منتدى دافوس... حقوق الفقراء على طاولة الاغنياء

 

شبكة النبأ: منتدى دافوس هو منتدى خاص لتلاقي النخب والشخصيات والقادة السياسيين بهدف النقاش في المشكلات الاقتصادية والسياسية التى تواجه العالم وكيفية العمل على معالجتها من خلال وضع خطط مستقبلية، و وبحسب بعض المصادر فمنتدى دافوس منظمة غير حكومية لا تهدف للربح مقرها جنيف بسويسرا أسسها أستاذ في علم الاقتصاد كلاوس شواب فى 1971. وعلى الرغم من انه رسميا "منظمة غير حكومية ولا تستهدف للربح ومفتوحة لمن يرغب" إلا ان شروط عضويته تحتم على ان يكون دخل الشركة لا يقل عن مليار دولار في السنة، الى جانب اشتراك عضوية سنوى 12.500الف دولار، اما الاشتراك في المؤتمر السنوى فيتكلف 6.250 الف دولار، واذا ارادت الشركة الاشتراك في وضع اجندة هذا المؤتمر قبل انعقاده فتتكلف 250.000 الف دولار، واذا ارادت ان تكون شريك دائم فتدفع 78.000 الف دولار.

يحضر ذلك المؤتمر السنوي لفيف من النخب الاقتصادية الى جانب رؤساء الحكومات والوزراء، وبعض منظمات المجتمع المدني المختارة الى جانب بعض المحامين والصحفيين والأكاديميين المختارين بعناية والذين لا ضرر من قيامهم بمشاريعهم الخاصة. وفي هذا الشأن فقد عادت اجواء الارتياح الى دافوس حيث تلتقي كل شتاء نخبة الاعمال والمال في العالم، على الرغم من المتشائمين الذين يحذرون من الان من الازمة المقبلة.

وقال رئيس الوزراء الايطالي ماريو مونتي متحدثا في منتجع التزلج السويسري الصغير الذي يستضيف كل سنة المنتدى الاقتصادي العالمي "لدي احساس بان الظروف التي اتوجه اليكم في ظلها اليوم مختلفة تماما عما كانت عليه قبل سنة". وكان كبار ارباب العمل والمصرفيين والسياسيين يواجهون قبل عام تساؤلات حول استمرار منطقة اليورو وعواقب تباطؤ مفاجئ وحاد في الاقتصاد الصيني وفرص انتعاش مستديم للاقتصاد الاميركي.

حتى الخبير الاقتصادي نوريال روبيني الذي يلقب الدكتور كارثة بسبب توقعاته المتشائمة التي تحذر على الدوام من وضع اشبه بنهاية العالم اقر بان "الامور اقل سوءا مما كانت عليه العام الماضي". والفضل في ذلك يعود برأي العديد من المشاركين الى ماريو دراغي رئيس البنك المركزي الاوروبي الذي يعتبر منقذ اليورو. وقال دراغي ان العام 2012 كان عام "انعاش اليورو" متحدثا خلال احدى الطاولات المستديرة الكثيرة التي نظمت في دافوس.

وان كان التفاؤل عاد بالتأكيد الى دافوس، الا انه يترافق مع مخاوف جديدة وقال الامين العام لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية انخيل غوريا "كلنا مرتاحون اليوم . لكن يجدر بنا على العكس ان نكون قلقين جدا". واوضح مبررا موقفه انه تم استخدام كل الاسلحة لمحاربة الازمة سواء كانت مالية او نقدية مع قيام المصارف المركزية بضخ كميات كبيرة من السيولة في الاسواق. وعلى سبيل المثال فان البنك المركزي الاوروبي منح المصارف الاوروبية في نهاية 2011 قروضا بقيمة تقارب الف مليار يورو.

واعربت عدة شخصيات في دافوس عن مخاوفها من ان تعتمد الحكومات على المصارف المركزية التي اصبحت "ابطال" الاقتصاد العالمي. وقال انسو جاين احد كبار مسؤولي دويتشه بنك ان "حكام المصارف المركزية هم الابطال الجدد لكن حان الوقت لتنتقل المسؤولية الى الحكومات". وهي الرسالة التي نقلتها المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد الى المسؤولين السياسيين اذ اعلنت لهم ان المبدأ بسيط وهو "لا تستكينوا" مضيفة "لا تناموا على امجادكم".

