مقارعة الطغيان في المنهج النبوي

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: ثمة معادلة لا تقبل الخطأ، نصُّها يقول: كلما ابتعد الانسان عن العنف والطغيان كلما اقترب أكثر من التمدّن والحضارة، والعكس يصح تماما.

وعندما نطالع التأريخ الأمين سنكتشف من دون أدنى شك أن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وُلد ونشأ وترعرع في مجتمع تسوده الكثير من بوادر الظلم والقسوة وضياع القيم المعايير التي تحد من مظاهر العنف، حيث اسلوب الغزوات والنهب والسلب والسبي، والاستعباد وما شابه، كانت أساليب سائدة تطبع حياة المجتمع البدوي الذي ترعرع فيه النبي محمد صلى الله عليه وآله.

من هنا تكمن القدرة النبوية الفريدة في تنظيم حياة هذا المجتمع العنيف، وترسيخ قيم العدل، وانصاف الضعيف والفقير، وكبح جماح الغني والقوي المتغطرس، حدث كل هذا ليس باسلوب العنف والعنف المضاد ولا باسلوب القوة والبطش.

يقول سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في احدى كلماته القيمة الموجَّهة الى عموم المسلمين: (إنّ لين النبيّ صلى الله عليه وآله في تعامله، سواء في أيام حكومته أو قبلها، هي من معاجزه الكبرى. والقرآن يقول: (لقد كان لكم في رسول الله اُسوة حسنة). وهذا خطاب موجّه للبشرية كافّة وليس للمسلمين فقط، وبالأخصّ للحكّام. وكذلك قال الإمام أمير المؤمنين: المتأسّي بنبيّه).

التسامح في المنهج النبوي

لقد شذَّب قائد الدولة الاسلامية الوليدة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، جميع القيم البدوية التي كانت تعصف بالمجتمع، وجاءت تعاليم الاسلام لتؤكد للجميع أن جميع البشر سواسية، وأن الجنوح الى السلم هو الذي يتقدم جميع السلوكيات الاخرى، كما أن اسلوب اللين والعفو والتسامح والتصحيح والتكافل والتعاون هو الاسلوب الفريد الذي استخدمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكي يصلح حال المجتمع، وينقله من ظلام العنف والبطش والقوة العمياء، الى ضياء الرحمة والتسامح والتكافل والايمان.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (إنّ تاريخ نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، الذي نقله أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم، هو تاريخ فريد. وإنّ اسلوب النبيّ صلى الله عليه وآله، أي قوله وعمله، هو اسلوب فريد أيضاً. وإنّ نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، هو القمّة في كل الأبعاد وهو أنجح إنسان في التاريخ، بلا استثناء، ومن بعده مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه هو الأنجح في التاريخ أيضاً، وذلك لأنه اتّبع النبيّ صلى الله عليه وآله). ويضيف سماحته قائلا: إن (النبيّ صلى الله عليه وآله، مع غض النظر عن عصمته التي نعتقد نحن بواقعيتها، لا يمكن أن تنسب إليه صلى الله عليه وآله حتى حالة واحدة من الطغيان ولو قيد شعرة، وذلك لأنه كان كما وصفه القرآن الكريم: فبما رحمة من الله لنت لهم).

وقد طبع منهج العقل والاخلاق جميع القرارات التي تتعلق بقيادة الدولة الاسلامية، حتى في التفاصيل الصغيرة للحياة آنذاك، كذلك كانت الاخلاق والقيم النبوية الشريفة تتقدم جميع السلوكيات الحكومية التي تدير شؤون الدولة الاسلامية، لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في كلمته هذه على أن: (تعامل النبيّ صلى الله عليه وآله يدلّ على العقل الكبير للنبيّ صلى الله عليه وآله. وهذه هي أخلاق النبيّ صلى الله عليه وآله، أي الأخلاق ثم الحكومة. وليس كما يقال: الحكومة ثم الأخلاق، أو الحكومة مطلقاً وبلا أخلاق. فنبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله جعل الأخلاق هي قيد الحكومة). ويضيف سماحته قائلا: (انظروا إلى التاريخ وإلى دنيا اليوم، هل تجدون، ولو حاكماً واحداً، يتعرّض لمحاولة سوء ويقوم بالعفو عن صاحب المحاولة؟ أو لم يودعه السجن؟).

التوافق مع المنهج النبوي

لذلك فإن أي قول أو سلوك أو منهج لا يتوافق مع المنهج النبوي لابد أن يقود مصدره الى المسار الخاطئ، من هنا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على أن: (انّ كل قول وتصرّف وعمل يخالف قول وعمل النبيّ صلى الله عليه وآله، فهو المدان).

ولذلك طالما كانت قرارات وأفعال قادة المسلمين بعيدة عن المنهج النبوي القائم على مقارعة الطغيان والغطرسة والعنف، فإن الاخطاء السياسية سوف تجعل من هذه الدول والحكومات في حالة تناحر وتقاطع مع منهج الحياة الصحيح، من هنا نلاحظ حالة التشرذم التي تصيب الآن أمة المسلمين، مع أنهم يشكلون نسبة عالية من سكان العالم، فنجدهم دونما وحدة حتى في الرأي أو الموقف او الكلمة، السبب كما هو واضح ابتعادهم عن المنهج النبوي.

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في كلمته نفسها: (أنا شخصياً ومنذ قرابة خمسين سنة أسمع بالوحدة الإسلامية وإلى يومنا هذا. ولكن لماذا لم تتحقّق ولم تتقدّم حتى خطوة واحدة؟). والملاحظ أيضا أن هناك إيغالا من لدن القيادات الحكومية للدول الاسلامية على عدم اتخاذ المنهج النبوي معيارا لسلوكهم وسياساتهم، لهذا نراهم في تناحر وتخلف مستمر. لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي: إن (عدم الالتزام والتمسّك بما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله وهو: القرآن الكريم وعترته الطاهرة هو السبب في عدم تتحقق الفائدة المرجوّة من المطالبة والمناداة بهذا الاتحاد وبهذه الوحدة. وانظروا إلى وضع المسلمين، وخصوصاً في العقدين الأخيرين، ترونه اسوأ مما مضى، بل هو إلى الوراء دوماً).

وهكذا لابد أن يرعوي صناع القرار في الدول الاسلامية ويتنبهوا الى نبذ الطغيان واعتماد منهج اللين والرحمة والتعاون في ادارة شؤون المسلمين، مع تطبيق الاخلاق والاعراف والقوانين التي تحفظ كرامة الناس وحقوقهم من التجاوزات أيا كان مصدرها أو درجة خطورتها، وهذا يمكن أن يتحقق فيما لو قرر المسؤولون العودة الى النبع النبوي الشريف وسيرة أهل البيت الاطهار، لكي يكونوا الاسوة لنشر السلام والمحبة ووحدة الموقف والكلمة لعموم المسلمين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 14/شباط/2013 - 4/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م