شبكة النبأ: هل يعاني المطبوع الثقافي
من أزمة، وهل بات الاستغناء عنه أمرا محسوما، في ظل التراجع الكبير
والمتواصل للفعل القرائي؟.
إن ما يحدث على الارض يؤكد أن معظم المطبوعات الثقافية الورقية بات
تواجه خطر الانقراض، حتى تلك المجلات الثقافية العراقية التي احدثت ضجة
في عالم الثقافة عبر نشوئها ومسيرتها وقدراتها في تثوير الواقع الثقافي
والادبي العربي، كما هو الحال مع مجلة (الآداب البيروتية) التي اصدرها
سهيل ادريس في حياته واستمر بادارتها ورعايتها حتى رحيله، لتتسلم زوجته
مهام الاصدار والادارة والمتابعة.
ولا يخفى على المتتبع والمعني، ماذا يعني مطبوع ثقافي كمجلة الآداب،
وما هو دورها الكبير في تدعيم وترسيخ تجارب ثقافية عربية مهمة، عبر
مسيرتها الطويلة، ولكن ان يصل الامر بهذه المجلة الثقافية وغيرها من
المطبوعات الثقافية، أن تعلن توقفها عن الاصدار، فهذا يمثل جرس الانذار
لموت المطبوعات الثقافية الورقية تباعا.
الامر الذي يتطلب تمحيصا دقيقا في الاسباب التي أدت الى مثل هذه
النتائج الخطيرة، ولعل السبب الذي يتقدم كل الاسباب هو عزوف القراء عن
قراءة المطبوع الثقافي الورقي، في ظل سيول المعلومات الكثيرة والمتنوعة
والهائلة التي تبثها وسائل الاعلام المتطورة على مدار الساعة، وفق طرق
واساليب لا تتعب القارئ، بل تضع كل ما يريد بين يديه بمجرد أن يضغط هذا
الزر او ذاك ليطلع على كل ما يرغب ويريد في الثقافة او غيرها.
على أننا يجب أن نعترف، بأن الخلل لا يكمن فقط في تخلي القارئ، عن
مطالعة ومتابعة المطبوع الثقافي، بل هناك اسباب تتعلق في مضامين
وتصاميم المطبوع نفسه، لقد لوحظ على معظم المطبوعات الثقافية الورقية
اسرافها في المضامين النصيّة لاسيما الشعرية منها، وهي بذلك تقصي
المضامين الجاذبة الاخرى، فضلا عن فقدانها لعناصر جذب كثيرة للقراء،
ومن الواضح ان الاغراق النصي للمطبوع صار يقود القارئ الى نوع من
التغاضي وربما التهرّب من القراءة ايضا، فيما يندفع بالمقابل نحو وسائل
التوصيل الحديثة التي تضع بين يدية ثقافات مختلفة بجهود مادية وفكرية
قليلة قياسا بتكاليف المطبوع الثقافي الورقي، والجهد القرائي الذي يجب
أن يبذله القارئ للاطلاع والتواصل، ولهذا لابد من التفكير في بدائل جذب
ترغم القارئ على التمسك بالفعل القرائي، وهذا الامر يحتاج الى تخطيط من
ذوي الاختصاص يتعلق بميول القارئ والظروف التي تستجد في الوضع الثقافي
والاعلامي، حتى يتمكن ذوي الشأن من وضع البدائل المطلوبة في هذا
المجال.
ولابد من الاشارة الى نقطة تتعلق بعجز المجلات الثقافية عن مواكبة
العصر، بسبب ايغالها في الجانب الترفيهي والسطحية التي تنطوي عليها
مضامينها ومواضيعها المختلفة، أو انها توغل بالنصية والشعرية كما مر
ذكره، علما ان القارئ دائما يريد أن يقرأ ما يمس حياته ويطورها ويهتم
باحتياجاته الثقافية والفكرية وسواها، لذا فإن الاسراف في الترفيه وعرض
الصور المغرية وما شابه من اساليب، لا تساعد في تسويق المطبوع، بقدر ما
ينطوي عليه من محاكاة واضحة ودقيقة لاوضاعه واحتياجاته.
علما ان ظاهرة اضمحلال المطبوع الثقافي خصوصا، والمطبوع على نحو
عام، تكاد تكون ظاهرة تمتد حتى الى الدول المتقدمة، حيث تعلن بعض
المجلات والصحف والمؤسسات الاعلامية المعروفة على مستوى العالم، بين
حين وآخر افلاسها وعدم قدرتها على مواصلة الصدور، والسبب دائما يرتبط
بضعف اقبال القراء على اقتنائها، وهذا مرتبط بظاهرة العزوف عن قراءة
المطبوع الثقافي الورقي، لذا يحتاج الامر الى وضع الحلول الصحيحة، لان
الخسارة التي تلحقها هذه الظاهرة بالثقافة جدية ولا يصحّ تجاهلها. |