الحكومة التركية... بين حقوق الأكراد والشعارات الزائفة

 

شبكة النبأ: سياسة الكيل بمكيالين هي السياسة السائدة في خطابات وقرارات الحكومة التركية كما يرى بعض المراقبين، ففي الوقت الذي تدعوا فيه الى مناصرة بعض الشعوب وتسعى الى تقديم يد العون لها في سبيل الخلاص من حكوماتها فأنها في ذات الوقت لاتزال تمارس أبشع أنواع الاضطهاد ضد بعض الأقليات التركية ومنه المكون الكردي المعارض، وبحسب بعض المصادر فان سياسة التهميش التي تتبع في تركيا قد بدأت من تأسيس وإعلان الجمهورية التركية الحديثة  حيث قام مصطفى كمال أتاتورك بتبني نهج سياسي خاص يلزم جميع الأقليات في تركيا بالانتماء للغة والثقافة التركية، وكانت من نتائج هذه السياسة منع الأقليات العرقية في تركيا ومنهم الأكراد من ممارسة لغاتهم في النواحي الأدبية والتعليمية و الثقافية ومنع الأكراد من تشكيل أحزاب سياسية وكان مجرد التحدث باللغة الكردية يعد جريمة جنائية في تركيا، قوبلت محاولات مصطفى كمال أتاتورك بمسح الانتماء القومي للأكراد بمواجهة عنيفة من قبل أكراد تركيا وقرر الأكراد والأقليات الأخرى بقيادة الزعيم الكردي سعيد بيران (1865 -1925) القيام بانتفاضة شاملة لنزع الحقوق القومية للأكراد و الأقليات الأخرى، وفي منتصف ابريل 1925 تم اعتقال سعيد بيران مع عدد من قادة الانتفاضة و نفذ حكم الاعدام فيه في 30 مايو 1925. وأثناء صراع الحكومة التركية مع حزب العمال الكردستاني تم تدمير ما يقارب 3000 قرية كردية في تركيا وتسببت الحكومة في تشريد 378,335 كردي من ديارهم. باعتبارهم أناس متمردين لايحق لهم العيش في هذه البلاد وهو ما يناقض أفعال وشعارات الحكومة التركية تجاه باقي القضايا في سوريا والعراق، وفي هذا الشأن قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ان حكومته لن تذعن للمتمردين الأكراد، وقصف الطيران التركي بكثافة معاقل حزب العمال الكردستاني في شمال العراق وسط مفاوضات للسلام بين انقرة والحركة المسلحة التي اغتيلت ثلاث من ناشطاتها في فرنسا ومن المقرر دفنهن في منطقة كردية في تركيا. واكدت مصادر عسكرية تركية ان الطائرات التركية قصفت اكثر من 50 موقعا للمتمردين الاكراد في شمال العراق، من دون الاشارة الى وقوع ضحايا.

والعملية العسكرية هي احدى اكبر العمليات في السنوات الاخيرة ضد اهداف للحزب الكردي في العراق. وتؤكد انقرة وجود حوالى الفي متمرد كردي على الاراضي العراقية على بعد اقل من 100 كلم من الحدود التركية التي يعبرونها بانتظام لشن عملياتهم. واكد نائب محلي كردي ان الغارات دمرت خمسة منازل في قرية من دون سقوط ضحايا. وتأتي هذه الهجمات بعد استئناف السلطات التركية حوارا مع الحزب فشل في عدة جولات سابقة في السنوات الاخيرة، في محاولة لحل نزاع ادى الى مقتل اكثر من 45 الف شخص منذ 1984.

وقد بدأت الاستخبارات التركية في كانون الاول/ديسمبر محادثات مع زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله اوجلان في مبادرة احيت الامال واثارت الانتقادات في آن في تركيا. ولم يلحظ رسميا اي اختراق منذ استئناف الحوار، لكن وسائل الاعلام التركية اشارت الى اتفاق الطرفين على مبدأ وقف اعمال العنف على مراحل الى جانب مبادرات سياسية لصالح الاكراد في تركيا.

