بريطانيا والاتحاد الأوربي... مصالح تنتفي تمهد لانفصال وشيك

 

شبكة النبأ: يعد الاتحاد الأوروبي من أهم القوى الدولية التي لها حضورا قوياً وفاعلاً على المستوى السياسي والاقتصادي في العالم، غير أن المستجدات والأحداث والتطورات التي طرأت على النظام العالمي في الماضي القريب، اي انفراد الولايات المتحدة بوضعية القوة العظمى والقطب الأوحد في العالم على المستويات كافة، دفع القوى العالمية الأخرى انتهاج سياسية جديدة تتوافق مع التطورات الجديدة على الأصعدة كافة، وذلك باعتماد إستراتيجية الاتحاد لضمان تحقيق مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية والسياسية في البلدان الأخرى، وخاصة على الصعيد الاقتصادي الذي تمثل بتوحيد العملة، حيث كان من المفترض أن يكون اليورو أحد أكثر العملات استقرارا في أنحاء العالم لكن حدث العكس فأصبح أكثرها اضطرابا، بسبب تواصل مسلسل الأزمات وتزاحم المشكلات في طريق تقدم العملة الأوروبية الموحدة، مما يعني أن اقتصاد منطقة اليورو يتجه نحو حالة كساد جديدة، في الوقت الذي تتصاعد فيه أزمة الديون والبطالة، لتدفع عدة اقتصاديات أوربية إلى حافة الانهيار، بينما شكلت  الإستراتجية العسكرية التي انتهجت في أفريقا مؤخرا مع ازمة اليورو، ابرز الدوافع التي ساهمت بنأي احد اقوى دول العالم -المملكة المتحدة- عن قرارات الاتحاد الاوربي ولعب ادوار غير اساسي في هذا الاتحاد بعدما هينمة القوى الألمانية والفرنسية على هذا الاتحاد، وبالتالي كانت النتيجة قنبلة كلامية أطلقها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بطرحه مسألة بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي على البريطانيين في استفتاء بين عامي 2015 و2017 إذا فاز بالانتخابات المقررة في عام 2015، وبمطالبته بإصلاحات راديكالية داخل الاتحاد الأوربي، مما اثار جدلا كبيرا بين الدول الأوروبية، حيث اختلفت الآراء وتعددت الانتقادات بشأن تصريحات كاميرون التي لم يسبق له مثيل، ولم تقتصر ردود الفعل على أوروبا. فقد حذرت الولايات المتحدة بريطانيا من أنها ستفقد التأثير الدولي إذا خرجت من الاتحاد الأوروبي، وعليه فأن زيادة التوترات والصراعات السياسية بين بريطانيا والاتحاد الأوربي يضع الطرفان امام تحديات صعبة تتسم بالتوتر والاضطراب السياسية والاقتصادية الذي يضعف طرفي الصراع، وعليه فإن تلك المعطيات آنفة الذكر تطرح سؤالا موحدا، هل ستنفصل بريطانيا  عن الاتحاد الأوربي في المستقبل القريب؟.

غضب عارم في أوروبا

فقد شن شركاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي هجوما حادا على دعوة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون لاجراء إصلاح جذري في الاتحاد ووعده بإجراء استفتاء على انسحاب بريطانيا من عضويته ووصفوا ذلك بأنه اقتراح أخرق وجهل باسلوب صناعة القرار داخل الاتحاد، وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ساخرا "إذا كانت بريطانيا تريد ترك أوروبا فسنفتح لها الباب" مرددا نفس الكلمات التي استخدمها كاميرون نفسه عندما وجه الدعوة لرجال الاعمال الفرنسيين الذين ضاقوا ذرعا بالضرائب المرتفعة للانتقال الى بريطانيا، واضاف فابيوس إن المطالبة بإدخال تغييرات على قوانين الاتحاد تعني كأن بريطانيا انضمت الى ناد لكرة القدم ثم قالت فجأة "هيا بنا نلعب الرجبي"، كما سخر جيدو فسترفيله وزير خارجية ألمانيا أيضا من بريطانيا وقال ان لندن لا يمكنها أن تتعامل مع أوروبا وكأنها أمام قائمة طعام تستطيع أن تنتقي منها ما تشاء وتختار السياسات التي تروق لها، وأضاف "الانتقاء ليس خيارا".

