سوريا... قتال حتى الرمق الاخير

 

شبكة النبأ: مع استمرار القتال في سوريا التي أصبحت اليوم مركز مهم لجذب الجماعات الإرهابية المسلحة من مختلف أنحاء العالم تحت غطاء الجهاد ونصرة الشعوب، لايزال الكثير من المراقبين يشكك بقدرة المجتمع الدولي على إنهاء هذا الصراع الذي خرج عن سيطرة الجميع بما فيها الدول الداعمة للمجاميع المسلحة من دون قرار أممي خاص يضمن سيادة وامن سوريا بحسب قولهم، مؤكدين في الوقت ذاته على ان التطورات الجديدة والمبادرات المعلنة من قبل بعض الدول ومنها روسيا والتي تخلت عن بعض مواقفها السابقة وهي الحليف الأول لسوريا، ربما ستكون غير مقنعة لكونها مبادرات منقوصة قد ترفضها بعض الأطراف وهو ما سيسهم بتعقيد الأمور، وفي هذا الشأن فقد دعت موسكو الى البدء بعملية انتقالية سياسية في سوريا مؤكدة في الوقت عينه رفضها اي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية السورية، وذلك غداة لقاء أميركي روسي مع الأخضر الإبراهيمي المبعوث الدولي الى هذا البلد الغارق في نزاع مدمر منذ 22 شهرا. وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان "برأينا ان الأولوية هي لوقف فوري لكل أعمال العنف وإراقة الدماء وإرسال المساعدات الإنسانية الى السوريين بمن فيهم النازحون واللاجئون". وأضافت انه "في الوقت عينه يجب إطلاق عملية انتقالية سياسية في سوريا يكون هدفها تضمين القانون المساواة في الحقوق المكفولة لكل المجموعات الاتنية والطائفية في هذا البلد".

وتابع البيان "كما في السابق، نحن نشدد بكل حزم على ان المسائل المتعلقة بمستقبل سوريا يجب ان يعالجها السوريون أنفسهم، بلا تدخل خارجي وبلا وصفات حلول جاهزة". وتأتي التصريحات غداة اجتماع استغرق خمس ساعات بين الإبراهيمي ومساعد وزيرة الخارجية الاميركية وليام بيرنز ونائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في مقر الامم المتحدة في جنيف. وبعد الاجتماع قال الأخضر الإبراهيمي متحدثا باسم الثلاثة "شددنا مجددا على انه من وجهة نظرنا لا حل عسكريا للنزاع".

وأضاف الإبراهيمي "شددنا كذلك على ضرورة التوصل الى حل سياسي قائم على بيان جنيف" في 30 حزيران/يونيو الماضي، و"الضرورة العاجلة لوقف اراقة الدماء والدمار واعمال العنف". ونص اتفاق مجموعة العمل حول سوريا (الدول الخمس الكبرى وتركيا ودول من الجامعة العربية) في جنيف على تشكيل حكومة انتقالية بكامل الصلاحيات التنفيذية، من دون التطرق الى مصير الرئيس بشار الاسد.

وبشأن مصير الاسد، قال الابراهيمي ان الاطراف الثلاثة اتفقوا على ان عبارة "كل الصلاحات التنفيذية تعني كل صلاحيات الدولة" من دون توضيح، ما يمكن ان يعني ان ذلك سينزع عمليا كل الصلاحيات التي يتمتع بها الأسد. واكدت موسكو من جديد دعمها لمهمة السلام التي يقوم بها الابراهيمي واستمرار المحادثات الثلاثية. كما اعادت التأكيد على دعمها لخطة جنيف في 30 حزيران/يونيو والتي تنص على تشكيل حكومة انتقالية تجمع كل اطراف النزاع.

وقالت وزارة الخارجية "ننطلق من واقع ان هذه الوثيقة التوافقية تبقى صالحة والطريق الوحيد لتجاوز الازمة". والاجتماع هو الثالث بين الاطراف الثلاثة، بعد اجتماع اول بين وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون ونظيرها الروسي سيرغي لافروف والابراهيمي في دبلن في السادس من كانون الاول/ديسبمر الماضي. وفي التاسع من الشهر نفسه، استضافت جنيف لقاء ثانيا بين بيرنز وبوغدانوف والابراهيمي. بحسب فرنس برس.

