ذات صباح، استيقظ ملك الغابة مبكرا ليجد نفسه مربطا بالحبال، عرف ان
الكلب فعل به ذلك، ولكنه ليس في يده الكثير من الخيارات ليتصرف ويحرر
نفسه الا ان يطلب من الحمار متوسلا به ليفك اسره مقابل ان يمنحه نصف
الغابة، ملكا حلالا زلالا له، فكر الحمار بالعرض المغري الذي قدمه له
الاسد، وبين الرجاء والخوف وافق اخيرا على العرض طمعا في ان يناصف
الاسد في ملكية الغابة.
بادر الحمار الى فك رباط الاسد، وبعد ان تحرر الاخير من القيود
والحبال، ونفض عن نفسه مذلة الصغار، توجه الى الحمار قائلا: لقد اصحبت
الان حرا وانني عدلت عن العرض الذي قدمته لك، فقال له الحمار: ولم ذلك؟
قال له الاسد: لقد قررت ان اهب لك ملك الغابة كلها وليس نصفها فقط،
استغرب الحمار وتساءل: ولماذا؟ فقال له الاسد: ان غابة يربط فيها الكلب
ويحل فيها الحمار لهي غابة تعساء.
وهذا هو الحال في بلادنا العربية، ولذلك وصلت فيها الفوضى والقتل
والسحل والعبثية واللصوصية والطائفية والعنصرية والتمييز وضياع الحقوق
اعلى مستوياتها، لدرجة انها باتت تهدد (الدولة) من القواعد.
فلماذا يحصل الذي نراه؟ وما هو اس المشكلة وجوهر المعضلة؟.
اعتقد بان الامر يعود الى ظاهرة الاستبداد التي ابتلينا بها بشكل
يفوق التصور، كأفراد وكمؤسسات، واقصد به الاستبدادين الديني والسياسي،
فالاستبداد الذي قال عنه المتأخرون (اصل لكل فساد) والذي يقول عنه
الكواكبي في كتابه (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) (الاستبداد لو
كان رجلا واراد ان يحتسب وينتسب لقال: انا الشر وابي الظلم وامي
الاساءة واخي الغدر واختي المسكنة وعمي الضر وخالي الذل وابني الفقر
وبنتي البطالة وعشيرتي الجهالة ووطني الخراب، اما ديني وشرفي وحياتي
فالمال المال المال) هو اس المشكلة وجوهر المآسي.
فمن الذي يصنع الاستبداد؟ ولماذا يطغى عندنا المسؤول بمجرد ان يصل
الى موقع المسؤولية؟ حتى اذا وصله عن طريق الانتخابات وصناديق الاقتراع
كما هو اليوم في العراق الجديد مثلا؟.
اذا تتبعنا الامور بدقة وبإنصاف، بعيدا عن التحيز والمحاباة، فسنجد
ان هنالك ثلاث جهات تعمل على صناعة الاستبداد وتدفع بالمسؤول الى ان
يطغى، هذه الجهات هي:
اولا: الانسان ذاته، ثقافته وتربيته وظروفه ومحيطه، فقد ورد في
المأثور ان (كل ابن آدم يضمر في نفسه ما اظهره فرعون) من الطغيان
والجبروت، فاذا سنحت له الفرصة اظهر ذلك، والا اخفاه لأي سبب.
لقد حدد امير المؤمنين عليه السلام لواليه على مصر مالك الاشتر
الخطوط العريضة لطريقة التعامل مع الرعية والتي تحول دون طغيانه عليها
ومواجهة الاستبداد الذي يبدأ من الشعور النظري ليتحول الى برنامج عمل
يومي واداة من ادوات التعامل عند المسؤول، قائلا له عليه السلام {واشعر
قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم} وهذه الأسس الثلاثة
(الرحمة والمحبة واللطف) هي التي يواجه بها المرء حالات الطغيان
والاستبداد في نفسه، فيقمعها بها ولم يدعها تنمو وتكبر في نفسه.
