لأنه قتل بالجملة..

موقع الامام الشيرازي

العنف في المنظور الاجتماعي هو كل إيذاء بالقول أو بالفعل للآخر، سواء أكان الآخر فرداً أو جماعة، من أجل السيطرة عليهم عبر القتل أو التحطيم أو الإخضاع، وفي علم الاجتماع السياسي يُعرَف الإرهاب بأنه كل تصرف أو سلوك بشري ينزع إلى استخدام قدر من القوة القسرية بما في ذلك الإكراه والأذى الجسدي والاستخدام غير المشروع للسلاح ولتقنيات التعذيب المخالفة لحقوق الإنسان الأساسية التي أقرتها الشرائع السماوية والمواثيق الدولية في التعامل مع إدارة العلاقات الإنسانية بما في ذلك الاختلافات في المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية بهدف تحقيق غايات في تلك المجالات تتراوح بين الإخضاع والضغط والتهميش، وقد يطال آخرين غير مستهدفين.. الإرهاب قد يكون (فعلاً) وقد يكون (رد فعل)، وفي كلتا الحالتين يستهدف من ورائه فرداً أو جماعة بهدف إيقاع الرعب والفزع في نفوسهم، وخطورة ظاهرة الإرهاب أنها تهدد وجود المجتمع والنظام العام للدولة، وتهتك أحكام الدين، وتنهش قيم الإنسان. وبحسب منظمات دولية، فإن ظاهرة الإرهاب الخطيرة كان أكثر ضحاياها من الشيعة على مدى السنوات العشر الماضية.

في الزيارة الأربعينية المباركة للعام الهجري الجاري تعرض الزوار إلى عشرات الهجمات الإرهابية، وقع ضحيتها المئات من الشهداء والجرحى وجميعهم من المدنيين، بعد أن حالت قوات الأمن العراقية من وقوع عشرات العمليات الإرهابية الأخرى من خلال فعاليات استباقية، ألقت فيها على عشرات التكفيريين الذين كانوا يخططون لقتل الزائرين، وبعد الزيارة الأربعينية بثلاثة أسابيع، سقط أكثر من مائة وعشرين من الشهداء والجرحى من المعزين في حسينية سيد الشهداء(عليه السلام) وسط قضاء (طوز خورماتو). ويبدو أن "المجاهد" الذي فجّر جسده على هؤلاء الناس قد اختار "زمناً مباركاً"، حيث كان المسلمون يحتفلون بذكرى المولد النبوي (رسول الرحمة)، علماً بأن هذه المدينة الصغيرة (طوز خورماتو) قد استهدفها التكفيريون مرات عديدة، وقد انحصر هدف العمليات الإرهابية على الشيعة فقط، وهو ما يدل على أن الجرائم التي ارتكبت في هذه المدينة بدوافع "طائفية" بامتياز.

بموازاة ذلك، شهدت مدينة كويتا الباكستانية مأساة دامية ومروعة، وهذه المأساة تأتي في سياق مئات الأعمال الإجرامية التي تستهدف الشيعة في باكستان على مدار سنوات طويلة والتي تبنتها تنظيمات تكفيرية، الأمر الذي دعا إلى إطلاق مناشدة المؤسسات والهيئات الدولية من أجل إغاثة المواطنين الشيعة في باكستان, واعتبار منطقة كويتا منطقة منكوبة, لفداحة الخسائر في الأرواح والممتلكات التي تعرّضت لها على أثر العمليات الإرهابية الأخيرة، إلى جانب تأمين الحماية الدولية في حال لزم الأمر، كما حذّرت منظمات مجتمع مدني السلطات الباكستانية من تداعيات الهجمات المتواصلة التي يتعرّض لها الشيعة، سيما التصعيد اللافت والخطير في عدد ونوعية تلك الهجمات مؤخّراً، فما يتبيّن مما يجري في باكستان أن هناك محاولات متكرّرة لجرّ المسلمين الشيعة إلى اقتتال أهلي، يطيح بمنظومة السلم الاجتماعي ونظام الدولة، إلى جانب الهدف المرسوم لإلحاق الأذى الشديد بأتباع تلك الطائفة. لا سيما وإن من يتبنّى ذلك المخطّط المشبوه جهات إرهابية المدعومة (محليّاً وخارجياً) معروفة للقاصي والداني، وهو ما يضع السلطات الباكستانية أمام مسؤولية جسيمة تتجسّد في حماية أمن وسلامة مواطنيها الشيعة تحديداً, وحماية السلم الأهلي المستهدف بشكل عام. وقد دعت منظمات إنسانية إلى ضرورة قيام الحكومة الباكستانية بواجباتها القانونية والتصدّي لمثيري النعرات الطائفية من الجماعات المتطرّفة، وملاحقة الأفراد والتنظيمات الإرهابية المسلّحة والقضاء على حواضنها الداخلية، إلى جانب التصدّي الحازم لمروّجي الآراء المتشدّدة المحرّضة على العنف.

