العلاقات الإيرانية – السعودية في ضوء التقارير الأمريكية

إعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: ما الذي يجعل من العلاقات بين إيران والسعودية محور اهتمام مستمر من قبل الكثيرين من الدول وصنّاع القرار فيها؟، ولماذا هذا التنافس المحموم بين الدولتين والذي يبلغ أحيانا حد الصراع ولكن ليس المباشر بينهما بل بين وكلائهما في الخليج والمنطقة؟، هل يكفي ان نذكر الخلافات المذهبية بين الدولتين كسبب مباشر لهذا التنافس المحموم والصراع الذي لا ينتهي؟، ام هل يكفي ذكر الثروة النفطية المتواجدة في البلدين لتحديد اسباب هذا الصراع؟، ام هل هي الملفات الاقليمية التي يعتقد كل طرف انه معني بها وهي التي تشكل هاجس قلق للطرف الاخر؟.

لا سبب واحد ومحدد لكل تلك العقود الطويلة من هذا التنافس الذي يأخذ أحيانا شكل الضرب تحت الحزام، فالاختلافات المذهبية لها حصتها، وكذلك الثروة النفطية وخاصة فيما يتعلق بسياسات منظمة اوبك، وكذلك الدور الإقليمي الذي تتطلع إليه كل دولة من هاتين الدولتين وعلاقته بالأمن الوطني لكل منهما.

لقد شهدت العلاقات الإيرانية السعودية على مدار عمرها الممتد لأكثر من سبعة عقود كثيرًا من مراحل الصعود والهبوط, ودائمًا توضع في إطار حالات من التوافق أو التعارض.

في مرحلة ما قبل الثورة الإيرانية قامت بين البلدين علاقات تقارب بسبب وجود نقاط تلاق مشتركة مثل ارتباط الدولتين بأمريكا, ووجود حكومتين ملكيتين محافظتين فضلاً عن معارضة البلدين للشيوعية، كما كانت الدولتان تؤديان دورًا في المنطقة في إطار سياسة الركيزتين لنيكسون (إيران كقوة عسكرية والسعودية كقوة مالية واقتصادية).

ترى السعودية في تنامي النفوذ الإيراني بالعراق من ناحية، وسعيها الدءوب لامتلاك تكنولوجيا نووية - وفق التصريحات الغربية لاسيما الأمريكية - من ناحية أخرى تهديدًا حقيقيًّا لمصالحها القومية. ولهذا حاولت الرياض، متأخرةً، أن تحقق توازنًا مع طهران من خلال لعب دور إقليمي فاعل يهدف إلى محاصرة النفوذ الإيراني واحتوائه، وهذا ما تركز عليه جيسيكا دروم، الباحثة المساعدة بـمعهد مونتيري للدراسات الدولية ومركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار النووي، في دراسة بعنوان (التنافس من أجل النفوذ. رد الفعل السعودي على البرنامج النووي الإيراني المتقدم). ترصد جيسيكا حرص الرياض على لعب دور أكثر فاعلية في العراق مؤشرًا آخر على تنامي النفوذ السعودي. فقد فرضت الأزمة العراقية على المملكة اختيار أحد خيارين إما أن تلعب دورًا فاعلاً في تشكيل (العراق الجديد)، أو أن تقف مكتوفة الأيدي تاركة إيران تلعب الدور المركزي فيه.

يزداد الحديث في الآونة الأخيرة عن مخاطر انجرار المنطقة إلى صراع على أساس طائفي. وتنطلق معظم التحليلات والتكهنات من موقفي طهران والرياض المتضادين عمليا في الملف السوري. وفيما بدا واضحا الاصطفاف الإيراني باكرا منذ بداية الأحداث بالتأكيد على أن ما يجري في سورية يعدّ مؤامرة خارجية على (ضلع) مهم في محور المقاومة لن تسمح بكسره، وأن ما يجري في سورية لا علاقة له بأحداث (الربيع العربي)، فإن السعودية اختارت الصمت طويلا قبل أن تقطعه رسالة الملك عبد الله في بداية أغسطس/ آب من العام الماضي للشعب السوري كشف فيها عن احتجاجه على (وحشية أعمال القمع) وأكد دعمه للمتمردين ضد نظام الأسد.