ان مشكلة الانسان هو انه يفكر بالطغيان بمجرد ان يمتلك شيئا يشعره
بانه اقوى من الاخرين او افضل واقدر منهم، والى هذا المعنى اشارت الآية
المباركة {كلا ان الانسان ليطغى* ان رآه استغنى} فاذا ملك مالا استأسد
على زوجته او ابنائه واذا ملك جاها طغى على اصحابه واصدقائه واذا ملك
سلطة استسبع على شعبه وهكذا، ولا يمكن للمرء ان يلجم كل هذا الاستعداد
الكامن في نفسه للاستبداد والطغيان الا بالأسس الثلاثة التي ذكرناها
للتو، ولذلك فان عليه ان يستشعرها دائما ويستحضرها ابدا فلا ينساها
لحظة فتسطو عليه نوازع الاستبداد والطغيان.
والمرء لا يعترف بطغيانه واستبداده ابدا مهما تفرعن، ولذلك تراه
يلجا الى الكذب والتضليل والغش والخداع والتسويف ونقض العهود وخيانة
الامانة وكل شئ من اجل تبرير طغيانه وشرعنة استبداده اذا كان من (اهل
الدين) من الذين يتاجرون بالدين والمذهب وما اشبه.
ان المسؤول الكذاب هو اخطر انواع المسؤولين، لأنه سيشيع ظاهرة
انعدام الثقة بين افراد المجتمع الواحد كما كان يفعل الطاغية الذليل
صدام حسين، ولقد وردت الاشارة الى هذه الحقيقة في الحديث الشريف عن
رسول الله (ص) قوله {يوشك ان يفقد الناس ثلاثا، درهما حلالا، ولسانا
صادقا، واخا يستراح اليه} ولقد قيل ان الكذاب والميت سواء، لان فضيلة
الحي على الميت الثقة به، فاذا لم يوثق بكلامه فقد بطلت حياته، فلنا ان
نتصور كم هي عميقة مأساتنا عندما يتهم الشارع المسؤول بالكذب
والمخادعة، كما يحصل اليوم في بلادنا العربية ومنها العراق؟.
ولانه يتوسل الكذب لتبرير طغيانه، تراه يبرر لصوصيته وتجاوزه على
حقوق المواطنين، بل ويبرر لزبانيته السرقة والتجاوز على المال العام،
تارة باسم ان هذا المال (مجهول المالك) كما رد احد اعضاء مجلس النواب
من (اهل الدين) عندما سالته عن الموقف الشرعي من المرتب الذي يقبضه
بصفته نائبا للشعب وهو الذي يتغيب عن جل جلساته ولا يحضرها، فقال لي
انه (مال مجهول المالك) ويحق لي ان اقبضه من دون مقابل من خدمة او ما
اشبه.
فيما يعلل البعض الآخر سرقته للمال العام باسم الهدية او كونه
مسؤولا انتخبه الناس ولذلك يحق له ان يتصرف بأموالهم كيف وانى يشاء،
فيما يعلل البعض لصوصيته بتاريخه الجهادي واقدميته في النضال ضد
الديكتاتورية، وكانه جاهد وناضل ليصل الى السلطة فيسرق وينهب ويتجاوز
على الحقوق، وهكذا.
حين علم رسول الله (ص) ان احد الولاة قد قبل هدية، غضب غضبا شديدا
فاستدعاه اليه، فأتى حثيثا، فساله، كيف تأخذ ما ليس لك بحق؟ فأجاب
الوالي معتذرا: لقد كانت هدية يا رسول الله، فقال (ص) {ارأيت لو قعد
احدكم في داره ولم نوله عملا، أكان الناس يهدونه شيئا؟} فأمر الرسول
برد الهدية الى بيت المال، ثم عزله عن ولايته وعمله.
وروى محمد بن فضيل، عن هارون بن عنترة، عن زاذان قال: انطلقت مع
قنبر غلام علي عليه السلام اليه فاذا هو يقول: قم يا امير المؤمنين فقد
خبأت لك خبيئا، قال: وما هو ويحك؟ قال: قم معي، فقام وانطلق به الى
بيته فاذا بغرارة مملوءة من جامات ذهبا وفضة، فقال: يا امير المؤمنين
رايتك لا تترك شيئا الا قسمته فادخرت لك هذا من بيت المال، فقال علي
عليه السلام: ويحك يا قنبر لقد احببت ان تدخل بيتي نارا عظيمة، ثم سل
سيفه وضربها ضربات كثيرة فانتثرت من بين اناء مقطوع نصفه وآخر ثلثه
ونحو ذلك، ثم دعا بالناس، فقال: اقسموه بالحصص، ثم قام الى بيت المال
فقسم ما وجد فيه ثم رأى في البيت ابزار سمل، فقال: وليقسموا هذا،
قالوا: لا حاجة لنا فيه، وقد كان عليه السلام يأخذ من كل عامل مما
يعمل، فضحك وقال: لتأخذن شره مع خيره.