وفي تاكيد لما اظهرته الضربات الجوية صرح رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ان القوات التركية ستواصل، سواء جرى حوار ام لا، حملتها على المتمردين. وكرر مؤخرا ان "العمليات العسكرية على حزب العمال الكردستاني ستتواصل طالما لم يلق الارهابيون السلاح". وتابع "ان التراجع ليس واردا". وفيما وسع الجيش التركي حجم ضرباته للحزب، استعد الاكراد في تركيا لتوجيه تحية اخيرة لثلاث ناشطات كرديات على علاقة بحركة التمرد تعرضن للاغتيال برصاصة في الرأس في باريس. ووصلت نعوش الضحايا الثلاث وبينهن ساكنة جانسز (55 عاما) وهي احدى مؤسسي حزب العمال الكردستاني العام 1978 ومقربة من اوجلان، الى ديار بكر، كبرى مدن جنوب شرق تركيا حيث الاكثرية من الاكراد.

وحتشد آلاف الاشخحاص يرفعون صور الناشطات الثلاث استقبل الجثامين لدى الخروج من مطار المدينة وسط هتافات "الشهيدات لا تمتن" او "انتقم حزب العمال الكردستاني". ونشرت اعداد كثيفة من الشرطة في محيط المطار لتجنب وقوع اي حادث. وحث اردوغان الاكراد على تجنب اي تجاوز بعد ان اعتبر اغتيال الناشطات بمثابة "تصفية حسابات" داخل حزب العمال الكردستاني او محاولة "لتخريب" عملية السلام. واكد رئيس بلدية البلدة عثمان بايدمير ان التجمع سيكون سلميا. وقال ان "موقف سكان ديار بكر سيتمثل في حماية اجواء السلام وعملية الحوار ان الشعب (الكردي) يعلم تماما كيف يعبر عن الحداد".

على المستوى الدبلوماسي اكدت انقرة ان علاقاتها مع فرنسا التي انتقدها اردوغان لما اعتبره تساهلا مع الحزب الكردي الذي يعتبره عدد من الدول منظمة ارهابية، لن تتأثر بهذه الاغتيالات. وصرح المتحدث باسم الخارجية التركية سلجوق اونال "سنواصل علاقاتنا مع فرنسا عبر جميع القنوات. هناك ارادة متبادلة لتطويرها مع وصول الادارة الفرنسية الجديدة" الى الحكم برئاسة فرنسوا هولاند. واضاف ان مبدأ زيارة هولاند الى تركيا العام 2013 لم يتغير. ودعا اردوغان هولاند الذي اكد انه كان يعرف احدى القتيلات الثلاث، الى توضيح ماهية هذه العلاقات والسلطات الفرنسية الى الكشف سريعا عن ظروف هذه الاغتيالات.

وقال علي غوكوت الاداري المحلي في حزب السلام والديموقراطية وهو التشكيل الكردي المشروع الرئيسي في البلاد الذي نظم التجمع ان "ساكنة كانت من الشخصيات التاريخية في الحركة (حزب العمال الكردستاني). ان مقتلها اثار فينا الما عظيما". ووضعت صور الناشطات الثلاث  وانقسمت اراء المتظاهرين حول عملية السلام الجديدة بعد فشل متكرر في السنوات الاخيرة. وقال جبري هيتشيلماز الفني 45 عاما "اضع الوشاح الابيض في رمز الى السلام. هذه الاغتيالات التي تستهدف السلام لم تقتل الامل بحل" للنزاع الكردي. واعرب عامل شاب رفض الكشف عن اسمه عن شكه في نوايا رئيس الوزراء التركي الاسلامي المحافظ رجب طيب اردوغان في انهاء اعمال العنف المستمرة منذ 1984 واسفرت عن مقتل 45 الف شخص.

