ملاحظات على هامش النيتو

عريب الرنتاوي

ملاحظتان اساسيتان جذبتا اهتمامي وأنا أتابع أشغال "الجمعية العامة 58 للنيتو" المنعقدة في روما.. الأولى وتتصل بالقلق الذي يجتاح الأوروبيين من "تغير سلم الأولويات الأمريكية" واتجاه واشنطن للتركيز على "الباسيفيك وآسيا".. الثانية وتتعلق بـ"الإسقاط" التام للصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية من أجندة الحلف والدول الأعضاء.

في شأن تباين الأولويات بين أوروبا والولايات المتحدة، لم يبق متحدث واحد تقريباً، من "أركان" الحلف أو وزراء الدفاع والخارجية الذين تعاقبوا على المنصة، من دون أن يؤكد بأن "تغير سلم الأولويات الأمريكية" لن ينعكس سلباً على الحلف والمصالح المشتركة "يفضلون الحديث عن قيم مشتركة"، التي تجمع اوروبا بالولايات المتحدة... ولم يبق مسؤول أمريكي من دون أن تُنسب إليه، أقوال وعبارات تذهب في إتجاه إظهار الالتزام الأمريكي بالحلف والأمن الأوروبي.

والحقيقة أن "كثرة" التأكيدات في هذا الاتجاه، تدفع المراقب من الخارج، ككاتب هذه السطور، للاعتقاد الجازم، بأن القلق الذي يجتاح الأوروبيين من هذا "التحوّل"، لن تخفيه تصريحات ومواقف دبلوماسية تنحو باتجاه "تعظيم" المشتركات بين شطري الأطلسي.. بدلالة الدعوات المتكررة لزيادة الاهتمام بزيادة الإسهام الأوروبي في مجال الأمن والدفاع، وإحياء سياسات الدفاع الأوروبي المشترك.

لدى واشنطن الكثير من الدوافع لنقل مركز اهتمامها من "الأطلسي وأوروبا والمتوسط" إلى "الباسيفيك وآسيا"، أهمها تعاظم التحدي الاقتصادي الصيني والهندي، فضلاً عن يقظة "الدب الروسي" بعد سنوات طويلة من "السُبات"، وهو أمر لن تقلل من شأنه بعض "التقديرات" الأطلسية، التي تتعامل مع روسيا كقوة إقليمية "متوسطة" وليس كقوة دولية عظمى، بسبب فقدانها نفوذها في الشرق الأوسط، وتخلفها عن الالتحاق بركب "العصرنة" اجتماعياً وسياسياً وعسكرياً خلال السنوات العشر الأخيرة.

أما في شأن الصراع العربي – الإسرائيلي، فهو "الحقيقة المُحتجبة" عن اجتماعات النيتو.. لا ذكر له على الإطلاق، لا من بوابة الحاجة لإطفاء هذا الصراع من خلال تأمين حل عادل للقضية الفلسطينية، ولا عبر بوابات "الانتشار النووي" و"صعود موجات التطرف القومي والديني في المنطقة"... فحين يؤتى على ذكر الانتشار النووي، يُؤتى فقط على ذكر "التهديد النووي الإيراني"... وحين يؤتى على ذكر "التطرف" تتجه الأنظار نحو التطرف "العربي والإسلامي".. لا ذكر على الإطلاق لاتجاهات التطرف القومي و"الحريدي" التي تجتاح إسرائيل وتسهم في تشكيل حكومات وائتلافات تراوح ما بين اليمين واليمين المتطرف.

لتخلص بعد سلسلة من النقاشات والمحاضرات المهمة و"المملة" على حد سواء، إلى أن عبارات من نوع فلسطين وعملية السلام و"حل الدولتين" والصراع العربي – الإسرائيلي، قد خرجت من التداول العالمي، ولم تعد هذه المفردات مدرجة على جدول أعمال المجتمع الدولي... وهذا أمر يجب أن يؤخذ جيداً بنظر الاعتبار والحركة الوطنية الفلسطينية تدلف عتبات "المصالحة" و"إعادة ترتيب البيت الفلسطيني" وما يتردد بخجل بين الحين والآخر، عن الحاجة "لاستراتيجية وطنية فلسطينية جديدة".

لقد طُلب من الفلسطينيين أن يجنحوا للسلم ووسائله وأدواته في السعي لانتزاع حقوقهم، باعتبار أن "العنف" لن يجلب حلاً ولن يُعيد حقوقاً.. وعندما فعلوا ذلك، قوبلوا بالتجاهل والإنكار.. ولقد آن الأوان لكي يضع الفلسطينيون بأنفسهم، قضيتهم على جدول أعمال المجتمع الدولي من جديد، وهذا لن يتحقق من دون تحريك مختلف أشكال المقاومة الشعبية والجماهيرية والسياسية والحقوقية، على مختلف الساحات والمسارات، ومن دون هوادة أو أوهام.

القضية الفلسطينية تواجه خطر الطمس والنسيان، تماماً مثلما كان عليه الحال في سنوات ما قبل نهوض الحركة الوطنية الفلسطينية.. ولا يمكن إلقاء اللائمة فقط على المجتمع الدولي.. فثمة قسط وافر من المسؤولية يقع على كاهل أصحاب القضية الفلسطينية، ولقد آن أوان تصحيح هذا "الخطأ التاريخي".

* مركز القدس للدراسات السياسية

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 7/شباط/2013 - 26/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م