الإجراءات الأمنية التعسفية وأثرها على الأمن النفسي

رياض هاني بهار

العراقي مثقل بهموم يومية بسبب الاجراءات الأمنية وهي البلاء الذي حلّ بهذا البلد، والواقع بين مطرقة الأمن وسندان الإرهاب تمتصّ جهده وقوته وتعطل تفكيره فيعجز حتى عن التعبير عن وجعه، تبدأ رحلة العذاب اليومي ابتدأ من نقاط التفتيش لغاية قطع الشوارع لمرور (مسؤول جديد) وإجراءات أحيانا (عفى عليها الزمن) مما أدى الى ان تتعطل الحياة وفي اليوم الواحد لن يتيح للعراقي الوقت سوى انجاز عمل واحد اما اذا كانت لديه (معاملة) لإنجازها فحدث ولاحرج، تعود أسباب تعطيل وشل الحياة الى طبيعة الإجراءات الأمنية المتبعة منذ عشر سنوات من قبل السلطة التنفيذية ولابد من نتعرف على مصدرها وطبيعتها القانونية ونتائجها واثارها النفسية على المواطن.

الإجراءات الأمنية هي الخطوات او التعليمات وتسمى أحيانا التدابير التي تصدر من السلطة المختصة بقصد مواجهة ظروف غير عادية تقتضي إصدارها بقصد المحافظة على الأمن والنظام، فمن البديهي أنه يشترط في الإجراءات الأمنية أن تصدر من السلطة المختصة وفي ضوء أحكام القانون، وأن تفرغ في الشكل الذي يتطلبه القانون، وأن يكون ثمة سبب أو أسباب تبرر إصدارها، وأن تستهدف تحقيق المصلحة الوطنية، ولكون الإجراءات الأمنية تمس الحريات الشخصية للإفراد، وكانت تلك الحريات من الدعائم التي تحرص عليها الدولة ولا تقيدها إلا الضرورة، فان تنظيمها لا بد ان يكون بأداة تشريعية، وعدم ترك ذلك إلي مطلق السلطة التنفيذية، ان كافه أنواع الإجراءات الأمنية التي تخص في الفرد كالتفتيش او التي تخص حريات الأشخاص بالتنقل والإقامة لها انعكاسات خطيرة على حريات الأفراد.

عموما ان التدابير الأمنية المتبعة حاليا تتسم بالاتي:

1ـ إنها إجراءات تتقاطع مع الدستور والقوانين النافذة ولاسند قانوني لها.

2ـ انها إجراءات (عسكرية ثكناتية) وليست (إجراءات أمنية وقائية) وأصبحت المدن عبارة عن(ثكنات عسكرية) وان الإجراءات المتبعة حاليا ممكن ان نطلق عليها (بعسكرة الأمن العراقي) (الامنوعسكراتي) الذي ابتعد عن الأمن الحقيقي بسبب إدارة الامن من قبل قادة الجيش وإبعاد قادة الامن الداخلي الحقيقيين عن ساحة عملهم الحقيقي (على سبيل المثال حراس مدرسة في احدى المدن اكثر من طاقم التدريس، او طواقم حراسة بعض الدوائر غير المهمة اكثر من عدد الموظفين) وهناك آلاف من الأمثلة نشاهدها يوميا عند مراجعة الدوائر الحكومية وعسكره اجراءاتها ابتداء من تفتيش الشخص.

3ـ شيخوخة التفكير الأمني الحالي بوضعهم سياقات وآليات (وإجراءات بالية) وبعقلية متخلفة لا تتوائم مع العصر واستنزفت الثروات والقدرات والجهد الوطني وشل الحركة الاقتصادية وكما هو واضح بإجراءات نقاط التفتيش والذي يفرض قسرا (على تنزل زجاج السيارة... الخ) التي تثبت للمواطن تفاهة الاجراءات وانتقاص من كرامته وان اطلعنا على إحصاءات المشاجرات بين افراد السيطرات والمواطن تخطت آلاف الحوادث عبر السنوات الماضية بسبب تشنج الطرفين.

ثبت فشل تلك التدابير بالاتي:

1ـ طيلة السنوات السبع الماضية لم يقبض على إرهابي واحد متلبس بالجريمة في نقاط التفتيش (السيطرات) في حين استشهد من افرادها مئات من الافراد بالنقاط المذكورة.

2ـ استنزفت الإجراءات الأمنية ثروات كبيرة من الميزانية اضافة الى استنزاف طاقة المكلفين بهذه الخدمة ولا تتناسب كلفه المصروفات مع حجم النتائج الواقعية التي تكاد لا تذكر.

3ـ عدم إتباعهم الإجراءات التقنية (تقنية الأمن) كالكاميرات والماسح الضوئي بالتفتيش التقني وان تكون الإجراءات المتخذة وفق المعايير الدولية المتبعة بالعالم.

أما الآثار لتلك الإجراءات على الأمن النفسي الذي يشكل أحد الركائز الأساسية لكل أشكال الأمن وإن سقوطه يهدم كل أشكال الأمن وتتعطل كل مظاهر ومشاهد الحياة الإنسانية والطبيعية والإيجابية وتصبح أثارها سلبية واضحة على تنمية المجتمع ليعطل التفكير الإيجابي لبناء الإنسان ويشكل مؤشر خطير جداً وله تداعيات مأساوية وربما نحتاج من الوقت أجيالاً أخرى لإزالة هذه الآثار والتشوهات التي تعصف بالإنسان وتعطل مسيرته.

الخلاصة

إن الإسراف بالتدابير تخطى حدوده المعقولة واصبح هناك مطلب وطني وشعبي لتغييرها او إلغاءها وإتباع آليات للأمن تتفق مع متطلبات الحياة، فقد آن الأوان لمراكز البحوث سواء مركز النهرين الجديد المرتبط بمجلس الأمن الوطني التي تقع ضمن مهامه، والاستعانة بمركز البحوث والدراسات بوزارة الداخلية وبمساعده المراكز البحثية الأخرى المعنية بالأمن والاقتصاد، بدراسة جدوى الإجراءات الأمنية المتبعة حاليا وبدائلها وتعرض على رئاسة مجلس الوزراء ومجلس الأمن الوطني لاتخاذ إجراءات بديلة وتخليص العباد لاسيما أن احد أسباب التظاهر ضد الحكومة هو (الاجراءات الأمنية التعسفية واخواتها)، ان جزء مهم من حل أي مشكلة هو الاعتراف بالخطأ، وعملية الاعتراف بالخطأ سهلة في حد ذاتها، ولكنها تحتاج لقرار عقلي، والقرار يحتاج لقناعة، والقناعة تحتاج لموقف تحليلي لما حدث، والموقف التحليلي يحتاج لمعلومات عقلية لتفسير هذا الحدث، كما يحتاج أحياناً للمساعدة من الآخرين لإدراك هذا الخطأ.

* عمان

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 28/شباط/2013 - 18/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م