وعشية الاجتماع الثالث اتهمت سوريا الابراهيمي "بالانحياز" وشككت في بقائه وسيطا دوليا. وفي بيان منفصل، اشارت الخارجية الروسية الى ان بوغدانوف التقى في جنيف وفدا سوريا بقيادة المعارض ميشال كيلو. وقالت الوزارة انهما "يتقاسمان الرأي بان المهمة الاولى هي وقف اعمال العنف فورا وبدء حوار وطني" بموجب بيان جنيف. وتعهد بوغدانوف بمواصلة "الاتصالات بوتيرة حثيثة" مع الحكومة السورية والمعارضة.

النزاع في سوريا

في السياق ذاته قال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ ان على القوى العالمية رفع مستوى استجابتها للنزاع في سوريا في حال تفاقم العنف، مؤكدا من ان جميع الخيارات مطروحة للبحث. وجدد هيغ التاكيد على ان بريطانيا ستسعى الى تعديل الحظر الذي يفرضه الاتحاد الاوروبي على وصول الاسلحة الى سوريا عند مراجعته في الاول من اذار/مارس للسماح بتسليح المقاتلين المعارضين لنظام الرئيس السوري بشار الاسد.

وفي جلسة لمجلس العموم قال هيغ ان بريطانيا تدعم جهود المبعوث الدولي لسوريا الاخضر الابراهيمي لانهاء العنف المستمر منذ 22 شهرا في سوريا، وكشف انه سيزور لندن في وقت لاحق لاجراء محادثات. الا انه حذر من ان هنالك خطر حقيقي في تفاقم العنف في الاشهر المقبلة". واضاف "اذا حدث ذلك سيكون على المجتمع الدولي رفع مستوى استجابته للوضع". واضاف "ولذلك فاننا لا نستبعد اي خيار لانقاذ حياة المدنيين وحمايتهم في غياب انتقال سياسي في سوريا". وقال "سنضمن ان تكون جهودنا قانونية وان تهدف الى انقاذ حياة الناس وتحقيق الانتقال السياسي وتشجيع القوى السياسية المعتدلة في سوريا".

واكد هيغ على ان بريطانيا ستسعى الى تعديل الحظر المفروض على وصول الاسلحة الى طرفي النزاع في سوريا. وقال "لم يتم اتخاذ اية قرارات بعد حول تغيير الدعم الذي نقدمه للائتلاف الوطني السوري او للشعب السوري". واضاف "لكن الدول الاوروبية اكثر مرونة الان للتفكير في اتخاذ خطوات اضافية لمحاولة انقاذ حياة الناس اذا لم يحدث اي تقدم في المستقبل القريب".

واشار الى "ان النتيجة الافضل بالتاكيد بالنسبة للشعب السوري هي تحقيق نجاح دبلوماسي ينهي اراقة الدماء ويؤسس لحكومة سورية جديدة قادرة على استعادة الاستقرار". وتابع "لكن يجب ان نبقي خياراتنا مفتوحة للمساعدة على انقاذ حياة الناس في سوريا ومساعدة الجماعات المعارضة في حال تواصل العنف". وقال "يجب ان نرسل مؤشرات قوية الى الاسد بان جميع الخيارات مطروحة. لذلك سنسعى الى تعديل العقوبات الاوروبية حتى لا تكون امكانية تقديم المزيد من المساعدة مغلقة امامنا".

على صعيد آخر دعا ما يسمى الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية المجتمع الدولي الى تسليم مقعدي سوريا في جامعة الدول العربية والامم المتحدة الى الائتلاف. واكد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ان بلاده ستقدم "كل الدعم اللازم" للمعارضة "شرط الا يجد الارهاب مكانا له وان يستبعد من كل العملية". واعتبر ان سقوط النظام "حتمي"، داعيا الى "الاستعداد لما بعد الاسد مع مطلب الا يتم تجاهل اي من المجموعات التي تشكل وحدة الشعب السوري وافكر خصوصا بالمسيحيين والعلويين". وسبق للامم المتحدة التحذير من ان النزاع السوري بات "طائفيا" ويهدد الاقليات.

من جهة اخرى، اعلنت مفوضية العليا للاجئين التابعة للامم المتحدة ان عدد اللاجئين السوريين الى الدول المجاورة وشمال افريقيا ارتفع باكثر من 100 الف لاجىء الشهر الماضي، ليتجاوز عتبة 600 الف شخص. واستنادا الى المفوضية، يبلغ عدد اللاجئين المسجلين 612 الفا و134 شخصا، في مقابل 509 الاف و550 في الحادي عشر كانون الاول/ديسمبر الماضي. واعلنت السعودية ارسال "مساعدات اغاثية طارئة" بقيمة عشرة ملايين دولار الى النازحين السوريين في الاردن الذي يستضيف اكثر من 176 الف لاجىء سوري.

