الذكاء... هل هو وراثي أم مكتسب؟

 

شبكة النبأ: تبين الدراسات والبحوث الحديثة أن الذكاء الإنساني ومهارات التفكير أمور يمكن تعلمها وتطويرها، وللبيئة دور هام في تعديل البناء التشريحي للمخ، والسنوات الأولى من حياة الطفل لها أثر بالغ، حيث تتفاعل العوامل الوراثية مع العوامل البيئية لتحدد كفاءة عمل الدماغ، فيعتقد الكثيرون أن معدل الذكاء مرتبط بانتماء الإنسان إلى مجموعة عرقية معينة، إلا أن الدراسات العلمية تثبت أن المحيط الاجتماعي والأحكام المسبقة المرتبطة بمجموعة عرقية قد تحدّ من أدائها العقلي أو تزيده، ولعل المفهوم العام السائد عند الناس للذكاء يشمل جميع هذه الأمور وربما يعتقد الناس بأنها مرتبطة بقوة الذاكرة، إلا أن علم النفس يدرس الذكاء كميزة سلوكية مستقلة عن الإبداع، والشخصية، والحكمة وحتى قوة الحافظة المتعلقة بالذاكرة، ويظن بعض الناس أن الذكاء الفطري الطبيعي هو الأساس، ولكن في الحقيقة أن الذكاء المكتسب، كما أشارت الدراسات والبحوث الحديثة الى أن النساء أكثر ذكاء في العالم المتقدم عكس الأطفال المؤنبون، بينما استطاع علماء وباحثون في المجال أن يحددوا اللحظة التاريخية التي يعتقدون أن أسلافنا طوّروا قدرة الذكاء لديهم خلالها. وهذه اللحظة حدثت قبل حوالي 550 مليون سنة، وعليه فان الذكاء ميزة سلوكية مستقلة عن الإبداع وفطرية ومكتسبة في الوقت نفسه.

النساء أكثر ذكاء

فقد قال باحثون في جامعة "أوتاغو" بقيادة جيمس فلين، المتخصص في اختبارات الذكاء بنيوزلندا، إنهم وجدوا من خلال جمع بيانات عن اختبارات ذكاء شملت 500 رجل و500 امرأة في الفئة العمرية 15 - 18 عاماً، أن النساء في دول العام المتقدّم سجّلن علامات أعلى من الرجال، وأشارت الدراسة إلى أن علامات اختبارات الذكاء عند النساء، ارتفعت بسرعة خلال القرن الفائت، وبالتالي تحسن ذكاوهن بشكل ملحوظ أكثر. وتبيّن أن اختبارات الذكاء للرجال والنساء في أستراليا كانت متشابهة تقريباً، إلا أن النساء سجّلن علامات أعلى من الرجال في نيوزلندا واستونيا والأرجنتين. بحسب يونايتد برس.

وقالت الدراسة النيوزلندية إن البحوث التي أجريت خلال ثمانينيات القرن الماضي، تبين أن علامات اختبارات الذكاء في الدول المتقدمة ارتفعت قرابة 3 نقاط في العقد، وهو ما يشير بوضوح إلى أن النساء في الدول المتقدّمة أكثر ذكاء من الرجال.

اللحظة التاريخية لنشأة الذكاء الإنساني

فيما استطاع الباحث سيذ غرانت وزملاؤه في جامعة أدنبرة البريطانية، أن يحددوا اللحظة التاريخية التي يعتقدون أن أسلافنا طوّروا قدرة الذكاء لديهم خلالها. وهذه اللحظة حدثت قبل حوالي 550 مليون سنة، طبقاً لما جاء في بحثين نشرا في مجلة "نايتشر نيروساينس" التي تصدر في لندن، وطبقاً للمجلة، فإن اللحظة التي طوّر فيها البشر قدرة الذكاء هي قبل 550 مليون عام أي قبل أن يبدأ البشر بالطواف في العالم. وأوضح الباحثون أنهم عثروا على ضالّتهم في "حيوان لا فقري" عاش قبل ملايين السنين وحصلت معه حادثة جينية أدت إلى تكوّن جينات إضافية في دماغه، وتوصّل غرانت وزملاءه إلى هذه الخلاصة بعد سلسلة اختبارات درست القدرات الذهنية للبشر والفئران، ووجدوا أن الوظائف ذات المستوى العالي عند الفئران والبشر تتحكم بها بعض الجينات. بحسب يونايتد برس.

