اللهاث المادي وإهمال البناء الروحي

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: لاشك أن الامم والشعوب لها مزاياها وعيوبها، وهناك صفات وملَكات مشتركة تجتمع فيها البشرية جمعاء، شعب العراق له جذوره الحضارية والثقافية الضاربة في اعماق التاريخ، لا احد في العالم يستطيع أن ينكر ما قدمته حضارة وادي الرافدين للانسانية، ولكن هناك عيوب في الشخصية العراقية، تعمّق في بحثها العلماء المعنيون والباحثون، ووصف بعضهم الشخصية العراقية بالازدواج، علما أن البحث في الجانب السلبي، لم يقصد منه الانتقاص وإنما التنبيه على الخطأ، والدعوة للتصحيح.

مقالي هذا ينحو الى التصويب باخلاص، فأنا عراقي وأتشرف بعراقيتي، ولكن هناك عيوب لابد من الاشارة اليها ومعالجها من خلال وصفها وشرحها وايجاد الحلول اللازمة لها، هذا أفضل من الصمت بطبيعة الحال، وأفضل من المحاباة والرياء، لا يعني انتسابي انا او غيري للعراق المدح فقط، وتجنب الاشارة الى الخطأ، لاننا في هذه الحالة لن نتقدم خطوة الى الامام، فيما نرى العالم يركض أمامنا متقدما علينا بمسافات كبيرة.

هناك اهتمام مفرط للعراقي في جانب البناء المادي، وهناك لهاث محموم للحصول على الموارد المادية بغض النظر عن المصاعب او المتاعب او الاهمال الذي سيصيب الجوانب الاخرى جراء اللهاث وراء المال، هنا لابد من اعتماد نوعا من المعايير تقوم على مبدأ التوازن، فلا يصحّ أن نبني انفسنا ماديا ونهمل تطوير الجوانب الاخرى وتعميقها، لابد أن يشعر العراقي بالاهمية القصوى لبناء الروح، والدور الكبير لتعضيد الجانب المعنوي الى جانب المادي، فالشخصية الانسانية لا تقف على قدم واحدة، هناك دعامتان قويتان لابد ان تستند اليهما شخصية الانسان، هما المادي والروحي المعنوي.

الاهتمام بجمع المال والبناء المادي واهمال الروح تجعل الانسان يرى الحياة بعين واحدة ومسار واحد، هو الذي يؤدي الى المال فقط، أما بناء الذات والروح، فلا يعبأ به ولا يبذل من اجله ما يستدعي من البذل والبناء، لذا يظهر الخلل في صنع الشخصية الاحادية (الشخصية المادية) اللاهثة وراء المال على حساب الفكر والمعرفة، والبناء الروحي والمعنوي المتكامل.

النتيجة ستكون لدينا مجموعات متشابهة من الناس، تميزها الشخصية الاحادية المادية، يحدث هذا بالتأثير المتبادل بين البشر نتيجة للاحتكاك او العيش مع بعض في العمل او الدراسة او البيت او حتى في الاسواق والشوارع والساحات والحدائق العامة، لأن البشر بطبيعته سريع التأثر بغيره، وهكذا يسود المجتمع المادي خاصة اذا توافرت له الظروف وساعدته على أن يغذّ الخطى قُدُما في المسار المادي، كما هو الحال مع العراقيين، إذ أنهم عانوا من الكبت والجوع والحصار والحرمان عقودا متتالية على الرغم من ثرواتهم الهائلة، ونتيجة لهذا الحرمان المادي المزمن، اندفع العراقيون في المرحلة الراهنة لتعويض النقص الحاد والمزمن في الجانب المادي، من دون التنبّه للمخاطر الجمة التي ستحيق بالجانب الروحي والمعنوي للشخصية.

هكذا تتضح خطورة النزعة المادية التي تتضخم باضطراد في تشييد الشخصية العراقية، خاصة اذا عرفنا حجم التأثير الكبير في النشء الجديد، أعني شريحة الشباب، وهم في الغالب على استعداد دائم للتأثّر حتى بالخطأ الذي سيضر بسلوكهم وافكارهم وطريقة عيشهم، لذا فالمطلوب تحقيق الموازنة بين المادي والروحي، واعتماد مناهج حقيقية للتطوير الفردي، وعلى الانسان العراقي ان يهتم بتثقيف نفسه، وتطوير مواهبه واستخدام قدراته الفكرية وسواها، ليس في مجال جمع المال فقط (كما يفعل الماديون حتى في المجتمعات المتقدمة)، وانما في مجال بناء الشخصية، بطريقة واعية كي يتحقق النظر الى الحياة بعين المادة وعين المعنى او الروح.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 3/شباط/2013 - 22/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م