ايران بين المكابرة والرضوخ... عقوبات خانقة واقتصاد يتصدع

 

شبكة النبأ: تواجه إيران جملة من المشاكل والتحديات السياسية والاقتصادية المتزايدة، نتيجة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل أمريكا وحلفائها بسبب برنامجها النووي, ويرى بعض المراقبين ان العقوبات الاقتصادية أثرت بشكل سلبي على الحياة اليومية للإيرانيين وأسهمت باستفحال التضخم المرتفع أصلا وانهيار العملة المحلية التي انخفضت بشكل حاد، حيث تراجع الريال الإيراني الى أكثر من نصف قيمته في الشهور الماضية وهو ما خلق حالة من الإرباك في الأسواق الإيرانية، وتسبب بإحراج الحكومة الإيرانية التي دخلت في معركة داخلية مع خصومها المعرضين الذين يتهمونها بالفشل والإخفاق بإدارة شؤون الدولة.

وفي هذا السياق فقد تكبد الريال الإيراني خسائر كبيرة في السوق المفتوحة وسط تكهنات بإقصاء محافظ البنك المركزي عن منصبه بسبب خلاف حول مستوى أدائه مما يكشف عن الخلافات السياسية في البلاد. ويواجه محافظ البنك المركزي محمود بهمني الذي عينه الرئيس محمود أحمدي نجاد في هذا المنصب في سبتمبر أيلول 2008 انتقادات عنيفة بشأن إدارته للعملة في أعقاب هبوط الريال في سبتمبر الماضي 40 في المئة في بضعة أيام.

ويواجه بهمني أيضا مزاعم بالتورط في عملية "سحب منتصف الليل" في مارس آذار 2012 حينما سحب البنك المركزي مئات الملايين من الدولارات من بنوك تجارية بدون تفويض. وقال ديوان المحاسبة الإيراني إنه ينبغي عزل بهمني من منصبه ودفعت تلك الأنباء الريال لمزيد من الهبوط. وعرض بهمني الاستقالة وقال إنه يريد التقاعد لكن الرئيس أحمدي نجاد لم يقبلها.

وصوت البرلمان أيضا لصالح إجراء تحقيق فيما يتعلق بمسؤولية البنك المركزي عن هبوط العملة العام الماضي. ويقول محللون إن أحمدي نجاد لا يستطيع إظهار علامات تنم عن ضعف يمكن أن يستغلها خصومه السياسيون في البرلمان لتقويض مركزه. ويرشح البرلمان أعضاء ديوان المحاسبة ويوافق على تعيينهم.

وأتهم مشرعون البنك المركزي بسوء الإدارة الاقتصادية والفشل في إمداد السوق بدولارات كافية لتلبية الطلب مما ساهم في دفع الريال للهبوط. وفي محاولة لوقف هبوط الريال في سبتمبر استخدمت الحكومة قوات الأمن لاعتقال تجار عملة وحاولت فرض سعر رسمي للصرف. وجعلت هذه الحملة من الصعب على كثير من تجار العملة مواصلة عملهم. ويواجه من يواصل الإتجار في العملة خطر الاعتقال والسجن إضافة إلى مخاطر الخسائر نظرا للتقلبات غير المتوقعة في الأسعار في السوق.

وحث الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أعضاء البرلمان على السماح لخطط الحكومة بخفض الدعم بالمضي قدما كوسيلة لإنعاش الاقتصاد الذي يعاني من تشديد العقوبات الغربية على ايران. وكان البرلمان جمد في نوفمبر تشرين الثاني المرحلة الثانية من خطة الحكومة لإصلاح الدعم وقال إن خفض الدعم الذي بدأ سريانه في 2010 ساهم في ارتفاع معدل التضخم. وقال نواب إن مزيدا من الخفض في الدعم يمكن أن يضر الاقتصاد الذي يعاني بالفعل من تأثير العقوبات الغربية في قطاعي البنوك والطاقة.