غير أن الدراسة أظهرت في الوقت نفسه أن الجينات نفسها المسؤولة عن الذكاء الإنساني مسؤولة أيضاً عن تطوّر المرض الذهني والخلل النفسي لدى البشر، فحين تدمر هذه الجينات أو تتحوّل، فإنها تدمّر وظائف ذهنية بالغة الأهمية، وقال غرانت في بيان "أظهر عملنا أن ثمن الذكاء المرتفع والسلوكيات الأكثر تعقيداً هو المرض العقلي". ويأمل الباحثون أن يتمكن الأطباء من استخدام مزيج من الاختبارات الجينية والسلوكية لمساعدة بالأمراض العقلية.

سؤال يحير العلماء

في سياق متصل يحقق أبناء العائلات المهاجرة في المدارس الألمانية علامات دراسية أقل من أقرانهم، وأسباب ذلك متعددة، لكن البعض يعتقد أن للأمر علاقة باختلافات جينية. فهل تتحكم الجينات في ذكاء الإنسان؟ وهل الذكاء وراثي؟.

يبتسم أندرياس هاينز مدير عيادة الطب النفسي بمستشفى شاريته المعروفة في برلين ، عندما يتحدث عن طبيبة أطفاله، ويصفها بأنها امرأة ذات بشرة وعيون داكنة وأم لطفل يثير الكثير من المشاكل في مدرسته، ويضيف هاينز: "يقول معظم الناس عندما يرون هذه المرأة وابنها/ لابد أن الأب تركي أو عربي وهذا يفسر سلوك الطفل/ لكن الحقيقة هي أن الأب ألماني وطبيب"، تنتشر النظريات التي ترجع النمو الاقتصادي في بلد ما لذكاء أهله وربما إلى تميّز جيني معين في سكان هذا البلد. وانتشرت هذه المناقشات بشكل واسع في ألمانيا سواء في البرامج الحوارية أو على صفحات الجرائد أو بين الناس، بعد أن نشر السياسي الألماني تيلو زاراتسين قبل عامين كتابه المثير للجدل والذي حمل اسم "ألمانيا تلغي نفسها".

وتوقع المصرفي السابق مستقبلا مظلما لألمانيا بسبب الإخفاق العلمي للمهاجرين المسلمين إليها وعدم قدرتهم على الاندماج. وأرجع زاراتسين تراجع المستوى الدراسي للأطفال المنحدرين من عائلات تركية ومسلمة إلى "وراثة هؤلاء الأطفال لمستوى عقلي معين من آبائهم".

ويرى الطبيب هاينز أن الجينات تلعب دورا كبيرا في التأثير على مستوى الذكاء، لكنه يشير في الوقت نفسه إلى دراسات عديدة أجريت في هذا المجال وتؤكد أن عناصر عديدة من البيئة المحيطة تؤثر أيضا على درجة ذكاء الأفراد، وأجريت دراسات في الولايات المتحدة خلال سبعينات القرن الماضي وخلصت إلى أن الأطفال المنحدرين من أصول أفريقية، والذين قامت أسر أمريكية بيضاء بتبنيهم، حققوا نتائج أفضل في اختبارات الذكاء مقارنة بأطفال آخرين ينحدرون من نفس الأصول، وأظهر إحصاء شعبي في ألمانيا عام 2011 أن 62% ممن لم يتموا تعليمهم المدرسي، ينحدرون من أصول أجنبية. وغالبا ما يتم تبرير هذه الأمور بالبحث عن أسباب متعلقة بالخلفية الدينية أو الثقافية لهؤلاء الأشخاص، وهو أمر ينتقده الباحث كوسكون كانان من جامعة هومبولت ببرلين.

