هل بدا مرسي تنفيذ اوامر اسياده في البيت الابيض لتثبيت ســلطته؟
الثّورة المصريّة لم تنته، او ربّما لم تبدأ بعد؟
حقيقة واحدة يمكن الخروج بها من متابعة احداث مصر في الايام الثلاثة
الماضية هي: [الثورة لم تقم بعد!].
فكلّ العناوين التي من اجلها انتفض الشّعب المصري، وفي مقدمها البطش
الامني وردع المتظاهرين بالقوة، لا تزال ماثلة للعيان، ودليلها العدد
الكبير من القتلى الذين سقطوا خلال اليومين الماضيين، اضافة الى عودة
حالة الطوارئ التي اعلنها الرئيس محمد مرسي امس, ثم بطش قواته الامنية
والعسكرية بالمتظاهرين بلا رحمة وسجن عدد كبير منهم ايضا.
الثورة المصرية لم تنته، او ربّما هي لم تبدأ بعد؟ سؤال بدا يجول في
خاطر المصريين في الذكرى الثانية لهبّة الخامس والعشرين من يناير/
كانون الثاني. ذكرى كانت مناسبة لهبّة اخرى انتشرت على مختلف الاراضي
المصرية، وكان لمدينة بور سعيد النصيب الاكبر فيها، بعدما كشف التعاطي
الامني مع المتظاهرين ان ممارسات نظام حسني مبارك، الذي ظن الجميع انها
انتهت برحيله، لا تزال حاضرة وبقوة، وبغطاء «شرعية انتخابية» يمثلها
الرئيس الاخواني محمد مرسي وحكومته.
حتى التعاطي السّياسي بات النظام يستنسخه عن سلفه. هكذا اطلّ مرسي
عبر الفضائية المصرية في خطاب مسجل لكيل التهديد والوعيد، مع اعلان حال
الطوارئ في بعض المحافظات المصرية، ولا سيما محافظات قناة السويس
(السويس وبور سعيد والاسماعيلية)، التي شهدت المواجهات الاقوى والاكثر
دموية, مواجهات اثارت علامات استفهام كبيرة حول الغاية منها، ولا سيّما
بعدما حذّرت مصادر امنيّة من؛ "مخطط واضح لإشاعة الفوضى في مدن القناة
خلال الوقت الراهن، مدفوعا من جهات داخلية وخارجية بهدف تشويه سمعة
قناة السويس دوليا واظهارها بالممر الملاحي غير الامن الذي يحتاج الى
حماية دولية".
التحذير لا ينفصل عما يمكن اعتباره صراعا على القناة بين النظام
الاخواني، ومن ورائه داعموه الاقليميون، والمؤسسة العسكرية، التي سبق
ان حذّرت من محاولات تهديد امن القناة عبر مشاريع استثمارية، تقف قطر
وراء العديد منها.
مرسي، وعلى غرار ما فعله بعد ازمة اعلانه الدستوري، اطلق دعوة الى
الحوار. دعوة لم ينتظر فيها رد فعل المعارضة، بل حدّد موعد جلستها
الاولى اليوم. واعلنت رئاسة الجمهورية ان مجموعة من الاحزاب والشخصيات
مدعوة الى الحوار الوطني، موضحة ان من بين المدعوّين خصوصا قادة جبهة
الانقاذ الوطني الثلاثة محمد البرادعي وحمدين صباحي وعمر وموسى.
واوضحت ان الحوار سيتم في القصر الرئاسي في السادسة مساء الاثنين
(اليوم). واشارت الى ان الحوار سيشمل 11 حزبا وشخصيات، بينها ايمن نور
ومحمد سليم العوا. واذا كان الاخير قد شارك في جلسات الحوار السابقة،
فان موقف البرادعي وصباحي وموسى لم يتحدّد بعد، في ظل حال التخبط التي
تعيشها المعارضة المصرية، التي بدأت تثير غضب المتظاهرين، الذين
اعتبروا انها بعيدة عن مطالب الشارع. فبينما كان الشباب في الشوارع
يهتفون بسقوط النظام ورحيل الرئيس الذي تتلطخ يداه بالدماء، كانت جبهة
الانقاذ الوطني، التي تضم التجمع الاكبر من الاحزاب المعارضة تدعو الى
تشكيل حكومة انقاذ وطني، وانتخابات رئاسية مبكرة. وجل ما استطاعت فعله
في ظل المشهد الدموي خلال اليومين الماضيين، كان التلويح بمقاطعة
الانتخابات البرلمانية المقررة خلال الاشهر المقبلة؛ "ما لم تستجب
السلطة لمطالبها، وخصوصا تعديل الدستور وتشكيل حكومة انقاذ وطني واقالة
النائب العام واخضاع جماعة الاخوان المسلمين للقانون"، بحسب بيان لها.
وقالت انه ما لم يتم الاستجابة لمطالبها الاربعة "خلال الايام
القليلة المقبلة" فانها ستدعو الى التظاهر مجددا يوم الجمعة المقبل من
اجل "اسقاط الدستور الباطل، والعمل مؤقتا بدستور 1971 المعدل، وللشروع
الفوري في تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة".
