العدوان على جمرايا.. السياق والتداعيات

عريب الرنتاوي

دخلت إسرائيل على خط الأزمة السورية، بعد حذر وتقرب دام أكثر من عام واحد.. غارة إسرائيلية تضرب موقعاً استراتيجياً، وقيل أيضاً، قافلة أسلحة مرسلة إلى حزب الله (تضاربت الروايات حول هوية الحدث وطبيعته).. الغارة التي كانت واشنطن على علم مسبق بها (إن لم تكن بالتنسيق معها)، أدت إلى إلحاق أضرار جسيمة في المنشأة وسقوط قتلى وجرحى.

النظام وضع العدوان الإسرائيلي في سياق "الحرب على سوريا" التي يخوضها محور الدوحة – الرياض – أنقرة.. وهو رأى فيها تعبيراً عن فشل هذه الأطراف في تحقيق أغراض حربها، ما استدعى "الاستنجاد" بإسرائيل واستدعاء تدخلها المباشر.

والحقيقة أن العدوان الإسرائيلي على سوريا مستمر ومتعدد الأشكال والأدوات والوسائل.. سابق للأزمة السورية ومصاحب لها ولاحق عليها.. فقبل "جرمايا" كان موقعا "الكبر" و"عين الصاحب" هدفين للطيران الحربي الإسرائيلي، وكان محمد سليمان هدفاً للاغتيال الإسرائيلي، حتى أن "قصر الرئيس" في اللاذقية، كان هدفاً للعربدة الإسرائيلية.

إسرائيل لها أهداف واضحة في سوريا: تدمير الجيش السوري، وبشكل خاص اسلحته الاستراتيجية، تدمير البنية التحتية العلمية والصناعية العسكرية، تقتيل الكوادر والكفاءات المختصة في هذه المجال.. كل ذلك توطئةٍ لإخراج سوريا لعشرات السنين القادمة، من دائرة الفعل والصراع والتأثير، بصرف النظر عن طبيعة النظام القائم في دمشق.

وفي ظني أن هذه العملية، تأتي استكمالاً لعمليات مشابهة وقعت من قبل، وهي تستكمل الاغتيالات الغامضة التي أودت بحياة العديد من الكفاءات والخبرات السورية في أثناء الأزمة، والأرجح أنها لن تكون الأخيرة من نوعها، سيما بعد أن نجح نتنياهو في تركيز اهتمام الغرب على ما بات يُعرف بأسلحة سوريا الكيماوية، رغم أن قائد قوات الحلف الأطلسي راسموسن أكد مؤخراً بأن "حلفه" لا يمتلك أية معلومات عن امتلاك سوريا لها.

العدوان على جمرايا يندرج في سياقات ثلاث: حرب إسرائيل المفتوحة على المقدرات السورية من جهة.. وحرب نتنياهو لتجديد زعامته الداخلية من جهة ثانية.. وحروب المحاور المصطرعة في المنطقة، والممتدة من طهران حتى النبطية مروراً بدمشق وبغداد، عطفاً على الرياض والدوحة وأنقرة، من جهة ثالثة.

في دلالة المكان، وإن صحت المعلومات عن ضرب "قافلة نقل سلاح" موجه من سوريا لحزب الله، فإن اختيار هدفٍ سوري، هو أقل الخيارات كلفة بالنسبة لإسرائيل، والأرجح أن المستوى الأمني/السياسي الإسرائيلي اختار جمرايا على الضفة السورية من الحدود مع لبنان، اعتقاداً منه، بأن دمشق التي لم ترد في ظروف أفضل على عدوانات سابقة، لن تكون قادرة على رد العدوان وهي في أضعف وأصعب حالاتها.. والأرجح أن إسرائيل تفادت "التحرش" بحزب الله، إيماناً منها بأن الحزب قادر على الرد، ومستعد له، وجاهز لتنفيذه، ما قد يفضي إلى تورط إسرائيل والمنطقة، في حرب إقليمية جديدة، لا أحد يعرف كيف ستتطور وتتداعى، ومتى وكيف ستنتهي.

على أية حال، فإن دخول الطيران الإسرائيلي على خط الأزمة السورية، ليس بالضرورة "خبراً سيئاً" للقيادة السورية، التي صار بمقدورها بعد العدوان، أن تضع خصومها ومجادليها في خانة "العدو الصهيوني" وأن تعيد الاعتبار لروايتها لـ"نظرية المؤامرة".. ولقد ساعد الأداء المرتبك لبعض المعارضات السورية، على إعطاء الموقف الرسمي السوري بعضاً من عناصر القوة والصدقية التي كان يحتاجها.

وجرياً على مألوف ردات الأفعال السورية على العدوانات المتكررة، أعلنت دمشق أنها تحتفظ بحقها في الرد في الزمان والمكان المناسبين لها.. لكن "لهجة" الخطاب الرسمي هذه المرة تبدو مختلفة بعض الشيء عن المرات السابقة، فالحديث عن "الرد المؤكد والمفاجئ"، والتأكيد المتكرر الذي يرد على ألسنة الناطقين باسم النظام بأنه لن يقف مكتوف الأيدي هذه المرة، يشي فعلاً بأن جدلاً داخلياً قد دار في أروقة صنع القرار السياسي والعسكري السوري، حول إمكانية الرد وحدوده وتداعياته.. لكأن هناك من يعتقد في دمشق، بأن الفرصة قد لاحت لأول مرة، لإطلاق عملية خلط أوراق واسعة، تخرج الصراع في سوريا وعليها، من دائرته الداخلية، كصراع بين النظام ومعارضيه، إلى صراع "المقاومة والممانعة" ضد "العدو الصهيوني".

لا نعرف على وجه الدقة، ما الذي دار في كواليس مطبخ القرار السوري هذه المرة، ولا حصيلة النقاش الذي دار حول عدوان "جمرايا"، لكننا نعرف أن حلفاء سوريا، وليس سوريا وحدها، ليسوا في وضع يستعجل "خلط الأوراق" و"قلب الطاولة" و"هدم المعبد".. سيما مع ارتفاع بورصة المبادرات والحوار والحلول السياسية التي نشطت مؤخراً كما لم يحدث من قبل خلال العامين الفائتين.

* مركز القدس للدراسات السياسية

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 4/شباط/2013 - 23/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م