شبكة النبأ: إن التطورات الأخيرة التي
تمر بها دول الاتحاد الأوربي على الصعيدين السياسي والاقتصادي نتيجة
لتزايد المناورات السياسية من لدن المملكة المتحدة خلال الآونة الأخيرة،
تشير الى أن تكون هناك صفقات سياسية بين الدول الاتحاد المهتمة
بالهيمنة من جهة والمهتمة بالاستقلال من جهة أخرى، وذلك بهدف إعادة
ترتيب الأوضاع بالمجال السياسي في بلدان هذا الاتحاد.
وقد اثار التصريح الناري الذي أطلقه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد
كاميرون بطرحه مسألة بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي على
البريطانيين في استفتاء خلال السنوات القليلة المقبلة إذا فاز
بالانتخابات المقررة في عام 2015، وبمطالبته بإصلاحات راديكالية داخل
الاتحاد الأوربي، جدلا كبيرا بين إدارات الدول الأوروبية، حيث اختلفت
الآراء وتعددت الانتقادات بشأن تصريحات كاميرون غير المسبوقة.
فقد حذر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير بريطانيا من
خروجها من الاتحاد الأوروبي سيكون له عواقب كبيرة وقد تفقد التأثير
الدولي إذا خرجت من اتحاد الدول الأوروبية، وكما يبدو بأن نأي احد اقوى
دول العالم -المملكة المتحدة- عن قرارات الاتحاد الأوربي ولعب ادوار
غير اساسي في هذا الاتحاد بعدما هينمة القوى الألمانية والفرنسية على
هذا الاتحاد، جاء لعدة أسباب أبرزها مواقف دول الاتحاد الأوربي
السياسية والتي تمثلت بالإستراتجية العسكرية التي انتهجت في أفريقا
مؤخرا، كما تعد أزمة اليورو المستدامة من أهم العوامل التي تشجع
بريطانيا على الانفصال، فضلا عن مساعي هذه الدول لإعادة هيمنتها
الدولية، إذ كان للمملكة المتحدة حضورا قوياً وفاعلاً على المستوى
السياسي والاقتصادي بالعالم في الماضي القريب، وغيرها من الأسباب
والدوافع الأخرى، التي قد تمهد لانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوربي
في المستقبل القريب.
بينما يرى بعض المراقبين بأن سياسة الكيل بمكيالين هي السياسة
السائدة في خطابات وقرارات الحكومة البريطانية، ففي الوقت الذي تلوح
فيه الى الانفصال من الاتحاد الاوربي، لا تزال تمارس أيدلوجيتها
الاستعمارية من دعوتها الى عدم الخروج من المملكة المتحدة، وتثير قضية
استقلال اسكتلندا تساؤلات عدة تتعلق من بينها بقائها في الاتحاد
الأوروبي ومنظمات دولية اخرى.
فيما باتت مسألة انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي مبهمة حتى
اللحظة الراهنة، على الرغم من
الخطوات الجديدة بين الجانبين لتمهيد الطريق امام مشوار تركيا الصعب
الطويل للحصول على العضوية الكاملة للاتحاد الأوروبي، لكن في الوقت
ذاته لا تزال النتائج الملموسة للانجازات التي حققها الاتحاد الاوروبي
مشكوك فيها، بالنظر إلى أن الاتحاد الاوروبي يواجه مشكلات اقتصادية
ضخمة في الداخل، بينما توجد مصاعب مستمرة في عملية توسع الكتلة
السياسية والاقتصادية المكونة من 27 عضوا، ولا يخفى على أحد أن الاتحاد
الأوروبي لديه تحفظات شديدة ازاء ضم تركيا اليه لعدة اسباب اهمها
المعوقات الديموغرافية والمعوقات الاقتصادية، فضلا عن تضارب الموقف
الدولي، اضافة الى النزاع حول جزيرة قبرص المقسمة التي لا تعترف بها
تركيا ومعارضة من جانب دول أعضاء رئيسية في الاتحاد الاوروبي مثل فرنسا
والمانيا.
لذا يرى بعض المحللين ان القصة العضوية بين تركيا والاتحاد قد تنتهي
فعليا خلال المستقبل القريب التي يبدو للعيان أنها لن تنتهي ابدا،
شريطة ما لم يحدث اي تغيير سياسي ديناميكى هام، كتغيير في موقف فرنسا
على سبيل المثال أو تحقيق انطلاقة فيما يتعلق بقبرص وهو امر غير مرجح،
وبالتالي فان انضمام تركيا للاتحاد الأوربي في الوقت الحالي لا يزال
مستبعدا.