وعبر مارتن شولتز رئيس البرلمان الأوروبي عن غضبه بوضوح قائلا إن بريطانيا توجه الاتهامات لكنها "هي من يتحمل معظم اللوم عن كافة التأخيرات في أوروبا... إن كل ما يريده (كاميرون) هو إحداث تغيير يصب فقط في مصلحة بريطانيا وهذا ليس عدلا"، وكان البرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية قد حظيا بأكبر قدر من انتقادات كاميرون فيما وصفه "بتصلب" عملية صنع القرار في الاتحاد الأوروبي.

وفي ألمانيا يقول سياسيون إن رئيس الوزراء البريطاني وضع نفسه في مأزق. ويواجه السياسيون في برلين أنفسهم ضغطا من جانب المتشككين في الاتحاد الأوروبي لكنهم يقولون ان كاميرون اهتم أكثر مما يلزم بمطلب أقلية ذات صوت مرتفع، وقال مانويل سارازين من حزب الخضر الألماني "كاميرون يستخدم عضوية الاتحاد الأوروبي وسيلة تكتيكية لأغراض سياسية محلية"، ولم تكن كل ردود الفعل سلبية على خطاب كاميرون الذي طال انتظاره. وكان من بين المتعاطفين معه رئيس وزراء التشيك بيتر نيكاس التي كانت حكومته هي الوحيدة الى جانب بريطانيا التي لم توقع الاتفاق المالي. وقال نيكاس انه يتفق مع رغبة كاميرون في اتحاد أوروبي "أكثر مرونة وأكثر انفتاحا"، أما مارك فيرهيجين النائب عن حزب رئيس الوزراء الهولندي مارك روت الذي يشاطر كاميرون بواعث قلقه لكنه لا يريد استفتاء على الانسحاب من الاتحاد فقد وصف خطاب كاميرون بأنه "خطاب قوي" به أفكار اصلاحية جيدة. بحسب رويترز.

لكن هذه الأصوات تبددت مع تعالي الأصوات التي ترى خطورة على المشروع الأوروبي إذا ما سمح للدول باجراء استفتاءات على سياسات الاتحاد التي لا تروق لها، وقال كارل بيلت وزير خارجية السويد ان فكرة العضوية المرنة التي طرحها كاميرون "تبدو جيدة" لكنها ستقود الى حيث "لا تكون هناك أوروبا على الاطلاق. مجرد فوضى"، وقال رئيس وزراء بلجيكا السابق جي فيرهوفشتات الذي يقود حاليا الليبراليين في البرلمان الأوروبي إن رئيس الوزراء البريطاني "يلعب بالنار" بمحاولته إعادة التفاوض بشأن عضوية الاتحاد الأوروبي وطرحها للتصويت، وأضاف فيرهوفشتات قائلا "خطابه حافل بالتناقضات ويكشف عن درجة من الجهل بشأن كيفية عمل الاتحاد الأوروبي"، وقال جوزيف ني المسؤول السابق بوزارة الدفاع الأمريكية والأستاذ بجامعة هارفارد "أوروبا في وجود بريطانيا بداخلها أكثر قوة واهمية مما لو كانت بدونها"، وأضاف قائلا أمام اجتماع بالمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس ان الرئيس باراك أوباما "يريد بشدة بقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي".

في سياق متصل قال الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند إنه لا مجال "لتقليص" قوة الاتحاد الأوروبي من أجل السماح لبريطانيا بالبقاء فيه. جاء ذلك ردا على دعوة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لتطبيق إصلاحات جذرية في الاتحاد ووعده باجراء استفتاء على عضوية بريطانيا به، وقال أولوند أثناء رحلة الى مدينة جرينوبل في منطقة الألب "ما أقوله باسم فرنسا وبصفتي أوروبيا هو ان من غير الممكن المساومة على أوروبا لإجراء هذا الاستفتاء"، ومضى يقول "أوروبا يجب أن تؤخذ كما هي. يمكن أن نساعدها على التطور غدا لكننا لا يمكن أن نطرح تقليصها أو تحجيمها من أجل بقاء (بريطانيا) بها". بحسب رويترز.

الوحدة السياسية

على الصعيد نفسه حذر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون زعماء أوروبا من أن أي محاولة لإجبار الدول على تعميق وحدة سياسية يمثل خطأ لن تشترك فيه بريطانيا، وقال كاميرون لمديرين تنفيذيين ومستثمرين في كلمة ألقيت في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس "دول أوروبا لها تاريخها وتقاليدها ومؤسساتها وتريد سيادتها وقدرتها على اتخاذ خياراتها.. ومحاولة إجبار الدول على دخول وحدة سياسية مركزية سيكون خطأ كبيرا بالنسبة لأوروبا لن تشارك فيه بريطانيا". بحسب رويترز.

