معايير المفاضلة الانتخابية

احمد جويد/مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

بتغيير الأنظمة الاستبدادية والتحول نحو التعددية والديمقراطية تستبدل مفاهيم وممارسات عدة في إدارة وسياسة الدولة، ومن بين أهم تلك الممارسات هي الحق في اختيار أصحاب المناصب الرفيعة لإدارة أمور الدولة (سياسياً، أمنياً، إقتصادياً....الخ)، ولفقدان المعايير المعتمدة لدى المواطن العادي في إختيار من يمثلهم بشغل المناصب التشريعية والتنفيذية يحدث التخبط وتتشوه الصور، وبالتالي تتحول الحرية إلى فوضى والتنافس الانتخابي إلى تهم وتسقيط والمسؤولية السلطوية إلى مغنمة فردية أو جماعية.

ففي الدول العربية التي طالتها يد التغير وتحولت من نظام الحزب الواحد والقائد الأوحد إلى نظم تعتمد أسلوب الانتخابات والممارسات الديمقراطية للوصول إلى سدة الحكم، ومن بينها العراق الذي تم إسقاط نظامه الديكتاتوري في العام 2003م على أيدي القوات الأمريكية والمتحالفة معها، وبعد عدة ممارسات انتخابية لا يزال الأداء السياسي والأمني والاقتصادي والخدمي متعثراً إلى يومنا هذا رغم وجود الحرية الكاملة في حق الاختيار، وبالتالي فنتيجة الفشل والتعثر لا يتحملها المسئول أو السياسي لوحده بل، يشاركه في المسئولية الناخب الذي وضع صوته في صندوق الانتخاب.

فالانتخابات العامة في العراق تجري على مستويين:

الأول/انتخابات مجالس المحافظات(المستوى المحلي).

الثاني/انتخابات مجلس النواب (المستوى العام للدولة).

  وفي كلا الممارستين يتم الاختيار والتصويت بنفس المعايير بالنسبة للناخب العراقي علماً إن لكل انتخابات معاييرها المعتمدة في اختيار الأشخاص الذين يتم التصويت لصالحهم، لأن الاعتماد على عنوان المرشح (النزيه والموالي وصاحب النفوذ المالي أو الاجتماعي أو صاحب الشهادة الكبيرة....الخ)، لا يكفي بمفرده ليكون معياراً للاختيار، كون جميع العناوين المتقدمة تم استهلاكها في الانتخابات السابقة ولم يصل أصحابها بالبلد ولا بالعملية السياسية إلى نتيجة إيجابية، قد تكون هذه العناوين مهمة وهي بالفعل كذلك إذا اقترنت بمقومات أخرى يحملها المرشح، يمكن إدراج البعض منها في:

أولاً: روح القيادة أو المبادرة:-

 وهي «عملية تحريك مجموعة من الناس باتجاه محدد ومخطط وذلك بتحفيزهم على العمل باختيارهم»، ويمثل تحريك الناس في الاتجاه الذي يحقق مصالحهم على المدى البعيد نجاح في القيادة، لذا فان الوسائل والغايات يجب أن تخدم المصالح الكبرى للناس المعنيين حاضراً وعلى المدى البعيد. 

  ويحب أن تتوفر في المرشح صفة روح المبادرة في العمل الجاد والايجابي، وأن يكون صاحب رؤية بعيدة وقادر على صياغة الهدف ووضع الإستراتيجية وتحقيق التعاون واستنهاض الهمم للعمل، كما يجب أن يمارس الدور المؤثر في تحديد وانجاز أهداف الجماعة، بالإضافة إلى التحلي بالأمانة لأن الذي يقود فعلاً هو الشخص الأمين وليس الشخص الذي يناور ليتزعم الناس.

 ما يلاحظ على البرلمان العراقي إن حوالي أكثر 90% من النواب الذين تم التصويت لهم وإختيارهم يفتقدون روح المبادرة، وبذلك بفقد العضو المنتخب صفة رجل الدولة التي على أساسها تم انتخابه، فزعيم الكتلة أو رئيسها هو صاحب القرار وهو الذي يتخذ أغلب القرارات المصيرية ويترك للآخرين التصويت فقط على تلك القرارات، وبالتالي فان شعور النائب بكونه فاقداً للموقف الذي يجب أن يتخذه ولا يستطيع أن يتحمل مسؤولية اتخاذ قرار أو موقف ما يراه مناسباً، وشعوره بالضعف بعيداً عن زعيم الكتلة أو الحزب هو الذي يجعله فاقداً لروح المبادرة متناسياً إن قوته مستمدة من قواعده الشعبية التي صوتت له وليس من زعماء الكتل، وهو ما جعل هؤلاء النواب يدخلون في قوائم تعتمد على كاريزما زعيم الكتلة أو من تنضوي تحت رايته الأسماء المرشحة.