من جهته قال وزير الاقتصاد الفرنسي بيار موسكوفيسي "ان البنك المركزي الاوروبي لا يمكنه انجاز العمل بالكامل، وعملية تصحيح الاقتصاد لم تنته. يمكن تفهم الملل، لكن علينا المضي قدما"، متحدثا خلال طاولة مستديرة حول موضوع "نمو منعدم واموال سهلة. هل تكون هذه القاعدة الجديدة؟" وقال "علينا ايضا ان ندعم النمو على المدى القريب" ملمحا الى ان المانيا يمكنها ان تلعب دورا اكبر بهذا المجال.

غير ان المستشارة الالمانية انغيلا ميركل التي اعتادت المشاركة في منتدى دافوس شددت بصورة خاصة على المبادئ الكبرى التي تقوم عليها السياسة الاقتصادية مرددة "تعزيز المالية العامة والنمو هما وجهان لعملة واحدة". غير ان بعض المشاركين حذروا من خطر زعزعة الاستقرار الذي يمكن ان ينتج عن الاحساس بالظلم او تفشي الفساد في عدة بلدان اوروبية. وحذرت لاغارد من ان "قيام تفاوت قوي يضر بالنمو ويضر بالمجتمع بمجمله". بحسب فرنس برس.

من جهته قال الرئيس الايسلندي اولافور رانيار غريمسون ان الوقت حان ربما للتفكير في الشعوب اكثر منه في المصارف، غير آبه ان كان صوته يشذ عن اللهجة السائدة في دافوس. واوضح انه في ايسلندا "تركنا المصارف تفلس وركزنا جهودنا على المواطنين، وسارت الامور بشكل جيد". واشار الى ان ايسلندا هي اليوم "في الطليعة على صعيد النجاح والانتعاش" الاقتصاديين مؤكدا انه "ينبغي ان يشكل ذلك اشارة انذار للمؤسسات المالية". واختار المنظمون "الديناميكية المقاومة" عنوانا للمنتدى، ما يعكس ضرورة تحسين هيكل الاقتصاد الدولي لمقاومة الطوارئ المفاجئة مثل ازمة ديون منطقة اليورو.

العالم والدور الأمريكي

في السياق ذاته ومع بداية الفترة الثانية لحكم الرئيس الامريكي باراك أوباما تتطلع النخب العالمية في عالمي السياسة والمال لدور أمريكي أكبر في معالجة مجموعة من التحديات الأمنية. فمن سوريا إلى مالي ومن ايران إلى بحر الصين الجنوبي كان عزوف الولايات المتحدة عن الخوض في أي صراعات بعيدة عن سواحلها هو الفكرة السائدة في المناقشات حول الوضع السياسي والأمني في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس هذا العام.

وجاء غياب أي مسؤولين كبار من إدارة أوباما عن جلسات التشاور والعصف الذهني السنوية في جبال سويسرا ليمثل للبعض تراجعا ملحوظا عن موقع القيادة العالمية. في الوقت نفسه حضر قادة روسيا وألمانيا وبريطانيا وايطاليا وجنوب أفريقيا والأردن ومن دول أخرى كثيرة. كما كان الحضور مكثفا لرجال المصارف وقادة قطاع الاعمال وكذلك أساتذة الجامعات من الولايات المتحدة بينما كان أرفع المسؤولين تمثيلا للحكومة الامريكية وكيل لوزارة الخزانة ومساعد لوزيرة الخارجية بالإضافة إلى رئيس إدارة التمثيل التجاري الذي سيترك منصبه قريبا.

ودارت مناقشات الحاضرين حول ما إذا كان الصين ستزيح الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد وأكبر قوة عالمية ومتى قد يحدث ذلك. وتتباين التقديرات فالبعض يرى أن هذا قد يحدث في العشرينيات من القرن الحالي بينما يرى آخرون أنه قد لا يحدث على الإطلاق. كما تناول النقاش المشاكل التي تتصاعد حدتها في الوقت الذي تظل فيه الولايات المتحدة في حالة العزوف عن التصدي لها.

