فولكسفاجن والغاية المنشودة لصانعي السيارات

 

شبكة النبأ: لم يصبح أولريش هاكنبرج اسما شهيرا بعد لكن إذا نجح رهان فولكسفاجن الذي تبلغ قيمته 70 مليار دولار على فكرته فقد يصبح من رواد صناعة السيارات أمثال هنري فورد وألفريد سلون وتاييتشي أونو.

فمنذ أيام مجد هنري فورد والنموذج تي الذي ابتكره كانت الغاية المنشودة لمصنعي السيارات هي "السيارة العالمية" أي ابتكار تصميم أساسي واحد يمكن تنفيذه بتعديلات طفيفة وبيعه في أسواق مختلفة.

وإذا أخذنا هذا المفهوم الأساسي ووسعنا نطاقه ليشمل أنواعا وأحجاما وعلامات تجارية شتى للسيارات ثم أنتجناها بالملايين فعندئذ سنبدأ في إدراك مدى ضخامة استراتيجية فولكسفاجن التي تتطور بوتيرة متسارعة وتأثيرها المحتمل على المنافسين في أنحاء العالم.

وتعهد مهندس السيارات هاكنبرج هذه الفكرة اللامعة بالرعاية ثلاثة عقود بعد أن تجاهل مسؤولون في شركات السيارات عرضه المبكر لها إلى أن وجد من اشتراها بأكملها. وكان الرجل الذي قام بهذا الرهان هو مارتن فينتركورن الرئيس التنفيذي لفولكسفاجن.

وتساعد اعادة ابتكار هاكنبرج لمنصات تصنيع السيارات على دفع الشركة الألمانية إلى أعلى قائمة المبيعات العالمية قبل سنوات من الموعد المستهدف وهو عام 2018. وقد تجعل أيضا من فولكسفاجن إحدى أكثر شركات السيارات ربحية في العالم.

بيد أن هذه الاستراتيجية لا تخلو من المخاطر. فعلى سبيل المثال قد تضطر فولكسفاجن لاستدعاء عدد هائل من السيارات من شتى أنحاء العالم إذا تعطل مكون واحد مستخدم في ملايين السيارات.

لكن الشركات المنافسة أدركت القوة التي تنطوي عليها استراتيجية فولكسفاجن. فمعظم شركات السيارات الكبرى في العالم ومن بينها تويوتا وفورد تتابع قاعدة التصنيع المعيارية التي ابتكرتها فولكسفاجن حسبما قاله مسؤولون في الشركات. وقال مسؤول كبير في فورد طب عدم كشف هويته "من الجنون ألا نفعل ذلك."

وقد بدأ عمل فولكسفاجن على مشروع قاعدة التصنيع الجديدة الذي يعرف داخل الشركة باسم إم.كيو.بي جديا عام 2007 وسيجري تنفيذه على مدى السنوات الأربع المقبلة بتكلفة تقارب 70 مليار دولار وفقا لتقديرات مورجان ستانلي. والعوائد المحتملة للمشروع مغرية إذ ان إجمالي الوفورات السنوية المتوقعة سيصل إلى 19 مليار دولار بحلول 2019 وفقا لتقديرات البنك وسيقترب إجمالي الهوامش من عشرة بالمئة.

ومن المتوقع أن تعلن فولكسفاجن في 22 فبراير شباط الجاري أرباحا قياسية لعام 2012 تتجاوز 30 مليار دولار وفقا لتقديرات برنستين ريسيرش التي قال محللها ماكس ووربرتون "يبدو أن فولكسفاجن لديها قوة دافعة لا يمكن إيقافها .. في الصين والولايات المتحدة وأوروبا ومعظم أنحاء العالم الأخرى." بحسب رويترز.

