شبكة النبأ: من المؤسف حقا أن نلاحظ
عددا من قادة البلد في السلطات التنفيذية او التشريعية، يميلون الى
القمع والتكميم، بل ويسعون بكل ما يمتلكون من قوة او نفوذ او تأثير،
الى إقرار عدد من القوانين التي تسعى لإعادة العراق الى الطغيان
والتسلط ومحاربة الرأي، والسبب أن هذه العقول متزمتة جدا بل متحجرة،
وتتسم بصفات القمع والطغيان والتسلط، وهي تحاول بل تستميت من اجل
محاربة الرأي الحر، وتكميم الافواه ووضع البلد مرة اخرى، تحت رحمة
القوانين والتشريعات القمعية الجائرة التي تتعلق بـ (المعلوماتية).
والمشكلة الواضحة للعيان، أن هذه العقول المغلفة بالاستبداد
والمدربة على القمع، تدفع مجلس النواب والجهات التشريعية، الى سن
قوانين تحارب الرأي وتحاصر المعلومة، وتحد من عرضها على الملأ في وسائل
التوصيل المتعددة، لاسيما المواقع الالكترونية ومواقع التواصل
الاجتماعي، والسبب واضح كل الوضوح، حتى يبقى الفاسدون وسراق المال
العام والمختلسون والمسيئون بمختلف اصنافهم، بعيدين عن وسائل الفضح
والملاحقة، خاصة اننا نعاني من ضعف واضح في تطبيق القوانين التي تحد من
جرائم الفساد والإفساد.
لذلك في الوقت الذي ينفتح فيه العالم على آفاق واسعة للرأي، ويبتكر
الآخرون سبلا اخرى لنشر الفكر والمعلومة بحرية تامة، نلاحظ أن بعض
قادتنا السياسيين في البرلمان وفي سواه، يتمتعون بعقليات (طغيانية
مستبدة)، اعتادت القمع و ورثته من حقب وعهود ماضية، وبدلا من فتح
الآفاق المعلوماتية واسعة أمام الشباب والطاقات العراقية المبدعة في
مجالات الاتصال، ونشر المعلومات والتلاقح مع ثقافات الدول الاخرى، نجد
أن بعض القادة والسياسيين في البرلمان وسواه من مؤسسات الدولة يدفعون
الامر باتجاه تشريع قانون الجرائم المعلوماتية، في خطوة تعد الاخطر على
حرية الرأي منذ أن دخل العراقيون عالم الاتصال الحر.
إن هذا السلوك الخطير يدل على وجود العقلية المستبدة التي تحاول أن
تؤسس وتديم ركائز القمع وتحارب حرية الرأي في المجتمع العراقي، بحجة
حماية الامن الوطني وما الى ذلك من اسباب يمكن افتعالها في أي وقت، من
اجل محاربة الاعلام والفكر الحر، وهو المكسب الذي حصل عليه العراقيون
بعد تضحيات جسيمة يعرفها الجميع، خاصة اولئك الذين يحاولون قمع الرأي
واعادة البلد الى خانة الخوف من قول الحقيقة، او نشر المعلومة الصادقة
على الملأ.
ان الامن الذي يدّعي هؤلاء المحافظة علية من خلال تشريع قانون
الجرائم المعلوماتية، لا يمكن تحقيقه بهذا الاسلوب القمعي، بل الحريات
وحدها هي التي تحفظ أمن الجميع، لأن القمع هو المسبب الاساسي لتكريس
الجريمة بأنواعها، وظهور المافيات والعصابات وما شابه، أما الحرية
واعلان الرأي واطلاق المعلومة في وسائل التوصيل المتعددة، فهي كفيلة
بتحقيق توازن معلوماتي لا يسمح لاحد بالتجاوز والفساد من اي نوع كان،
لذلك فإن العلاقة بين مفهوم الحرية والامن لا يحددها القمع والتكميم
وسن القوانين التي تصادر الرأي، بل يجب ان تكون هذه العلاقة متوازنة
وقائمة على حرية اطلاق المعلومة الصحيحة، وتوصيلها الى الرأي العام دون
مضايقات او معوقات، في ظل نظام معلوماتي عالمي حر.
علما ان الانضباط الذي تحتاجه الحرية هو من شأن المنظمات المدنية،
وهي التي تقوم بدورها في هذا الجانب من خلال نشر الوعي بين الجميع، أما
اسلوب المحاصرة والمطاردة والقمع وسن القوانين الجائرة بخصوص (جرائم
المعلوماتية)، فإنها دليل على حضور العقلية التسلطية القمعية بين
قادتنا السياسيين في البرلمان او خارجة، وهي ظاهرة ينبغي محاربتها
بشدة، وفضح هذه العقليات المريضة، التي ترغب بزج البلد في اتون القمع
ثانية، في حين يمضي العالم قُدُما نحو آفاق التحرر والانفتاح ونشر
الرأي دونما قيود. |