ويرى كانان، أن التقارير الخاصة برصد المستوى التعليمي للمهاجرين لا تهتم كثيرا بالظروف المعيشية للعائلات المهاجرة ومشاكلهم المادية وغياب القدرات التربوية لديهم وتتعامل مع هذه الحقائق كأمر جانبي فحسب، وتكون النتيجة هي تكوين هذه الصورة عن أبناء المهاجرين كتلاميذ فاشلين يرفضون الاندماج في المجتمع، وإذا نظرنا للموضوع من زاوية أخرى، فسنجد أن نسبة غير الحاصلين على شهادة دراسية بين الأجيال القديمة من المهاجرين في ألمانيا أكبر بكثير من الأجيال الجديدة. وبالرغم من أن متوسط تقديرات التلاميذ المنحدرين من أسر مهاجرة أقل بشكل عام من نظرائهم الألمان، إلا أنها أفضل مما حققته الأجيال القديمة، وتظهر الإحصائيات تميز الفتيات اللاتي ولدن في ألمانيا والمنحدرات من أصول أجنبية. فأكثر من 65% منهن يحصلن على شهادة إتمام المرحلة الثانوية، في حين تنجح  أكثر من نصف الفتيات غير المنحدرات من أصول أجنبية، في الوصول إلى بوابة التعليم العالي، ويرى الباحث كانان أن الفتيات المنحدرات من أصول مهاجرة هن المحرك الرئيسي لعملية التطور ويقول: "يتعين على الشباب الذين يخفقون في التعليم تطوير أنفسهم وتحقيق مستوى مماثل للفتيات، إذا كانت لديهم الرغبة في الزواج من فتيات لهن نفس الخلفية الثقافية".

تلعب الأحكام المسبقة دورا كبيرا في تعطيل عملية التطوير كما يقول كانان: "عندما تنتشر عبارات مثل /الأتراك لا يقبلون الاندماج في المجتمع/ فإن الشباب التركي يأخذها كأمر مسلم به ويتأقلم عليها بالتدريج". ويطلق الخبراء على هذا الأمر "خطورة القولبة" فالحديث عن وضع مجموعة من الأشخاص في قالب معين وصورة نمطية واحدة يجعلهم يعتادون على الفكرة مع الوقت، فعلى سبيل المثال عندما يشعر التلميذ التركي أن المعلم لا يتوقع منه نفس درجة التفوق التي يحققها أقرانه الألمان، فإن هذا الشعور يعطل كل قدرات التلميذ التركي على التطور والتفوق، وتساهم كافة أطراف المجتمع في تعزيز هذا القالب، فالمعلم في الفصل لا يتوقع من هذا التلميذ سوى تحقيق العلامات التي تؤهله للمدرسة المهنية المتوسطة فحسب، وبالتالي لا يحاول أي طرف الكشف عن المواهب الكامنة لدى هذا التلميذ، كما يرى كانان.

كما أثبتت الأبحاث العلمية أن هذه الظروف لها تأثيرات سلبية مباشرة على القدرات العقلية، كما يقول الطبيب هاينز: "جرى في إحدى التجارب وضع حيوان اختبار مع حيوان عنيف في قفص واحد. وعندما تعرض حيوان الاختبار للمضايقة من الحيوان العنيف، حدثت تغيرات في الهرمونات وأفرز جسمه هرمون السيرتونين المرتبط بالاكتئاب وتغير حالة المزاج. كما تغيرت حالة هورمون الدوبامين المرتبط بالقدرة على التعلم. ويمكن أن تنتقل هذه التغيرات التي تحدث في المخ للأجيال المقبلة"، ويعمل هاينز حاليا مع فريق من الباحثين في مستشفى شاريتيه لمعرفة ما إذا كانت نفس هذه الآلية تحدث في مخ الإنسان عندما يتعرض للضغوط العصبية والنفسية. ويحاول هاينز وفريقه العلمي الإجابة على عدة أسئلة منها: هل يؤثر الضغط النفسي على نشاط جينات معينة خاصة بالذكاء؟ هل من الممكن أن يتوقف عمل هذه الجينات بفعل الضغوط؟ وأخيرا، هل هذه التأثيرات السلبية على المخ تنتقل بالوراثة؟، لكن الثابت حتى الآن بالنسبة لهاينز وفريقه هو أن التمييز الاجتماعي وتوقع الأسوأ من فئات معينة في المجتمع، له تأثيرات سلبية عديدة. ويقول هاينز: "أسوأ شيء يمكن أن يتعرض له الإنسان هو التصنيف والوضع في قالب معين"، وينصح الطبيب بضرورة الاهتمام بكافة الأمور التي من شأنها تنمية الذكاء بداية بالدورات اللغوية وانتهاء بالتغذية الصحية السليمة.