لكن الرئيس أحمدي نجاد دافع عن الإصلاحات التي تسمى أيضا بخطة الدعم المستهدف وقال إنها قلصت الاختلالات في الدخل بين الأغنياء والفقراء وتعد أساسية في مواجهة تأثير العقوبات.

وتهدف الإصلاحات إلى تخفيف الضغوط على المالية العامة من خلال توفير عشرات المليارات من الدولارات تدفعها الحكومة لدعم الغذاء والوقود بينما يتم تعويض المواطنين الإيرانيين المتضررين من تأثير خفض الدعم بمنحهم مدفوعات نقدية شهرية.

وكرر الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد التأكيد ان على ايران تكييف اقتصادها من خلال خفض تبعيته للنفط من اجل تجاوز العقوبات الغربية، لان المقاومة السلبية استراتيجية خاسرة. وفيما يدعو المسؤولون الايرانيون الى اعتماد "اقتصاد حرب" لمواجهة العقوبات، قال الرئيس الايراني ان "التصدي للهجمات التي يشنها الأعداء كما نفعل امر ليس في صالحنا". وأضاف ان "الذي يهاجم باستمرار هو الرابح دائما والذي يتخذ موقفا سلبيا، دائما ما يخسر شيئا ما". واكد انه لذلك فعلى ايران "القيام بتغيير بنيوي لاقتصادها لاستخدام قدرات البلاد من اجل تجاوز العقوبات"، مقترحا "وقف تبعية الميزانية" للعائدات النفطية التي هي "إحدى نقاط ضعف الاقتصاد".

وتواجه ايران تراجعا لصادراتها النفطية بسبب الحظر الذي فرضته مطلع 2012 البلدان الغربية لحمل طهران على تعليق أنشطتها النووية المثيرة للجدل. وهذه الخسارة في العائدات النفطية التي زادت من حدتها العقوبات المصرفية التي تعوق خصوصا تسلم عائدات النفط، يقدرها الخبراء بحوالي خمسة مليارات دولار شهريا. واقر احمدي نجاد من جهة أخرى بأن العقوبات ادت الى تراجع العملة الإيرانية وارتفاع الأسعار، ومارست "ضغطا على قسم كبير من السكان".

وبحسب بعض المتخصصين وعلى الرغم من الأضرار الكبيرة التي سببتها العقوبات الاقتصادية فأنها لن تحدث التأثير الذي يشل إيران كما كانت تتصور واشنطن.. فقد وجدت الحكومة الإيرانية سبلا لتخفيف اثار العقوبات فضلا عن أن اقتصاد إيران كبير ومتنوع بما يجعله قادرا على استيعاب عقوبات كثيرة.

وقال محمد علي شعباني المحلل السياسي الإيراني المقيم في لندن "أمضت الحكومة وقتا طويلا في الاستعداد لحرب اقتصادية إذا كنت تتحدث عن انهيار فهذا لن يحدث." وتراجعت صادرات إيران من النفط والغاز - التي كانت تشكل في السابق ثلاثة أرباع صادرات البلاد- العام الماضي بسبب العقوبات الدولية وقد تواصل التراجع لأن واشنطن تزيد من صعوبة حصول طهران على ثمن هذه الصادرات.

ووفقا لتقديرات وكالة الطاقة الدولية قد تكون صادرات النفط الإيرانية تراجعت إلى أقل من مليون برميل يوميا في يناير كانون الثاني من 2.2 مليون برميل يوميا في أواخر 2011 مما يعني حرمان البلاد من إيرادات تزيد على 40 مليار دولار في العام الماضي. غير أن هذه الخسارة يمكن تحملها في اقتصاد حجمه 500 مليار دولار تقريبا. واتخذت إيران خطوات في العام المنصرم لتمكين الاقتصاد من مواجهة الأوضاع الطارئة إذ عوضت جزئيا تراجع الثروات المتدفقة على البلاد بكبح الأموال التي تغادرها.

