شبكة النبأ: مشكلة الفساد في الدول
العربية هي مشكلة أزلية تنامت بشكل خطير في السنوات الأخيرة وخصوصا بعد
نجاح بعض الثورات العربية والتي عرفت بثورات الربيع العربي، حيث أسهمت
بصعود بعض الحكومات الضعيفة والعديد من الأحزاب السياسية التي أصبحت
تدير دفه الحكم معتمدة على قوة النفوذ وإساءة استخدام السلطة واستغلال
المناصب الحكومية، في سبيل الحصول على منافع شخصية أضرت بالمصلحة
العامة وساعدت تفشي ثقافة الفساد في المؤسسات العسكرية والأمنية
والخدمية باقي المؤسسات الأخرى التي نخرها الفساد وأصبحت تعاني من
انتشار الرشوة والاختلاس والابتزاز وغيرها من الأمور الأخرى, وتقدر
تكلفة جرائم الفساد في العالم العربي بنحو 300 مليار دولار سنوياً
والتي تهدر تحت شعارات ومسميات مختلفة.
في ما يخص هذا الملف فقد كشف آخر تقرير أصدرته منظمة الشفافية
الدولية، عن ترتيب الدول العربية التي تفشل حكوماتها في محاربة الفساد
بصفقات التسلح والدفاع. حيث رتبت المنظمة درجة الفساد في هذا المجال
إلى سبعة درجات تتدرج بين خطر منخفض للغاية ثم خطر منخفض ثم خطر معتدل
ثم خطر مرتفع وبعدها خطر مرتفع قليلا ثم خطر مرتفع للغاية وصولا إلى
أعلى درجات الخطر والذي سمي الخطر الشديد. وأقل الدول العربية فسادا في
مجال الدفاع كانت الكويت ولبنان والإمارات العربية المتحدة، إلا أن
تصنيفها مقارنة بدول العالم كان خطيرا حيث أتت تحت خانة "خطر مرتفع"
بحسب تصنيف المنظمة.
وعلى صعيد الدول العربية التي أدرجت تحت خانة الـ "خطر مرتفع،"
فتصدرت كل من الأردن وفلسطين هذه الخانة. وفي درجة الفساد الدفاعي
الثالثة أو ما سمته منظمة الشفافية الدولية بـ "خطر مرتفع للغاية،"
فجاءت كل من البحرين والعراق وعُمان والمغرب وتونس بالإضافة إلى قطر
والمملكة العربية السعودية. أما في خانة الأعلى على مستوى الفساد
الدفاعي بين دول العالم، فجاءت كل من الجزائر ومصر وليبيا بالإضافة إلى
سوريا واليمن.
وقالت منظمة الشفافية الدولية في تقريرها انه في هذه الدول "يرى
المواطنون أن مؤسسات الدفاع فاسدة أو لا تعبأ بالفساد ويعتبرون أنها
تنقصها الارادة السياسية لمحاربة الفساد." وذكر التقرير ان الجريمة
المنظمة اخترقت الجيش وأجهزة الامن في بعض دول هذه الفئة وان دفع
الرشوة متفش وان شراء المعدات العسكرية أمر محاط بالسرية. ووجدت منظمة
الشفافية الدولية انه في وباستثناء الكويت لا توجد لجنة تشريعية تفحص
ميزانية الدفاع وانه حتى في حالة وجود هذه اللجنة فهي لا تتلقى معلومات
تفصيلية.
وذكر التقرير أنه لا توجد أي دولة في المنطقة لديها رقابة برلمانية
قوية او حتى متوسطة على أجهزة المخابرات وانه في أكثر من 60 في المئة
منها لا تتاح ميزانية للدفاع على الاطلاق او يكون من الصعب الحصول على
بيان تفصيلي للإنفاق. وتضمن تقرير منظمة الشفافية الدولية خطة عمل
تفصيلية تطبقها الحكومات لمكافحة الفساد في الجيش وقال ان على هذه
الحكومات ان تصغي الى مطالب الإصلاح. وأضاف "المطالب التي تنادي
بحكومات خاضعة للمساءلة تحمي وتخدم مواطنيها تصاعدت في كل المنطقة."
وقالت منظمة الشفافية الدولية في تقريرها عن مؤشر مكافحة الحكومات
والجيش للفساد لعام 2013 إن الدول الغنية في المنطقة هي أكثر عرضة
لمخاطر الفساد في الجيش عن الدول الافقر منها. وجاء في التقرير "ربما
هذا الثراء يحافظ ويطور شبكات محسوبية ونخب تقلص بدورها الانفتاح
والمحاسبة في مؤسسات الدفاع والامن."
من جانب أخر وبعيدا عن المؤسسة العسكرية فقد اعتقلت الشرطة القضائية
المغربية برلمانيا متلبسا بتلقي رشوة من مقاول قدم ضده شكوى بالابتزاز.
وأكد مصطفى الرميد وزير العدل والحريات المغربي اعتقال البرلماني الذي
ينتمي الى حزب "الاتحاد الدستوري" المعارض، حيث قال "ان الخبر صحيح
100%". وأضاف الرميد ان الامر تم بالتنسيق بين وزارة العدل والنيابة
العامة، نظرا لحساسية القضية.
