العدالة الاجتماعية... بحث دؤوب عن انسانية الانسان

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: تعني العدالة، في استعمالها الاعتيادي، معاملة الافراد من دون تحيز واعطاءهم حقهم كما تقرره القواعد والمبادئ العامة... وتؤدى العدالة حين يطبق القانون من دون تحيز ومن دون خوف او مفاضلة. على ان العدالة لا تنحصر بتطبيق القانون.

اعتقد الاغريق، الذين تأملوا في العدالة تأملا نسقيا واعطوا لنا الكثير من الافكار عن هذا الموضوع، ان القانون العادل او المجتمع العادل كان المجتمع الذي يعطي الافراد حقهم او يخولون اخلاقيا الادعاء به.

وحق الافراد كان يحدده ما يستحقونه على مزاياهم او ملكاتهم الفكرية والاخلاقية. وكان الاشخاص الذين يتمتعون بملكات اسمى يستحقون احتراما وتشريفا ومكافأة اكبر، او مناصب اعلى ممن هم دونهم. وتنعكس مساواة الاغريق العدالة بالاستحقاق، والاستحقاق بالمزايا، في استعمالنا الاعتيادي.

قدم الكتاب الرواقيون والمسيحيون تصورا مختلفا عن العدالة. وبينما اقروا ان الاستحقاق كان مكونا مهما من العدالة، فقد اصروا على ان الحاجة كانت لا تقل عنه اهمية. فقد خلق الناس جميعا وهم يتمتعون بكرامة وقيمة متساوية،؟ ولهم حق متساو بموارد الارض لحاجاتهم الاساسية حقوق متساوية في الارضاء، وعلى اخرين واجب العدالة في تلبيتها.

بدءا من القرن الثامن عشر فصاعدا، دفع كثير من الكتاب اقتران العدالة بالحاجة الى ابعد من هذا. ان الكائنات الانسانية لا تمتلك حاجات طبيعية اساسية وحسب، بل تملك ايضا حاجات اخرى كثيرة. فهم يحتاجون فرصا متساوية لتطوير مواهبهم، ووصولا متساويا للمصادر المادية والاخلاقية لتفضي الى حياة لائقة. وتقتضي العدالة ان تتيسر هذه كلها لهم جميعا. ويتجسد هذا النوع من التفكير في مصطلح (العدالة الاجتماعية) الذي استعمل لاول مرة في اواخر القرن التاسع عشر.

في نظرية عالم الاجتماع ماكس فيبر، و التي جاءت ردا على نظرية كارل ماركس في الصراع الطبقي. حيث إنّ ماركس علل سبب المشكلة الاجتماعية ووجود الطبقات نتيجة للصراع الطبقي، إلا أنّ ماكس فيبر لم يوافقه على ذلك وقدّم نظرية تقابل نظرية ماركس.

وتتلخص نظرية ماكس فيبر بالقول: بأنّ فكرة نشوء الطبقات الاجتماعية لا تحصل نتيجة الصراع الطبقي، بل تحصل نتيجة عوامل ثلاثة هي:

الأوّل: العامل الاقتصادي (الثروة).

الثاني: العامل السياسي (القوّة).

الثالث: العامل الاجتماعي (المنزلة الاجتماعية).

يعتمد الفيلسوف السياسي الليبرالي جون رولس على تبصرات الفيلسوفان النفعيان، جيرمي بينثام، و جون ستيوارت ميل، و أفكار العقد الاجتماعي عند جون لوك، و أفكار كانت. لقد كان أول تعبير له عن نظريته في العدالة الاجتماعية في "نظرية في العدالة" التي نشرت في 1971.

في كتابات جون رولس، تعتبر العدالة الاجتماعية فكرة فلسفية لا سياسية، وهو يؤكد على الحريات الأساسية على اعتبارها عناصر لهذه العدالة. وهذه العناصر هي:

(حرية الفكر، حرية التعبير والصحافة، حرية التجمع، حرية العمل المشترك، حرية التنقل، حرية اختيار الوظيفة).

تعد العدالة الاجتماعية من الأركان الأربعة لحزب الخضر التي تعتقد بها جميع أحزاب الخضر في العالم. يستخدم البعض العدالة الاجتماعية لوصف التحرك الدولي باتجاه تطبيق العدالة الاجتماعية في العالم. و تشكل حقوق الإنسان و المساواة أهم دعائم العدالة الاجتماعية.

وهنالك عدد من الحركات التي تعمل على نشر و تطبيق العدالة الاجتماعية. تبذل هذه الحركات مجهودا للوصول إلى عالم يمتلك فيه جميع أعضاء مجتمع ما، بغض النظر عن خلفياتهم، حقوق الإنسان الأساسية و المساواة. من أشهر تلك الحركات الدولية، (حركة العدل الدولية)

وحزب الخضر.