وقال "يقول اردوغان انه يريد السلام لكنه يواصل قتل مقاتلي" حزب العمال الكردستاني، قبل ان يقاطعه متقاعد غاضب. وقال الرجل الذي رفض الكشف عن اسمه "لو اراد (اردوغان) السلام لما ارسل 25 طائرة مقاتلة لقصف جبل قنديل" في شمال العراق حيث تتمركز القيادة العسكرية لحزب العمال الكردستاني. وشن الطيران التركي في الفترة الأخيرة غارات اعتبرت الاكثر كثافة في السنوات الاخيرة على مواقع الحزب في شمال العراق. بحسب فرانس برس.

ودعا المتحدثون الذين خطبوا في الحشد الى المحافظة على "الشجاعة والصبر" من اجل وقف اعمال العنف. وقال نائب رئيس حزب السلام والديموقراطية صلاح الدين دميرتاش ان "الشعب الكردي اثبت اليوم انه يريد السلام". واضاف "ان الحركة الكردية لم تبتعد عن السلام. هذا الشعب يؤيد المفاوضات" داعيا اردوغان الى الاختيار بين الحرب والسلام. وقال دميرتاش ان "اردوغان غير واضح" مضيفا ان الغارات التركية على حزب العمال الكردستاني في العراق ادت الى مقتل سبعة من دون اضافة تفاصيل. وحث اردوغان الاكراد على تجنب اي تجاوز بعد ان اعتبر اغتيال الناشطات بمثابة "تصفية حسابات" داخل حزب العمال الكردستاني او محاولة "لتخريب" عملية السلام. وبدأت الاستخبارات التركية في كانون الاول/ديسمبر محادثات مع زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون في مبادرة احيت الامال واثارت الانتقادات في آن في تركيا.

أوجلان يطالب

الى جانب ذلك نقل أخو عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون في تركيا عنه مطالبته الشرطة الفرنسية بحل قضية مقتل ثلاث ناشطات كرديات بسرعة لكنه لم يشر إلى ما إذا كان ذلك سيفسد محادثات سلام حديثة بينه وبين مسؤولين أتراك.  وقال محمد أخو اوجلان الأصغر والذي زاره في سجنه بجزيرة إمرالي قرب اسطنبول إن أوجلان لم يعقب على عملية السلام لكنه ربما يدلي ببيان في وقت لاحق إذا زاره زعماء سياسيون أكراد.

وبدأ الحوار الذي تقول تقارير إعلامية إنه أسفر عن وضع إطار لإجراء مفاوضات كاملة بعد أن دعا اوجلان المئات من سجناء حزب العمال الكردستاني إلى إنهاء إضراب عن الطعام في نوفمبر تشرين الثاني الماضي. ونقل أخوه محمد هذه الدعوة بعد زيارة سابقة له. وقال محمد أوجلان للصحفيين لدى عودته من إمرالي "كان حزينا للغاية من المذبحة التي وقعت في فرنسا. وبعث تعازيه لأسر الكرديات القتيلات الثلاث." بحسب رويترز.

وظل أوجلان في سجن انفرادي بعد اعتقاله عام 1999. وما زال الاتصال به يخضع لرقابة شديدة ولم يقابله محاموه منذ 16 شهرا. وطالب ساسة أكراد بتحسين ظروف سجنه. وقال اردوغان إن مثل تلك التغييرات ستكون محدودة لكنه سيسمح له بوجود تلفزيون في زنزانته.  واصبح بامكان زعيم حزب العمال الكردستاني مشاهدة التلفزيون في زنزانته لاول مرة منذ اعتقاله قبل 14 عاما، بحسب ما افاد مسؤول تركي. وصرح وزير العدل سعد الله ارغين للصحافيين ان اوجلان "لا يحصل على بث خاص بل تتوفر لديه نفس القنوات المتوفرة في الزنزانات الاخرى". وقال ان اوجلان طلب جهاز تلفزيون اضافة الى جهاز الراديو المسموح له باستخدامه في زنزانته في سجنه في جزيرة ايمرالي قرب اسطنبول.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/كانون الثاني/2013 - 9/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م