وبدأت هذه القوة الدافعة تتشكل منذ فترة وحتى قبل ظهور التطبيق الأولي لفكرة هاكنبرج العام الماضي. وليس جديدا على فولكسفاجن أن تكون من بين المتصدرين فيما يتعلق بنسبة المكونات المشتركة بين النماذج المختلفة للسيارات. فخلال تجمع في اليابان قبل خمس سنوات رفع مسؤولون من رينو ونيسان غطاء المحرك في عدد من سيارات فولكسفاجن المختلفة جنبا إلى جنب - ومن بينها نماذج من سكودا وسيات وأودي - ورأوا ما قد يسبب لهم المتاعب.

وقال مسؤول تنفيذي حضر ذلك العرض "كان فيها نفس المحرك ونفس القابض ونفس التهوية .. كلها أجزاء متطابقة. "هذه نسبة من المكونات المشتركة لم تكن موجودة لدى رينو-نيسان."

وفي أواخر 2011 حين كان الأفق قاتما لشركة السيارات الفرنسية بيجو سيتروين شاهد مجلس إدارة الشركة عرضا مماثلا وأصيب بصدمة مماثلة في مركز أبحاث الشركة المحاط بإجراءات أمنية مشددة في فيليزي جنوب غربي باريس. وفكك الفنيون الجزء الأمامي من سيارتين مختلفتين من إنتاج فولكسفاجن وتبادلوا معظم مكوناتهما.

وقال أحد المشاركين في العرض "كانوا مذهولين بعض الشيء حين أدركوا وجود عالم مختلف تماما وأنهم متأخرون عنه عشر سنوات."

وبعد دراسة استمرت ست سنوات بدأت فولكسفاجن تنفيذ قاعدة التصنيع المتطورة شديدة المرونة تحت اسم قد يبدو خادعا في بساطته وهو إم.كيو.بي. والآن تقوم الشركة بتصميم كل نماذج السيارات العائلية الصغيرة والمتوسطة ذات الدفع الأمامي - بما فيها أحدث الطرز من جولف وأودي ايه3 - على قاعدة إم.كيو.بي.

وتتميز القاعدة الجديدة بإمكانات لتركيب المكونات واستخدامها على الفور ومستوى من المرونة والتطابق بين المكونات أعلى بكثير مما لدى تويوتا وجنرال موتورز وفورد وغيرها من شركات صناعة السيارات.

وقال مايكل روبينيه العضو المنتدب لشركة آي.اتش.اس للاستشارات في نورثفيل بولاية ميشيجان إن إم.كيو.بي "قد تكون أهم مبادرة في صناعة السيارات في السنوات الخمس والعشرين الماضية ... إنها تغير قواعد اللعبة حقا."

ونظرا لأن الاستراتيجية الجديدة تدعم العلامات التجارية الاثنتي عشرة التي تملكها فولكسفاجن ومن بينها سكودا وأودي وبورشه ولامبورجيني فمن المنتظر أن تنتزع الشركة الألمانية صدارة المبيعات العالمية من تويوتا في العام المقبل بحسب توقعات بنك الاستثمار مورجان ستانلي.

وتنتظر فولكسفاجن دعما هائلا من إم.كيو.بي. وتخطط لتعزيز مبيعاتها العالمية إلى عشرة ملايين أو أكثر عن طريق صناعة نحو اثنين من كل ثلاث من سياراتها باستخدام قاعدة إم.كيو.بي وفقا لتقديرات شركة الأبحاث الأمريكية آي.اتش.اش اتوموتيف.

ولا يمتلك أي من منافسي فولكسفاجن ما لديها من تنوع في العلامات التجارية أو اتساع في التكنولوجيا أو انتشار جغرافي أو إمكانات مالية لدعم مبادرة مثل إم.كيو.بي والاستفادة منها.

وحتى تويوتا التي تتصدر المبيعات العالمية حاليا ستجد صعوبة في اللحاق بمنافستها الألمانية. وقال مسؤول في تويوتا طلب عدم نشر اسمه بسبب حساسية الموضوع "لا شك في أننا متأخرون ... بل إننا لم نبدأ في تنفيذ التغييرات الهيكلية الأساسية التي نفذتها فولكسفاجن" في تصميم واستخدام قواعد مرنة للسيارات.