مشكلة الإرهاب التكفيري لا تنحصر في أحزاب أو حركات أصولية أو راديكالية أو متطرفة أو إسلاموية أو وهابية أو سلفية جهادية، وإنما تتسع إلى ما هو أكبر، حيث إن لب مشكلة الإرهاب التكفيري تكمن بأن لها أساساً فقهياً واضحاً وصريحاً. حيث إن مصادر تشريعه وأساسيات فقهه موجودة أصلاً في كتابات ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب وآرائهم، وهذه الكتابات والآراء مطبوعة ومنشورة ومتوفرة في كل الدول الإسلامية وغير الإسلامية بدون أي قيد أو شرط أو حتى محاولة تفنيد أو مناقشة، وهي تُدرّس وتُدرس - على أنها المنهج السلفي الذي كان عليه النبي(صلى الله عليه وآله) وصحابته والسلف الصالح - في جامعات دول ومدارسها ومساجدها، ويتم تلقين الأطفال على أن هذه الآراء والمصادر تحتوي على منهج الطائفة المنصورة، الفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة، أهل الحديث، بل الحقيقة هي أنه يكفي أي سلفي أن يحتج برأي "فقهاء" لهم اعتبارهم عند ملايين المسلمين، أمثال ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، حتى يملك الدليل على ما يفعل أو يقول، وبمجرد النظر إلى محتوى رسائل الخط السلفي المتطرف وكتاباته حتى يتوفر الدليل على إن للإرهاب دين... حيث يرتكز الإرهابيون في بنائهم العقائدي على فقه منظومة سلفية، ومن أسس هذه المنظومة التكفيرية ما يعرف بـ(نواقض الإسلام) التي تصادر إيمان الآخر، وتنطلق من تكفير الدولة والمجتمع، وفي مقدمة منظري السلفية التكفيرية (أبو الأعلى المودودي) مؤسس الجماعة الإسلامية في الهند، كما أن الأعمال التي قام بها تنظيم القاعدة، كانت ترجمة دقيقة لإيديولوجيا (السلفية الجهادية) التي تستند إلى مرجعيات تاريخية كـإمام الحنابلة، وابن قيم الجوزية، ومحمد بن عبد الوهاب، ويتقاسم ابن تيمية وسيد قطب مقام الأب الروحي لـ"الحركات السلفية الجهادية" المعاصرة، كما يعتبر عبد الله عزام، وعمر عبد الرحمن، وأيمن الظواهري، وأسامة بن لادن، وأبو محمد المقدسي من أبرز منظري هذا التيار، وقد أطلق أبو قتادة الفلسطيني على مفهوم الحركة الجهادية العالمية التي تتمثل عملياً بـ(تنظيم القاعدة) بأنها: "الأمل"، وإنها "حركة سلفية التصور والرؤى.. سلفية المنهج والتدين".

لأن الموضوع هو قتل الناس المدنيين بالجملة، فلابد من الحديث عنه بوضوح، فهل هناك شك بأن القاتل الذي نفذ جريمته البشعة في مدينة (طوز خورماتو) أو التي وقعت – قبل أيام - في (الكاظمية وكربلاء والحلة وراح ضحيتها أكثر من مائة إنسان بين شهيد وجريح)، لم يكن مسيحياً ولا صابئياً ولا إيزيدياً ولا يهودياً ولا شيعياً ولا كردياً، وبالتأكيد، لا تركمانياً، ولا ملحداً، وإن من يقتل الناس (من الشيعة والسنة والمسيحيين والصابئة والإيزيديين والعرب والكرد والتركمان) بتفجير جسده أو بالسيارة المفخخة منذ عشر سنوات في العراق هو القاتل نفسه لا غيره!! كما أن الواقع يتحدث بالأدلة والأرقام والصورة والصوت، بأن الذين نفذوا العمليات الإرهابية في العراق وأفغانستان وباكستان والقاهرة وعمّان والرياض وطهران والجزائر ونيويورك ولندن ومدريد واليوم في جمهورية مالي، كانوا من السنة، وهذا بالتأكيد لا يعني – أبداً – بأن جميع السنة كذلك، فقد نال بعض السنة من ظلم هؤلاء المجرمين وإرهابهم، لذلك فإن هذا ليس تعميماً في الاتهام، وإنما تشخيص حالة، لابد من تشخيصها، لأجل التعامل معها ومكافحتها، لا سيما وإن أعداد هؤلاء المتطرفين يتجاوز عشرات الآلاف، وتأكيداً، فإن الكلام بالمسميات الصريحة ما هو إلا محاولة لحفظ أحياء ينتظرون الموت ذبحاً أو تفجيراً في أية لحظة دون ذنب أو تهمة.

* أجوبة المسائل الشرعية

http://alshirazi.com/rflo/ajowbeh/ajowbeh.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/شباط/2013 - 8/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م