من الآن وحتى 25 يناير (كانون ثاني) القادم سنسمع كلاماً كثيراً
وتكراراً متعمداً لمقولة " ثورة جديدة " ستندلع في الذكرى الثانية
لثورة يناير فهل لما يقال أي ظل من الحقيقة، وهل يمكن فعلاً استكمال
أهداف الثورة عبر ثورة جديدة ترفع شعار إسقاط النظام بما يعنيه من
إسقاط لشرعية الرئيس المنتخب محمد مرسي وإبعاد الإخوان المسلمين عن سدة
الرئاسة؟
أسئلة كثيرة تدور في ذهن المراقب والمتابع للشأن المصري وهو يستمع
لآراء تدعو للثورة مجدداً وتنادي بالهجوم الشامل على السلطة الحالية
وبقايا النظام السابق لتتخلص مرة واحدة من معوقات استمرار الثورة كما
يراها هؤلاء المعارضين للإخوان كما للفلول.
إن أهم هذه الأسئلة يتعلق بإمكانية حدوث هذا الأمر وهو ما يعني توفر
الظروف الموضوعية والذاتية لنجاح ثورة تسعى حقاً لتحقيق أهداف التغيير
بشقيها السياسي والاجتماعي، وهل ميزان القوى على الأرض يعمل في صالح
الإجابة بنعم على هذا التساؤل المنطقي؟.
لقد ارتكب الشباب الثوار الذين بدأوا تحركاتهم بطريقة مبدعة ومفاجئة
للجميع أخطاءً كثيرة أنتجت واقعاً صادماً لهم ولتطلعاتهم نحو الحرية
والعدالة والديمقراطية، كما أنهم لم يتعلموا الدرس بشكل صحيح حين
استمروا في ارتكاب نفس الأخطاء تجاه مجريات الأمور في بلدهم وأدى هذا
لتغيير كبير وجدي في بنية الدولة ومؤسساتها السياسية والإعلامية وشكل
عائقاً حقيقياً أمام تطلعاتهم.
وحتى لا يكون حديثنا مرسلاً بهذا الصدد نعيد تظهير هذه الأخطاء كما
حددناها سابقاً وتتمثل باختصار في غياب البرنامج الواحد أو الموحد بما
يعنيه ذلك من فروق، فالأول يعني الوحدة الكاملة أما الثاني فيعني
القواسم المشتركة بين حلفاء. وتتمثل أيضاً في غياب قيادة ثورية تجمع
تحت جناحها كافة القوى الديمقراطية الثورية والليبرالية والتقدمية بكل
تصنيفاتها، هذه القيادة التي كان يمكن اعتبارها مجلساً لقيادة الثورة
يتشكل بطريقة طوعية وموضوعية، حال دون تشكله غياب التنظيم والرغبة في
المشاركة والعمل الجماعي كما الثقة بين هذه القوى والأحزاب بالإضافة
لدور خفي للأجهزة الأمنية المعروفة بولائها للنظام.
يضاف لما سبق غياب المرجعية الفكرية للبنية الأساسية للقوى الثورية
وهي في معظمها من فئة الشباب الذين جمعتهم صفحات الانترنت والفيس بوك.
وكذلك غياب التكتيك الصحيح في التعامل مع جملة من المعطيات المشكلة
للواقع المصري كالإضرابات والاعتصامات والاحتجاجات وغيرها من أشكال
التعبير عن الغضب ورفض الواقع. إن أهم الأخطاء التكتيكية التي وقع فيها
الثوار وأدت إلى اختطاف منجزاتهم وأحلامهم والتي يجوز اعتبارها خطأً
تاريخياً هي ما يتعلق بتكتيك التعامل مع الجيش الذي كان القوة الرئيسية
في الميدان وبإمكانه أن يواجه الإخوان المسلمين أو يخلق التوازن
والحماية الضرورية للعبة الصراع الديمقراطي المبني على خلفية قانونية
تشريعية تساعد وتفيد في دفع الطرف الثاني في الثورة وهم (الإخوان
المسلمون) إلى طلب التحالف مع زملائهم وليس الجنوح للجيش والاتفاق معه
برعاية أمريكية تمنحهم القدرة على ضرب قوى الثورة أو على الأقل وقفها
عند حدود الاحتجاج وإظهار الرأي وحق التعبير ليس أكثر، الأمر الذي
شاهدنا نماذجه في الرد على الإعلان الدستوري للرئيس وإلغاء دور المحكمة
الدستورية العليا وعزل النائب العام، وأخيراً إجراء الاستفتاء على
الدستور رغم الموقف الرافض من جانب هذه القوى.
إن الارباك في التعامل مع الجيش المصري والخلط بين موقف الجيش
باعتباره المؤسسة الوطنية الأولى في الدولة وحامي حمى الوطن وبين قيادة
للجيش مرتهنة للأمريكيين واتفاقات العار مع العدو الصهيوني حيث كنا
نسمع هتافات من نوع: يسقط حكم العسكر...إلى آخر ما هناك من شعارات لم
يتم التدقيق فيها وأنتجت انقلاباً مفجعاً في موقف القوات المسلحة
باتجاه مساندة الرئيس الجديد رغم أنه من رحم حركة الإخوان المسلمين
المحظورة، إن هذا الارباك وهذا الخلط جعل هذا الانحياز ممكناً وواقعاً
لم يعترض عليه أي ضابط من الوزن الثقيل.
إذن لابد من الاعتراف أن شباب الثورة يتحمل مسؤولية كبيرة في
الإخفاق الذي حدث وأدى إلى تولي قوة أخرى شاركت متأخرة في الثورة حكم
مصر وبدء حقبة جديدة ونوعية في التاريخ المصري ربما تستمر لعقد أو
اثنين من الزمن، مثلما هي نجاحات الإخوان وخبرتهم التي لابد من
الاعتراف بها وأهلتهم للكسب وإنهاء ثمانين عاماً من العزلة فوق كرسي
الرئاسة.
المعطيات الراهنة لا تؤشر لإمكانية واقعية وجدية تجاه تغيير يصل
لمستوى ثورة تطيح بالرئيس المنتخب أو حتى تغيير حكومته المعينة رغم أن
حال قوى المعارضة لحكم الإخوان ومرسي أفضل مما كانت عليه غداة الثورة
مباشرة.
إن ما سيحدث قد يقدم الدليل على رفض أغلبية المصريين لحكم المرشد
والإخوان كما يمكن أن يقع ضحايا من الجانبين المتنافسين وهذا ما لا
نرجوه ونحذر من وقوعه بسبب تداعياته الخطيرة على مستقبل العلاقات
الأخوية بين أجنحة الثورة ومستقبل البلد.
إن أفضل ما يمكن عمله من جانب الرئيس المصري هو تجنب إصدار القرارات
والأوامر المرتبكة والقاتلة خلال هذه الفترة وأفضل ما تقوم به المعارضة
والقوى التي تنافسه هو حشد أكبر عدد من الناس في ذكرى الثورة بطريقة
منظمة وحضارية ترغم الإخوان والعالم بأسره على احترام خيار الشعب
المصري في التغيير وفي كل الأحوال لابد من الاحتكام للمصلحة الوطنية
العليا للمصريين باللجوء للطرق السلمية والقانونية للتعبير عن رفض
الواقع وتغييره.
Zead51@hotmail.com |