إن العدالة الاجتماعية، التي تسمى أيضا عند الخضر "المساواة العالمية و الاجتماعية و العدالة الاقتصادية"، تعد أحد الأركان الأربعة لحزب الخضر. يعرف حزب الخضر الكندي العدالة الاجتماعية بأنها "التوزيع المتساوي للموارد لضمان بأن الجميع لديهم فرص متكافئة للتطور الاجتماعي و الشخصي".

إن المساواة فى الحقوق تشير إلى أن فكرة العدالة الاجتماعية لا تنفصل عن فكرة حقوق الإنسان. فالعدالة الاجتماعية استحقاق أساسى للإنسان نابع من جدارته كإنسان بالتمتع بمجموعة من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وذلك على ما هو مقرر فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان وفى طائفة واسعة من العهود والمواثيق والاتفاقات الدولية كالعهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والاتفاقات الخاصة بحقوق الطفل والنساء والأقليات. كما أن فكرة العدالة الاجتماعية لا تنفصل عن مبدأ الوفاء بالحاجات الإنسانية للبشر. ذلك أن إنسانية الإنسان لا تكتمل، وكرامته لا تتحقق، ما لم يمكن من إشباع حاجاته الإنسانية. ولا يخفى أن هذا الربط بين العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان وإشباع حاجاته يفرض على الدولة واجبات اقتصادية واجتماعية مهمة، حيث لا تقدر قوى السوق وحدها على الوفاء بمتطلبات المجتمع العادل.

ما هي الحاجات الأولية للانسان كما كتب عنها الإمام الشيرازي؟

أن الحاجات الأولية للإنسان هي: المأكل، والمشرب، والمسكن، والملبس، والزواج، والمركب، والعمل في قبال البطالة، والعلم، والصحة، والأمن، والحرية، والعدالة والمساواة في مورد التساوي. وهذا التساوي في مورد المساواة يكون في العبادات، والمعاملات، والأحكام؛ كالإرث، والنكاح، والطلاق، والديات، والأمور السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والتربوية، وغيرها، ويعرض الامام الشيرازي لإشكالات العالم المعاصر. في ترجيح لغة على لغة، أو عنصر على عنصر، أو لون على لون، أو كون الإنسان من أهل جغرافيا خاصة على آخر من جغرافيا أخرى وغير ذلككما في كتابه الدولة الاسلامية ضمن موسوعة الفقه.

يعالج الإمام الشيرازي في سياق ذلك إشكالية (تكافؤ الفرص) التي تعترض المساواة وذلك حسبما يرى في ثلاثية مهمة وهي (البقاء، النمو، التقدم)، فالبقاء دون نمو وتقدم لا شيء.

التكافؤ في الفرص من أولويات العدل الاجتماعي في الإسلام، بحيث لا يجوز أن توفر الدولة فرصة للتعليم أو الوصول إلى الحكم أو الثروة لبعض دون آخر، مثلاً: الغني يتمكن من نيل الدراسة العليا دون الفقير، أو بعضهم يتمكن من الوصول إلى الحكم دون بعض، أو البعض يتمكن من السعي للحصول على الثروة دون بعض.

من العدالة لدى الإمام الشيرازي، مراعاة غير المسلم، كما يجب عليها (الحكومة) مراعاة المسلم.

كما أن من العدالة الاجتماعية في الإسلام سد معوزة الفقراء لتلك الحاجات الأولية والثانوية، بما تحمله إليهم أموال بيت المال، الذي عادة ما يوصف بأنه مال الله للناس. أو مباشرة أنه مال الناس، أي إنه سينفرز هناك وضع اجتماعي، هو ما يسمى بالتكافل الاجتماعي، بمحاولة أشبه بالمثال الفيزيائي (الأواني المستطرقة) إلى حد ما.

كما أن من العدالة الاجتماعية، في مضمار فلسفة (الحاجة) أن الأمن كان من العناوين الأولية لذلك؛ فإذا تحوّل هذا الجهاز الحكومي، إلى جهاز رعب بالمعنى المضاد (للأمن)، فلا حاجة إلى النظر في خروجه عن نطاق العدالة الاجتماعية، ويستشهد الإمام بأجهزة عصرية مخابراتية وبالأرقام والتاريخ الحقبي لها، بما يدل على منهج الإمام الشيرازي في وضع (إراءة) الواقع داخل منهجه أي بما يسمى (فقه الواقع) إلى جنب النص والعقل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 20/شباط/2013 - 10/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م