وفي يوم من الايام، اخرج امير المؤمنين عليه السلام وهو الحاكم على
(50) دولة من بلاد المسلمين مترامية الاطراف، اخرج سيفا الى السوق
فقال: من يشتري مني هذا؟ فوالذي نفس علي بيده لو كان عندي ثمن ازار ما
بعته.
وعندما سأله عبدالله بن جعفر بن ابي طالب ان يأمر له بمعونة او
نفقه (فوالله مالي نفقة الا ان ابيع دابتي) اجابه الامام {لا والله ما
اجد لك شيئا الا ان تامر عمك ان يسرق فيعطيك}.
ولما حاول بعض (الصحابة) ابتزاز امير المؤمنين بالصحبة ليميزهم عن
الاخرين في العطاء خطب الامام قائلا {الا وايما رجل من المهاجرين
والانصار من اصحاب رسول الله (ص) يرى ان الفضل له على سواه لصحبته فان
الفضل النير غدا عند الله، وثوابه واجره على الله}.
لقد كان (ع) شديد الحساسية تجاه المال العام، فقد كتب الى عماله
يوصيهم {ادقوا اقلامكم، وقاربوا بين سطوركم، واحذفوا عني فضولكم،
واقصدوا قصد المعاني، واياكم والاكثار، فان اموال المسلمين لا تحتمل
الاضرار}.
اما اليوم فان الاهل والاقارب والعشيرة والحزب يتحينون الفرص متى
سيتسنم احدهم موقعا للمسؤولية في الدولة لينهشوا باسمه من لحم الشعب
ويسرقوا المال العام ويغتنموا بممتلكات الدولة وكأن احدهم ملك البلاد
وما عليها.
ثانيا: البطانة ومن يدور في فلكه ومن يستشيره في اموره عندما يكون
مسؤولا.
ان للبطانة من الحاشية والمستشارين وامثالهم دور خطير جدا في تنمية
نوازع الاستبداد والطغيان في نفس الانسان، خاصة اذا كان هذا الانسان
يحمل في نفسه القابلية على الاستبداد والطغيان.
والمقصود ببطانة المرء كل من يصغي اليه ويستشيره ويعود اليه قبل
اتخاذ القرار، مسؤولا كان او غير مسؤول، فالزوج الذي يستشير قرناء
السوء لحل مشاكله العائلية يطغى على زوجته واولاده اما الذي يستشير اهل
الخير من الذين يشيعون المحبة والرحمة والرأفة في محيطهم ومن حولهم،
فانهم يلجمون طغيانه ويهدونه الى سبل الخير من خلال تعليمه الطرق
الايجابية لحل مشاكله العائلية.
وهكذا بالنسبة الى المعلم والمدير والعالم والمسؤول وانتهاءا بأعلى
سلطة في البلاد.
ان المسؤول الذي يجمع حوله النفعيين والوصوليين والمهرجين
والمأزومين ليتخذ منهم مستشارين يردوه مهالك الهاوية بكل تأكيد، لانهم
لا يشيرون عليه الا بكل فكرة تدفعه الى صناعة الازمات لحماية انفسهم.
ان من الخطأ ان يتخذ المسؤول التالية صفاتهم كمستشارين له:
الف: الذي يسمعه الكلام الذي يحبه وليس الكلام الصحيح.
باء: المتشبع بروح الانتقام والحقد والكراهية من اصحاب الصدور
الضيقة التي لا تتحمل المعارضة، من الذين يشيعون فحش الكلام ويخوضون في
معائب الناس، من الذين اوصى امير المؤمنين مالكا ان لا يقربهم منه
بقوله {وليكن ابعد رعيتك منك، وأشنأهم عندك، اطلبهم لمعائب الناس}.
ان ما نراه اليوم من على الفضائيات من تنابز بالألقاب وسباب وشتائم
واظهار العيوب والاسرار على لسان (المستشارين) الذين تحولوا الى ما
يسميه العراقيون ب (ماشة النار) او (بوز المدفع) لهذا المسؤول او ذاك،
سببه هو اتخاذ الامعات بطانة للمسؤولين.