وما يوحي به كلام المنافسين والمحللين هو أن إطلاق فولكسفاجن لمشروع إم.كيو.بي قد يكون له نفس تأثير ابتكارات سابقة في صناعة السيارات.

ويعتبر الموردون لشركة فولكسفاجن مشروع إم.كيو.بي علامة فارقة وتحولا عن الماضي حين كانت حصيلة الطلبيات لقواعد السيارات الكبيرة تبلغ خمسة ملايين أو ستة ملايين من المكونات المتطابقة في دورة حياة تبلغ ست إلى سبع سنوات.

وقال مسؤول كبير في شركة أوروبية إنه مع البدء في تنفيذ إم.كيو.بي "تلقى الموردون طلبا لتحديد أسعار 35 مليون مكون."

والأهم من ذلك أن استخدام قاعدة معيارية يمكن فولكسفاجن من تصميم وهندسة وبناء سيارات بأحجام وأشكال شتى من السيارة بولو الصغيرة إلى السيارات الكبيرة التي تتسع لسبعة ركاب والمنتظر إطلاقها في الولايات المتحدة عام 2015.

وتسمح مرونة نظام إم.كيو.بي للشركة أيضا بإنتاج مزيد من السيارات المصممة لأسواق محددة بتكلفة أقل وبدون أن تحتاج لبيع كثير من الوحدات لتحقيق التعادل بين الإيرادات والمصروفات وفقا لتقديرات ستيوارت بيرسون المحلل لدى مورجان ستانلي.

وإم.كيو.بي ليست الفكرة الوحيدة في جعبة هاكنبرج. فالنماذج الأكبر حجما من السيارات أودي وفولكسفاجن وبورشه ذات المحركات الطولية ستستخدم مجموعة متماثلة من المكونات أطلقت الشركة عليها إم.إل.بي وبدأت استخدامها بالفعل في عدد من سيارات أودي.

وستستخدم الشركة في كثير من علاماتها التجارية الفاخرة مجموعة ثالثة من المكونات أطلقت عليها إم.إس.بي وهي مصممة لسيارات الدفع الخلفي والدفع الرباعي مثل بورشه 911 وبنتلي كونتننتال ولامبورجيني جالاردو.

وسيأتي كل من هذه المجموعات المعيارية الثلاثة بتعديلات مختلفة تتيح مرونة هائلة في تصميم المنتجات وخيارات شتى لطرق تشغيلها من محركات البنزين والديزل إلى المحركات الكهربائية والبطاريات.

وقال هاكنبرج الذي يعمل حاليا رئيسا للتطوير للعلامة التجارية فولكسفاجن "القواعد المعيارية تجاوزت حد التكنولوجيا لتصبح أداة للإدارة تساعد على تطوير العلامات التجارية. فهذه الأدوات تساعد العلامات التجارية على المحافظة على شخصيتها وزيادة خصوصيتها."

وتبدو هذه الأدوات المكمل المثالي لنقاط القوة الأخرى لدى فولكسفاجن ومن أبرزها حجم الشركة إذ تتوقع برنستين ريسيرش أن تتجاوز إيرادات المجموعة هذا العام 275 مليار دولار.

لكن أحجام المبيعات الضخمة المزمعة لمشتقات إم.كيو.بي وحدها قد تعرض المجموعة لخطر الاستدعاءات التي حدثت في السنوات الأخيرة والتي شملت ملايين السيارات من شركة تويوتا اليابانية. وإذا حدثت مشكلة في مكون واحد وكان هذا المكون مستخدما في العديد من النماذج المختلفة فقد يشمل الاستدعاء أعدادا أكبر بكثير.

ويعبر عدة محللين من بينهم بيرسون من مورجان ستانلي ويورجن بيبر من ميتسلر بنك ومقره فرانكفورت عن قلقهم بشأن اعتماد فولكسفاجن المتزايد على الأسواق الناشئة لاسيما الصين في تحقيق النمو المستقبلي.