وعليه فأن زيادة التوترات والصراعات السياسية بين بريطانيا والاتحاد
الأوربي يضع الطرفان امام تحديات صعبة تتسم بالتوتر والاضطراب السياسية
والاقتصادية الذي يضعف طرفي الصراع، في ظل ازدياد الانقسامات السياسية
وتتعثر الحلول الناجعة وتراجع الاقتصاد، جميع هذه الامور تقف امام
التوافق بين الجانبين.
في حين سيكون لتركيا خلال هذه المدة فسحة ذهبية لبدأ بمفاوضات
الانضمام الى الاتحاد الأوروبي عقب مرور عامين ونصف دون احراز اي تقدم
في لهذه المفاوضات، لذا قد يكون انفصال بريطانيا المزعوم خطوة رئيسة في
انضمام تركيا الى الاتحاد الأوربي.
وفي غضون ذلك، اظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة التايمز البريطانية
ان البريطانيين يختارون الخروج من الاتحاد الاوروبي في حال جرى
الاستفتاء الذي وعد رئيس الوزراء ديفيد كاميرون باجرائه، وجاء في هذا
الاستطلاع حول بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الاوروبي، ان 40% من
الاشخاص الذين سئلوا رأيهم سيصوتون للخروج وان 37% سيصوتون للبقاء في
الاتحاد الاوروبي، وبعد ان اشار الى ان عدد الذين لم يأخذوا اي قرار
بعد هو 23%، اعتبر الاستطلاع الذي اجراه معهد "بوبولوس" لصحيفة التايمز
على شريحة من الفي بريطاني ان 53% من البريطانيين يؤيدون الخروج من
الاتحاد الاوروبي مقابل 47% يريدون البقاء في الاتحاد. بحسب فرانس برس.
وقال ديفيد كاميرون انه يريد اولا اعادة التفاوض على شروط عضوية
بريطانيا في الاتحاد الاوروبي لان "خيبة امل عامة الناس بالاتحاد
الاوروبي اكبر اليوم اكثر من اي وقت مضى"، واضاف "بعد الانتهاء من
التفاوض على التسوية الجديدة، سنطرح استفتاء على الشعب البريطاني
للاختيار ما بين البقاء او الخروج" من الاتحاد الاوروبي.
على الصعيد نفسه حاول رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون طمأنة
المسؤولين السياسيين ورجال الاعمال المجتمعين كما جرت العادة كل سنة في
منتجع دافوس في سويسرا بعد خطابه المثير للجدل حول موقع بلاده في
الاتحاد الاوروبي. بحسب فرانس برس.
وقال كاميرون امام عشرات المسؤولين السياسيين وكبار اصحاب العمل
الذين لم يخف الكثير منهم قلقه، ان "الامر لا يتعلق بادارة ظهرنا الى
اوروبا بل بالعكس، انه السعي لمعرفة كيف تكون اوروبا اكثر تنافسية
واكثر انفتاحا وليونة وضمان مكانة المملكة المتحدة فيها"، في الوقت
نفسه حذر رئيس الوزراء الهولندي مارك روت خلال نقاش من ان "المملكة
المتحدة خارج الاتحاد الاوروبي لن تكون سوى جزيرة في مكان ما وسط
المحيط الاطلسي بين الولايات المتحدة واوروبا" بدون تواصل مع هذه
المنطقة او تلك من العالم، واكد كاميرون انه يريد البقاء في الاتحاد
الاوروبي ولكن بعد اصلاح اوروبا "المتخلفة عن المنافسة العالمية والتي
يهملها المستثمرون" مضيفا "حان الوقت لنجعل منها محرك النمو وليس مصدر
تكاليف لاوساط الاعمال ومصدر شكاوى لمواطنينا".
بينما لم تدل المستشارة الالمانية انغيلا ميركل التي بدت لهجتها
تصالحية، باي تعليق اثناء القاء خطابها في دافوس، لكنها افاضت نوعا ما
في توجيه الحديث الى نظيرها البريطاني عبر التشديد على الضرورة التي
تمثلها عودة التنافسية الى اوروبا.
لكن بعض المشاركين في هذه الدورة الثالثة والاربعين للمنتدى
الاقتصادي العالمي في دافوس يتساءلون: هل سيكون الحل بقاء بريطانيا في
الاتحاد الاوروبي. وقال رئيس الوزراء الايرلندي اندا كيني "مهما كان
الامر اريد ان تظل بريطانيا تحتل موقعا مركزيا في الاتحاد الاوروبي"،
واستاء القادة الاوروبيون وبعضهم حاضر في دافوس من الخطاب الذي القاه
رئيس الوزراء البريطاني في لندنن وقال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند "يجب
التعامل مع اوروبا كما هي، بالامكان تطويرها غدا لكن لا يمكن اهانتها
بحجة اقتراح البقاء فيها"، فيما دان مسؤولون اوروبيون اخرون ما اعتبروه
رغبة بريطانية في ان تكون اوروبا "بحسب الطلب".