وتقضي القواعد الاساسية لكثير من ندوات دافوس بعدم الكشف عن هوية المتحدثين. وفي حماية قاعدة حجب الهوية أبدى وزير أسفه للمخاطر التي تتهدد عالما "دون قيادة أمريكية". وقيل في جلسة من جلسات المنتدى إنه دون انخراط أمريكي في التصدي للازمة السورية فإن سوريا ستصبح "صومالا اخر على البحر المتوسط" تشن فيها دول الشرق الاوسط حربا بالوكالة عن طريق الطوائف وأن بعضا من هذا العنف سيصدر إلى الدول المجاورة وإلى أوروبا. وقال والي نصر من جامعة جونز هوبكنز إن ايران ربما تعجل ببرنامجها النووي لمحاولة الخروج من عزلتها وذلك لان واشنطن وضعتها تحت ضغط شديد من خلال العقوبات الاقتصادية في الوقت الذي تجنبت فيه القيام بدور دبلوماسي أو بعمل عسكري مباشر.

وفي خطاب علني قال الملك عبد الله الثاني ملك الاردن إن بلاده التي يقاتل بعض جنودها في أفغانستان تواجه الآن "طالبان جديدة في سوريا". وأضاف أن تطهير البلاد منها قد يستغرق سنوات. وقد استقبل الاردن نحو 300 ألف لاجيء سوري مما مثل عبئا كبيرا على موارده المحدودة وعلى استقراره السياسي. وشكا بعض اللاجئين السوريين في دافوس من أن الاردن أغلق حدوده في وجه المقاتلين.

وقال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو الذي استوعبت بلاده نحو 150 ألف لاجئ وكانت قاعدة خلفية للمسلحين إن المجتمع الدولي سيضطر يوما للاعتذار للشعب السوري مثلما فعل في رواندا وذلك لإخفاقه في التدخل لمنع وقوع مجازر. ولقي نحو 60 ألفا مصرعهم في الحرب الاهلية الدائرة منذ نحو عامين في سوريا وفقا لبيانات الامم المتحدة. وقال الامير تركي الفصيل أحد كبار أفراد الاسرة الحاكمة في السعودية ورئيس مخابراتها السابق وسفيرها السابق في لندن وواشنطن إن مقاتلي المعارضة لا يتلقون الاسلحة القادرة على تغيير اللعبة من مضادات للطائرات ومضادات للدبابات وذلك بسبب قيود أمريكية على نقل الأسلحة لأطراف ثالثة.

وفسر خبراء في الاستراتيجية الامريكية الوضع قائلين إن مصلحة واشنطن الوحيدة في سوريا هي منع أي تهديد لاسرائيل وضمان عدم وقوع الاسلحة الكيماوية في أيدي جماعات "ارهابية". وهذا العزوف عن الاستدراج إلى صراعات هو ما أدى بواشنطن إلى تركيز ما قدمته لفرنسا على الدعم الشفهي والمخابراتي في معاركها في مالي في مواجهة متمردين على صلة بتنظيم القاعدة رسخوا وجودهم في مناطق من الصحراء الكبرى.

ولا يتوقع أحد تقريبا أن يطلق أوباما مبادرة سلام جديدة في الشرق الاوسط بعد أن احترقت أصابعه في محاولة في بداية حكمه لإحياء مفاوضات السلام الفلسطينية الاسرائيلية عندما رفض رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وقف بناء المستوطنات اليهودية. ويقول جيديون روز رئيس تحرير محلة فورين افيرز إن إدارة أوباما ترى لعنة في أي محاولة لجر الولايات المتحدة إلى التدخل العسكري في العالم الاسلامي بعد أن خرجت قواتها من العراق وبدأت تستعد للخروج من أفغانستان. وأشار بعض المشاركين في المنتدى إلى اتجاه أوباما الاستراتيجي نحو آسيا حيث القوى الاقتصادية سريعة النمو في منطقة آسيا والمحيط الهادي باعتباره سببا في ارتفاع التوترات في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا.

وغطى تفجر اشتباكات بين اسرائيل والفلسطينيين في قطاع غزة على أول رحلة قام بها أوباما للخارج عقب إعادة انتخابه في نوفمبر تشرين الثاني بزيارة منطقة آسيا والمحيط الهادي. كما أن الزيارة جاءت خلال فترة محفوفة بالمخاطر في العلاقات بين الصين واليابان وبين كوريا الشمالية والدول المجاورة وقبل كل شيء بين الصين والولايات المتحدة نفسها. وحث رئيس الوزراء الاسترالي السابق كيفن رود وهو خبير في الشؤون الصينية أوباما على استغلال ولايته الثانية في طرح مبادرة كبرى لبناء علاقة تعاون أمني مع الصين لأسباب منها تحاشي الصراعات في بحر الصين الجنوبي. وأبدى روز شكوكا في أن تنتهج إدارة أوباما نهجا بهذا الطموح.

