الجشع القاتل والتأزيم العالمي المتفاقم

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: في العام 2008 ضربت العالم أزمة اقتصادية، أربكت أكبر اقتصاديات العالم وأكثرها متانة وقوة، في امريكا واوربا واسيا ودول اخرى كثيرة، وتحطمت عشرات الشركات الكبيرة والصغيرة، وأعلنت عشرات البنوك افلاسها، وبقي العالم كله في حيرة من أمره، وهو يتطلع الى الانهيار الاقتصادي المخيف الذي اصاب أهم مفاصل الاقتصاد العالمي.

ولم يُشفَ العالم من نتائج تلك الازمة الكارثة، إلا بعد زمن واجراءات تقشفية بالغة الصعوبة، مع نتائج خطيرة ألحقت الضرر بالاغنياء والفقراء معا، وكان الجميع يتساءلون لماذا حدث هذا، وكأنهم لم يكونوا سببا فيما حدث !!؟.

ولم يجرؤ أحد من الاغنياء والشركات الكبرى التي تحتكر المال العالمي، على الافصاح بالحقيقة المتمثلة بظاهرة (الجشع)، التي ركبها الجميع دونما تردد أو تحسّب، فقد كان عالم الاغنياء والاثرياء ممثلا بالشركات الاحتكارية، يغذّ السير واللهاث نحو جمع الاموال الطائلة وتكديسها في البنوك العالمية، من دون الاهتمام بالنتائج السلبية التي ستلحَق بالآخرين، بل ومن دون التفكير بالنتائج التي ستعود بالمخاطر الجسيمة بهم أنفسهم.

إن مشكلة أغنياء العالم (الدول/ الشركات الكبرى/ الافراد الاثرياء) أنهم يتناسون او ينسون، بأنهم يعيشون في كوكب واحد مع فقراء العالم، وهذا الكوكب او المركب اذا تعرّض للغرق في دوامة الازمات والانهيارات الاقتصادية، فإنهم غارقون ايضا مع بقية العالم، ليس هناك كوكب آخر يلوذون به، هذا ما تؤكده جميع الابحاث الفضائية الموثوقة، لذلك عليهم (بعد أزمة 2008) وتبعاتها التي لا تزال حاضرة حتى الآن، أن يفهموا مخاطر جشعهم، وعليهم أن يتعاملوا بطريقة الاستفادة الذكية من التجارب، وعليهم محاربة الجشع حتى القضاء عليه.

المعنيون هنا بهذا الكلام، هم جميع اثرياء العالم، الرسميين والاهليين، دول وحكومات غنية، شركات كبرى، شخصيات وافراد بالغة الثراء، وهم نسبة قليلة من سكان العالم، هؤلاء وغيرهم من الاغنياء ومن تُحتَكَر لديهم معظم ثروات العالم، عليهم جميعا أن يستفيدوا من الدرس، وأن يفهموا أنهم ليسوا بمعزل عن العالم الارضي اذا طاله الانهيار.

لقد وصل العالم قبل سنوات قليلة الى حافة الموت الاقتصادي، بسبب المضاربات والصفقات الكبرى والمشبوهة، وغسيل الاموال والاتجار بالمخدرات، والبشر والدعارة والاطفال والاعضاء البشرية، هناك صور مشوهة تدل بصورة قاطعة على الانحطاط العالمي الذي وصل إليه هؤلاء الجشعون، (دولا وحكومات وشركات وشخصيات)، كلهم يعرفون درجة الجشع القصوى التي بلغوها، وإيغالهم الكبير في إفقار النسبة الاكبر من سكان الارض.

إننا نعرف بأن الامر لا يمكن التصدي له باطلاق الحملات الكلامية المجردة، او من خلال استدرار العواطف، فقلوب اثرياء العالم الذين سبق ذكرهم، ماتت او قاربت الموت، ولذلك مطلوب اجراءات عملية مدروسة، تحمي البشرية من كارثة او كوارث مماثلة للانهيار الاقتصادي الذي ضرب عالمنا في 2008.

وكما هو متفق أن الجشع يدمر النظام العالمي، وينهك المصلحة العامة، لذا ينبغي تحاشي هذه الظاهرة عالميا، وهو امر ينبغي ان تتصدى له المنظمات العالمية المعنية، وأن تتعامل معه بجدية بالغة، نظرا للمخاطر الجسيمة التي تعرض ولا يزال يتعرض لها العالم، مع حضور اللامبالاة من لدن أرباب الجشع وتكديس الثروات بأبشع الطرق، واكثرها جرماً وتجاوزا على الشرعية الدولية في تداول الاموال.

المطلوب من المنظمات الاقتصادية والثقافية والسياسية، المعنية في حاضر ومستقبل الانسان، أن تتحرك وفق خطط اقتصادية عملية مدروسة، لتحاشي تكرار الانهار الاقتصادي القادم، وعلى الاثرياء أن يتعلموا مما حصل قريبا، حينما وجدوا أنفسهم خالين الوفاض، وهم ينظرون الى اموالهم وشركاتهم وبنوكهم عرضة للافلاس والموت المحقق، لذا عليهم جميعا التعاون مع المنظمات والجهات المعنية لدرء مخاطر الازمات الكبرى المدمرة.

ولعل الخطوة الاهم والاكبر والاكثر تأثيراً في هذا المجال، تتمثل في الابتعاد عن منهج تكديس الثروات العالمية لدى أقلية من الاغنياء (دول وحكومات وشركات وشخصيات)، والعمل وفق مبدأ الربح للجميع، وليس لفئة او نسبة قليلة من سكان العالم، مضافا الى ذلك محاربة جميع المضاربات وعمليات غسيل الاموال، ومكافحة كل الجوانب السلبية التي تكرس ظاهرة الجشع عالميا، وفق تشريعات عالمية يتفق عليها الرسميون جميعا، وتوضع موضع التطبيق العالمي بحزم تام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 10/شباط/2013 - 29/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م