وادت اعمال العنف في مناطق سورية مختلفة الى مقتل 62 شخصا في حصيلة غير نهائية، بحسب المرصد الذي اشار الى ان من بين القتلى "عميدا استهدفت سيارته بتفجير فجر اليوم" في شارع الثورة في دمشق، من دون توافر تفاصيل اضافية. ودارت اشتباكات في شارع الثلاثين على اطراف مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في جنوب دمشق، مع استمرار القصف والاشتباكات في مناطق واسعة محيطة بها، بحسب المرصد. بحسب فرنس برس.

ومن القتلى مدير مكتب طوارئ الكهرباء في ضاحية جرمانا جنوب شرق دمشق، جراء سقوط قذيفة هاون على مكتبه، من جهتها، قالت وكالة الانباء الرسمية السورية (سانا) ان "ارهابيين" استهدفوا بقذائف الهاون مكتب الطوارئ ومحطة تحول الكهرباء في جرمانا "ما ادى الى استشهاد واصابة ثلاثة من العاملين" فيه.

السائح المعمر

الى جانب ذلك واصل الاعلام السوري انتقاده للمبعوث العربي والدولي الاخضر الابراهيمي، واصفا اياه ب"السائح المعمر" الذي "تصفر يداه من اي انجاز" بعد مرور اشهر على تكليفه بحل الازمة السورية. وجاء ذلك غداة كشف صحيفة "الوطن" السورية القريبة من السلطات ما جرى في الاجتماع الاخير بين الابراهيمي والرئيس السوري بشار الاسد وفيه ان هذا الاخير أنهى الاجتماع بعد ان "تجرأ" موفد جامعة الدول العربية والامم المتحدة على سؤاله عن مسالة الترشح الى الانتخابات الرئاسية العام 2014.

وكتبت صحيفة "الثورة" الحكومية "لا يشبه الأخضر الابراهيمي في مهمته كمبعوث أممي للأزمة في سوريا سوى سائح معمر حظي برحلة ترفيهية حول عواصم العالم". واضافت "اما أن يكون الإبراهيمي قد حمل مهمته على محمل الجد والضمير.. فهذا ما بات اليوم موضع تساؤل وتندر.. خاصة أن يدي المبعوث تصفران من أي إنجاز بعد جرد لما يقارب العام من عمر مهمته إن لم تتلطخا بمحاولات إفشال الحلول السياسية المساهمة في الخروج من الأزمة في سوريا".

وقالت الثورة "اذا كان السلف كوفي عنان قد وضع خطة بست نقاط، فان الخلف الأخضر يحاول مسح أي نقطة في ورقة الحل السياسي ملوحا بأزمة دولية جديدة تتحول فيها مهمة المبعوثين الدوليين الى أداة ومطية بيد أطراف دولية". ورأت الصحيفة ان الابراهيمي "خرج عن مهمته ومنطقه وأمنيات السوريين"، مضيفة "ان لم يكن لديه خطة للحل فليدع السوريين يخطون مستقبلهم بأيديهم أو على الأقل ألا يعرقل حلولهم".

وكان الابراهيمي وصف طرح الرئيس السوري بشار الاسد للحل السياسي بانه "اكثر فئوية وانحيازا لجهة واحدة"، داعيا اياه الى "ان يؤدي دورا قياديا في التجاوب مع تطلعات شعبه بدلا من مقاومتها"، ما اثار حفيظة دمشق التي اعتبرت ان تصريحاته تظهر انحيازه "بشكل سافر". ويقوم طرح الاسد على ان توجه الحكومة الحالية دعوة الى مؤتمر وطني يصدر عنه ميثاق وطني يطرح على الاستفتاء، قبل تشكيل حكومة جديدة واجراء انتخابات برلمانية. ولم يتطرق الى احتمال تنحيه عن السلطة، وهو مطلب المعارضة والعديد من الدول الغربية.