وقال وو شين بو عميد كلية الدراسات الدولية بجامعة فودان في الصين إن على واشنطن أن تبدأ بوقف دورياتها الجوية والبحرية قبالة السواحل الصينية التي قال إنها تشبه سياسة الاحتواء التي كانت متبعة مع الاتحاد السوفيتي السابق. وأعرب عن قلقه من أن تأخذ اليابان تحت ضغط الرأي العام نهجا "هجوميا" في نزاعها مع الصين على مجموعة من الجزر في بحر الصين الجنوبي. بحسب رويترز.

وقال جوزيف ناي المسؤول الامريكي السابق والمحاضر بجامعة هارفارد الذي زار اليابان والصين في الاونة الاخيرة ضمن وفد أمريكي شبه رسمي إن كلا من البلدين يشعر بالقلق من نمو مشاعر الوطنية والنزعة العسكرية في البلد الاخر. لكنه أضاف أن قيادتي البلدين تعطيان أولوية قصوى للتنمية الاقتصادية وأنه إذا صدرت رسائل تتسم بالحرص اللازم عن الولايات المتحدة فإن هذا يفتح الباب أمام احتمال قيام علاقة ثلاثية قوية.

انعدام المساواة

مع توافد رجال الأعمال وقادة الحكومات على دافوس لحضور أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي ثمة قضية واحدة وحيدة لا ينبغي لأحد أن يغفل عنها، ألا وهي انعدام المساواة على الصعيد العالمي وخصوصاً من المنظور المتعلق بحقوق الإنسان. وتشهد دول مثل الصين تزايداً مطرداً في انعدام المساواة في توزيع الثروة في بلد سجل أعلى نسب النمو الاقتصادي. ولقد خلُصت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي إلى أن متوسط دخل العُشر الأكثر ثراءً من مجموع السكان في الدول الغنية يعادل تسعة أضعاف متوسط دخل العُشر الأكثر فقراً في تلك الدول. وبعبارة أخرى، فلقد أصبح متوسط دخل الفئة الأكثر ثراءً سبعة أضعاف ما كان عليه قبل 25 عاماً. وقلة هي الدول التي تشذ عن هذه القاعدة.

ولقد انطلقت شرارة الاحتجاجات والمطالبة بالتغييرات التشريعية مع معاناة ملايين البشر جراء ارتفاع التكاليف، وخفض موازنات الإنفاق الاجتماعي، وتزامنت مع كشف تفاصيل الكيفية التي تمكنت من خلالها الطبقات فاحشة الثراء وكبريات الشركات حماية ثرواتها في السراء والضراء. ولكن، أهي قضية ترتبط بحقوق الإنسان بالفعل؟ أزعم أنها كذلك بالفعل.

ولطالما احتج الناشطون الحقوقيون على انعدام المساواة لاعتبارات تقوم على هوية الشخص أو وضعه من قبيل انعدام المساواة القائم على النوع الاجتماعي، وانعدام المساواة في التعامل على أساس العرق، أو الديانة وغيرهما من الاعتبارات. وبيد أنه ثمة قضية أوسع نطاقاً هنا. فلو كنتم جميعاً من النساء، أو الجماعات العرقية المهمشة، ولو كنتم من قاطني الأقاليم المهملة في أحد البلدان، فثمة أرجحية أكبر بأن تكونوا في عداد الفقراء. ولو كنتم في أسفل الهرم الاجتماعي، فثمة أرجحية بأن تكونوا قابعين في قاع الهرم الاقتصادي أيضاً. وغني عن القول أن الحقوق المدنية والسياسية ترتبطان ارتباطاً عضوياً بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

ولا يوجد حق من حقوق الإنسان ينص على الحق في المساواة في الثروة، ولن يكون شيء من هذا القبيل أبداً. بيد أن قانون حقوق الإنسان ينص على أن لكل شخص الحق في مستوى ملائم من المعيشة، بما في ذلك الحق في الحصول على الغذاء، والماء والسكن الملائم. وللأطفال الحق في التعليم. ولكل إنسان الحق في الحصول على الرعاية الصحية الأساسية وفي حالات الطوارئ. ولكلٍّ الحق في التمتع بحماية القانون، ويشمل ذلك توافر أجهزة لإنفاذ القانون تعمل بكفاءة وفعالية. ويتعين على الحكومات أن تعمل على تحسين فرص الحصول على السلع والخدمات الضرورية التي تضمن التمتع بكامل حقوق الإنسان. كما أن مسؤولية ضمان نوعية تلك السلع والخدمات وجودتهما تقع على عاتق الحكومات أيضاً.