وتم اعتقال البرلماني وبحوزته 20 مليون سنتيم (حوال 18 ألف يورو)
يشتبه بأنه تسلمها من مقاول قدم ضده شكوى ب"الابتزاز" المادي. وكان
المقاول يدين بأموال لجماعة يرأسها هذا النائب مقابل أشغال قام بها
لصالحها. وتم استنساخ الأوراق النقدية التي سلمت كرشوة وتم اعتقال
النائب البرلماني بمجرد تسلمه للمبلغ. ويتابع العديد من نواب ومستشاري
غرفتي البرلمان المغربي بتهم الفساد، واستخدام المال خلال الانتخابات
وبعدها، ومن بين آخر هؤلاء الأمناء الثلاثة لمجلس المستشارين (الغرفة
الثانية للبرلمان)، حيث يتخوف المستشارون من شلل المجلس اذا ما تمت
ادانة هؤلاء الأمناء.
وكان شعار "محاربة الفساد والاستبداد" الذي رفعه المتظاهرون في
المغرب مع انطلاقة الربيع العربي، بمثابة حصان طروادة بالنسبة لحزب
العدالة والتنمية الإسلامي للفوز في انتخابات نهاية 2011 البرلمانية،
وقيادة الحكومة لأول مرة في تاريخه. وكشف تقرير صادر عن منظمة "الشفافة
الدولية (ترانسبارنسي انترناشونال) في 11 كانون الأول (ديسمبر)، تراجع
المغرب بثماني نقاط في سلم الترتيب الدولي الخاص بالرشوة، حيث احتل
المرتبة 88 من بين 176 بلدا شملها التقرير.
في السياق ذاته بدأت السلطات القضائية في تونس التحقيق باتهامات
بالفساد وإهدار المال العام، منسوبة إلى وزير الشؤون الخارجية رفيق عبد
السلام، وأذنت بفتح بحث تحقيقي، للتثبت من صحة التصريحات التي أدلت بها
المدونة ألفة الرياحي، لبعض وسائل الإعلام والمواقع الالكترونية، والتي
وجهت فيها اتهامات بالفساد المالي، وإهدار المال العام، للوزير عبد
السلام، طبقا لأحكام الفصل 31 من مجلة الإجراءات الجزائية.
الى جانب ذلك لاتزال بريطانيا تعمل على رد أموال مصر المنهوبة حيث
قال جيريمى براون وزير الدولة لشؤون منع الجريمة بوزارة الداخلية
البريطانية ان بلاده لا تدخر وسعا في رد الأموال المنهوبة الي مصر لكنه
شدد على ضرورة ان يتم ذلك "في اطار القانون". وقال براون "نحن نبذل كل
ما نستطيع لإعادة الأموال لأصحابها الحقيقيين". لكنه أوضح "لابد ان
نتابع الإجراءات القانونية في مصر وان يتم ذلك في إطار القانون" مشددا
على انه "يجب ان نتأكد من سلامة كل التفصيلات المتعلقة بالتحقيقات"،
وقال براون "لا يمكن القيام بشيء إلا بعد التأكد من ان الأموال
الخاصة تم اكتسابها بشكل غير قانوني"، موضحا ان "الكثير من الأموال
مخبأة في حسابات لأقارب او معارف للأشخاص الذين يتم تعقبهم"، وهو ما
اعتبره احد أسباب تاخر عملية رد الأموال. ولم يعط الوفد البريطاني اي
معلومات عن حجم الأموال المصرية المهربة في بريطانيا او أسماء أصحابها
من المسؤولين المصريين.
وقال براون "لا يمكنني ان احدد إطارا زمنيا لانتهاء عملية إعادة
الأموال.. نحن نريدها في اقرب وقت وليس لدينا اي مصلحة في تعطيلها".
وأوضح ان حصول بعض المصريين على الجنسية البريطانية لن يمنع من رد
أموالهم "اذا ما ثبت انهم خرقوا القانون". ورفض براون الربط بين "إعادة
الأموال المنهوبة وبين المسار الديموقراطي في مصر".
وفي السياق نفسه، قالت مصادر قضائية انه تم رفع أسماء 10 شخصيات من
رموز نظام الرئيس السابق حسني مبارك من قوائم الممنوعين من السفر وترقب
الوصول والمنع من التصرف في أموالهم بعدما قاموا بالتصالح في القضية
المعروفة إعلاميا باسم قضية "هدايا الأهرام" المتهم فيها مبارك نفسه.
وسدد المتهمون قيمة ما حصلوا عليه من هدايا من هذه الصحيفة القومية من
عام 2006 حتى عام 2011. وقالت المصادر القضائية انه جرى تحصيل 8 ملايين
جنيه (حوالي مليون و150 الف دولار) بعد تسوية المتهمين لأوضاعهم
المالية منذ بدء التحقيقات وحتى الان.
وفيما يخص جانب استثمار الأموال القادمة من بعض دول الربيع العربي
والتي شكك البعض في سلامة مصادرها والتي كانت حصة الإمارات منه ما
يقارب 8 مليارات دولار طرحت في مشاريع استثمارية لعام 2012، قال رئيس
الوزراء الإماراتي إن بلاده اجتذبت استثمارات أجنبية مباشرة بنحو 30
مليار درهم (8.2 مليار دولار) العام الماضي. وخرجت رؤوس أموال كبيرة من
مصر وتونس وسوريا واليمن وبلدان عربية أخرى بحثا عن ملاذات آمنة إثر
تفجر اضطرابات سياسية واقتصادية في تلك الدول أوائل 2011. |