جيم: الذين يتهمون الاخرين ويطعنون في ولاءاتهم ويمارسون سياسة
التسقيط والاغتيال السياسي ضد كل من لا يحبون كلامه او رايه او موقفه.
دال: النمامون الذي يكشفون اسرار الاخرين سواء عند المسؤول او عند
غيره.
هاء: الطماعون والمراؤون ومن يحبون الظهور في الاعلام والمتهالكون
والمصلحيون والبخلاء فكل هؤلاء يصنعون من المسؤول طاغوتا بمرور الايام.
يقول الامام (ع) {ولا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل،
ويعدك الفقر، ولا جبانا يضعفك عن الامور، ولا حريصا يزين لك الشره
بالجور، فان البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله}.
وبكلمة موجزة، فان على المرء ان يحسن اختيار مستشاريه فلا يقربهم
محاباة مثلا او اثرة، وان عليه ان يتذكر دائما بان موقع المستشار ليس
وظيفة ليملأها بكل من هب ودب او لترضية زيد او عمرو، وانما هو موقع
يوازي موقعه هو ذاته، فالمستشار عين المسؤول ولسانه وعقله وقلبه، فاذا
فسد العقل واللسان والقلب فسد المرء ولم يعد يصلح لشيء ابدا.
ان المستشارين هم الذين يحفظون مكانة المسؤول وما اذا كان جديرا
بان يستمر في موقعه ام لا؟ ولذلك يجب على المسؤول ان يدقق في اختيار
مستشاريه وان عليه ان يأخذ الوقت الكافي في عملية الاختيار قبل ان يعين
احدهم او يختاره ليقربه منه.
ومن خلال تتبعي لتفاصيل الازمات التي يمر بها العراق الجديد، ارى
جازما بان نصف المشاكل والازمات المصطنعة التي تمر بالبلاد سببها
المستشارون الذين التفوا حول هذا المسؤول او ذاك، فاذا كان المسؤول
يتميز بالقابلية على الطغيان تراهم يؤثرون فيه بسرعة حتى انه يتحول الى
دمية بأيديهم يحركونه كيف وانى يشاؤون، اما اذا لم يكن من هذا الصنف
فقد يقاومهم ولكن الى حين.
ان المرء الذي لا يجد من يقول له انك اخطأت سيطغى بكل تأكيد، وان
المسؤول الذي يلتف حوله مجموعة من المستشارين الذين همهم ترضيته وعدم
ازعاجه والحفاظ على هدوئه وعدم تعكير مزاجه، والقبول بكل ما يقول ويفعل
لمداراته، بل انهم يزينون له افعاله مهما اجرم واقواله مهما اخطأ
وتجاوز، فانه بالتأكيد يطغى ويستبد، لان الزمرة التي حوله اقنعته بصحة
كل ما يقول ويفعل فكيف سيعرف بانه على غير الحق وانه سائر في الطريق
الخطأ وانه يوظف الادوات غير السليمة؟.
ان المستشار الذي لا يشير على المسؤول الا بما يرضيه وليس بما
ينفعه، لمستشار سوء بكل تأكيد يقود المسؤول الى الهاوية وهذا ما نلاحظه
اليوم في العراق الجديد، ولذلك فان المسؤول الحريص على سمعته وعلى
انجازه وعلى شعبه وناخبيه وبلده، يمحص الرجال ويغربل نواياهم قبل ان
يتخذ منهم بطانة، ففي تجارب التاريخ يروى ان زعيما قال لمستشاريه: لستم
هنا لتكونوا على رايي، بل لتبدوا لي ما تفكرون فيه، فاذا ما قابلت
رايكم برايي وظهر لي اصحهما عملت به.
هذه هي طريقة الزعيم المسؤول مع مستشاريه، اما غير المسؤول الذي
همه السلطة فقط من دون انجاز فتراه يتجنب المستشارين اصحاب الراي
السديد والشخصية القوية وانما يبحث عن كل امعة يجمل له القول وان كان
خطا ويحسن له العمل وان كان جريمة.
وان اول ما يجب ان يتمتع به المستشار ليكون امينا عند من يستشيره
هو ان يكون حرا في البحث عن الفكرة السليمة والراي السديد، ليتمكن من
تقديم افضل المشورة، اما المستشار العبد للمادة وللموقع ولشخص المسؤول
فانه بكل تاكيد سوف لن يقدم لمن يستشيره الا الفاسد من الآراء والافكار
والرؤى.
