سوريا... مواقف لا تزال ديناميكية

 

شبكة النبأ: لا يزال ملف الصراع المسلح في سوريا محط اهتمام وترقب من قبل الكثير من الدول وخصوصا تلك الدول التي راهنت على سقوط النظام في الفترة السابقة بدوافع طائفية من خلال دعم ومساندة المجموعات المسلحة تحت مسمى ثورة التغيير التي حولت الأراضي السورية الى ساحة حرب بالوكالة بحسب بعض المراقبين، الذين أكدوا ان التطورات الميدانية الجديدة تشير الى ان الجيش السوري والقيادة السورية لاتزال قوية وقادرة على مواصلة القتال والوقوف بوجه الجماعات المسلحة التي أثبتت عجزها وافتقادها للقرار الموحد، وهو ما أسهم بعرقلة كل الجهود الداعية الى إيجاد حلول سلمية والتي تجددت مؤخرا من على لسان الرئيس السوري، اما عن التطورات الجديدة في الموقف الروسي الأخير فقد أكد بعض المراقبين ان روسيا الحليف الأول لسوريا سوف لن تتخلى عن مواقفها السابقة معتبرين ان التصريحات الأخيرة التي أعلنت في وسائل الإعلام ربما تكون مغازلة سياسية لبعض القوى والإطراف العالمية الأخرى التي تنتقد سياسة روسيا تجاه الأزمة السورية، هذا من جانب اما الجانب الأخر فهو لاستمالة المعارضة السورية وترغيبها بتغير منهجها الحالي المستند الى قوة السلاح وإبداله بسياسة الحوار السلمي والقبول بمبادرات التفاوض لأجل الوصول الى نتائج ايجابية تنهي مأساة الشعب السوري وتوقف إراقة الدماء، وفيما يخص أخر التطورات في الملف السوري يقول الرئيس السوري بشار الأسد ان الجيش النظامي استعاد المبادرة في النزاع المستمر في البلاد منذ 22 شهرا، وان وقف الدعم التركي للمقاتلين المعارضين سيؤدي الى حسم النزاع "خلال اسبوعين"، وذلك بحسب ما اوردت صحيفة لبنانية. ونقلت صحيفة "الاخبار" القريبة من دمشق وطهران عن زوار التقوا الاسد في قصر الروضة الرئاسي في دمشق، تأكيده ان "الجيش استعاد زمام المبادرة على الأرض بصورة كبيرة جدا، وانه حقق نتائج هامة، أضيفت الى ما حققه خلال الأشهر الاثنين والعشرين الماضية"، مشيرا الى ان ما "ما حققه الجيش سيجري تظهيره قريبا".

واوضح الاسد بحسب الصحيفة، ان الجيش النظامي "منع المسلحين من السيطرة على محافظات بأكملها، وبالتالي ظل ملعبهم بعض المناطق الحدودية مع تركيا والأردن ولبنان إلى حد ما، فضلا عن بعض الجيوب في ريف العاصمة، التي يتم التعامل معها". واكد الرئيس السوري ان "العاصمة دمشق في حال أفضل، والنقاط الاستراتيجية فيها، وبرغم كل المحاولات التي قام بها المسلحون، بقيت آمنة، ولا سيما طريق المطار".

وبرأي الأسد، يمكن لخطوة "إغلاق الحدود التركية في وجه تهريب السلاح والمسلحين، بما يعنيه هذا الأمر من قضاء على منابع التمويل والتسليح"، ان "تحسم الأمور خلال أسبوعين فقط". ونقل الزوار عن الاسد قوله ان "المجموعات المسلحة الممولة من الخارج تلقت ضربات قاسية خلال الفترة الماضية"، وان هذه الخطوات تقاطعت مع حركة دولية "كان من أبرزها إدراج الولايات المتحدة لجماعة جبهة النصرة على لائحة الإرهاب، وهي خطوة ستليها في المرحلة المقبلة تصفية هذا الفرع القاعدي بالكامل".

