بورسعيد المصرية والمدن العراقية... تشابه التجارب والأقدار السياسية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: المتابع للحدث المصري يكتشف الكثير من اوجه التشابه في بعض احداثه ووقائعه مع الحدث العراقي.

المدن العربية ايضا تتشابه في الكثير من تفاصيلها، الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويبقى الاختلاف مجرد اللمسة الخاصة او الرمزية الخاصة التي تسبغها عوامل عديدة، تاريخية او جغرافية او سياسية على المدن ويجعلها لا تتشابه في بعض الحيثيات.

مدينة بورسعيد المصرية، اسمها مركب من كلمة PORT ومعناها ميناء، وكلمة سعيد اسم حاكم مصر وقت بدايتها التاريخية ويرجع أصل التسمية إلي اللجنة الدولية التي تكونت من إنجلترا وفرنسا وروسيا والنمسا وإسبانيا وبيد مونت حيث قررت هذه اللجنة في الاجتماع الذي عقد في عام 1855 اختيار اسم بورسعيد.

الحدث الابرز في تاريخ المدينة يبقى صمودها في مواجهة العدوان الثلاثي والذي شنته دول بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر عام 1956 ردا على تأميم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لقناة السويس وهو ما اهلها لحمل لقب المدينة الباسلة واتخاذ يوم 23 ديسمبر من كل عام عيدا قوميا للمدينة (عيد النصر) وهو اليوم الذي يوافق تاريخ جلاء اخر جندي بريطاني عن المدينة عام 1956، واستمرت رحلة بورسعيد في مواجهة العدوان على مصر حيث توقف العدوان الإسرائيلي على مصر في حرب 1967 على حدود بورسعيد الشرقية بعد احتلال الشطر الاسيوي من مصر ممثلا في كامل ارض سيناء باستثناء بور فؤاد والتي عجز الجيش الإسرائيلي عن التوغل فيها.

تصدرت المدينة واجهة الاحداث، في 1 فبراير 2012 (الذكرى الأولى لموقعة الجمل) عقب مباراة كرة قدم بين المصري والأهلي، بعد احداث الشغب التي اندلعت في ملعب المدينة وراح ضحيتها أكثر من 73 قتيلا (بحسب مديرية الشؤون الصحية في بورسعيد) ومئات المصابين. بدا أوّل إنذار لوقوع الكارثة بنزول الجماهير أرضية ملعب المباراة أثناء قيام لاعبي الأهلي بعمليات الإحماء قبل اللقاء، ثمّ اقتحم عشرات المشجعين أرضية الملعب في الفترة ما بين شوطي المباراة.

تكرّر الأمر بعدما أحرز المصري هدف التعادل ثم هدفي الفوز التاليين، حيث اقتحم أرضية الملعب الآلاف بعضهم يحمل أسلحة بيضاء وعصي من جانب فريق المصري (الفائز 3-1) بعد إعلان الحكم انتهاء المباراة، وقاموا بالاعتداء على جماهير الأهلي، ما أوقع العدد الكبير من القتلى والجرحى بحسب شهود عيان. وعزا بعضهم الهجوم إلى لافتة رفعت في مدرجات مشجعي الأهلي وعليها عبارة (بلد البالة مجبتش رجالة) والتي عدها مشجعو المصري إهانة لمدينتهم.

بعد المجزرة، تواردت التصريحات.

اتهم النائبُ الممثل لبورسعيد (البدري فرغلي) قوات الأمن في المدينة بالضلوع في الحادث بسبب سماحهم بدخول أسلحة نارية وبيضاء إلى الملعب، بخلاف العادة. وصرّح أنّ (اللافتة المسيئة لمحافظة بورسعيد والتي وضعت في مدرجات جماهير الأهلي مدسوسة على الأهلي لمحاولة اثارة الفتن واحداث هذه الكارثة). واتّهم الشرطة بأنّها لم تتوافد إلى الاستاد رغم أنّ الإسعاف أتى فور حدوث أعمال العنف. واتهم الاتحاد المصري لكرة القدم بالتحريض.

صرّح الإخوان المسلمون وحزب الحرية والعدالة أنّ فلول حسني مبارك وراء تدبير الحادثة، وعدتها تخريبا متعمدا للبلاد في ذكرى الثورة. وقال عصام العريان متحدثاً باسم الجماعة أنّ (أحداث بورسعيد مدبرة ورسالة من فلول النظام البائد... هذه المأساة سببها إهمال وغياب متعمد من الجيش والشرطة لإيصال إشارات ورسائل محددة يتحمل مسؤوليتها المسؤولون حاليا عن إدارة البلاد... الانهيار لم يكن في منشآت رياضية، ولكن في المنظومة الأمنية، كانتقام ضدنا من الدعوة لإلغاء حالة الطوارئ وتخريب متعمد للبلد في ذكرى الثورة... هناك من يريد عن عمد إثارة الفوضى في مصر وعرقلة أي مسار للانتقال السلمي السلطة).