وصبت تصريحات الملك عبد الله الزيت على العلاقات المتوترة بين الطرفين عقب انحياز طهران الكامل للثورة في البحرين مقابل إرسال السعودية قوات درع الجزيرة لقمع الاحتجاجات وإنهائها في مارس/ آذار 2011، واتهامات الرياض لإيران بمحاولة استثارة الشيعة في المناطق الشرقية والتدخل في الشؤون الداخلية من أجل زرع القلاقل والفتنة. وتعدى الموضوع ذلك إلى اتهام طهران بالتدخل في شؤون الكويت واليمن وغيرها من البلدان العربية.

ويسترعي الانتباه في تقرير يقع في 158 صفحة أصدرته المؤسسة البحثية الأميركية (راند كوربورايشن) في آذار 2009 اقتضى العمل لإنجازه أكثر من سنتين، أن أهم خلاصته أن العنصر السني- الشيعي يُضخم أو يُقلل شأنه (كأداة في لعبة أكبر من المناورات الجيوسياسية). ولبنان وفلسطين مجالان أوسع من العراق لتشعر السعودية بـ(التهديد الإيراني). فلبنان (جائزة) ثمينة لمن يملك النفوذ الأكبر فيه، لأسباب تاريخية وسياسية وتجارية. يُضاف إليه (حرج) أن تتولى دولة (غير عربية وشيعية) حمل لواء حقوق الفلسطينيين، وإن اضطلعت السعودية بمبادرات في هذا المجال مثل مؤتمر مكة في شباط 2007 بين حركتي فتح  وحماس.

وفي دراسة أخرى نشرتها (مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي) تقويم مختلف. نقرأ أن (أي نهج ديبلوماسي فعال مع إيران يجب أن ينطوي على إستراتيجية إقليمية)، بينما تخشى دول الخليج (الوقوع بين فكي الصراع بين الولايات المتحدة وإيران).

ومن نقاط قوة إيران، استناداً الى الدراسة، أنها (دولة حقيقية ذات نظام سياسي راسخ ومرن في منطقة معظم بلدانها صغيرة جداً كالكويت، وغير مستقرة كالعراق، وذات طابع مؤسسي ضعيف كالمملكة العربية السعودية). كما أنه في إيران (تتعايش المؤسسات المنتخبة بصعوبة مع الدولة الدينية، في حين أن أكثر دول الخليج لا تزال تكافح من أجل تقبل مفهوم الانتخابات)، (وفي موازاة البرنامج النووي الإيراني، قد تكون السعودية ساعدت في تمويل البرنامج النووي الباكستاني)، وتقر الدراسة والتقرير بأن الأخطاء الأميركية في العراق أخلت بتوازن القوى العربي - الإيراني، وتذهب (كارنيغي) إلى أن واشنطن (سلمت الخليج إلى الهيمنة الإيرانية).           

ولقد رأى مجلس العلاقات الخارجية الأميركي في تقرير له ان القادة السعوديين متشددون في ثلاثة ملفات حاضرة دائما في أجنداتهم السياسية وهي، قصف المفاعل النووي الإيراني، وتسليح المعارضة السورية، ودعم النظام الملكي وآل خليفة في البحرين، مضيفا أنها ليست خيارات سياسية بقدر ما هي حقيقة مقلقة للرياض وواشنطن.

 يقول التقرير ان (وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل ينتقد بشدة موقف الحكومة الأميركية من عدم تسليح المعارضة السورية، ولكن لا جواب لديه عندما يسأل عما سيحدث بعد الرئيس الأسد إذا ما تم إزالته)، مضيفا ان (الخطة القابلة للتطبيق لمساعدة السوريين التي يطرحها القادة السعوديون هي إعادة البناء بعد سقوط الدولة البعثية).

ويؤكد ان (الصراع السوري لا يقتصر فقط على سوريا، بل يتعداها الى إيران العدو اللدود للمملكة العربية السعودية، حيث ان معظم المسؤولين السعوديين مقتنعون بأن إيران تتجه نحو تطوير أسلحة نووية، والقلق لديهم انها لن تستعملها في هجوم على إسرائيل، ولكن على المملكة نفسها)، مشيرا إلى ان (هناك خوفا حقيقيا لدى السعودية من ان إيران تنوي مهاجمة أراضيها، وأن الولايات المتحدة لا تدرك عمق التهديد الإيراني لها).

ويعتبر التقرير أن (هناك وضوحا في سياسة المسؤولين السعوديين بشأن البحرين حيث يشيرون إلى الدعم الإيراني لرجل الدين الشيعي آية الله قاسم عيسى الذي كان في المنفى في مدينة قم قبل أن يعود إلى مسقط في العام 2001)، في حين ان (سقوط أسرة آل خليفة يؤدي إلى وصول رجال الدين الى سدة الحكم وسيطرة الموالين لإيران على مؤسسات البلاد).