وما زاد الطين بلة، كان ترحيب جبهة الانقاذ بإعلان الطوارئ، اذ قال
المتحدث باسم الجبهة: خالد داوود، "نحن نرى بطبيعة الحال ان الرئيس
تغيب عنه المشكلة الحقيقية على الارض الا وهي سياساته", لكنه اضاف:
"دعوته الى تطبيق قانون الطوارئ خطوة صحيحة، نظرا الى ما يحدث اي
البلطجة والاعمال الاجرامية"، في اشارة ضمنية الى جماعة «بلاك بلوك»
التي ظهرت خلال الايام الماضية، ولا سيما ان بيانا سابقا للجبهة حضّ
على الالتزام «بسلمية التحركات".
وكان مرسي قد خرج على المصريين بعد صمت لأيام اثار الكثير من
الانتقادات، ليعلن قرار فرض حالة الطوارئ لمدة شهر في محافظات بور سعيد
والاسماعيلية والسويس اعتبارا من «بعد منتصف هذه الليلة». كما اعلن فرض
حظر تجوال ليلي في المدن الثلاث من الساعة التاسعة مساء الى السادسة
صباحا لمدة شهر طوال مدة سريان حالة الطوارئ.
وقال الرئيس المصري، في كلمة نقلتها قنوات التلفزيون، «اكدت انني ضد
اي اجراءات استثنائية، ولكني اكدت انني لو اضطررت سأفعل حقنا للدماء
وحماية للمواطنين، وها انا افعل»، مضيفا «اذا رأيت ان ابناء الوطن او
مؤسساته او الممتلكات العامة والخاصة تتعرض للخطر فسأضطر لأكثر من
ذلك»، مكرّرا: سأضطر لفعل اكثر من ذلك، لمصلحة مصر سأفعل، هذا واجبي
ولن اتردد فيه لحظة». واضاف : "سنواجه ايّ تهديد لأمن الوطن بقوة وحسم
في ظل دولة القانون"، مشددا على انه «اصدر تعليماته» لقوات الامن
بـ«التعامل بمنتهى الحزم والقوة مع من يعبث بأمن الوطن». واكد ان
«احكام القضاء واجبة الاحترام منا جميعا، فهي ليست موجهة ضد فئة بعينها
وليست منحازة لأي فئة اخرى».
لكن اعلان مرسي وتهديداته لم تفض الى هدوء، بل على العكس، اذ تلقفها
المتظاهرون في القاهرة ومدن القناة باعتبارها نوعا من التحدّي، فخرجت
تظاهرة في ميدان التحرير، حيث سمع اطلاق نار. كما خرجت مسيرات في
السويس وبور سعيد تؤكد رفض الطوارئ.
تهديد مرسي بالقوة اثار الكثير من الاستغراب، ولا سيما ان القوة
كانت العنوان الابرز للتعاطي الامني مع المتظاهرين في المدن المصريّة.
فالمشاهد التي تم رصدها خلال الايام الثلاثة الماضية افضت الى نتيجة
واحدة، وهي ان الثورة لم تنجح بعد، وان العقلية الامنية لا تزال هي
المسيطرة الاولى على النظام الحالي. الايام الثلاثة الماضية اثبتت ان
هناك تشابها كبيرا في العقلية العسكرية التي كان منها حسني مبارك،
والعقلية الدينية التي ينتمي لها مرسي.
عقلية افضت الى 37 قتيلا في بور سعيد و433 مصابا. رقم مرشّح للتزايد
مع استمرار الاشتباكات هناك، ولا سيما بعد اطلاق عناصر من وزارة
الداخلية قنابل الغاز المسيلة للدموع على جنازات 28 قتيلا، كان الاهالي
يشيعون جثامينهم في جنازة جماعية. وزارة الداخلية قالت على لسان مسؤول
العلاقات العامة والاعلام فيها ان عددا ممن كان مشاركا في الجنازة
القوا حجارة وزجاجات حارقة على مبنى نادي الشرطة القريب من المقابر في
بور سعيد، ما دفع القوات الى القاء القنابل لتفريقهم وتامين النادي.
الامن تعامل مع المتظاهرين بوحشية كما كان يتعامل امن مبارك، اوقع
كل هذا العدد من الضحايا ما بين مصابين وقتلى، ومع ذلك تشتكي قيادات في
الوزارة من ان تسليحها غير كاف للتعامل مع تلك التظاهرات وتريد السماح
لهم بتسليح اكثر تطورا واكثر فتكا. الادهى ان قادة في جماعة الاخوان
المسلمين الحاكمة تحولوا الى متحدثين بنفس لسان اعضاء الحزب الوطني
المنحل، فخرج محمد طوسون، رئيس اللجنة القانونية لجماعة الاخوان
المسلمين، ليعلن انهم لا يدرون من قتل الضحايا الذين وقعوا في
الاشتباكات اثناء احياء الذكرى الثانية للثورة!؟
وقال: "البعض يقول انهم قتلوا برصاص من الخلف... قد يكون هناك
مندسون بينهم"، واضاف: "لا مانع من استخدام السلاح ضد من يحاول اقتحام
السجون، يأتي كحلٍ اخير اذا تم استنفاد جميع محاولات التهدئة". |