قيم التقدم: المظاهرات السلمية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: هناك مجموعة من قيم التقدم، سبق الحديث عنها في سلسلة مقالات متتابعة، هذه القيم ترتكز عليها الدولة المدنية، ومن دونها يغدو بناء الدولة التي تحمي الحقوق والحريات مستحيلا، بمعنى أوضح، لا يمكن بناء الدولة التي يطمح لها الفقراء وعموم الشعب، من دون اعتماد قيم التقدم المذكورة، لأن غيابها أو ضعفها يشكل هدرا أكيدا لجميع الفرص التي تهدف الى بناء دولة المؤسسات الدستورية التي تحمي المواطنين تحت خيمة قوانين عادلة وقوية في الوقت نفسه.

ومن بين هذه القيم قيمة التظاهر، واعلان المطالب التي يحتاجها الشعب، واعلان التقصير والعجز التي تعاني منه الحكومات ازاء ما يحتاجه الشعب لتحقيق حياة كريمة تليق بالبشر، بهذا المعنى فإن قيمة أو حالة التظاهر تنتمي الى القيم والحالات المشروعة والخلاقة، كونها تهدف الى التصحيح، والى تنبيه الدولة والحكومة والجهات المعنية الى مواطن الخلل هنا او هناك، كما انها قيمة جوهرية لمحاربة الفساد بشتى اشكاله واصنافه، في مفاصل الحكومة والدولة والجهاز الحكومي الاداري عموما.

ويكفل هذه القيمة جميع التشريعات الدولية وحتى المحلية، اذ ليس هناك دولة او حكومة تمنع حق التظاهر علنا، حتى الحكومات المتسلطة القسرية تخشى من اعلان منع التظاهرات علنا، لكنها تلجأ الى الكثير من الخطط والاساليب الخفية والعلنية لكي تشل التظاهرات وتمنعها من تحقيق النتائج المبتغاة، لأن التظاهرات قيمة عصرية وجوهرية لتصحيح الاخطاء الحكومية والادارية، لاسيما الاخطاء والجرائم التي تتعلق بالفساد وغسيل الاموال والاختلاس والتجاوز على المال العام.

لهذا وعت الشعوب والمجتمعات أهمية هذه القيمة (قيمة التظاهر)، كونها اسلوب متحضر يتسم بالسلمية لتحقيق مطالب مشروعة، ولكن أحيانا قد تُستثمر هذه التظاهرات بطريقة خاطئة، فيتم توظيفها في غير محلها واهدافها، لاسيما اذا كانت خاضعة لاجندات خارجية او داخلية لا تهدف الى التصحيح السليم، بل تخضع لتصفية الحسابات السياسية بين الخصوم، الامر الذي ينعكس بالضرر الفادح على الشعب، لذا من المهم جدا أن يتنبّه المتظاهرون جميعا، خاصة بسطاء الوعي والثقافة منهم، يتنبهون الى المحاولات التي قد تجر المتظاهرين والتظاهر الى طرق واهداف ملتوية لا يريدها المتظاهرون ولا يبحثون عنها اصلا، بل هي اهداف قد تكون مدسوسة من لدن جهات ودول اقليمية او دولية تسعى الى تخريب وحدة الشعب من خلال جعل التظاهرات ساحة للتطرف والضغينة بين ابناء الشعب الواحد، لذلك اذا كان المتظاهرون اصحاب حق، عليهم أن يتنبهوا الى الدسائس، وأن تبقى الوحدة الوطنية هي الفنار العالي الذي ينظر اليه الجميع ويهتدي من خلاله الى الشاطئ الصحيح، ممثلا بالحفاظ على وحدة الشعب ووحدة البلاد ايضا، وعدم اتاحة الفرصة للمتصيدين بالماء العكر، كي يزيدوا من شحنات التنافر بين ابناء ومكونات الشعب الواحد.

ومن الواضح ان الكلام اعلاه مستل من واقع التظاهرات في دول عربية عديدة منها مصر وتونس والبحرين والعراق الذي يشهد حاليا تظاهرت متواصلة في المدن الغربية ترفع مطالب مشروعة جدا لا غبار عليها استنادا الى الروح الوطنية التي تنطلق منها التظاهرات، وبهذا فإن قيمة التظاهر هنا تصب في الجادة الصواب، ولكن هناك محاولات دس ايضا تشهدها هذه التظاهرات لتحقيق اهداف دول وجهات خارجية وداخلية، لا تروق لها وحدة الشعب العراقي العريق الذي تمتد جذوره الى آلاف الاعوام.

لذا علينا جميعا وأعني العراقيين اولا، أن نعرف اهمية قيمة التظاهرات، وأهمية سلميتها، وعدم لجوء المتظاهرين الى الاضرار بموارد البلد ودورته الاقتصادية التي تهم ملايين العراقيين في شماله ووسطه وجنوبه وشرقه وغربه، وان لا تتحول قيمة التظاهر الى عائق لتقدم البلاد بدلا من اهدافها الحقيقية التي تبتغي تقدم وتطور البلد من خلال تصحيح الاخطاء الحكومية بحق الشعب، وهكذا تصبح حالة التظاهر قيمة من قيم التقدم لا يمكن الاستغناء عنها، شرط سلميتها وعدم السماح باستخدامها كمعول لتهشيم الوحدة الوطنية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 23/كانون الثاني/2013 - 11/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م