يعتقد الكثيرون أن معدل الذكاء مرتبط بانتماء الإنسان إلى مجموعة عرقية معينة، إلا أن الدراسات العلمية تثبت أن المحيط الاجتماعي والأحكام المسبقة المرتبطة بمجموعة عرقية قد تحدّ من أدائها العقلي أو تزيده، يسود لدى الكثيرين اعتقاد خاطئ بأن الاختلافات الخارجية، مثل لون البشرة أو العرق، تعني بشكل مباشر اختلافات في الصفات الجينية أو الشخصية. هذا الاعتقاد يعتبره أندرياس هاينز، مدير عيادة الأمراض النفسية والعلاج النفسي بمستشفى شاريتيه في برلين، بسيطاً جداً ولا يمكن أن يكون صحيحاً.

ويضحك هاينز على طبيبة أطفاله، التي تعتبر أن الأطفال ذوي البشرة الداكنة أو العيون السوداء سيكبرون ليكونون من مثيري المشاكل في المدرسة، مضيفاً أن "الواضح لدى الكثيرين أن والد هؤلاء الأطفال لا بد وأن يكون تركياً أو عربياً"، وأن ذلك يوضح سبب إثارة هذا الطفل للمشاكل في المدرسة. ويتابع أندرياس هاينز بالقول: "لكن والد هذا الطفل ألماني ينحدر من منطقة شوابيا ويعمل طبيباً".

وتشهد مؤخراً النظريات التي تربط بين الأداء الاقتصادي لبلد ما ومعدل الذكاء لدى سكان هذا البلد والمميزات الجينية المشتركة لديهم نهضة جديدة، لاسيما تلك التي تربط بين القواسم الجينية المشتركة لمجموعة عرقية معينة وتأثيرها على متوسط الذكاء لديها، والتي باتت تشغل حيزاً كبيراً من البرامج الحوارية والصحف وأبحاث العلماء في ألمانيا، خاصة منذ أن نشر السياسي الألماني تيلو زاراتسين كتابه المثير للجدل قبل عامين.

وفي هذا الكتاب، الذي حمل العنوان المستفز "ألمانيا على طريق الفناء"، تنبأ زاراتسين بمستقبل مظلم لألمانيا، بسبب تراجع مستوى التعليم وغياب القدرة على دمج ذوي الأصول المهاجرة، لاسيما المسلمين والمنحدرين من تركيا. ويرجع زاراتسين تراجع مستوى التحصيل الدراسي للتلاميذ المسلمين وذوي الأصول المهاجرة التركية إلى أن أولئك التلاميذ "ورثوا" ذكاءهم من أهاليهم.

وبالفعل، فإن الجينات تلعب دوراً كبيراً في تطور الذكاء لدى الإنسان، بحسب ما يقول الطبيب أندرياس هاينز، إلا أنه يشير إلى عدد كبير من الدراسات التي تثبت أن البيئة الاجتماعية تلعب دوراً "طاغياً" على الأداء العقلي للإنسان، وهو ما يعني أن نتائج اختبارات الذكاء للأشخاص المنحدرين من مجموعات عرقية مختلفة مرتبطة بالبيئة الاجتماعية لأولئك الأشخاص.

وتشير دراسة أجريت في سبعينات القرن الماضي في الولايات المتحدة على الأطفال السود الذين تبنتهم عائلات بيضاء إلى ارتفاع في مستوى ذكائهم، مقارنة بالأطفال البيض والسود الآخرين. وتشير إحصاءات سنة 2011 في ألمانيا إلى أن 62 في المئة ممن لم ينهوا دراستهم ينحدرون من أصول مهاجرة، وأن ذوي الأصول المهاجرة يشكلون 20 في المئة فقط من حاملي شهادة الثانوية العامة، وعادة ما يبحث الدارسون عن أسباب ذلك في الاختلافات العرقية والثقافية، خاصة لدى المنحدرين من أصول تركية والمسلمين، وهو ما ينتقده الباحث في شؤون التعليم جوشكن جنان من جامعة هومبولد في برلين.