يجب ان يتم اختيار المستشار على اسس سليمة ليكون امينا في
استشاراته، وان من الخطأ ان يقبل المسؤول في استعمال بطانته شفاعة الا
شفاعة الكفاءة والامانة.
والمستشار يجب ان يكون احد اثنين لا ثالث لهما ورد ذكرهما في قول
امير المؤمنين عليه السلام بقوله {رحم الله امرءا رأى حقا فأعان عليه،
او رأى جورا فرده، وكان عونا بالحق على صاحبه}.
بهذا الصدد تذكر الروايات بان احد الملوك اعجبه الباذنجان في مائدة
الطعام فأثنى عليه، فتلقف الوزير عبارته ليكيل المديح للباذنجان بكل ما
اوتي من قوة الكلام وفصاحة اللسان، وبعد ان انتهى من مديحه المفرط
للباذنجان ارضاءا لشهوة الملك، فاجأه الاخير بالقول: ان الباذنجان يسبب
له احيانا بعض الضيق في المعدة، اذا بالوزير يأخذ كلام الملك من اطرافه
لينهال على المسكين الباذنجان بكل انواع السباب وكيف انه اسوء ما خلق
الله تعالى من خضار، تعجب الملك من تناقض الوزير في الموقف من
الباذنجان، فساله: لم افهم منك هل ان الباذنجان جيد ام غير جيد؟ فانك
مدحته تارة وطعنت به اخرى؟ فأجابه الوزير: يا صاحب الجلالة، انا عبد
للملك وليس عبد للباذنجان، ان من واجبي ان اقول ما يرضيك وما يتطابق
ورايك وان لا ازعجك، لا ما يرضي الباذنجان.
انه حال الكثيرين من المستشارين هذه الايام، ان لم اقل حالهم جميعا،
فهم، وللأسف الشديد، عبيد المسؤولين وليس عبيد الحقيقة والمصالح العليا
للبلاد والعباد، ولذلك ينصب همهم في قول ما يفرح المسؤول وتقديم ما
يطرب له المسؤول من اقوال وآراء، فتراهم على اتم الاستعداد لان يقلبوا
الحقائق وينقلوا الصور الخداعة عن الشارع ويمدحوا كذبا وزورا ويتخاصموا
بالنيابة عن اسيادهم، وكل ذلك من اجل ان يحافظوا على مزاج المسؤول من
ان يعكره قول ليس في محله او راي لا يعجبه، ولهذا السبب قال امير
المؤمنين عليه السلام {احثوا التراب في وجوه المداحين} خاصة الكذابين
الذين يصفون المسؤول بما ليس فيه ويعبرون عن راي لا يعتقدون ولا يؤمنون
به.
المشكلة هي ان المسؤول عادة لا يرى يوميا الا مستشاريه فهم بوابته
على الواقع ونافذته على الاحداث، وهو كالسجين الذي لا يرى العالم الا
من ثقب الباب، ولذلك فاذا كان مستشاروه اغبياء ومنافقين ومأزومين لا
يرون لهم موقعا الا من خلال الالتصاق به فانهم وبكل تأكيد سوف لن
يسمعوه الا الكلام الذي يحبه وان كان خطأ، وبهذه الحالة فسيتحولون الى
خطر كبير عليه وعلى الموقع الذي يشغله.
ثالثا: المجتمع نفسه، الناس الذين يتعاملون مع المسؤول، الناخبون
الذين حملوه الى موقع المسؤولية.
انهم المصدر الثالث الذي يقف بكل قوة وجبروت لصناعة المستبد وتشجيع
الحاكم على الطغيان والتمرد على كل الحدود.
فالعوام، كما يقول الكواكبي، هم قوة المستبد وقوته، بهم عليهم يصول
ويطول، ياسرهم، فيتهللون لشوكته، ويغصب اموالهم، فيحمدونه على ابقائه
حياتهم، ويهينهم فيثنون على رفعته، ويغري بعضهم على بعض، فيفتخرون
بسياسته، واذا اسرف في اموالهم، يقولون كريما، واذا قتل منهم ولم يمثل،
يعتبرونه رحيما، ويسوقهم الى خطر الموت، فيطيعونه حذر التوبيخ، وان نقم
عليه منهم بعض الاباة قاتلهم كأنهم بغاة.
ولا ازيد على هذا النص شيئا، فالحر تكفيه الاشارة.
[email protected] |