في الوقت ذاته، دعا رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون اسكتلندا
الى تجنب الانفصال عن المملكة المتحدة، مؤكدا ان الوضع الحالي يعود
بفائدة اكبر على اسكتلندا وبريطانيا على حد سواء، وفي آخر محاولاته
لاقناع الاسكتلنديين بعدم الانفصال عن بريطانيا قبل استفتاء في هذا
الشأن العام المقبل، قال كاميرون ان انهاء اكثر من 300 سنة من الوحدة
بين الشعبين سيجعل كلا من بريطانيا واسكتلندا "افقر".
واعترف كاميرون بان اسكتلندا يمكن ان تكون مزدهرة كبلد مستقل. وقال
"اعرف اولا ان مساهمة اسكتلندا والاسكتلنديين تصنع نجاح بريطانيا، لذلك
المسألة بالنسبة لي لا تتعلق بمعرفة ما اذا كانت اسكتلندا يمكن ان تكون
دولة مستقلة"، وتابع ان "السؤال الحقيقي هو هل اسكتلندا اقوى واغني
واكثر امانا وعدلا داخل المملكة المتحدة او خارجها. وهنا اعتقد ان
الجواب واضح"، وتقوم الاحزاب السياسية البريطانية بما في ذلك محافظو
كاميرون بحملة لبقاء اسكتلندا في المملكة المتحدة، بينما يريد الحزب
الوطني الاسكتلندي الذي يتخذ من ادنبره مقرا له، استقلالها، ورأى
كاميرون ان الحكومة الاسكتلندية "اخطأت" بنشرها خارطة طريق لانتقال الى
الاستقلال الذي قد يعلن في 2016 في حال موافقة الناخبين في الاستفتاء
على تقرير المصير المقرر اجراؤه في 2014. بحسب فرانس برس.
على صعيد آخر قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان إن انتظار
بلاده منذ نحو نصف قرن كي تصبح جزءا من الاتحاد الاوروبي أمر "لا
يُغتفر" ولابد من السماح بعضويتها دون تأجيل، وبدأت تركيا التي يسكنها
74 مليون نسمة محادثات رسمية للعضوية في الاتحاد الأوروبي عام 2005 بعد
40 عاما من أول محادثات لكن العملية تعثرت بسبب المعارضة خاصة من فرنسا
وألمانيا وكذلك خلافات مستمرة حول تقسيم جزيرة قبرص. بحسب رويترز.
وقد قال اردوغان إن الاتحاد الأوروبي من الممكن ان يفقد تركيا ما لم
يمنحها العضوية بحلول عام 2023 في الذكرى السنوية المئوية لتأسيس دولة
تركيا الحديثة. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يشير فيها إلى الفترة
التي يمكن ان تنتظر خلالها تركيا.
وأردف قائلا "تعاوننا وتضامننا مع الدول الاوروبية سيستمران بالطبع
حتى إذا لم يكونوا يقبلوننا. غير أن رغبتنا ستكون هي أن تدرك أوروبا
رغم أنها لم تقبلنا أن هناك خمسة ملايين مواطن في تركيا يعيشون في
الاتحاد الأوروبي... نحن نقول لا تعطلوا. فلننجز الأمر."
وفي نهاية العام الماضي اتهمت أنقرة الاتحاد الأوروبي باتخاذ "مواقف
متعصبة" في تقرير حول عملية العضوية في الاتحاد الأوروبي. وأتمت تركيا
فصلا واحدا فقط من بين 35 "فصلا" لابد من الاتفاق عليها مع الدول
المرشحة، وحالت فرنسا وقبرص والمفوضية الأوروبية دون التطرق إلى كل
الفصول عدا 13 فصلا وأوقفت بروكسل المحادثات لأنها تقول إن تركيا لا
تطبق معايير الاتحاد الأوروبي في مجالات حقوق الإنسان أو حرية التعبير
أو الدين.
وعليه فإن تلك المعطيات آنفة الذكر تطرح عدة تسأولات هامة، فهل
ستنفصل بريطانيا عن الاتحاد الأوربي في المستقبل القريب؟. وهل ستكون
تركيا بديلا للمملكة المتحدة في حال انفصالها عن الاتحاد الأوربي؟. |