ويضيف جنان أن التقارير التي تتطرق إلى مستوى التحصيل المدرسي لدى التلاميذ من أصول مهاجرة نادراً ما تنظر إلى الأوضاع المعيشية الصعبة لأولئك التلاميذ أو إلى الفقر الذي تعاني منه عائلاتهم أو النقص الواضح لدى المدرسين والمربين في التعامل مع أطفال المهاجرين. ولهذا ترسم تلك الدراسات صورة للتلاميذ من أصول مهاجرة على أنهم فاشلون ورافضون للاندماج في المجتمع.

وإذا ما نظر المرء بنوع من المفاضلة إلى ذوي الأصول التركية، فسيجد أن الجيل القديم من هؤلاء المهاجرون هم من لا يحملون شهادة مدرسية، ورغم أن الجيل الجديد من المهاجرين أسوأ من ناحية التحصيل الدراسي مقارنة بالتلاميذ الألمان، إلا أنهم أفضل بكثير من الجيل الأقدم من المهاجرين، وتنتمي النساء اللواتي وُلدن في ألمانيا إلى الفئة الصاعدة تعليمياً، إذ إن ثلثهن يتقدمن سنوياً لامتحان شهادة الثانوية العامة أو الثانوية المهنية في ألمانيا، والنسبة في ارتفاع. ورغم أن هذه النسبة قليلة مقارنة مع التلميذات الألمانيات، اللواتي يمضي نصفهن تقريباً إلى الجامعة، إلا أن ذلك مقرون بالجيل السابق لهن، واللواتي يحملن شهادات عليا.

ويوضح جوشكن جنان أن "النساء ذوات الأصول التركية اللواتي وُلدن في ألمانيا يشكلن الدافع الرئيسي للمجموعة بأكملها... نعتقد بأنهن سيتمكنّ من دفع الذكور"، الذين يراوحون مكانهم في التحصيل الدراسي. بحسب موقع DW.

ويحذر جنان من أن الأحكام المسبقة قد تتحول إلى حقيقة، خاصة إذا ما ثبتت صورة ذوي الأصول التركية كرافضين للاندماج في المجتمع، وهو ما قد يقود إلى تبني أبناء المهاجرين لهذه الصورة تدريجياً، وهي ظاهرة يطلق عليها علماء الاجتماع اسم "تهديد الأحكام المسبقة".

فعلى سبيل المثال، عندما لا يتوقع المدرس من تلميذ من أصول تركية نفس المستوى الذي يتوقعه من بقية التلاميذ، فإنه سيعرقل فرص رفع أداء هذا التلميذ. حول ذلك يشرح جوشكن جنان بالقول: "إذا ما كان مستوى التلميذ بين جيد ومقبول، فإن المدرس قد يعطيه درجة مقبول".

وقد يظن المدرس أن التلميذ لن يحرز أي نجاح يذكر في المستوى الدراسي الأعلى، وهو ما قد يدفعه لكتابة توصية بإدراج التلميذ في مستوى تعليمي أقل، وهذا حكم مسبق يعمم على جميع التلاميذ من الأصول المهاجرة، وهو ما قد يؤدي إلى عدم اكتشاف الطاقة الكامنة في أولئك التلاميذ، هذا النوع من التمييز في تقييم المستوى الدراسي يخلق نوعاً من التغير في الدماغ وقد يؤثر سلباً على العمليات الإدراكية لدى التلميذ، حسب ما يقول أندرياس هاينز من مستشفى "شاريتيه" ببرلين. وقد أثبتت التجارب على الحيوانات أن التوتر الناجم عن فصلها عن المجموعة يخلق أثراً دائماً في الدماغ.