ولا يفرض القانون الدولي على الحكومات أن توفر جميع السلع والخدمات الضرورية لإعمال حقوق الإنسان بيد أن تلك الحكومات مسؤولة عن ضمان توافر إطار يمكن للناس من خلاله أن يتمتعوا بحقوقهم بشكل فعال. ولدى التصدي لهذه المسائل بالتحليل، فيتضح أننا لطالما كنا ميالين نحو التركيز على كيفية استغلال الحكومات لمواردها. بيد أنه يتعين علينا أيضاً ألا نغفل عن الأسس الهيكلية القائمة وراء تعمق ظاهرة انعدام المساواة على الصعيد العالمي وخصوصاً تحويل الموارد عن وجهتها الصحيحة، وتوظيفها في مجالات لا تخدم الصالح العام.

فلقد تفجر غضب مواطني اليونان عندما جرى الإعلان عن أن وزير المالية لم يحرك ساكناً عندما أُحيط علماً بوجود أثرياء يونانيين يتحتفظون بأرصدة لهم في حسابات سرية لدى البنوك السويسرية بغية التهرب من الضرائب. وفي المملكة المتحدة، اتضح أن الشركات متعددة الجنسيات لم تكن تدفع أي ضرائب، أو أنها دفعت مبالغ رمزية فقط. وفي كلتا الحالتين، فلقد تأجج الغضب الشعبي جراء قيام الحكومات بخفض الإنفاق بشكل كبير فيما يتعلق بالمجالات الاجتماعية، ولتنزلق أعداد هائلة من الناس إلى ما دون خط الفقر.

ولا تتضمن هذه التجليات وما كُشف من تفاصيل أية سلوكيات أو ممارسات غير قانونية بالضرورة. فالفساد الصريح وسرقة الأموال العامة ليسا بالشيء الجديد، إذ تظهر تجلياتهما بوضوح مع تعايش التراكم الهائل للثروات الطبيعية مع الفقر الطاحن. ولكننا أصبحنا نفهم الآن كيف قامت النخب السياسية الفاسدة التي نهبت موارد العديد من المناطق باستخدام ذات البُنى والهياكل المالية القائمة لتحويل ثرواتهم غير المشروعة إلى الخارج وإخفاءها هناك؛ فلقد تضمنت تلك الأساليب الاستفادة من الملاذات الضريبية السرية، واستغلال هيكلية الشركات متعددة الجنسيات للتلاعب و"إخفاء الأرباح".

إننا تعيش في عالمٍ يمكن فيه لفاحشي الثراء تفادي دفع الضرائب مع احتفاظهم بجميع مزايا ومنافع الإقامة في البلد؛ إنه عالم يمكن فيه أيضاً للشركات التي لا تراعي الأخلاق التحايل بشكل قانوني على البلدان الغنية بالموارد، وسلبهم ثرواتهم الطبيعية، وعالم يتسنى فيه للنخب الفاسدة أن يخفوا أموالهم في الخارج – حتى بعد كشف جرائمهم. ولا شك من أن مكافحة الفقر وانعدام المساواة يشكلان تحدياً معقداً. وليس ثمة من حل سحري. ولكن عندما تكافح الحكومات من أجل تسوية الدفاتر والسجلات المحاسبية، فمن يتكبد الجزء الأكبر من المعاناة هم في هذه الحال مَن كانوا بأمس الحاجة للخدمات وشبكات الأمان الاجتماعي.

وفي معرض استعراض أوجه انعدام المساواة في العالم، يتعين الكشف عن الأسس الهيكلية والبنوية ومعاينتها. نحن بحاجة إلى شفافية أكثر، وتعاون دولي أكثر فعالية، إذا ما أردنا أن نتصدى وبكل جدية لآثار وتبعات تنامي أوجه التباين وانعدام المساواة في توزيع الثروة. فبمزيد من الشفافية، يمكن التصدي للكثير من أسوأ الممارسات في نهاية المطاف. وحينها سوف تتعاظم المزايا والمنافع التي تتأتى من خلال حقوق الإنسان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 6/شباط/2013 - 25/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م