وقالت وسائل الإعلام الحكومية إن الدولة حظرت استيراد سلع فاخرة مثل السيارات الأجنبية والهواتف المحمولة بينما خفضت الدعم للطلبة الذين يدرسون في الخارج. وسيطرت الحكومة على صادرات الذهب لتزيد من صعوبة نزوح رؤوس الأموال من البلاد. ونظرا لأن الدولة تسيطر على قطاع النفط فإنها تستطيع توجيه معظم ما بقي من تدفقات العملة الصعبة إلى حيث تريد. وتستخدم الدولة مراكز خاصة للصرف الأجنبي لبيع الدولار بأسعار منخفضة لمستوردي السلع الغذائية الأساسية والأدوية.

 ومن ناحية أخرى فانه يتعين على الإيرانيين الذين يريدون الدولار لأغراض أخرى كاستيراد السلع الفاخرة والسفر إلى الخارج أو تحويل مدخراتهم إلى الخارج أن يشتروه بسعر السوق المرتفع. وهذا يحد من الطلب على إرسال الأموال إلى خارج البلاد. ويقول محللون إن النتيجة النهائية هي أن إيران قد تتفادى أزمة في المدفوعات الخارجية حتى لو استمر تراجع صادرات النفط. ووفقا لتقديرات خبراء اقتصاديين فان الاحتياطيات الأجنبية هبطت إلى 70-80 مليار دولار بعد أن بلغت أكثر من 100 مليار دولار في نهاية 2011. وقد يتباطأ هذا التراجع ويتوقف في نهاية المطاف بفعل انخفاض قيمة العملة وسياسات أخرى طارئة.

وقال الاقتصادي المولود في إيران مهرداد عمادي من شركة بيتاماتريكس للاستشارات في لندن إن تصريحات مسؤولين في إيران تشير إلى أنهم يعتبرون مستوى 60 مليار دولار حدا أدنى آمنا للاحتياطيات وسيتخذون مزيدا من الخطوات لكبح الواردات إذا اقتضى الأمر للحفاظ على هذا المستوى. وقال عمادي "لم نقترب بعد من وضع حرج لميزان المدفوعات."

وكان النفط يشكل ثلثي إيرادات الحكومة تقريبا لذلك وجهت العقوبات ضربة شديدة لموارد الدولة. لكن ضعف الريال خدم الحكومة مرة أخرى إذ انه مكنها من تحقيق أرباح من خلال بيع بعض العملة الصعبة التي تأتيها من النفط إلى القطاع الخاص بأسعار أعلى بكثير من مستواها قبل عام. وقال صندوق النقد الدولي إن إيران ستسجل عجزا في الميزانية قدره 3.9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام وهو ما تستطيع الحكومة تحمله بسهولة لأن ديونها الإجمالية تمثل 9 بالمئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي.

وعصف ارتفاع أسعار المكونات المستوردة بقطاع السيارات الذي أنتج أكثر من 1.6 مليون سيارة في 2010. وقالت وسائل إعلام محلية إن الإنتاج تراجع بمقدار النصف تقريبا في العام الماضي وإن الآلاف فقدوا وظائفهم بسبب إغلاق بعض المصانع. لكن الصورة ليست قاتمة تماما. ويقول شعباني إن بعض الشركات مثل مصنعي الأجهزة المنزلية -التي كانت مبيعاتها قد تراجعت بسبب الواردات الرخيصة- تنمو الآن بقوة لأن انخفاض الريال عزز قدرتها التنافسية.

ويقوم الإيرانيون الذين يريدون الهروب من تأثير التضخم ولا يستطيعون تحويل أموالهم إلى خارج البلاد ببناء منازل جديدة مما يدعم أنشطة التشييد والنجارة. وتنعكس هذه الأوجه الصغيرة للازدهار في سيارات جديدة تجوب شوارع طهران وشقق فاخرة يجري تشييدها في الأحياء الغنية.

ويقول عمادي إنه بالرغم من أن بعض المراكز الصناعية الكبرى في إيران قد تستغني عن وظائف بسبب تراجع صناعات النفط والسيارات إلا أن من المستبعد أن ينكمش الاقتصاد بأكثر من 2 أو 3 بالمائة هذا العام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 26/شباط/2013 - 16/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م