ثانياً: امتلاك ثقافة التخطيط:-

ما دامت القيادة هي حلقة الوصل بين العاملين وبين خطط المؤسسة وتصوراتها المستقبلية، إذن لا بد أن يكون المرشح أو من يراد انتخابه لديه القدرة على التخطيط، فالمشكلة في العراق هي ليست قلة أموال أو قلة موارد بشرية أو عدم وجود بيئة ملائمة تساعد على البناء والتطور وإنما المشكلة هي بالإدارة والتخطيط الفاشلين.

ثالثاً: الاستشارية:-

 يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)"من شاور الناس شاركهم في عقولهم" وهذه الصفة هي التي تمييز المسئول المستبد عن غيره، فأغلب الديكتاتوريات تقوم على الاستبداد برأي شخص أو حزب، ربما يقوم المستبد ببعض الاستشارات لكنها في أغلب الأحيان لا تغير شيءً في قراراته، وما فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) من استشارة أصحابه وهو الذي لا ينطق عن الهوى، هو لتعليم المسلمين من أن يستشير بعضهم بعضا.

  ربما نشاهد عدد من المستشارين لدى صاحب السلطة والنفوذ في وقتنا الحاضر سواء في العراق أو بقية البلدان العربية، لكننا نجد الكثير من هؤلاء المستشارين يحرصون أشد الحرص على عدم إغضاب صاحب السلطة، أما إذا كان المسئول يحيط نفسه بعقليات متنوعة قد تتناقض مع عقليته واتجاهاته، ويكون قادرا على الاستماع والإصغاء جيداً للآخرين يكون قد سار في الاتجاه الايجابي لبناء مؤسسات الدولة.

رابعاً: القدرة على التواصل:-

 التواصل حالة إيجابية وبخاصة إذا ما تمت بين النائب والناخبين بعد الانتخابات ووصوله إلى مهامه التي انتخب من اجلها، فهي تعزز رصيد النائب أو المسئول شعبياً وتجدد الثقة في نفس المواطن بمن منحهم صوته، وما وجدناه في الفترة السابقة إن الكثير ممن يتم انتخابهم يختفون عن قواعدهم بمجرد الفوز والوصول إلى المنصب.

خامساً: التحلي المصداقية:-

ان يكون صاحب مصداقيته أمام ناخبيه وذلك بتنفيذ الوعود التي قطعها على نفسه أثناء حملته الانتخابية، والوعود هي ليست فقط ما يخص أهل دائرته مثل بناء مسجد أو مدرسة أو تعين عدد من الأشخاص في حمايته، بل هي الوعود التي على أساسها تم انتخابه والمتمثلة بالحفاظ على النظام الديمقراطي وتشريع القوانين من شأنها النهوض بالوطن وعدم تعطيل التشريعات من أجل مصالح شخصية أو حزبية. 

سادساً: القدرة على المحاسبة:-

وهذه الصفة يجب أن تتوفر لها نظافة اليد، لكن ليس كل من تكون يداه نظيفتان يستطيع أن يراقب ويحاسب، لأن المحاسبة تتطلب توفر الشجاعة اللازمة وترك المحاباة والمجاملات وقول الحق مهما كان الثمن.

إذن على الناخب أن يضع المعايير المتقدمة بالإضافة إلى الصفات التي تم ذكرها كالنزاهة والتحصيل دراسي والمركز الاجتماعي...الخ، قبل أن يقرر التصويت، فبمجرد نزول صوته إلى داخل الصندوق انتهى حقه وأصبح هو الذي قد جنا على نفسه إذا كان اختياره هذا غير موفق، وليس بالضرورة أن تكون المعايير المطبقة على النائب في البرلمان هي ذاتها التي تطبق على أعضاء مجالس المحافظات لأن عمل البرلماني هو تشريعي رقابي ومجالس المحافظات رقابية أقرب للتنفيذ.

* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 23/شباط/2013 - 13/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م