ويضيف التقرير ان (سيطرة الشيعة على البحرين اذا ما حصلت سيكون لها عواقب غير مسبوقة، حيث ستشجع إثارة السكان الشيعة في المملكة العربية السعودية، وتؤدي الى وجود حكومة مؤيدة لإيران في دول مجلس التعاون الخليجي، مع إمكانية الوصول إلى حقول النفط المشتركة بين السعودية والبحرين).

ويتابع التقرير ان المخاوف السعودية من طهران ليست جديدة، حيث ان (تدخل إيران المباشر في البحرين وسوريا واليمن والمملكة العربية السعودية وباكستان والعراق وأفغانستان يعطي السعودية كل الحق في أن تقلق من التأثيرات الجديدة (للإمبريالية الإيرانية)، والغرب ساعد بتسليم العراق إلى منطقة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط الحديث، ولا يمكن الآن أن يتكرر الخطأ في البحرين، ولن يتكرر طالما أن السعوديين في المرصاد). بحسب ما رأى مجلس العلاقات الخارجية الأميركي.

ويوضح التقرير انه اذا كنا لا نتفق مع السعوديين بشأن تسليح المعارضة السورية، وكذلك قصف المفاعل النووي الإيراني، لكن لا بد أنهم على حق بشأن المخاطر في البحرين والنتائج المترتبة على عدم دعم النظام الملكي، مضيفا ان حكومة الولايات المتحدة أيضا على حق في إنشاء قاعدة لأسطولها الخامس في البحرين.

وآخر تقرير نشرته الصحافة الأمريكية قبل أيام كتبه سايمون هندرسون، و المقال جزء من سلسلة من المقترحات السياسية للفترة الثانية من ولاية الرئيس الأمريكي بعنوان (أوباما والشرق الأوسط: الفصل الثاني)، يقدمها زملاء معهد واشنطن.

يرى فيه انه (لو كان للولايات المتحدة وبقية المجتمع الدولي أن ينجحوا في إقناع طهران بالتمسك بالاستخدام السلمي للتقنية النووية، فمن المرجح أن تكون السعودية لاعباً جوهرياً في هذا الصدد. لكن الرياض حالياً عاجزة سياسياً بصورة متزايدة. فالدولة المصدرة الأكبر للنفط في العالم التي أعلنت ذاتياً أنها زعيمة العالم الإسلامي قد أصبحت تقريباً دون قائد يوجه دفتها.

ويقول الكاتب: (على واشنطن أن تتغلب على خوفها الدائم من إزعاج آل سعود، وتكسر تلك العادة المتأصلة للدبلوماسية الخارجية الأمريكية وتساعد على ظهور قيادة جديدة في الرياض. ولا يلزم أن يصاحب ذلك أي صخب إعلامي- بل ربما من الأفضل أن لا يكون هناك أي إعلام. ويمكن أن تأتي بعض الضغوط من قبل دول(مجلس التعاون الخليجي) الأخرى.

إن النجاح في ذلك المسعى قد يحقق نتيجتين - ويجب أن يحققها - وهي: وقف التسلح النووي الإيراني، وتجنيب تلك المَلكيات - من الدول العربية المحافظة في الخليج - من مواجهة الاضطرابات في الشارع العربي.

وتتعارض تلك السياسة مع الغريزة (العلنية) للدبلوماسيين الأمريكيين. ففي مقال نُشر في (نيويورك ريفيو أوف بوكس) في 10 كانون الثاني/يناير 2013، نُقل عن سفير الولايات المتحدة الحالي في الرياض جيمس بي. سميث قوله أن (الركائز الثلاث "للعلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية" هي أمن النفط والاستقرار ومكافحة الإرهاب؛ ولم تثمر الضغوط المتعلقة بحقوق الإنسان والتغيير السياسي عن أي نتائج".

وحتى يُكتب لإدارة أوباما الجديدة النجاح حول موضوع إيران، عليها أن تعمل مع آل سعود وكذلك العائلات الحاكمة في دول (مجلس التعاون الخليجي) الأخرى للتأكد من أن رؤساء هذه الدول هم شركاء دبلوماسيين فاعلين في العملية وليسوا مجرد نقاط ضعف.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 26/كانون الثاني/2013 - 14/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م