المدافعون عن الله (سان فرانسسكو: هاربر، 1989).

7- F. Lechner، "الاصولية والتجديد السوسيوثقافي"، تحليل سوسيولوجي 46 (1985): 243-260.

8- G. Marsden، الاصولية والثقافة الامريكية (نيويورك: مطبوعات جامعة اكسفورد، 1980).

9- M. E. Marty and R. S. Appleby (eds.)، المشروع الاصولي (شيكاغو: مطبوعات جامعة شيكاغو، 1991-1995).

10- M. Watt، الاصولية الاسلامية والعصرنة (لندن، روتلج، 1988).

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12/آذار/2013 - 30/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م