صوت "مجلس النواب" العراقي في 27 كانون الثاني/يناير على قانون يحدد
فترة ولاية رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة البرلمان بدورتين
فقط. وعلى الرغم من أن "المحكمة العليا" في البلاد قد تلغي القانون
قريباً، إلا أن المعارضة لرئيس الوزراء نوري المالكي قد سجلت انتصاراً
ملحوظاً ومشجعاً، مما يدل على تماسكها في جميع مراحل العملية. وفي
المقابل، كان أنصار المالكي منقسمون وربما أرسلوا إليه إشارة بأن يتخذ
موقف أقل حدة.
وكانت كتلة المعارضة -- المؤلفة من أكراد العراق، وقائمة "العراقية"
ذات الأغلبية السنية العربية، وأتباع مقتدى الصدر، و "المجلس الأعلى
الإسلامي في العراق" ذو القيادة الشيعية -- قد قدمت القانون وعجلت
تمريره خلال قراءتين في البرلمان في فترة دامت أقل من شهرين، وهو وقت
قياسي بالمعايير العراقية. وقد نظمت الكتلة صفوفها بصورة مثيرة للإعجاب
في جلسة يوم الأثنين، وحصلت على 170 صوتاً، متجاوزة عتبة الـ 163 صوتاً
اللازمة لتمرير القانون. ولم يصوت سوى 70 نائباً ضد مشروع القانون أو
امتنعوا عن التصويت.
وقد منعت نسبة الإقبال العالية في صفوف المعارضة من قيام تحالف "دولة
القانون" الذي يترأسه المالكي بإفشال جلسة "مجلس النواب" من خلال
الانسحاب منها، وهي طريقة مفضلة لكسر النصاب القانوني. ويمكن أن يعزى
التماسك الجديد في صفوف المعارضة مباشرة إلى حملة الاعتقال المشؤومة
التي قام بها المالكي ضد حراس وزير المالية السني رافع العيساوي في
منتصف كانون الأول/ ديسمبر، وهي القضية التي ما تزال تثير الكثير من
الضجة في المجتمع العربي السني.
والأمر الأكثر جدارة بالاهتمام هو الانقسام الشيعي الواضح في
البرلمان، والذي تمثل بتصويت أربعين نائباً من "التيار الصدري" وأربعة
عشر مشرعاً من "المجلس الأعلى الإسلامي في العراق" لصالح تحديد فترة
الولاية. وربما غاب حوالي عشرة نواب من تحالف "دولة القانون" عن
الجلسة، وهو عدد كبير بشكل يدعو للدهشة لعملية تصويت حاسمة كهذه، وربما
يشير ذلك إلى وجود نزاع طفيف في صفوف المؤيدين الأساسيين للمالكي.
وكلياً، لم يحضر الجلسة سوى 242 عضواَ برلمانياً من بين 325 مشرّع، كما
غاب العديد من المستقلين الشيعة والفصائل الشيعية (على سبيل المثال،
"حزب الفضيلة الإسلامي"، و"منظمة بدر") بدلاً من أن يشاركوا في الجلسة
ويصوتوا لصالح رئيس الوزراء.
وقد أشارت جهات فاعلة شيعية أخرى أيضاً إلى عدم موافقتها على سياسة
المالكي. فقد ساهم رجال دين شيعة مثل آية الله العظمى علي السيستاني في
تراجعه عن مجموعة من التصعيدات الاستفزازية، بما في ذلك التهديد بتعليق
البرلمان، وطرح اقتراح نقل فرق من الجيش ذات أغلبية شيعية إلى الشمال
الكردي، ووقف المدفوعات المالية الشهرية التي تقدمها بغداد لـ "حكومة
إقليم كردستان". وعلاوة على ذلك، تشير المشاركة النشطة من جانب أنصار
"التيار الصدري" و"المجلس الأعلى الإسلامي في العراق" إلى أن إيران
تحذره من اتباع المزيد من السلوك الخاطئ الذي يمكن أن يهدد وحدة الشيعة
ويزعزع هيمنة هذه الطائفة على السياسة العراقية.
وبالنسبة لصناع السياسة الأمريكيين، يمثل قرار تحديد فترة الولاية
تحدياً وفرصة على حد سواء. ومن المرجح أن تحكم "المحكمة العليا" التي
تميل لصالح المالكي بأنه لا يمكن اعتبار مشروع القانون نظاماً أساسياً
لأنه لم يُقترح من قبل مجلس الوزراء. ومن شأن قرار كهذا أن يصيب
المعارضة بالمزيد من الإحباط، مما يؤكد على الصعوبات لتحقيق التغيير
السلمي من خلال اتباع الآليات القانونية، وربما يصب الزيت على نار
الاحتجاجات السنية الجارية حالياً. ومن شأن ذلك أن يؤدي أيضاً إلى
زيادة الغموض المحيط بالانتخابات الوطنية المخطط لها العام المقبل
وإضافة خطر قيام أزمة دستورية عنيفة بعد ذلك، الذي هو خطر كبير بالفعل.
وفي الوقت نفسه، فإن الصدمة التي تلقاها المالكي يمكن أن تعطي فرصة
لواشنطن. فعلى الرغم من أنه عادة يكون أكثر ميالاً لشن هجوم مضاد من
اتخاذ موقف دفاعي، إلا أنه سيشعر بضغط هائل في أعقاب التصويت الذي جرى
في السابع والعشرين من كانون الثاني/يناير. وهذا هو واحد من عدد من
اللحظات العابرة التي يمكن من خلالها تحويل الصداقة الأمريكية مع رئيس
الوزراء المنعزل إلى نفوذ متزايد.
وتحديداً، يجب على واشنطن الضغط بشدة على المالكي من أجل أن يوفر
دعمه الكامل لـ"الآليات الأمنية المشتركة" التي تدعمها الولايات
المتحدة للحد من خطر المواجهة بين بغداد و"حكومة إقليم كردستان" في
المناطق المتنازع عليها. ينبغي على الإدارة الأمريكية أيضاً أن تدفعه
لاستئناف المفاوضات بشأن إطار قانون النفط والغاز وتحريك آلية استرداد
التكاليف لمقاولي النفط في "حكومة إقليم كردستان" من خلال إقرار زيادة
كبيرة في حصة البرنامج في مشروع ميزانية عام 2013. وأخيراً، يجب الضغط
على المالكي لكي يدعم نسخة معدلة لقانون تحديد فترة الولاية الذي من
شأنه أن يدخل مباشرة إلى حيز التنفيذ بعد المصادقة على رئيس الوزراء
المقبل، ويشمل ذلك شكلاً من أشكال الحصانة من الملاحقة القضائية --
المكفولة دولياً -- لرؤساء الجمهورية ورؤساء الوزراء و رؤساء البرلمان
السابقين.
أما أولئك الذين ما زالوا ينظرون إلى المالكي بأنه أفضل أمل للعراق
فيمكنهم أن يطمئنوا من الاحتمال الوارد بأن تعديل القانون سيسمح له، من
الناحية النظرية، تسلّم ولاية ثالثة. كما سيتم طمأنة أولئك الذين يخشون
من نواياه بأن فترة ولاية محددة من أي صيغة سوف تضعف موقفه، وربما تجعل
من إعادة تعيينه في عام 2014 أقل احتمالاً.
* مايكل نايتس هو زميل ليفر في معهد واشنطن
ومقره في بوسطن
http://www.washingtoninstitute.org |