أكّد رئيس لجنة الشباب والرياضة في البرلمان (أسامة ياسين) أن المجلس لن يناقش أحداث المباراة فقط، (وإنما سوف يناقش هذه الفوضى التي تتم صناعتها في مصر الآن لتدمير الثورة والإجهاز على مكتسباتها... ما حدث أكبر مما شهدته المباراة، حيث تشهد مصر حالة منظمة منذ عدة أيام لإثارة الفوضى والبلبلة، بدأت بالسطو على البنوك والمستشفيات ومراكز البريد، وامتدت إلى ما حدث في بورسعيد، وهو ما لم يحدث في أيام الثورة التي لم يكن فيها وجود لرجال الشرطة).

كما أكدت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أنّ الحادثة هي جريمة مكتملة الأركان استهدفت في المقام الأول النادي الأهلي وجماهير ألتراس أهلاوي، لمعاقبته على مواقفه من الثورة المصرية، ووقوفه مع الثوار في موقعة الجمل، مصدر مسئول صرح: قيادات الصف الأول والثاني بـ(الداخلية) تريد (إذلال الشعب) وهى المدبر لأحداث بورسعيد.

 مصادر عن شخصيات أمنية صرحت: رموز في (الحزب الوطني) وراء (مجزرة بورسعيد)، بلاغ من (المحامين): (مجزرة بورسعيد) دبرها 250 شخصاً، أحزاب مصرية تلمح إلى أن أحداث بورسعيد (متعمدة)، حتى اسرائيل وامريكا لم تسلم من تلك الاتهامات،  فقد أكد مصطفي بكري في مجلس الشعب ان امريكا واسرائيل والاعلام العميل هو سبب مجزرة بورسعيد.   

بعد مرور اكثر من عام على تلك المجزرة صدر قرار قضائي برفع اوراق 21 متهما الى المفتي للتصديق على حكم الاعدام، وايضا تعددت التصريحات وردود الافعال بعد صدور القرار، اقتحمت المسيرات الغاضبة من أهالي متهمي مجزرة بورسعيد جراج الإنقاذ والطوارئ الخاص بالمحافظة في محاولة للحصول علي اللوريات والجرارات لاستخدامها في اقتحام سجن بورسعيد العمومي وتهريب المتهمين، قال محمد بركات المنسق العام لحركة شباب 6 إبريل بمحافظة الدقهلية ان الحكم في قضية ستاد بورسعيد صباح اليوم سياسي وغير عادل لتفادي غضب الأولتراس في الشارع، واشار بركات ان المتهمين المحكوم عليهم بالإعدام والمحولين لفضيلة المفتي يمثلون  كبش فداء للجناة الحقيقيين المدبرين للحادث والمتواطئين معهم من القيادات السياسية والأمنية، لا تختلف تلك القضية وملابساتها مع ما سمعناه وشاهدناه في الكثير من القضايا التي حدثت في العراق ومسرحه السياسي تحديدا، فالحكومة تتبادل الاتهامات فيما بين اعضائها، ومجلس النواب ايضا يتبادل الاتهامات في مابين اعضائه وبين الحكومة، والسلطة القضائية ليست بعيدة عن نيران اتهامات المتخاصمين.

الجيش والشرطة ايضا ليست بعيدة عن الاتهامات التي يتبادلها المتخاصمون، في احدث فصل من فصول المدن العراقية، وهي مدينة الفلوجة، وما حدث فيها، وأضع التوصيفات بين قوسين كي لا احسب على جهة معينة (احتكاكات – اطلاق نار من الجيش – اطلاق نار من المتظاهرين – مجزرة – سابقة خطيرة – خرق دستوري)، وهي توصيفات يطلقها عادة الجميع لتغييب الفاعل الحقيقي، وتغييب المشكلة الاساسية على حساب التفاصيل التي كثيرا ما يكمن الشيطان فيها، هل تذكرون سبب اندلاع التظاهرات في الرمادي؟.

قبل اكثر من عام، تقدم بعض من اهالي الفلوجة ببلاغ الى الشرطة المحلية في تلك المدينة، ضد امر قوة حماية رافع العيساوي، بتهم قتل لبعض ابنائهم، وقد صدر امر بالقاء القبض عليه، القضية الرئيسية نسيت او تم نسيانها، ونعيش فصول التفاصيل.

في لقاء مع احد رجال القانون حول القرار الصادر عن المحكمة، رفض ما قام به أهالي المتهمين من هجوم على مركز الشرطة في بورسعيد لغرض تهريبهم، وقال بالحرف الواحد: (كان من المفترض ان تقوم المدينة بتسليم المتهمين بنفسها بعد الأحداث ولا تتخذ هذا الموقف العدائي من القاهرة)، أليست ثمة تشابهات كبيرة وكثيرة بين مدننا العربية ومجتمعاتها؟.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28/كانون الثاني/2013 - 16/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م