وتأتي تصريحات كاميرون في دافوس بعد يوم من وعده البريطانيين بإجراء استفتاء على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي قائلا إن البلاد ستشهد استفتاء بحلول نهاية عام 2017، وتابع قوله "بريطانيا طرف أوروبي رئيسي في كل القضايا التي يتعين على أوروبا اتخاذ إجراء بها سواء كان ذلك زيادة القدرة على التنافس أو محاربة الإرهاب أو محاربة تغير المناخ.. نحن موجودون نثير موضوعات النقاش ونقودها"، ومضى يقول "هذا هو نوع العمل السياسي الذي نحتاجه. أما بالنسبة للوحدة السياسية المركزية.. فهي ليست ملائمة لي.. وليست ملائمة لبريطانيا."

الولايات المتحدة تريد اتحادا أوروبيا قويا

من جهته أبلغ الرئيس الأمريكي باراك أوباما رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أن الولايات المتحدة تريد "اتحادا أوروبيا قويا تكون في المملكة المتحدة قوية"، ويواجه كاميرون دعوات من البعض داخل حزبه لاجراء استفتاء على بقاء بريطانيا الاتحاد الأوروبي وارجأ كلمة مهمة بشأن مستقبل دور بريطانيا في الاتحاد بسبب ازمة الرهائن المحتجزين في منشأة للغاز في جنوب الجزائر والذين يعتقد انه يوجد بينهم بريطانيون وأمريكيون، وقال البيت الابيض إن أوباما وكاميرون تشاورا ايضا -اثناء اتصال هاتفي- بشأن وضع الرهائن في الجزائر وان الزعيمين عبرا عن التأييد للعملية العسكرية الفرنسية ضد إسلاميين متشددين في مالي، وأضاف البيت الابيض قائلا "رئيس الوزراء أوضح افكاره بشأن علاقات المملكة المتحدة بالاتحاد الأوروبي في ضوء كلمته" بحسب رويترز.

تحذير ألماني

في حين وجه وفد من النواب الألمان تحذيرا شديد اللهجة إلى بريطانيا بشأن احتمال خروجها من الاتحاد الأوروبي، ويأتي التحذير بعد يوم من إعراب فيليب غوردون، مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الأوروبية عن قلق الولايات المتحدة بشأن الموضوع ذاته، وقوله إن واشنطن تريد استمرارا لوجود صوت بريطاني قوي داخل الاتحاد، ويزور وفد يضم نوابا من عدة أحزاب بلجنة شؤون الاتحاد الأوروبي بالبرلمان الألماني (البوندستاغ) العاصمة البريطانية لندن للإعراب عن قلق ألمانيا المتزايد بشأن مخاطر الخطوة المحتملة لبريطانيا.

وفي إفادة للصحفيين بمقر السفارة الألمانية في لندن، اعتبر غنثر كريتشبوم، رئيس اللجنة البرلمانية والعضو بالحزب الحاكم، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيخلف نتائج "كارثية اقتصادية"، وأضاف كريتشبوم أن المزيد من رجال الأعمال في بريطانيا بحاجة لإثارة قضية استمرار عضوية البلاد في الاتحاد الأوروبي.

واعتبر كريتشبوم كذلك أن بريطانيا ستعاني خسارة كبيرة في هيبتها العالمية إذا خرجت من نادي الاتحاد الأوروبي، وقال النائب الألماني إن "خروج بريطانيا سيضعف الفكرة الأوروبية، لكنه سيضعف أكثر موقع بريطانيا في العالم"، وأضاف "بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين، ستمثل أوروبا أربعة بالمئة فقط من التعداد العالمي للسكان." واستطرد قائلا "يجب أن نقف معا"، وشدد كريتشبوم على أن أي محاولة من بريطانيا لإعادة التفاوض بشأن موقفها للتوصل إلى "تسوية جديدة" لعضوية مستمرة ستلقى من وجهة نظره مقاومة من شركائها الأوروبيين، وقال كريتشبوم "قبل أي شيء، إعادة التفاوض على معاهدة لشبونة مستحيل من الناحية القانونية"، مضيفا "وفي النطاق الأعم للتفاوض بشأن معاهدة جديدة، ليس من الحكمة ولا الفائدة فتح صندوق باندورا"، وأوضح قائلا إن هذا سيرسي سابقة خطيرة ويشجع آخرين من الدول الأعضاء على محاولة التفاوض للحصول على صفقات تفضيلية بدرجة أكبر من وجهة نظرها، كما أعرب بعض أعضاء الوفد الألماني عن اعتقادهم بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يمكن أن يضر بين واشنطن من ناحية ولندن وبروكسل - مقر الاتحاد الأوروبي - من ناحية أخرى.