وكانت الشركة من أوائل المستثمرين في الصين وشركة السيارات الأوروبية الوحيدة التي تقيم مشروعات مشتركة مع أكبر شركتين صينيتين لصناعة السيارات وهما فاو جروب وشنغهاي اوتو.

والآن تشكل الصين 30 بالمئة من المبيعات العالمية لفولكسفاجن. وتدير المجموعة الألمانية عشرة مصانع للتجميع والمكونات في الصين وتنوي ضخ 13 مليار دولار أخرى مع شركائها هناك خلال السنوات الثلاثة المقبلة في مصانع ومعدات ونماذج.

ويقول بيبر إن التعرض الزائد لسوق واحدة مثل الصين يتعارض مع فلسفة فولكسفاجن في توزيع النمو بالتساوي وقد يجعلها عرضة لخطر التطورات السلبية في السوق وتدخل محتمل من الحكومة.

وسعيا للتحوط من تعرضها للأسواق الناشئة قامت فولكسفاجن بتطوير عملياتها في أمريكا الشمالية التي تتكبد خسائر من خلال استثمار يبلغ أربعة مليارات دولار وفقا لتقديرات مورجان ستانلي وهو ما قد يضاعف مبيعاتها الأمريكية إلى أكثر من مثليها بحلول 2018 لتبلغ 1.3 مليون.

وحتى إذا حققت ذلك فستظل لاعبا متوسطا في السوق الأمريكية التي تهيمن عليها جنرال موتورز وفورد. وتدعم فولكسفاجن جهود نموها في الآونة الأخيرة بطاقة إنتاج إضافية من بينها مصنع تجميع جديد لأودي في المكسيك وتوسعة منشأة قائمة لفولكسفاجن في بويبلا وتعزيز محتمل لمصنع تشاتانوجا الجديد في تنيسي.

وقال مسؤولون في فولكسفاجن إن الشركة ستقوم بتطوير المصنعين الأخيرين للتعامل مع النماذج الجديدة التي تستخدم إم.كيو.بي.

ويدرس كبار المديرين أسواقا خارجية أخرى تفتقر فيها الشركة لمنشآت إنتاج محلية ومن بينها افريقيا وجزء كبير من أمريكا اللاتينية ومعظم رابطة دول جنوب شرق اسيا (اسيان) حيث يتضاءل وجود فولكسفاجن أمام تويوتا.

وتعمل فولكسفاجن على تعزيز طاقة الإنتاج العالمية إلى نحو 12 مليون سيارة بحلول 2015 من 8.6 مليون في 2010 وفقا لتقديرات مورجان ستانلي.

وقد لا يتم التطبيق الكامل لمشروع إم.كيو.بي قبل نهاية العقد الحالي وفقا لتوقعات بيرسون. وبحلول ذلك الوقت قد يكون قائدا استراتيجية الشركة وهما الرئيس التنفيذي فينتركورن ورئيس مجلس الإدارة فرديناند بيش قد تقاعدا وانتقل الجيل التالي من المديرين إلى المواقع العليا.

وبيش المولود في النمسا وعمره 75 عاما يمثل الجيل الثالث من عائلة لها باع في صناعة السيارات. فهو مهندس ميكانيكا وحفيد فرديناند بورشه المصمم النمساوي الشهير وصاحب التصميم الأصلي للسيارة فولكسفاجن بيتل.

ولم يحدد مجلس الإدارة الإشرافي لفولكسفاجن حتى الآن مرشحين لشغل موقع كل من بيش وفينتركورن ولن يكون هذا سهلا خاصة لأنهما يشتركان في قيادة الشركة منذ أن أصبح فينتركورن رئيسا تنفيذيا في 2007.

وفيما يتعلق بالرؤية الاستراتيجية للشركة بعد رحيل بيش يقول بيرسون من مورجان ستانلي "إرثه هو (بناء) أكبر شركة سيارات في العالم وأكثرها نجاحا. لا أتوقع أن هذه الاستراتيجية ستتغير قريبا."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 13/شباط/2013 - 3/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م