هكذا تحدث ميدفيدف

عريب الرنتاوي

انضم رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيدف إلى قائمة المختصين بإحصاء "الأيام القليلة المتبقية" من حكم الدكتور بشار الأسد، بعد أن أشار إلى أخطاء فادحة اقترفها النظام، تجعل من كل يوم يمر في عمر الأزمة السورية، خطوة على طريق النهاية لرئيس سيجد صعوبة في البقاء في موقعه.

قبله بأيام، كان وزير خارجية روسيا يتحدث عن أزمة قد تمتد لسنتين قادمتين، ولا ندري إن كان الأسد سيظل في موقعه خلال هذين العامين أم أن الأزمة مرشحة للاستمرار حتى في بعد سقوط الأسد.. هذا الأمر لم يوضحه الوزير الروسي النشط والمخضرم.

في الأثناء، كان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، يقود الاستدارة في موقف بلاده من الأزمة السورية.. هذه الازمة من منظور فابيوس لم تعد تحتل صدارة أولويات بلاده الغارقة في صحراء مالي وفي "مطاردة الإرهاب" في القارة الأفريقية.. يبدو أن مالي مرشحة لتكون أفغانستان ثانية لفرنسا، وأولوية الحرب على الإرهاب قد تدفع باريس إلى الابتعاد خطوات للوراء عن الملف السوري، في ضوء "عالمية الحرب على الإرهاب" وتصاعد نفوذ "النصرة والجهاديين" في أوساط المعارضة السورية.

الملك عبد الله الثاني، رجّح أن يبقى الأسد في مكانه بعض الوقت أو كثير منه.. لا سقوط سريعاً للأسد، ولا حسم وشيكاً للحرب الدائرة في سوريا.. وهذا ما كرره وليد جنبلاط العائد للتو من موسكو، والرجل معروفٌ بـ"قرون استشعاره" الحساسة حيال التغيير في اتجاهات هبوب الريح الدولية والإقليمية.

السعودية التي خرج وزير خارجيتها من مؤتمر تونس لأصدقاء سوريا العام الفائت غاضباً لغياب النية والإرادة والقرار بتسليح المعارضة والحسم عسكرياً، عاد قبل بضعة أسابيع للحديث عن "حل سياسي" للأزمة السورية، تاركاً للشعب السوري حسم مصير نظامه ومستقبله.

تركيا التي جعلت من مصير الأسد شغلها الشاغل، وتصدر وزير خارجيتها قائمة الذي يقضون أكثر أوقاتهم في "عدّ أيامه" الأخيرة.. بدأت تنكفئ شيئاً فشيئاً إلى همومها وتحدياتها الداخلية، وبات عبد الله أوجلان، وليس بشار الأسد، هو من يتربع فوق قمة الأولويات التركية.

أما الولايات المتحدة، التي تستقبل جون كيري وتشاك هايغل، فمن المتوقع أن تواصل سياسة "النأي بالنفس" عن التورط في رمال الأزمة السورية المتحركة.. وهي ستتجه نحو حل سياسي تفاوضي، وليس المهم هنا، كم من الوقت سيستغرق الوصول إلى مثل هذا الحل، طالما أن كل يوم يمضي في عمر الازمة السورية، يزيد النظام ضعفاً وتزداد إيران وروسيا حرجاً، ويقضي المزيد ممن تصفهم الولايات المتحدة برموز الإرهاب وقادته وكوادره بين قتيل وجريج ومعتقل.

خلاصة القول، أن العالم الذي وقف متفرجاً على الأزمة السورية طوال سنتين على اندلاعها، يقرر اليوم، ترك السوريين وشأنهم.. إن هم أردوا تدمير بلدهم وجعله أثراً بعد عين، فهذا شأنهم... وإن هم أرادوا الجنوح لخيار الحل السياسي، فلا بأس أيضاَ ولكن بشرطين اثنين: أن لا تتحول سوريا إلى ملاذ آمن وقاعدة انطلاق للإرهاب من جهة.. وأن لا يبقى الأسد على رأس نظامه (الذي بات بقاؤه مطلوباً أكثر من أي وقت مضى) من جهة ثانية.

تصريحات ميدفيف، ومن قبلها بوعدانوف، وبينهما بوتين، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن النظام (الجيش والمؤسسات وليس الأسد شخصياً) هو خط موسكو الأحمر في الأزمة السورية.. النظام الذي يحفظ المصالح الروسية في سوريا وشرق المتوسط، وليس الرئيس الذي بات عبئاَ على المصالح الروسية، بل وعبئاً على هدف موسكو بحفظ النظام والحيلولة دون سقوطه.

كنا من قبل قد قلنا، وفي هذه الزاوية بالذات، قد ذهبنا للقول بأن الأسد بات عبئاً على نظامه وحزبه وطائفته، دع عنك سوريا ومستقبلها.. اليوم يقول ميدفيدف شيئاً شبيهاً.. والكرة الآن في ملعب النظام والطائفة والحزب الحاكم و"المؤسسة الحاكمة" في سوريا: إن هم أرادوا حفظ مصالحهم وبقائهم فلا بد من الذهاب إلى "الصفقة الكبرى"، والصفقة الكبرى هنا تستثني الأسد وتحفظ النظام... لا أحد من اللاعبين الكبار: موسكو، واشنطن، باريس ولندن والرياض وحتى أنقرة، لديه مصلحة في انهيار النظام، وغرق سوريا في حرب أهلية طائفية، وتحولها إلى "صومال" ثانية، والصفقة يمكن أن تتم خلال أسابيع وأشهر، إن قرر النظام إعفاء رأسه من مهام منصبه، سواء بالتنحي أو بتفويض صلاحياته بصورة كاملة لحكومة انتقالية.

هكذا تحدث ميدفيدف بكل الكياسة الدبلوماسية المطلوبة والمعتادة.. وهذا هو ما نطقت به سطور كلماته وما بينها.. وهكذا تلتقي تصريحاته مع مواقف مختلف الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية، فهل من يقرأ السطور وما بينها في دمشق؟.

* مركز القدس للدراسات السياسية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 30/كانون الثاني/2013 - 18/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م