واعتبرت صحيفة "الوطن" ان تصريحات الابراهيمي "ألقت الكثير من إشارات الاستفهام على دوره ووظيفته"، واصفة اياها بال"المشبوهة". وكانت الوطن نقلت عن مصادر موثوقة ان الابراهيمي "تجرأ في آخر لقاء مع الرئيس الأسد ليسأل عن مسألة الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو السؤال الأهم بالنسبة للابراهيمي وللدول التي تقف خلفه، فكان رد الرئيس ان آخر ما يهمه المناصب لكن أول شيء يهمه هو رغبة الشعب ومصلحة البلد". واضاف الاسد "لست قبطان السفينة التي عندما يشعر بأنها بدأت تهتز يهرب منها.

وقالت الصحيفة "الرجل بات مكشوفا لدى الرئيس الأسد وتصرفاته متوقعة"، مشيرة الى ان الابراهيمي "كذب خلال زيارته الى موسكو" بعد دمشق، وفي اجتماع جنيف (الاميركي الروسي مع الابراهيمي)، ما استدعى ردا روسيا صارما وقاسيا". وانتقدت صحيفة "البعث" الناطقة باسم الحزب الحاكم ايضا الابراهيمي الذي لم يشر الى "قرار الشعب السوري المستقل، لكنه يحدد في الوقت ذاته لهذا الشعب، من يشارك ومن لا يشارك في الحل". بحسب فرنس برس.

واشارت الصحيفة الى الزيارات التي قام بها المبعوث المشترك الى سوريا والتي "لم نسمع خلالها أنه أجرى استطلاعا ما للرأي أو زار محافظات أخرى ليطلع على آراء شرائح مختلفة من الشعب". ولفتت الى ان الابراهيمي اكتفى "بأصدقاء (السفير الاميركي في دمشق) روبرت فورد في الداخل والخارج" لحل الازمة السورية التي اودت بحياة 60 الف شخص منذ اندلاعها في منتصف اذار /مارس 2011.

الأسد وانتخابات 2014

من جهة أخرى قال نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد انه لا يمكن استبعاد اي مرشح بما في ذلك الرئيس السوري بشار الاسد من الترشح الى الانتخابات الرئاسية العام 2014، مشيرا الى ان هذه الانتخابات ستكون تعددية. وقال المقداد في حديث بالانكليزية ادلى به الى هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) من دمشق ردا على سؤال عن رغبة الاسد بالترشح الى الانتخابات المقبلة، "اين الخطأ في ذلك؟". واضاف ان "نظاما جديدا بقيادة الرئيس الاسد هو نظام يتمتع بالمصداقية، فلم استبعاده بشكل تلقائي؟".

وتابع ان "الرئيس والعديد من المرشحين الذين قد يتقدمون بترشيحاتهم سيتوجهون الى الشعب، سيضعون برامجهم وينتخب الشعب من بينهم". واكد ان "صندوق الاقتراع هو المكان الذي سيتقرر فيه مستقبل القيادة السورية". وقال المقداد "اننا نفتح الطريق امام الديموقراطية او امام ديموقراطية اكثر عمقا. في الديموقراطية، لا يطلب من شخص معين الا يترشح الى الانتخابات".

وسأل المقداد "ما الذي يفعله الغرب؟ ان الاستماع الى ما تعرضه المجموعات المسلحة وجهات معينة هو انقلاب".

وتطالب المجاميع المسلحة والدول الغربية برحيل الاسد تمهيدا لمرحلة انتقالية للسلطة في سوريا، فيما طرح الاسد في السادس من كانون الثاني/يناير "حلا سياسيا" للازمة القائمة في بلاده يقوم على عقد مؤتمر وطني باشراف الحكومة الحالية يتم فيه التوصل الى ميثاق وطني يطرح على الاستفتاء، وتلي ذلك انتخابات برلمانية وتشكيل حكومة جديدة. ولم يأت على ذكر تنحيه عن السلطة.

واعدت السلطات السورية دستورا تم الاستفتاء عليه في شباط/فبراير 2012 بعد حوالى سنة من بدء اعمال العنف ، وذلك في اطار اصلاحات حاولت من خلالها استيعاب الازمة غير المسبوقة. ويلغي الدستور الجديد الدور القيادي لحزب البعث القائم منذ خمسين عاما، وينص على "التعددية السياسية". كما ينص على ان الرئيس لا يمكن ان ينتخب لاكثر من ولايتين كل منها من سبع سنوات. لكن ذلك لا ينطبق على الرئيس الحالي الا اعتبارا من الانتخابات التي يفترض ان تجري في 2014.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 17/كانون الثاني/2013 - 5/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م