ورأى الاسد ان موسكو ستبقي على دعمها له "فهي تدافع عن نفسها، لا عن نظام في سوريا". وكان رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف قال ان فرص بقاء الرئيس السوري بشار الاسد في السلطة تتضاءل "يوما بعد يوم" وانه ارتكب "خطأ فادحا، قد يكون قاضيا" لانه تأخر كثيرا في تطبيق الإصلاحات السياسية. بحسب فرنس برس.

وعلى صعيد الحل السياسي، شدد الاسد على ان "لا تزحزح عن بنود اتفاق جنيف" الذي تم تبنيه من قبل مجموعة العمل حول سوريا في 30 حزيران/يونيو، ويتضمن مبادئ انتقال سياسي لا تأتي على ذكر تنحي الرئيس السوري الذي تنتهي ولايته في العام 2014. وفي هذا السياق، اكد الاسد بحسب زواره ان الموفد الدولي الاخضر الابراهيمي طرح عليه خلال زيارته الاخيرة لدمشق نهاية كانون الاول/ديسمبر الماضي "فكرة التنحي في المرحلة الانتقالية"، لكن الرئيس السوري "قطع عليه الطريق، وأفهمه بطريقته الخاصة بان ما سيحسم وجهة الحل في بلاد الشام هو الوضع الميداني الذي يتحسن يوما بعد آخر لمصلحة النظام".

روسيا والقوى الأخرى

في السياق ذاته قالت روسيا إن فرص احتفاظ الرئيس السوري بشار الأسد بالسلطة تتضاءل يوما بعد يوم ويعول الأسد منذ وقت طويل على موسكو كحليف وقال ميدفيديف وفقا لنص مقابلة اجراها تلفزيون (سي.إن.إن) معه ونشرها مكتبه "اعتقد انه مع مرور كل يوم وكل اسبوع وكل شهر تتضاءل فرص استمراره." وأضاف ميدفيديف الذي انتقدت حكومته دعم الغرب وتركيا ودول الخليج العربية لمسلحين في سوريا "لكنني اكرر ثانية أن هذا أمر يقرره الشعب السوري لا روسيا ولا الولايات المتحدة ولا أي دولة أخرى."

وأضاف "مهمة الولايات المتحدة والقوى الأوروبية والاقليمية...هي اقناع الاطراف المعنية بالجلوس للتفاوض وليس مجرد المطالبة برحيل الأسد ثم يعدم مثل (الزعيم الليبي الراحل معمر) القذافي أو ينقل إلى جلسات محكمة على محفة مثل (الرئيس المصري المخلوع) حسني مبارك." وبعد سقوط نظام مبارك لم تستخدم روسيا حق الاعتراض (الفيتو) على قرار لمجلس الامن يفوض قوى غربية وعربية بتقديم الدعم العسكري للمتمردين الذين أطاحوا بمعمر القذافي في ليبيا المجاورة. لكن موسكو اتهمت منذ ذلك الحين الغرب بخرق حقوق السيادة واستخدمت حق الاعتراض على أي قرار في الامم المتحدة ضد الأسد. وحذر ميدفيديف من ان الإطاحة بالأسد بالقوة ستعني "عقودا" من الحرب الأهلية. وروسيا أهم حليف للأسد طوال الصراع المستمر منذ 22 شهرا.

وقالت فرنسا يوم انه لا توجد مؤشرات على قرب الإطاحة بالأسد وهو ما يتناقض مع توقعاتها خلال الشهور الماضية بأن نهاية الرئيس السوري باتت قريبة. وقال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إن الأسد سيعزز قبضته على السلطة في الوقت الراهن. وقال العاهل الاردني في دافوس "أي شخص يقول إن نظام بشار لديه أسابيع قليلة فقط للرحيل لا يعرف حقيقة الوضع على الأرض." وأضاف "إنهم (نظام الأسد) ما زال لديهم القدرة...لذلك (أتوقع) أنهم قد يواصلون معركة البقاء بقوة."