ويؤكد هاينز أن هذه التجارب على الحيوانات تشكل نموذجاً ممتازاً لقياس هذه النتائج، مضيفاً أنه عندما يقوم حيوان شرس بإزاحة أحد حيوانات التجارب، فإن جسم حيوان التجارب يقوم بإفراز هرمونات التوتر، إضافة إلى مادة السيروتونين الناقلة، والتي ترتبط عادة بحالات الإحباط. كما أن كمية هرمون الدوبامين، المرتبط بالقدرة على التعلم، في الجسم تتغير بشكل كبير. هذا كله يؤدي إلى تغيرات في النشاط الدماغي قد ترثه الأجيال اللاحقة.

ويقوم هاينز وفريق من الباحثين حالياً في مستشفى "شاريتيه" بدراسة ما إذا كان الدماغ البشري يعمل بنفس الأسلوب الذي يظهر في التجارب على الحيوانات، ويسعى إلى معرفة ما إذا كان التوتر الاجتماعي لدى الإنسان قد يسبب تفاعلات كيميائية في الجسم، كما يسعى الفريق العلمي إلى الإجابة عن تساؤلات مثل: هل يؤدي ذلك إلى تعطيل الجينات المسؤولة عن مستوى الذكاء؟ وهل يؤدي الانعزال الاجتماعي إلى بقاء الأداء العقلي للأشخاص المعزولين أدنى من المستوى الطبيعي لديهم؟ وهل يمكن توريث هذا التفاعل الناجم عن التوتر الاجتماعي؟ ويعتقد أندرياس هاينز أن الإجابة على كل هذه التساؤلات قد تكون بنعم، الواضح حتى الآن هو أن الإقصاء الاجتماعي من خلال التوقعات السلبية يضر بالإنسان، ولهذا يجب دعم كل ما يؤدي إلى تطوير مستوى الذكاء، بدءاً باللغة وانتهاء بالتغذية الصحية، إذ يقول هاينز: "أسوأ ما يمكن أن يحصل لشخص ما هو تصنيفه في خانة معينة مدى الحياة".

التفكير الذكي

كما يبدو ان الذكاء والتفكير بشكل ذكي مختلفان عن بعضهما فالأول فطري في حين ان الثاني مكتسب وهو مهارة لا بد من تنميتها، وقال عالم النفس آرت ماركمان من جامعة تكساس في أوستن ان البشر لا يولدون ولديهم القدرة على القيام بـأمور ذكية، بل ينمون هذه المهارة مع مرور الوقت، وأضاف ماركمان في بيان وزعه ان كل عناصر الذكاء موجودة في صندوق أدوات عقلي، والحقيقة انه يمكن للمرء أن يصبح أذكى فمن خلال فهم كيفية استخدام المعرفة لحل المشاكل يمكن تطوير عادات أكثر ذكاء لتعلم المزيد عن طريقة عمل العالم ووصف المشاكل بفعالية. بحسب فرانس برس.

وفسر ان العديد من الحلول للمشاكل الصعبة تأتي نتيجة للمقاربات والدروس التي نتعلمها، وختم بالقول ان التفكير الذكي ليس فطرياً بل نتيجة تطوير وصقل أمور نعرفها لاستخدامها عند الحاجة.

الأطفال المؤنبون

الى ذلك أظهرت دراسة أمريكية أن تأنيب الأطفال قد يدفع بهم إلى الاستجابة بسرعة غير أنه قد يخفف من نسبة ذكائهم. ونقل موقع «لايف ساينس» الأمريكي عن الباحثة ماري ستراووس في جامعة «نيو هامبشاير» قولها: كل الأهل يريدون أولادهم ظرفاء لكن هذه الدراسة أظهرت أن تفادي التأنيب هو الذي يساعد على جعلهم كذلك، مضيفة «إنني على ثقة بأن التأنيب يخفف من نمو القدرات العقلية لدى الأطفال». وأشارت ستراووس إلى أنه من المعروف جدا أن الضرب قد يجعل الأطفال يتصرفون باضطراب في الأوضاع الصعبة، وبالتالي لا يتصرفون بالطريقة الملائمة. ولفتت إلى أنه باستخدام الضرب بدل الكلام كوسيلة من قبل الأهل من شأنه أن يحرم الطفل من فرص التعلم، إذ أنهم بذلك يقطعون الطريق أمام أطفالهم للتفكير باستقلالية. بحسب يونايتد برس.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 5/شباط/2013 - 24/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م