ويعقد الوفد اجتماعات مع مسؤولي الحكومة البريطانية، كما يجري محادثات مع نواب بمجلس العموم، ويستعد ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني، لإلقاء كلمة هامة في وقت لاحق بشأن مستقبل السياسة البريطانية تجاه أوروبا، ويرغب كاميرون في بقاء بريطانيا داخل الاتحاد الاوروبي، لكنه يعتقد ان ثمة حاجة لإعادة صياغة العلاقة على ضوء التحركات الرامية إلى المزيد من الاندماج بين الدول التي تستخدم العملة الموحدة (اليورو)، بيد أن العديد من النواب المحافظين يريدون من كاميرون الذهاب إلى ما هو أكثر وإجراء استفتاء بشأن بقاء بريطانيا في الاتحاد الاوروبي من عدمه.

معارضو الاتحاد الأوروبي ومؤيدوه

من جهة أخرى زاد أنصار الاتحاد الاوروبي ومعارضوه من ضغوطهم على رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في الوقت الذي اظهر فيه استطلاع للرأي ان غالبة البريطانيين يريدون إجراء استفتاء يقرر فيه الشعب البريطاني مسألة عضوية بريطانيا في الاتحاد لكن عدد المؤيدين لانسحابها قد تراجع، ويحث الكثير من أعضاء البرلمان من حزب المحافظين الذي ينتمي اليه رئيس الوزراء على الدعوة إلى اجراء استفتاء كامل حول ما إذا كان يتعين بقاء بريطانيا ضمن عضوية الاتحاد الأوروبي وأدى التأييد المتزايد لحزب استقلال المملكة المتحدة المناهض للاندماج مع أوروبا على حساب حزب المحافظين إلى تقديم هؤلاء الأعضاء الطلب، وفي الوقت ذاته فإن حزب المحافظين المؤيد للاندماج مع أوروبا ورؤساء الشركات أصبحوا أكثر صراحة في محاولة منع كاميرون من الانسحاب من الاتحاد الأوروبي ويقولون إن خفضا شديدا في مستوى العلاقات مع أكبر شريك تجاري لبريطانيا سيؤدي إلى إبعاد الاستثمارات.

وأظهر استطلاع (كومرس) الذي نشرته صحيفة صنداي بيبول أن حزب استقلال المملكة المتحدة الذي يريد من بريطانيا الانسحاب من الاتحاد الأوروبي ولم يفز قط بمقعد في البرلمان يقترب من دفع حزب المحافظين إلى المركز الثالث في الانتخابات التي تجرى العام القادم للبرلمان الأوروبي، وأوضح أن 35 في المئة من البريطانيين سينتخبون حزب العمال المعارض و23 في المئة لحزب استقلال المملكة المتحدة و22 في المئة فقط لحزب المحافظين. وتراجعت نسبة التأييد لحزب الديمقراطيين الأحرار المؤيد للاندماج مع أوروبا الشريك الأصغر في الحكومة الائتلافية التي يتزعمها حزب المحافظين إلى ثمانية في المئة. بحسب رويترز.

كما أظهر الاستطلاع أنه رغم وجود أغلبية واضحة تؤيد إجراء استفتاء على ما إذا كان يتعين على بريطانيا البقاء في الاتحاد الأوروبي فإن التأييد لمثل هذا الاستفتاء تراجع خمس نقاط إلى 63 في المئة منذ آخر استفتاء أجرته (كومرس) في اكتوبر تشرين الأول 2011، كما تراجعت نسبة من سيؤثرون انسحاب بريطانيا التام من الاتحاد الأوروبي من 37 في المئة إلى 33 في المئة في حين ارتفع عدد من سيعارضون مثل هذه الخطوة خمس نقاط إلى 42 في المئة، جاءت هذه النتائج بعد أسبوع من توضيح الشركاء الدوليين من الولايات المتحدة والمانيا وأيرلندا معارضتهم لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي واعتقادهم بأن مثل هذه الخطوة ستؤدي إلى عزل بريطانيا ذاتها والإضرار بها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28/كانون الثاني/2013 - 16/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م