وأثار القتال في سوريا بواعث قلق إسرائيل حيث قال نائب رئيس الوزراء سيلفان شالوم إن أي علامة على تراخي قبضة سوريا على أسلحتها الكيماوية خلال قتالها للمعارضين المسلحين قد تؤدي إلى ضربات عسكرية إسرائيلية. وقال شالوم إنه في حالة وقوع أسلحة كيماوية في أيدي مقاتلي حزب الله اللبناني أو المعارضة المسلحة في سوريا "فإن ذلك سيغير من قدرات هذه المنظمات بشكل هائل." وأضاف لراديو إسرائيل أن هذا التطور سيمثل "تجاوزا للخطوط الحمراء يتطلب تناولا مختلفا ربما يشمل عمليات وقائية."

من جانب اخر زارت وكيلة الامين العام للأمم المتحدة للشؤون الانسانية فاليري اموس سوريا قبل مؤتمر للمنظمة الدولية يهدف إلى جمع 1.5 مليار دولار لملايين الأشخاص الذين شردوا ويواجهون الجوع من جراء الصراع. وقالت اموس إن السوريين يدفعون "ثمنا رهيبا" لفشل القوى العالمية في حل الصراع وأشارت إلى فرار 650 ألف لأجيء من البلاد فضلا عن الملايين الذين تأثروا داخل سوريا. وأضافت أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في سويسرا "يحتاج أربعة ملايين شخص إلى المساعدة. نزح مليونان داخليا وتأثر 400 الف من جملة 500 الف لاجئ فلسطيني (في سوريا)."

ولم تستطع الأمم المتحدة وجماعات الإغاثة داخل سوريا بما في ذلك الهلال الأحمر العربي السوري مجاراة العدد المتزايد ممن يحتاجون المساعدة. وقالت اموس "علينا أن نجد سبلا للوصول إلى مزيد من الناس خاصة في المناطق التي ما زلنا لا نستطيع الوصول اليها وحيث لا يزال القتال دائرا." وسحبت الأمم المتحدة 25 من عمال الإغاثة الأجانب التابعين لها البالغ عددهم 100 من سوريا بعد أن زادت كثافة القتال حول دمشق لكن اموس قالت إن المنظمة لاتزال ملتزمة بمواصلة عمليات الإغاثة. وستخصص معظم الأموال التي سيجمعها المؤتمر الذي يعقد في الكويت لدعم الدول التي تستضيف مئات الآلاف من اللاجئين بينما يخصص مبلغ 519 مليون دولار للمساعدات داخل سوريا.

ودعا وزير الشؤون الاجتماعية السوري جاسم محمد زكريا الاحد منظمات الامم المتحدة الى الوفاء بتعهداتها تجاه الاسر المتضررة من النزاع السوري، وذلك اثر لقائه وكيلة الامم المتحدة للشؤون الانسانية فاليري اموس في دمشق. تزامنا، تفقدت بعثة جامعة الدول العربية اوضاع النازحين السوريين في لبنان الذين تجاوز عددهم 200 الف شخص، وذلك في ختام جولة قادتها الى الاردن والعراق، قبل ايام من مؤتمر دولي للمانحين تستضيفه الكويت في الثلاثين من الشهر الجاري. بحسب رويترز.

وفي عمان اعلن نائب وزير الخارجية الايراني امير عبد اللهيان ان ايران تعرض تقديم مساعدة الى اللاجئين السوريين في الاردن ولبنان. وقال في تصريح صحافي "التقيت وزير الخارجية ناصر جودة وبحثت معه في العرض الايراني لتقديم مساعدة الى اللاجئين السوريين في الاردن وعلى الحدود السورية اللبنانية". وتابع المسؤول الايراني ان "الحل السياسي هو الحل الافضل لسوريا"، مضيفا "ان ايران لا تسعى الى مساعدة الرئيس بشار الاسد ليكون رئيسا او ملكا الى الابد. الا ان ايران لن تسمح للتدخلات الخارجية بفرض تغيير في سوريا".

وكرر الاسد في خطاب القاه في وقت سابق استعداده لاجراء حوار وطني لكنه استبعد اجراء محادثات مع "أصحاب فكر متطرف لا يؤمنون إلا بلغة الدم والقتل والإرهاب." وقال التلفزيون السوري الرسمي ان مجلس القضاء الأعلى السوري قرر وقف الملاحقات القضائية ضد اعضاء في المعارضة السورية ليتمكنوا من المشاركة في محادثات وهو اقتراح رفضه معظم معارضي الأسد.

