جماعات الضغط وثقافة صناعة القرار

 

شبكة النبأ: قد نتفق على أن المثقف لا يعمل في الحقل السياسي بصورة مباشرة، ولكنه لا يبتعد عنها، وذلك عن طريق التأثير غير المباشر بصناعة القرار، وثمة جماعات الضغط التي تتميز بدورها المؤثر في صناعة القرار السياسي، وغالبا ما تتدخل بقوة في نوع النظام السياسي ومدى بعده أو قربه من حقوق الناس وحرياتهم، تتكون جماعات الضغط من عموم شرائح المجتمع، من العمال مثلا، والطلبة والاطباء والفلاحين والكسبة وغيرهم.

وغالبا ما تتدخل هذه الجماعات في صناعة القرار عبر أساليب عدة، منها التظاهر السلمي ومضاعفة وتركيز الضغط الاعلامي على النظام السياسي الحاكم، من خلال الندوات والمؤتمرات، ناهيك عن الاضرابات والعصيان المدني الذي يمكن أن يشل قدرات الحكومة وربما الدولة بأكملها، ومن بين جماعات الضغط، جماعة المثقفين، بل يجب أن تتصدر هذه الجماعة، كل جماعات الضغط الاخرى، بسبب تحصيلها المتقدم للوعي، وتميزها بالجانب المعرفي أكثر من سواها، لكن هناك من يقول أن الانتساب للثقافة والمثقفين، لا يمنح أولية قوة الضغط للمثقف دون سواه، فثمة الكثير ممن يدخل في إطار هذه الجماعة، ولكنه قد يكون أقل وعيا ومبدئية من الفلاح الأمّي، هنا يتبيّن لنا أن الثقافة تحتاج الى مساندة المبدأ الصحيح، بمعنى أن المثقف المبدئي فقط، هو الذي يمكنه أن يكون مؤثرا وفاعلا، في ما يخص دور ونشاط القوة الضاغطة على القرار السياسي.

وهكذا يستدعي الامر نوعا متميزا من المثقفين، ولا يصح أن ينتسب لهذه الجماعة المهمة، كل من يدّعي الثقافة او كل من يروم الانتساب للمثقفين، وثمة نوع ممن يدّعون الثقافة يشكلون عبءً على المثقفين الأصلاء، ويصبحون عناصر تعويق لتشكيل جماعة ضغط مثقفة فاعلة، ومنهم من ينحو بصورة محمومة نحو تحقيق مصالحه المادية خاصة، على حساب أقرانه من المثقفين الملتزمين بقضايا ومصالح الشعب، ومثل هذا المدّعي لا يعنيه سلامة الموقف قط، ولا يحسب حسابا لنتائج تصرفاته ومواقفه، لأنه أصلا غير معني لا بالثقافة ولا بسواها، ولا بما ستؤول إليه سلوكياته ومواقفه من إضعاف لمواقف المثقفين، ولدور الثقافة ازاء السياسيين او غيرهم، وحتى تتشكل جماعة ضغط مثقفة رصينة، لابد من تأشير العناصر الدخيلة على الثقافة، ولا يُصعب فرز هؤلاء، إنهم واضحون ومعروفون لكل المثقفين، بسبب درجة النشاز العالية التي تنطوي عليها أفعالهم ومواقفهم، بل وحتى تصريحاتهم، وهم يؤمنون ويطبقون المعنى الوارد في المقولة المعروفة - إذا لم تستحِ إفعل ما شئت- وغالبا ما يكون دأبهم المنفعة الذاتية الضيّقة، فإذا تحققت لهم ليس هناك ما يشغلهم، ولكنهم يصرون في الغالب على اللجوء الى المراوغة، والتهرّب من نتائج مواقفهم الشائنة في الغالب، مع انها لا تُغطّى بغربال الزيف. ، لذا في الوقت الذي يستدعي الامر موقفا موّحدا للمثقفين حيال القرار السياسي وسواه، نجد أن بعض المثقفين لا يقف حتى مع نفسه، ولا ينصرها، من خلال عمله وفق الدافع الانتهازي لتحصيل المادة أو المنصب وما شابه، وقد يتساءل الآخرون، هل هناك أمثلة لمثل هؤلاء الانتهازيين او هذه المواقف؟ نقول إن نموذج المثقف الانتهازي واضح جدا للجميع، خاصة لمن ينشط ويعمل في الوسطين الثقافي والادبي، وسيأتي الوقت المناسب لاعلان الاسماء والمواقف ايضا، لأن ذاكرة الثقافة، تشبه ذاكرة الفقراء التي لا تنسى المسيء لها، ولا المتفضّل عليها.

لهذا نحن بحاجة الى تطوير وتنمية جماعة ضغط مثقفة مؤثرة، على أن يكون كل من ينتمي إليها مثقفا مبدئيا أصيلا، تتقدم منافع الناس ومصالحهم على منافعه، لتأخذ (جماعة الضغط المثقفة) دورها في قيادة جماعات الضغط الاخرى، فالتأريخ السياسي العالمي القريب والمنظور والبعيد أيضا، يؤكد لنا أن دور المثقف والمفكر يتصدر كل ادوار جماعات الضغط الاخرى، على أن يتم استئصال المثقفين الانتهازيين، وتلك ليست بالمهمة العسيرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 5/شباط/2013 - 24/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م