واشنطن إذ توزع "توكيلاتها" في الإقليم؟!

عريب الرنتاوي

مثلما فعل في ليبيا ومالي، سيعمد الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال ولايته الثانية، إلى توزيع "التوكيلات" على حلفاء واشنطن الدوليين والإقليميين للتعامل ميدانياً مع بعض الملفات الساخنة في المنطقة.. وسيكتفي سيد البيت الأبيض بتقديم النصح والإسناد والدعم اللوجستي، وإعلان التأييد والتبريك لـ"القرارات الشجاعة" لحلفائه، تماماً مثلما فعل مع صديقه فرانسوا هولاند الذي يكاد يغرق بلاده في رمال الصحراء الأفريقية الكبرى.

مفتاح أوباما الأول لولوج عتبات البيت الأبيض، تمثل في موقفه المُشدد على الانسحاب من حربي جورج بوش الكونيتين في أفغانستان والعراق، والتي خرجت منهما واشنطن "تجرجر" أذيال الخيبة.. وهو عاد للبيت الأبيض مرة ثانية، تحت مظلة الوعد ذاته: لا حروب جديدة.. وقد حرص في خطاب الفوز في الانتخابات، والقسم الرئاسي الثاني، على تأكيد هذا الموقف من جديد، علّ الرسالة تصل لمن تعذر عليهم استقبالها.

لا حرب أمريكية على سوريا.. ولأن سوريا ليست مالي ولا ليبيا من قبل، فلن يكون بمقدور أية قوة دولية على الأرض، شنّ حرب واسعة تنتهي بالإطاحة بنظام الأسد.. وحدها تركيا تمتلك القوة والجغرافيا والحوافز لفعل ذلك، لكن أنقرة باتت أسيرة سياستها السورية، وهي دخلت مرحلة تلقي انعكاسات الأزمة السورية، على الداخل التركي، وبات عبد الله أوجلان، المسجون في جزيرة معزولة، فرس الرهان لإخراج حكومة العدالة والتنمية من عزلتها، وتفكيك أطواق الأزمة وأقواسها، التي تحيط بها من كل جانب.

ولا حرب أمريكية على إيران.. هذا ما تشي به كلمات أوباما القديمة المتجددة... وكل العبارات من نوع "كل الخيارات فوق الطاولة" لم يعد لها من معنى، سوى تحسين شروط التفاوض.. أما من يتوثب للحرب فهم فريقان، عربي (سعودي أساساً) أعجز من أن يشن حرباً على أريتريا، دع عنك إيران، ونتنياهو الذي جاء للحكم مرتين (الأولى في 2009 والثانية قد تعلن اليوم)، تحت شعار واحد: إيران هي العدو، والحرب عليها آتية لا ريب فيها إن لم تنجح الدبلوماسية في تقليع أسنانها وتخليع أظافرها.. لكن هيهات أن تقوى إسرائيل على شن حرب مؤثرة على إيران، دع عنك أيضاَ، سيناريوهات اليوم التالي وما يمكن لحرب تتورط فيها إسرائيل ضد دولة إقليمية كبرى كإيران، أن تحدثه من تداعيات وانعكاسات.

اليمن متروك للسعودية (تحت عنوان المبادرة الخليجية)، وسوريا متروكة لحلف خليجي تركي متحمس، مدعوم برئيس فرنسي يهوى المغامرة على ما يبدو.. وإيران متروكة لإسرائيل إن هي قررت في لحظة جنون، فتح نيران قاذفاتها وصواريخها على المنشآت النووية الإيرانية.. لكن واشنطن ستظل من خلف ستار، تدعم وتبارك وتقدم العون اللوجستي، وكفى الله الأمريكان شر كل قتال.

لكن أوباما الذي قرر أن لا يحارب، خضع أيضاَ لليأس من خيار السلام.. فالقضية الفلسطينية، بل وقضايا الشرق الأوسط بمجملها، لم تعد تحتل مكان الصدارة والأولوية على جدول أعمال البيت الأبيض.. واشنطن التي قررت تدعيم اكتفائها الذاتي من الطاقة، قررت أيضاً أن تجعل من آسيا والباسيفيك، محطاً لأنظارها.. هناك المال والتجارة والأسواق والمصالح والتهديدات الكبرى: الاقتصاد الصيني والعسكرية الروسية المنتعشة بفضل نزعات بوتين القومية الظاهرة.

الشرق الأوسط متروك للفوضى، خلّاقة كانت أم بنّاءة.. إدارته أمريكياً ستتم عبر الوسطاء والوكلاء والموزعين المعتمدين، وهم كثر بالمناسبة، لكن أياً منهم أعجز (وأحياناً أجبن) من أن يملأ الفراغ الأمريكي.. وسيكون الباب مفتوحاً على رحابته، للاعبين الإقليميين وللمنظمات والحركات "اللا دولاتية" للاضطلاع بأدوار متنامية.

فلسطينياً، يجب أن يقرع هذا الأمر ناقوس الخطر.. فثمة سبب إضافي لـ"نعي" عملية السلام و"حل الدولتين"، ولا سبيل للخروج من وهم الرهان على هذا الطريق، سوى باشتقاق طريق آخر، ومن البؤس اعتماد سياسة "المزيد من الشيء ذاته"... وعربياً آن آوان إسقاط الرهانات على التدخل الدولي العسكري لحل الأزمة السورية، وبات على العرب أن يكونوا أكثر فاعلية في "تخليق" مسار سياسي للحل في سوريا.. أما في إيران ومعها، فقد حلت لحظة الحقيقة والاستحقاق: فإما أن نصطف خلف نتنياهو في "حفر الباطن 2"، وإما إعمال العقل، والبحث عن حلول سياسية لأزمات العرب مع إيران، لتبريد خطوط التماس ابتداءً، ولتوفير الحلول السياسية والتفاوضية للملفات العالقة بين الأمتين الجارتين الشريكتين في تاريخ هذا الإقليم ومستقبله.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 27/كانون الثاني/2013 - 15/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م