ورفضت المعارضة الدعوة التي وجهها الرئيس السوري لعقد مؤتمر وطني بناء لدعوة من الحكومة الحالية، للوصول الى ميثاق وطني جديد يعرض على استفتاء، قبل تشكيل حكومة جديدة تتولى اجراء انتخابات برلمانية. ويأتي القرار القضائي بعد اعلان وزارة الداخلية انها ستسمح "لجميع القوى السورية المعارضة خارج القطر التي ترغب في المشاركة بالحوار الوطني في الدخول الى الجمهورية العربية السورية"، وهو ما اكده وزير الداخلية السوري محمد الشعار.

التدخل الأمريكي

على صعيد متصل قال الرئيس الامريكي باراك اوباما انه يعمل جاهدا على تقييم مسألة ماذا كان تدخل الولايات المتحدة عسكريا في الحرب الاهلية في سوريا سيساعد في حل هذا الصراع الدامي ام انه سيؤدي الى تفاقم الامور. ورد اوباما في مقابلتين على منتقدين يقولون ان الولايات المتحدة لم تتدخل بما يكفي في سوريا حيث قتل الاف الاشخاص وشرد ملايين وفقا لمسؤولي الامم المتحدة.

ودعت الولايات المتحدة الرئيس السوري بشار الاسد الى التنحي واعترفت بائتلاف معارض ولكنها لم تصل الى حد اجازة تسليح الولايات المتحدة للمسلحين. وقال اوباما في مقابلة مع مجلة نيو ريببليك نشرت على موقع المجلة على الانترنت "في وضع كسوريا علي ان اسأل: هل يمكن ان نحدث اختلافا في هذا الوضع؟." وقال ان عليه ان يوازن بين فائدة التدخل العسكري وقدرة وزارة الدفاع على دعم القوات التي مازالت موجودة في افغانستان حيث بدأت الولايات المتحدة سحب القوات المقاتلة بعد 12 عاما من الحرب.

واضاف" هل يمكن ان يثير (التدخل) اعمال عنف اسوأ او استخدام اسلحة كيماوية؟ ماهو الذي يوفر افضل احتمال لنظام مستقر بعد الاسد؟. "وكيف اقيم عشرات الالاف الذين قتلوا في سوريا مقابل عشرات الالاف الذين يقتلون حاليا في الكونجو." وتأتي تصريحات اوباما في الوقت الذي قال فيه زعماء العالم المتجمعون في دافوس بسويسرا انهم يتمنون لو كانت الولايات المتحدة اكثر مشاركة في قضايا جغرافية سياسية مثل الصراعين في سوريا ومالي حيث تهاجم فرنسا متشددين مرتبطين بالقاعدة.

وقال وزير الدفاع الامريكي ليون بانيتا ان الولايات المتحدة ستوفر طائرات صهريج لاعادة تزويد الطائرات الفرنسية المقاتلة والقاذفة التي تهاجم المتشددين المرتبطين بالقاعدة في شمال مالي بالوقود في توسيع للمشاركة الامريكية التي كانت قد اقتصرت على تبادل معلومات المخابرات وتوفير جسر امداد جوي. بحسب رويترز.

وفي مقابلة مع برنامج "60 دقيقة" في شبكة تلفزيون سي.بي.اس رد اوباما بغضب عندما طلب منه التعليق على انتقاد بان الولايات المتحدة احجمت عن المشاركة في قضايا تتعلق بالسياسة الخارجية مثل الأزمة السورية. وقال اوباما ان ادارته شاركت بطائرات حربية في الجهود الدولية لاسقاط معمر القذافي في ليبيا وقادت حملة لحمل الرئيس المصري حسني مبارك على التنحي. ولكنه قال انه بالنسبة لسوريا فان ادارته تريد التأكد من ان العمل الامريكي هناك لن يأتي بنتائج عكسية. وقال "لن يستفيد أحد عندما نتعجل خطواتنا وعندما ..نقدم على شيء دون ان ندرس بشكل كامل كل عواقبه."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 30/كانون الثاني/2013 - 18/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م